شؤون إسرائيلية

المشهد الإسرائيلي يونيو/حزيران 2022

د. عدنان ابو عامر

لتحميل التقرير اضغط هنا

  • مقدمة

ازدحم شهر يونيو/حزيران بأحداث إسرائيلية دسمة: سياسية وعسكرية – داخلية وخارجية، خصوصًا بالتزامن مع استقالة رئيس الحكومة، والدعوة لإجراء انتخابات مبكرة خامسة في نوفمبر، وسط تفاقم التهديدات والمخاطر حولها، لا سيما زيادة الهجمات الإسرائيلية ضد سوريا وتوسع رقعتها في قلب أراضيها، في ظل أحاديث إسرائيلية متزايدة عن التطبيع الوشيك مع السعودية، فضلًا عن خلاف إسرائيلي جديد حول تعيين قائد للجيش خلفاً للجنرال الحالي ”أفيف كوخافي“.

  • استقالة رئيس الحكومة

فاجأ رئيس الحكومة الإسرائيلية ”نفتالي بينيت“ الإسرائيليين عموما بإعلان استقالته في الثلث الأخير من يونيو، لتشكل حدثًا سياسيًّا وحزبيًّا مهمًا لعدة أسباب: أولها شخصيٌّ يتعلق به مباشرة؛ كونه قضى الفترة الأقصر في تاريخ رؤساء الحكومات الإسرائيلية، التي تجاوزت العام الواحد بأيام قليلة، رغم أنه لم يكن يتوقع أن يكون رئيسًا للحكومة في هذه السن التي لم تصل حينها خمسين عامًا. وقد حصل على عدد محدود من أعضاء الكنيست، لكنه استطاع ابتزاز شركائه في الائتلاف ليكون رئيس حكومة على الرغم من حوز حزبه على ستة أعضاء فقط من أصل 120، أي 5% فقط من العدد الإجمالي لأعضاء الكنيست.

أما ثاني هذه الأسباب يتعلق بأن هذه الحكومة التي ترأسها ”بينيت“ شكلت نموذجًا غريبًا وغير معهود في السياسة الإسرائيلية، لأنها جمعت بين دفتيها كل المتناقضات السياسية والأيديولوجية والشعاراتية، فقد تمثل فيها: أقصى اليمين مثل أحزاب ”يمينا ويسرائيل بيتنا وأمل جديد“مع أقصى اليسار ”مجازا“ مثل حزبي ”ميرتس والعمل“، وبينها الوسط المتمثل في ”أزرق-أبيض ويوجد مستقبل“. لكن المفاجأة الحقيقية في هذه الحكومة تمثلت بمشاركة نواب ووزراء عرب فيها بجانب هذه التشكيلة غير المتجانسة.

سبب ثالث يمنح هذه الاستقالة صفة الحدث الكبير، أنها زادت من حدة الانقسام السياسي والحزبي الاسرائيلي الداخلي المستمر منذ عام 2019، والدعوة لإجراء انتخابات مبكرة خامسة في نوفمبر، الأمر الذي يفتح الباب واسعا أمام مزيد من التشظي في الحلبة السياسية والحزبية الإسرائيلية، وعدم وجود ضمانات في قدرة الانتخابات القادمة على طي صفحة الانقسامات الإسرائيلية الجارية، بل قد تسفر عن مزيد من التشرذم بين مكوناتها، مع العلم أن هذه الانتخابات قد تعتبر الفرصة الأخيرة أمام زعيم المعارضة ”بنيامين نتنياهو“ للعودة الى الحياة السياسية، مما سيجعله أكثر شراسة في تحقيق هذا الهدف، بما يعنيه ذلك رفع مستويات التحريض البيني ضد مختلف الأحزاب والقوى السياسية، وشيوع الحالة المسماة في دولة الاحتلال ”حرب الكل في الكل“.

هنالك أيضًا سبب رابع يتعلق بهذه الاستقالة ألا وهو تزامنها مع ما تشهده دولة الاحتلال من تطورات أمنية وعسكرية لافتة ومتسارعة، سواء التوتر القائم مع الفلسطينيين وإمكانية اندلاع مواجهة عسكرية في أي لحظة مع المقاومة في غزة أو القلق الإسرائيلي مما يسمى ”اليوم التالي“ لغياب أبو مازن، وما قد تسفر عنه من تبعات ميدانية في الضفة الغربية عمومًا، فضلًا عن التصعيد الجاري على الجبهة الشمالية مع لبنان وسوريا، وقبل ذلك وبعده المخاوف الإسرائيلية المتزايدة بشأن البرنامج النووي الإيراني مع تعثر المفاوضات الجارية بين ايران والقوى العظمى.

كل هذه التطورات تستدعي وجود حكومة مستقرة في دولة الاحتلال، تستطيع اتخاذ قرارات مصيرية، وتتعامل مع تهديدات وتحديات حقيقية، وليست متوهمة، لكن هذه الحالة المترهلة من الأداء السياسي والحزبي قد تشجع أعداء إسرائيل في المنطقة على زيادة الاحتكاك بها ومحاولة تحديها وفرض الوقائع عليها، في ضوء تقديرها أن الأخيرة غير متفرغة لمعالجة هذه التهديدات، وتركز كل جهودها على مناكفاتها الداخلية وصراعاتها الحزبية.

الخلاصة أن استقالة ”بينيت“ وتولي ”يائير لابيد“ من بعده رئاسة الحكومة -ولو بشكل مؤقت لمدة 120 يومًا حتى إجراء الانتخابات القادمة- تجعل الساحة السياسية الإسرائيلية مقبلة على كل السيناريوهات: على رأسها استمرار الأزمة الحزبية والحكومية واستمرار الشلل في المنظومة السياسية، الأمر الذي يجعل منها -في نظر الكثير من الأوساط- واحدة من ”جمهوريات الموز“، وليس ”واحة الديمقراطية في غابة الدكتاتوريات العربية“ كما كانت تدعي دومًا.

  • التطبيع مع السعودية

لم يعد سرًّا أن الرئيس الأمريكي ”جو بايدن“ يحمل في جعبته خلال زيارته المقبلة للمنطقة في الأيام القادمة معالم صفقة في طور التشكل حول تطبيع وشيك بين السعودية ودولة الاحتلال، تحضيرا لما يقول إنه تأسيس لحلف دفاعي عسكري في المنطقة بزعم التصدي للدور الإيراني المتزايد فيها.

وقد مثَّل تواصل التسريبات الإسرائيلية تحديدًا استكمالا للصورة المتوقعة للصفقة المذكورة، لا سيما على صعيد مصالح الأطراف الثلاثة من هذه الصفقة. فتل أبيب تعتبر التطبيع مع الرياض (درة التاج) قياسًا بالتطبيع مع أبو ظبي والمنامة والرباط، وبما لا يقل عن التطبيع مع عمان والقاهرة؛ فالمملكة تمثل أكبر دول العالم الإسلامي من الناحية الدينية، وتضم داخلها أقدس مقدسات المسلمين، فضلًا عن كونها الدولة الأولى في العالم في تصدير النفط (السلعة التي من أجلها تراجع “بايدن” عن مواقفه العدائية تجاه المملكة) مما يعني استفادة إسرائيلية غير متوقعة من حجم الصفقات المتوقع إبرامها، وبجانب ذلك التقدير الإسرائيلي السائد بشأن تأثير الرياض على باقي الدول العربية في دفعها نحو التطبيع مع الاحتلال.

إن تم القفز عن كل هذه الفوائد الإسرائيلية من التطبيع مع السعودية، فيمكن الاكتفاء في كون هذه الصفقة تعمل على جرّ كبرى الدول العربية في مواجهتها القائمة مع إيران، سواء ما تعلق منها باستخدام الأجواء السعودية للطيران الإسرائيلي أو الاقتراب أكثر فأكثر من مياه الخليج. ومن يعلم فلعل التطلعات الدينية اليهودية المتعلقة بالأماكن الدينية في خيبر وبني النضير لها نصيب من هذا التطبيع، وهو ما لا يخفيه حاخامات اليهود، بل يعلنونه صباح مساء.

وعلى الصعيد السعودي تعتنق المملكة النظرية السائدة في العلاقات العربية الأمريكية خلال العقود الأخيرة، ومفادها أن الطريق الى واشنطن يمر عبر تل أبيب، مع وجود الكثير من الحقائق السياسية التي تفنِّد هذا الاعتقاد الموهوم. لكن السعودية التي ترى الولايات المتحدة تنسحب من المنطقة رويدا رويدا، بدءًا من العراق فأفغانستان وربما سوريا لاحقا، سينشأ عنه فراغ سياسي وعسكري كبير، قد ينجم عنه دخول قوى إقليمية ودولية في المنطقة لملئه، الأمر الذي جعلها ترى في إسرائيل بديلا عن الولايات المتحدة في التحالف معها لمواجهة المخاطر المحيطة بها، سواء من الحوثيين جنوبا أو الإيرانيين شمالا. فضلًا عن التصور السياسي الذي يتبناه العهد الجديد في المملكة ممثلًا بولي العهد الذي يُظهر انفتاحًا كاملًا على إسرائيل بعكس ما كان عليه الحال مع الآباء المؤسسين للمملكة.

ترى الولايات المتحدة من طرفها وهي تغادر المنطقة أن تبدو مطمئنة عليها، من خلال جمع أكبر حليفين لها في أحلاف واتفاقات أمنية وعسكرية ”علنية“ وبرعايتها، لذلك شكل التطبيع السعودي الإسرائيلي القاسم المشترك، ولعله الوحيد بين إدارة ”بايدن“ الحالية و”ترامب“ السابقة التي بادرت لعقد الاتفاقيات التطبيعية بين دولة الاحتلال وعدد من الدول العربية والخليجية، فضلًا عن قراءة أمريكية للسلوك السعودي الذي بات يرى في إسرائيل جهة سياسية جديرة بالتحالف أكثر من الولايات المتحدة التي تخلت عن النظم الدكتاتورية العربية مع انطلاق الثورات العربية، ومنذ ذلك الوقت بدأت الرياض تعيد النظر في علاقتها مع واشنطن، وإجراء استدارتها الاضطرارية نحو تل أبيب.

  • تصعيد مهاجمة سوريا

منذ أن شرع الجيش الإسرائيلي في مهاجمة سوريا منذ عام (2013) تحقيقًا لاستراتيجية ”المعركة بين الحروب“ بهدف ضرب القواعد الإيرانية وشحنات الأسلحة المتجهة الى حزب الله في لبنان، باتت الأجواء السورية مستباحة أمام الطائرات والمدفعية الإسرائيلية دون توقف، وتخلل ذلك سقوط العشرات من الجنود السوريين والمقاتلين الإيرانيين، فضلًا عن تدمير مئات القواعد والمواقع العسكرية، وضرب مئات قوافل الأسلحة الواصلة من طهران الى بيروت مرورًا بدمشق، كل ذلك دون أن يتم الرد على إسرائيل مرة واحدة من قبل سوريا أو إيران بصورة جدية تكبح جماحها.

لكن التطور الأكثر خطورة في الأسابيع الأخيرة ما شهده شهر يونيو من استهداف إسرائيلي لمطار دمشق الدولي وتعطيله عن العمل للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة السورية في 2011، عقب استهداف مدرجاته لإعاقة هبوط طائرة إيرانية محملة بوسائل قتالية متطورة كانت في طريقها إلى الحزب، مما أفسح المجال والتكهن برد فعل سوري إيراني ضد إسرائيل بسبب هذا العدوان الفج والسافر الذي استهدف أحد معالم الدولة السورية، حتى أن أوساطًا عسكرية إسرائيلية لم تكتف بذلك بل هددت سوريا باستهداف موانئها البحرية في اللاذقية وطرطوس بعد ضرب المطار.

ومن اللافت أن هذا العدوان الإسرائيلي المتواصل (الذي ارتفعت مستوياته في الأسابيع الأخيرة كمًّا ونوعًا) تزامن مع التوتر الإسرائيلي الروسي بسبب الموقف من الحرب الأوكرانية، وبعد أن كان متوقعًا أن تُعاقِب موسكو ”تل أبيب“ بسبب رفضها لغزو أوكرانيا انسجامًا مع الموقف الغربي، فقد زادت الهجمات الإسرائيلية بصورة لافتة دون أن يصدر عن الروس رفض حقيقي لها باستثناء إدانات إعلامية شكلية، مع أن لديهم من الوسائل والإمكانيات العسكرية الكفيلة بمنع الطيران الإسرائيلي من التحليق في الأجواء السورية، لكنهم لم يفعلون.

إن الإسرائيليين يدركون جيدا تعقيد المعادلة في سوريا، ويحاولون استغلال هذا التعقيد لمصلحتهم، فالروس يعارضون الوجود الإيراني في سوريا، ويعتبرون أنهم أصحاب القول الفصل فيها، لأنه لولاهم لما استطاع النظام السوري البقاء حتى اللحظة بعد أن اقتربت المعارضة السورية المسلحة من مشارف دمشق حتى تدخل الطيران الروسي لإنقاذه، ورغم ما بذله الإيرانيون من جهود مالية وعسكرية كبيرة، لكنهم لم يستطيعوا ذلك إلا بعد وصول موسكو إلى دمشق.

وهذا يعني أن الاحتلال الإسرائيلي سيواصل ضرباته ضد المواقع الإيرانية في سوريا، رغم التوتر في العلاقة مع روسيا، لكن يمكن القول أن اتفاق تل أبيب مع موسكو على طرد الوجود الإيراني من سوريا مسألة استراتيجية، في حين أن خلافهما حول الموقف من الحرب الأوكرانية مسألة تكتيكية.

  • التحضير لخلافة كوخافي

في الوقت الذي تواجه فيه دولة الاحتلال أزمة سياسية حزبية حكومية مستعصية دون وجود أفق لحلِّها في المدى المنظور، فقد انعكست بعض آثارها على المستوى العسكري والأمني، لأن هذه الأزمة تزامنت مع بدء التحضير لاختيار قائد جديد لجيش الاحتلال خلفًا للجنرال ”أفيف كوخافي“ الذي ينهي أربع سنوات في منصبه في يناير المقبل، مما أثار جدلًا سياسيًا وعسكريًا وقانونيًا، على اعتبار أن المرحلة الانتقالية لحكومة مؤقتة لا ينبغي أن يتم فيها اختيار موقع رفيع المستوى في الدولة لتعيين الجندي الأول في جيش الاحتلال، مع أن هناك ثلاثة جنرالات مرشحين لهذا المنصب، وهم: آيال زامير – هارتسي هاليفي – يوئيل ستريك.

سياسيًّا تعتقد المعارضة الإسرائيلية التي يقودها ”بنيامين نتنياهو“ أن وزير الحرب ”بيني غانتس“ في عجلة من أمره لتعيين خليفة لـِ ”كوخافي“ يكون منسجمًا مع توجهاته العسكرية وآرائه السياسية، حيث تتجه نظرته إلى ”هاليفي“ الذي عمل تحت إمرته حين كان ”غانتس“ قائدًا للجيش، في حين لا يُخفي ”نتنياهو“ أن خياره الأسبق قبل ”كوخافي“ كان ”زامير“، لكن وزير الحرب السابق ”أفيغدور ليبرمان“ سارع لتعيين ”كوخافي“ مستغلا وجود ”نتنياهو“ في فرنسا، ولذلك تسعى المعارضة لإرجاء هذا التعيين حتى تشكيل الحكومة القادمة، على أمل أن تنتقل إلى سدة الحكم، وبذلك يحقق ”نتنياهو“ لجنراله المفضل وصوله لذلك المنصب.

عسكريًّا لا يفضل ”كوخافي“ تعيين خلف له قبل ستة أشهر على مغادرة موقعه الأكثر حساسية في الدولة، على اعتبار أن خروج الدخان الأبيض لقائد الجيش الجديد يعني وجود قائدين للجيش في الوقت ذاته: حالي ولاحق، مما قد يسرق منه الأضواء من جهة، لا سيما أنه لم يحقق إنجازات عسكرية حقيقية يستطيع المفاخرة بها حين يخلع بزته العسكرية، وربما قد يكون كوخافي قرأ المشهد السياسي الحزبي جيدًا، وقدّر أن الانتخابات المقبلة لن تسفر عن حكومة مستقرة، وبالتالي فقد يتم التمديد له إلى إشعار آخر.

قانونيًّا ألمحت المستشارة القضائية للحكومة المحامية ”غالي باهراف ميارة“ أن بإمكان ”غانتس“ المضي في مسألة تعيين خلف لـِ ”كوخافي“ حتى في ظل الحكومة الانتقالية، مما جلب عليها غضب المعارضة اليمينية التي هددت علانية بأنها ستقصيها عقابًا لها على هذه الموافقة، لأنها تطعن في شرعية موقفها القانوني، بل تعتبرها تواطؤًا منها مع ”غانتس“.

  • خاتمة

يتضح مما سبق أن الحلبة السياسية والحزبية الإسرائيلية ستدخل طورًا جديدًا من الأزمات الداخلية المتفاقمة، مع الإعلان عن تنظيم جولة انتخابات مبكرة خامسة خلال أربع سنوات، وهو ما لم يتكرر خلال أكثر من سبعين عامًا على إنشائها، في الوقت ذاته تتوفر المزيد من المؤشرات الميدانية الدالة على إمكانية خوض الاحتلال لمواجهة عسكرية مع واحدة من الجبهات العسكرية المتوترة بالأساس: قطاع غزة جنوًبا – لبنان وسوريا شمالًا – إيران شرقًا، فضلًا عن نتائج الحرب الدائرة في أوكرانيا وتبعاتها المتوقعة على صعيد العلاقات مع روسيا، بجانب الأحاديث المتواترة عن اتساع رقعة التطبيع مع السعودية، وما يقال عن إنشاء حلف دفاعي عسكري في المنطقة لدمج الاحتلال فيه.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى