تقاريرشؤون إسرائيلية

مؤتمر هرتسيليا: العرب حاضرون.. نتنياهو والسلام غائبون

  عُقد في "إسرائيل" خلال يومي 14 و16 حزيران 2016، مؤتمر هرتسيليا السنوي، بمشاركة العديد من النخب الإسرائيلية والعالمية، تحت شعار "أمل إسرائيلي رؤيا أم حلم"، وقد انطلق المؤتمر من بيت الرئيس الإسرائيلي رؤوبن ريبلين والذي دعا -وفق رؤيته قبل عام- أن يُعقد المؤتمر لبلورة هوية إسرائيلية جديدة في "دولة إسرائيل اليهودية والديمقراطية"، لصياغة هوية مشتركة للطوائف الأربع وفق تقسيم ريبلين وهي: العلمانيون، والمتدينون الصهاينة، والحريديم، والعرب. وقد دعا ريبلين إلى ضرورة بلورة الهوية المشتركة تحت السقف الإسرائيلي، على أن يتحمل العرب والحريديم كطائفتين غير صهيونيتين جزءًا من العبء القومي لضمان المساواة التامة داخل الدولة.

تعريف بمؤتمر هرتسيليا 

  مؤتمر هرتسيليا، وعنوانه الكامل "مؤتمر هرتسيليا لميزان الحصانة والأمن القومي"، هو مؤتمر سنوي ينظمه منذ العام 2000 معهد السياسات والإستراتيجية في هرتسيليا، وتُطرح في المؤتمر المواضيع ذات الصلة بالأمن القومي الاسرائيلي، والوضع الداخلي الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ويستضيف المؤتمرُ –عادة- شخصيات حكومية وأكاديمية بارزة في نطاق الخارجية والأمن والاقتصاد والمجتمع في "إسرائيل"، ومن دول أجنبية كذلك، ويَحْضُرُ المؤتمرَ بشكل سنوي رئيس الدولة الإسرائيلي، ورئيس الوزراء (والذي لم يحضره لهذا العام)، ورئيس هيئة الأركان، ويدعا العشرات من الشخصيات الدبلوماسية من دول مختلفة لها علاقات أو مصالح مع "إسرائيل".
    ويناقش المؤتمر عادة المواضيع التالية:

  1. التغيرات الإستراتيجية في الساحة العالمية.
  2. تجديد وقوة الجيش الإسرائيلي.
  3. العلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة والناتو والاتحاد الأوروبي.
  4. العلاقات الخارجية الإسرائيلية ومنظومة الإعلام الإسرائيلي.
  5. مواجهة التحديات الأمنية.
  6. الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
  7. الانعكاسات الاقتصادية في المنطقة على "إسرائيل".
  8. العلاقات مع الدول العربية.
  9. الواقع التعليمي والاقتصادي في "إسرائيل".
  10. واقع القيادة في "إسرائيل" والجيل القادم ودوره في القيادة.
  11. الهوية اليهودية لـ "إسرائيل"، وشكل الدولة من الناحية الاجتماعية.
  12. مستقبل النقب ومدينة القدس.

المواضيع التي ركز عليها المؤتمر السادس عشر

  ركز مؤتمر هرتسيليا لهذا العام على العديد من القضايا التي تَمَسُّ ذروة النقاش المجتمعي والسياسي والأمني في المرحلة الحالية، وكان على رأسها، ضرورة العمل على اندماج كافة أطياف مكونات الدولة تحت قبتها دون تمييز، وكذلك قضية الدعم الأمريكي لـ "إسرائيل"، بالإضافة إلى الوضع الأمني الذي تعيشه "إسرائيل" في ظل المتغيرات في المنطقة، علاوة على ذلك فقد شهد المؤتمر سباقًا في طرح العديد من الشخصيات الإسرائيلية نفسها كبديل مقبل لنتنياهو، ولم يَخُلُ المؤتمر أيضًا من الحضور العربي الذي اعتَبَر نفسه واقفًا على الحياد ما بين "إسرائيل" والشعب الفلسطيني.

أمل إسرائيلي مشترك أم "فرن صهر" جديد

 افتتح الرئيس الإسرائيلي رؤوبن ريبلين قائمة المتحدثين في المؤتمر، وقد عبَّر ريبلين عن قلقه الكبير لما آلت إليه العلاقات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي، معتبرًا أن الحلّ يكمن في اعتراف كافة أطياف الشعب الإسرائيلي بخصوصية الآخر، ولا يجب أن نتوقع أن يتحول كل السكان إلى صهاينة، وأن يكون هناك مساواة تامة بين كافة مكوناته والتي قسمها ريبلين إلى أربعة طوائف: (العلمانيين، والمتدينين الصهاينة، والحريديم وهم متدينون غير صهاينة، والعرب)، وأقرّ ريبلين أن المسألة وإن بدت صعبة ولكنها ليست مستحيلة وإن كانت تحتاج إلى الكثير من الوقت. 

   تطلّعات الرئيس الإسرائيلي، أكدها الكثير من المتحدثين وإن كان بعين الشك، فنفتالي بنت وزير التعليم وزعيم البيت اليهودي (حزب متدين صهيوني) أشار إلى أنه ليس من المعقول بعد 100 عام من تأسيس الصهيونية وسبعين عامًا من تأسيس الدولة أن يكون هدفنا فقط البقاء، مضيفًا أنه من واجبنا أن نورث الجيل القادم:

  1. صهيونية مؤسسة على اليهودية.
  2. القناعة بأن الشعب اليهودي نور لكل العالم كما كان قبل 3000 عام.

مشيرًا إلى أنه كوزير لا يمارس العنصرية، بل يعتبر نفسه وزيرًا لكافة الطلاب الإسرائيليين بعيدًا عن اللون والدين وبلد المنشأ، وقد ألمح خلال كلامه أنه لا يوجد تمييز تعانيه دولة "إسرائيل"، مؤكدًا أنها دولة يهودية يجب على كافة سكانها احترام خصوصيتها.

  إلا أن الرد على كلام بينت والتعقيب على كلام ريبلين لم يتأخر، فقد أكد أريه درعي زعيم شاس الشرقي (حريديم) أن "إسرائيل" تحتاج إلى الوحدة وليس الصهر (الدمج)، إذ يجب أن تكون وحدة الإسرائيليين -وفق درعي- على أساس إقرار كل طرف بخصوصية الآخر. وفي تعليقه على كلام نفتالي بنت، تحدث درعي -متهكمًا- بأن بنت يريد أن يستفيد من الموروث الشرقي، لكنه لا يريد الإقرار بما حلّ بالشرقيين من ظلم منذ قيام الدولة. وحول العرب قال درعي "نحن نحتاج إلى العمل وليس فقط الشعارات، العرب يريدون الاندماج، وعلينا البحث عن المشترك".

  أيمن عودة رئيس القائمة العربية المشتركة، كان من بين المتحدثين، وتساءل قائلاً "أنا اسمع هنا عن أحداث مرّ عليها 3000 عام (في إشارة إلى نفتالي بنت) لكن ماذا عن الأحداث التي حدثت قبل 60 عامًا، عليكم الإقرار بما حلّ بالشعب الفلسطيني، وأن تلتزموا بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل".

  وحول العدالة المرجوة تحدث عودة، معتبرًا أن العنصرية الإسرائيلية تمنع الاندماج، معللاً ذلك بالعديد من الأمثلة، حيث قال إن دولة "إسرائيل" بَنَت 700 قرية لليهود مقابل 0 للعرب، مضيفًا "هل هذا الاندماج الذي تتحدثون عنه؟!"، مختتمًا كلامه باعتبار أن القومية هي أصعب التحديات.

  اختتمت زهابا جلاؤون زعيمة حزب ميرتس اليساري المتحدثين حول قضية الاندماج، مؤكدة موافقتها على التقسيم لأربع طوائف، مشيرة إلى أن المتحدثين تناسوا جمهورًا خامسًا، وهو الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، تسيطر عليه "إسرائيل" منذ 50 عامًا، "فطبيعة حياتهم بالتأكيد ستؤثر على طبيعة حياتنا كإسرائيليين"، كما قالت. 

 وفي ختام اليوم الأول من المؤتمر، وحول قضية الطوائف الأربع، قَدَّمت لجنة مشتركة توصيات إلى رئيس الدولة للتغلب على العقبات التي تفصل بين المكونات الأربعة لـ "إسرائيل"، كان أبرزها:

  1. العمل على تحديد عيد مشترك يجمع الجميع يهودًا وعربًا، شبيه بعيد الأعياد الذي يقام سنويًّا في حيفا في شهر كانون أول ويجمع الديانات الثلاث. 
  2. العمل على الحفاظ على الهوية المشتركة في مؤسسات التعليم، والمساواة في الميزانيات بين العرب واليهود.
  3. تطوير المساواة في المنظومة الصحية وغيرها.
  4. العمل على مساواة اقتصادية بين العرب واليهود، وتوزيع الموارد بالتساوي.
  5. إقامة مؤسسات حكومية في المناطق المشتركة وفي المناطق البدوية، وإشراك العرب بشكل فاعل في اتخاذ القرار.

الأمن القومي الإسرائيلي

كان الوضع الأمني أحد أبرز الملفات الحاضرة في مؤتمر هرتسيليا، وقد كانت الجبهة الداخلية الإسرائيلية (المناطق والسكان داخل "إسرائيل") حاضرة في حديث اللواء هرتسي هلفي رئيس قسم المخابرات في الجيش الإسرائيلي، الذي اعتبر أنها ستتعرض لخطر كبير في حال أي مواجهة قادمة، إذ قال هلفي، إن حرب عام 1973 لم تشهد إلا سقوط قتيل واحد في الجبهة الداخلية، ولكن الوضع حاليًّا مختلف، ورغم أن "إسرائيل" ما زالت الأقوى بحسب هلفي، إلا أنها ستعاني في حال حدوث مواجهة مقبلة على صعيد الجبهة الداخلية.

  وفي حديثه عن حزب الله وحماس، قال هلفي إن حزب الله اللبناني تلقى درسًا قاسيًا خلال الحرب عام 2006، وإن "إسرائيل" وحزب الله لا تمانعان الآن فترة هدوء أخرى تستمر لعشر سنوات، مضيفًا أنه في حال حدوث حرب فإن الضرر الأكبر سيكون عند الطرف الآخر (لبنان) الذي سيتحول وفق هلفي إلى دولة لاجئين. وحول التحدي الأمني في الجنوب قال هلفي، إن حماس تعاني من أزمات اقتصادية يجب أن تستمر، وعلى "إسرائيل" العمل لمنع حماس من التسلح.

من جانبه قال يسرائيل كاتس، عضو الكنيست والوزير عن حزب الليكود، إن بقاء الأوضاع على حالها مع غزة أمر غير محتمل، حيث قدم كاتس رؤية للحل مفادها، بأن تقوم "إسرائيل" ببناء جزيرة بعيدة عن قطاع غزة، يتم إنشاء ميناء فيها كمرحلة مؤقتة، يليه مطار، على أن يكون ذلك تحت إشراف ورقابة دولية، لأنه من غير الممكن وفق كاتس أن يبقى 2 مليون إنسان في سجن كبير، "فمن الممكن أن تجلب لنا هذه الفكرة أمنًا وفترة من الهدوء، وأنا سعيد لأني أعلم أن الأمنيين في إسرائيل يدعمون هذه الفكرة".

 حيوية الدعم الأمريكي لـ "إسرائيل"، وبلجيكا حاضرة

أثنى هنري كسنجر وزير الخارجية الامريكي خلال السبعينيات على دور الولايات في دعم "إسرائيل"، إلا أنه أبدى تخوفًا تجاه الواقع الحالي الذي تعيشه "إسرائيل"، فقد اعتبر أنه ورغم التقدم الأمني والاقتصادي الكبير إلا أن الواقع من حولها مخيف، وعن فرص السلام قال كسنجر إنه لا يتوقع نجاح المبادرة الفرنسية.

  فيما قال أنتوني بلنكن، نائب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، إن ما قدمه باراك أوباما من دعم  لـ "إسرائيل" يُعتبر كبيرًا جدًّا، وإن العلاقات الإستراتيجية بين البلدين لم تكن كما كانت في عهده، وإنه لا يوجد رئيس أمريكي عمل لأمن "إسرائيل" مثل أوباما، وأشار إلى أن الولايات المتحدة برئاسة أوباما قدمت 25 مليار دولار دعمًا لـ "إسرائيل"، مؤكدًا أن العلاقات سوف تستمر وأن الولايات المتحدة ستزود "إسرائيل" بطائرات (إف 35)، وستعمل معها لتطوير منظومات دفاعية أخرى، مشيرًا إلى أن رفض أوباما للاستيطان يأتي من منطلق أن ذلك ضار بالبيت اليهودي الديمقراطي في المستقبل.

  من بين المتحدثين كذلك كان السفير الأمريكي لدى "إسرائيل" دان شبيرو، الذي أكد على عمق العلاقات بين البلدين، وعن دور الرئيس الأمريكي باراك أوباما في محاربة حركات المقاطعة العالمية ودعم الاستثمارات الخارجية في "إسرائيل"، مضيفًا "إننا ما بين النفط وإسرائيل اخترنا إسرائيل".

  وزير الأمن الداخلي البلجيكي يان يمبون، مدح عمق العلاقات بين "إسرائيل" وبلاده، وأكد أن محاربة "الإرهاب" أمر عالمي مشترك، وعلى بلجيكا و"إسرائيل" التعاون في هذا المجال من خلال التبادل المعلوماتي المشترك والمستمر. 

نتنياهو تغيب عن المؤتمر بينما تعالت انتقادات حكومته 

  غياب رئيس الوزراء الإسرائيلي المستغرب عن المؤتمر السنوي، دفع غالبية المتحدثين الداخليين للنيل منه ومن سياسته. يائير لبيد زعيم حزب يوجد مستقبل أكد أنه سيترشح لرئاسة الوزراء، "ليس من منطلق الحرص على الكرسي وإنّما لمعالجة ما آلت إليه الأوضاع الداخلية الإسرائيلية، بل لضمان مستقبل إسرائيل"، معتبرًا أن القيادة الحالية تعيش بعيدًا عن القرن الـ 21، و"نحن نحتاج قيادة من قرننا الذي نعيش فيه"، تحتاج "إسرائيل"، وفق لبيد، نظرية أمن هجومية وليست دفاعية، مؤكدًا أن همه الأول سيكون الانفصال عن الفلسطينيين.

من جانبه أكد زعيم المعارضة الإسرائيلية وزعيم حزب العمل، أن "إسرائيل" بقيادة نتنياهو تُضيع فرصًا تاريخية بسبب إدارة ظهرها للسلام مع العرب، معتبرًا أن الجيل الحالي من العرب يتقبل علاقات وسلام مع "إسرائيل"، وقال هرتسوغ "إنني مددت يدي لنتنياهو من أجل الذهاب بحكومة مشتركة تقف أمام التحديات التي تواجهها إسرائيل، إلا أن نتنياهو فضل اليمين ويمين اليمين، وأنا أقول ها هو اليمين موجود في الحكومة منفردًا ولا أحد يقف أمامه من أجل القضاء على الانتفاضة الفلسطينية، إلا أنه لم يتمكن من ذلك"، مختتمًا كلامه بالقول "إننا لا نريد حروبًا أخرى مع غزة، هناك طرق أخرى لمواجهتها".

  موشيه يعلون وزير الدفاع المستقيل لم يُفوِّت فرصة مهاجمة نتنياهو، مؤكدًا أنه عائد للمنافسة على رئاسة الليكود والوزراء، وقد اعتبر أن الحكومة الإسرائيلية تتعمد إخافة المواطنين الإسرائيليين لمصالحها الخاصة، مؤكدًا أن "إسرائيل" لا تعاني خطرًا وجوديًّا، مشيرًا إلى أن كثيرين من الليكود وغيره يتوجهون إليه من أجل العودة والتأثير وقيادة "إسرائيل".

من جانبها أكدت تسيبي ليفني   زعيمة حزب الحركة، أنها تعمل من أجل إقامة معسكر ديمقراطي في "إسرائيل" يقوم باختيار زعيمه الشعب الإسرائيلي، من أجل مواجهة حكومة اليمين الإسرائيلي.

 رئيس الوزراء ووزير الجيش الأسبق إيهود باراك، اعتبر أن "إسرائيل" تعاني منذ ما يزيد على العام من وجود حكومة ضعيفة، متطرفة، تمتاز بعلو الصوت والجعجعة، لم تنجح في جلب الأمن لمواطني "إسرائيل"، لأن همها الأول البقاء في الحكم، والعمل على أجندة دولة تمتد من حدود الأردن مما يُشكِّل خطرًا كبيرًا على أمن "إسرائيل"، مطالبًا الجمهور الإسرائيلي بالعمل من أجل إيقاف الحكومة عند حدودها وإسقاطها في الانتخابات القادمة.

 ولم تَسْلَم الحكومة الإسرائيلية من النقد الداخلي، فقد انتقد جلعاد أردان وزير الداخلية الإسرائيلي، عدم وجود خطة إسرائيلية واضحة في مواجهة حركة المقاطعة العالمية، موضحًا أن حكومته توصلت لاتفاق مع إدارة فيسبوك من أجل تعيين شخص ذي صلاحيات كبرى للإشراف على فيسبوك في "إسرائيل"، معتبرًا أن مواجهة حركات المقاطعة العالمية تكون من خلال:

  1. تحذيرها من العمل.
  2. اتخاذ آليات لردعها.
  3. مهاجمة تلك الحركات بوسائل مختلفة.
  4. إعلام قوي للدفاع عن "إسرائيل".

الحضور العربي في المؤتمر

  شارك عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد المجدلاني في مؤتمر هرتسيليا، حيث عبر عن سعادته بالمشاركة، مؤكدًا أن القيادة الفلسطينية تسعى للسلام العادل والشامل، وأنه "ورغم مدِّ يدنا للسلام لم نجد قيادة إسرائيلية حقيقية تريد السلام، باستثناء رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين"، مختتمًا كلامه باقتراح أن يتبنى المؤتمر إستراتيجية للسلام انطلاقًا من مبادرة السلام العربية والقائمة على حل الدولتين وإقامة علاقات متكافئة بين كافة دول المنطقة بمن فيها "إسرائيل". ويشار إلى أن مشاركة المجدلاني في المؤتمر أثارت استهجانا شعبيا فلسطينيا كون مثل هذه المؤتمرات لا تخدم إلا إسرائيل ومصالحها.

  كذلك أكد وليد عبيدات سفير الأردن لدى "إسرائيل"، على ضرورة تحقيق السلام العادل والشامل بين الفلسطينيين و"إسرائيل"، مؤكدًا أن بلاده تقف على خط وسط بين الطرفين، داعيًا إياهم العودة لمسار السلام، مشيرًا إلى أن المبادرة العربية هي الأساس الذي يجب أن تُبنى عليه أسس السلام.

من بين المشاركين أيضًا كان السفير المصري لدى "إسرائيل" حازم خيرت، الذي أكد التزام بلاده بالمبادرة الفرنسية، داعيًا إلى إيقاف الاستيطان الذي يقضي على أمل الدولة الفلسطينية، كما نادى بضرورة إفراغ المنطقة من السلاح النووي في إشارة إلى "إسرائيل". ويشار إلى أن الدول العربية التي حضرت المؤتمر هي التي تقيم علاقات مباشرة وقوية مع دولة إسرائيل، كما أن مشاركتها لاقت انتقادات كثيرة. 

قراءة في وقائع المؤتمر 

تُمثّل المؤتمرات السنوية التي تعقدها مراكز الأبحاث الإسرائيلية، وتحديدًا مؤتمري معهد الأمن القومي الإسرائيلي ومؤتمر هرتسيليا، أحد المؤشرات التي تبني عليها الحكومة الإسرائيلية بعضًا من توجهاتها، إلا أن غياب رئيس الوزراء الإسرائيلي عن مؤتمر هرتسيليا، يشير بأن بنيامين نتنياهو لم يعد يكترث كثيرًا بالأصوات المحيطة.

وبالعودة إلى العنوان البارز للمؤتمر، والذي عبّر عنه رؤوبن ريبلين رئيس الدولة "أمل إسرائيلي" فإنه يهدف من خلاله إلى تجسير الفجوات بين مكونات المجتمع المختلفة، ولكن حلم ريبلين يصطدم بصوت عنصري مرتفع يصدح بين مكونات المجتمع الإسرائيلي وتحديدًا المتدين منه.

ووفق استطلاع للرأي أجراه معهد سميث قُدِّم إلى مؤتمر هرتسيليا، تبين أن غالبية اليهود يرفضون العرب كمواطني دولة، وأن العرب أكثر تقبلاً لفكرة المساواة، وقد بينت الأرقام أن نسبة العرب الموافقين على العيد المشترك كانت الأكبر بواقع 45%، وهذه النسبة أيضًا تطابقت عند سؤال مكونات المجتمع في "إسرائيل" عن رأيهم في تقديم المؤسسات التعليمية القيم المشتركة، وكانت نسبة العرب الأكبر.

من الواضح أن حجم الخلافات الداخلية وعمق الشرخ الموجود في المجتمع الإسرائيلي، ليس من السهل التغلب عليه، فقد حرصت "إسرائيل" ومنذ نشأتها على إنشاء فرن للصهر (يدمج جميع المهاجرين بقيم إسرائيلية واحدة)، وتوقعت حينها أنها لم تعد تعاني من الشرخ الشرقي والغربي، الديني والعلماني بعد ثلاثة عقود، إلا أن تلك الأمنيات اصطدمت بخلافات عميقة تقضُّ مضجع الدولة في كل فترة، فما زال الشرقيون في الدولة يعانون من تمييز واضح، حرمهم من الوصول إلى رئاسة الوزراء في "إسرائيل" حتى الآن، رغم أنهم يُشكّلون النصف، وما زالت كلمة الشرقي ذات طابع سلبي.

علاوة على الخلافات العلمانية الدينية، والروسية الغربية، داخل المجتمع الإسرائيلي، والتي أفرزت اتجاهات سياسية تتناحر من أجل مصالحها الضيقة، والفلسطينيين الذين انتزعت منهم أرضهم عنوة وباتوا أقلية في بلادهم، فليس من المعقول الدمج بين مكونات مختلفة ومتنافرة، في ظل عنصرية ممارسة وظلم واضح يقع على مكونات بذاتها وتحديدًا الشرقيين والفلسطينيين، يقودها الغربي النيّر الذي يرى نفسه وجه الدولة الحقيقي، وهو ما يجعل من مهمة رئيس الدولة شعارًا غير قابل للتطبيق.

  الأوضاع الأمنية والتي احتلت مساحة هامة ليست بالقليلة في المؤتمر، وقد لاقت إجماعًا بأن تحديات "إسرائيل" ليست بالسهلة، فإن كانت "إسرائيل" مستفيدة على المستوى التكتيكي، فإن مآل الأمور قد لا يكون في صالحها، إلا أن تشخيص التحديات والإجماع عليها لم يلق إجماعًا في آلية الوصول إلى حلّ لتلك التحديات الأمنية، وهو أمرٌ جعل من المؤتمر منصة جديدة لإظهار عمق الخلاف بين الفرقاء في ظل تحديات تزداد ما بين عشية وضحاها.

  أما فيما يتعلق بالدعم الأمريكي لـ "إسرائيل" فهو أمر حرص المتحدثون الأمريكيون على تأكيده رغم عدم حاجة الحاضرين لسماع ذلك، كونهم يلامسونه على أرض الواقع، إلا أن تأكيد الولايات المتحدة على عمق العلاقات والدعم، له مؤشر واضح بأن سياسة نتنياهو الاتهامية تجاه باراك أوباما، نجحت في خلق جوّ من الشعور بالتقصير عند الإدارة الامريكية، الأمر الذي يدفعها في فترات متقاربة إلى تأكيد دعمها وزيادته ليصل إلى أرقام منفردة لم يشهد التاريخ مثيلاً لها.

  أبرز ما ميز المؤتمر هو ذلك الهجوم الذي ألقي تجاه بنيامين نتنياهو من عدد ليس بالقليل من المتحدثين، إلا أن بنيامين نتنياهو يخرج في كل مرّة نجمًا لا بديل له على الساحة السياسية، فلطالما مَثّل الهجوم المشترك لكافة أطياف المعارضة، نقطة قوة لصالح نتنياهو والذي استطاع أن يُظهر قدرة فائقة في إدارة الأمور وفق رغباته الشخصية، فموشيه يعلون وزير الجيش المستقيل والذي لاقى تعاطفًا كبيرًا من الإعلام وقت خروجه، كان كالنجم في أواخر حياته، ولم يعد له ذات الصدى، ليُعتبَرُ ذلك نجاحًا آخر في سلسلة الاغتيالات السياسية التي قام بها نتنياهو.

فاستعراض العضلات الذي قدمه المتحدثون ضد الحكومة ورئيسها، يصطدم بواقع المجتمع الإسرائيلي الذي بات أكثر يمينية، فـ 59% من جمهور الشباب الإسرائيلي يُعرّف نفسه على أنه يميني، علاوة على ذلك فقد أظهرت كافة الاستطلاعات أن اليمين الإسرائيلي سيحصل على 54% من مجموع مقاعد الكنيست القادمة، وكل ذلك يصب في صالح نتنياهو الذي بات صمام الأمان لليكود والذي ضمن نتنياهو رئاسته حتى العام 2019، وبالتالي منطقيًّا رئاسة الحكومة حتى ذلك التاريخ، كون الليكود هو المرشح الأبرز للفوز في أي انتخابات قادمة وكونه الأقدر على لم شمل اليمين الإسرائيلي.

  رجاء السلام الذي أظهرته كلمات المتحدثين العرب، لم يعد بالإمكان تطبيقه على أرض الواقع، فأرض الضفة، وفق القناعة اليمينية الدينية، هي التاريخ الحقيقي لليهود والأرض المقدسة التي وُعدوا بها، لذا لم يتركوا جهدًا يذكر في تثبيت أركان الاستيطان وابتلاع 60% من أراضي الضفة، علاوة على ذلك فحتى اليسار الإسرائيلي وتحديدًا حزب العمل، الشريك الرئيس في عملية التسوية، لم يتطرق إلى المسألة، بل تناولها زعيمه في الأشهر الأخيرة من باب ترتيبات أحادية الجانب، مع الاحتفاظ بكامل القدس والمناطق السكانية ذات الكثافة العالية. 

تحرير: عمر أبو عرقوب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى