ملفات وقضاياشؤون إسرائيلية

المشهد “الإسرائيلي”:مارس/ آذار 2024

ساهر غزاوي1

لتنزيل التقرير

شهد شهر آذار 2024 جملة أحداث “إسرائيلية” في شتى المجالات على مختلف الأصعدة الأمنية والسياسية، في ظل استمرار وتصاعد الحرب “الإسرائيلية” على قطاع غزة، مع دخولها الشهر السادس إثر عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها كتائب القسام في السابع من أُكتوبر 2023، مع استمرار جيش الاحتلال بارتكاب مجازره التي خلفت مئات الشهداء خلال الشهر، حيث ارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين جرّاء العدوان “الإسرائيلي” منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى أكثر من 32 ألفًا، وحتى نهاية شهر أذار بلغ عدد المصابين زهاء 75 ألفًا، ووفق المعطيات “الإسرائيلية” الرسمية فإن عدد الضباط والجنود الجرحى ارتفع إلى أكثر من 3130، بينهم 490 تعرضوا لجروح خطرة، و831 إصابتهم متوسطة، و1809 يعانون من جروح بسيطة، وسبق أن اعترف الجيش “الإسرائيلي” بمقتل 596 جنديًا وضابطًا منذ بداية الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بينهم 252 في المعارك البرية التي بدأت يوم 27 من الشهر ذاته.

تجد “إسرائيل” نفسها في ضوء هذه المعطيات في مأزق استراتيجي بسبب الحرب وتزايد عزلتها في الساحة الدولية، وتبدو الحلول للخروج من مأزق الحرب ساذجة بنظر “الإسرائيليين” في ظل حكومة “نتنياهو”، التي باتت آيلة للسقوط نتيجة التصدعات الداخلية “الإسرائيلية”، ونتيجة عدم تحقيق أيٍّ من الهدفين الأوليين للحرب التي طال أمدها، وهما: تدمير حماس وإطلاق سراح المحتجزين.

  • المشهد “الإسرائيلي” في سياق الحرب على غزة:   

ترى النقاشات والتحليلات “الإسرائيلية” أنه بعد مرور نصف سنة من الحرب على غزة، تبدو “إسرائيل” خائفة ومعزولة وغارقة في الشجار مع أمريكا ومع أفضل أصدقائها، وليس لها أمل وحلم وأفق، في حين هناك من يرى أنّ الحرب على قطاع غزة تُعد الأكثر فشلًا في تاريخ “إسرائيل”، وإن رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو” هو المجرم الأكبر في تاريخ “الشعب اليهودي ودولته”، وتتعالى أصوات الانتقادات ل”نتنياهو” حتى من داخل حزبه “الليكود”، حيث يقول وزراء وأعضاء “كنيست” من “الليكود” إنّ سير الحرب معاكس تمامًا لعبارة “الانتصار المطلق” التي يكررها “نتنياهو”، وتُظهر جميع المؤشرات أنّ “إسرائيل” لا تفعل ما ينبغي فعله في غزة، و”نتنياهو” يتوحل ويريد المماطلة، وحماس حققت 10 إنجازات مقابل واحد لـ “إسرائيل”، ويوضح آخر استطلاع أنّ 61% من “الإسرائيليين” متشائمون إزاء تحقيق هدف القضاء على حركة حماس، في حين يعتقد 24% أنّ الحرب ستنتهي بالقضاء على الحركة.

–  عملية رفح:

لا تزال العملية العسكرية “الإسرائيلية” الواسعة “الموعودة” في محافظة رفح جنوبي قطاع غزة، تتصدر العناوين الإخبارية والنقاشات السياسية في “إسرائيل”، في الوقت الذي بدأ فيه الجيش “الإسرائيلي” الاستعدادات لشن العملية في حال انهيار مفاوضات الأسرى، وشرع في خطوات فعلية، منها بدء عزل المدينة والاستعداد لإجلاء المدنيين، حيث أمر رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو” بشراء 40 ألف خيمة من الصين لنصبها في غزة تمهيدا للعملية البرية في رفح، وذلك على وقع تهديدات يطلقها مسؤولون “إسرائيليون” بين الحين والأخر، مثل دعوة الرئيس “الإسرائيلي” “يتسحاق هرتسوغ” إلى الاستمرار في شن الحرب على غزة، بادعاء أنه “ينبغي إحضار السنوار حيًا أو ميتًا كي نتمكن من رؤية مخطوفينا في الديار”، ومثل تهديد وزير المالية “الإسرائيلي” “بتسلئيل سموتريت” بدخول رفح، والإصرار على الموقف رغم معارضة الإدارة الأمريكية، على اعتبار أنّ الاستسلام للضغوط ووقف الحرب في منتصفها سيكون خطرا على دولة “إسرائيل”.

يرى محللون عسكريون “إسرائيليون” أنّ اجتياح رفح فقد شرعيته وبات يتلاشى، خاصة بسبب وجود قرابة 1.4 مليون مدني فلسطيني في منطقة رفح، ويشير بعضهم إلى أنّ رئيس الحكومة “الإسرائيلية” “بنيامين نتنياهو” هو أول من أدرك هذا الوضع، إلّا أنه بسبب تمسكه بائتلافه وضمان بقاء حكمه يكرر عبارة “الانتصار المطلق” في الحرب على غزة، في سياق ذلك، طلبت واشنطن من “تل أبيب” السماح بوصول ضباط أميركيين للمشاركة بوضع خطط بشأن عملية الاجتياح، وتكشف صحيفة “يديعوت أحرونوت” أنّ وزير الحرب “الإسرائيلي” “يوآف غالانت” سمع من كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية كلامًا قاسيًا إزاء “إسرائيل”، وخلصت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى أنّ “نتنياهو” مكبّل إداريًا، أو أنه لا يريد القيام بما هو مطلوب، ويدل ذلك على  عدم الثقة الأمريكية ب”تل أبيب” بقيادة عملية معقدة في رفح جنوبي قطاع غزة تبدأ بإجلاء مئات آلاف اللاجئين، ويدل على تصاعد الأزمة بين حكومة “نتنياهو” وإدارة بايدن في أعقاب تهديدات “إسرائيل” باجتياح رفح.

–  تراوح المفاوضات مكانها:

لا تزال تتواصل في العاصمة القطرية الدوحة مفاوضات غير مباشرة بين “إسرائيل” وحركة حماس بوساطة قطر ومصر والولايات المتحدة الأمريكية، بهدف التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى وهدنة ثانية بين الطرفين، بعد الأولى التي استمرت أسبوعًا حتى مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، وأسفرت عن تبادل أسرى وإدخال مساعدات محدودة إلى القطاع، وبحسب وصف الدبلوماسيين، فإن المفاوضات عالقة، ولكنها مستمرة، ولا تزال هناك مقترحات تتأرجح ذهابًا وإيابًا، بحيث أنّ الأطراف ما زالت منخرطة في المفاوضات لكنها “متوقفة مؤقتا”.

من جهة أخرى، طلب رئيس جهاز “الموساد” “الإسرائيلي” “دافيد برنياع” خلال اجتماع حكومة الحرب (الكابنيت) توسيع صلاحيات الفريق “الإسرائيلي” الذي يدير مفاوضات للتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح المحتجزين لدى حركة حماس في قطاع غزة، علمًا أنّ “برنياع” يقر بأنه على الرغم من رد حماس على الاقتراح الذي وافقت عليه “إسرائيل” بشأن إطلاق سراح الأسرى، إلّا أنّ هناك إمكانية للمضي قدمًا، والثمن كما يراه “برنياع” هو المرونة فيما يتعلق بعودة السكان الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة، وأعقب طلب “برنياع” مواجهة بين رئيس الحكومة “نتنياهو” من جهة، والوزيرين “بيني غانتس وغادي آيزنكوت” من جهة أخرى، وطالب “آيزنكوت وغانتس” إنهاء المفاوضات المستمرة منذ فترة طويلة، وبدوره، ردَّ “نتنياهو” قائلًا “نحن مضطرون لخوض مفاوضات شاقة، هذا أمر معقد، حماس ليست مهتمة بالتوصل إلى اتفاق، ويجب ألا نظهر للعدو علامات الضعف”، وخلال المناقشة حمل الوزير “آيزنكوت” بيده وثيقة “اليوم التالي” وإستراتيجية “نتنياهو” الحربية، وقال له “كيف نمضي قدمًا بهذا الشيء؟ لا يوجد أي جزء من الخريطة يتقدم إلى الأمام، أنت لا تتقدم إلى الأمام في أيّ من مراحل، هذا المستند الذي حددته”، ويشير هذا كله إلى تزايد الخلافات بين “نتنياهو” وأعضاء مجلس الحرب، بيد أنّ المفاوضات لا تزال تراوح مكانها بانتظار اختراق قبل انتهاء شهر رمضان، يقود إلى إعلان هدنة مؤقتة في القطاع الذي دخل القتال فيه شهره السادس.

–  الجبهة الشمالية:

استمرت الاشتباكات في شهر آذار بين حزب الله اللبناني والجيش “الإسرائيلي”، وتبادل الطرفين النار عبر الحدود، وشهدت الاشتباكات عمليات اغتيال طالت عناصر وقياديين مقاتلين في صفوف الحزب اللبناني، وقياديين من حركة حماس مقيمين في لبنان، فيما لا تزال تدوي بشكل يومي صافرات الإنذار في مواقع “إسرائيلية” في الجليل الغربي، وسط إطلاق قذائف صاروخية من الجنوب اللبناني تجاه الشمال الفلسطيني، في المقابل لم تتوقف المساعي الدبلوماسية الداعية إلى التهدئة الفورية وخفض التصعيد بين الطرفين، علمًا أنه منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تشهد المنطقة جهودًا دولية لمنع الحرب الشاملة بين “إسرائيل” وحزب الله، والتي يمكن أن تتحول إلى حرب إقليمية.

 وفقًا لذلك، يبقى سيناريو اشتعال حرب واسعة النطاق في الجبهة الشمالية قائمًا، خاصة وأنّ وزير الحرب “الإسرائيلي” “يوآف غالانت” لا يتوقف عن إطلاق التهديدات بأنّ “إسرائيل” ستنتقل من الدفاع إلى الهجوم على حزب الله، وستصل إلى كل مكان يعمل فيه التنظيم – في بيروت ودمشق وأماكن أبعد – وستزيد من وتيرة عملياتها في الجبهة الشمالية عبر استخدام كل ما لديها من وسائل، بما فيها الوسائل العسكرية، لدفع حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، كما يقول.

  • المشهد “الإسرائيلي” الداخلي:

– تصدعات حكومة الطوارئ:

بدأت التصدعات تظهر بشكل واضح في حكومة الطوارئ “الإسرائيلية” لإدارة الحرب على قطاع غزة المحاصر، حيث هدد رئيس حزب “المعسكر الوطني” والوزير في “كابينيت الحرب” “بيني غانتس” بالانسحاب من حكومة الطوارئ “الإسرائيلية” في حال أقدم ائتلاف “نتنياهو” على تمرير قانون التجنيد بالنص المقترح، دون إلزام الحريديين بالخدمة العسكرية في صفوف الجيش “الإسرائيلي”، من جهة أخرى، أعلن رئيس حزب “تيكفا حداشا” الوزير “غدعون ساعر” عن استقالته من حكومة “بنيامين نتنياهو“، وذلك في أعقاب رفض طلبه بضمه إلى “كابينيت الحرب”، ورفضه اقتراح “الليكود” بأن تتم دعوته إلى اجتماعات “الكابينيت” بين حين وآخر، متذرعًا بأن “إسرائيل” تراوح مكانها في غزة، علمًا أنّ “ساعر” قد اشترط من أجل بقائه في حكومة الطوارئ أن ينضم إلى مجلس الحرب، وذلك قبل نحو أسابيع قليلة، عندما فض الشراكة مع “بيني غانتس” الوزير في مجلس الحرب، ومن ناحية عملية، فإن هذه الاستقالات تنذر ببداية تصدع في حكومة الطوارئ التي شُكلت مع بدء الحرب على غزة، الأمر الذي يعمق أزمة رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو”.

 إلى جانب ذلك، لوّح أعضاء “كنيست” من الأحزاب الحريدية التي تشارك في الائتلاف الحكومي، بإسقاط حكومة “نتنياهو” في ظل الأزمة حول قانون التجنيد، الذي يُبقي على إعفاء الحريديين من الخدمة العسكرية الإلزامية، إذ تفضل الأحزاب الحريدية عدم المضي قدمًا في سن قانون التجنيد خلال هذه المرحلة، حتى لو أدى ذلك إلى تعليق تمويل الحكومة للمعاهد التوراتية والمدارس الدينية، بسبب الانقسام الحاد والجدل الذي عاد إلى الواجهة حول هذه المسألة، في ظل الحرب “الإسرائيلية” على غزة.

على وقع هذه التصدعات، تُبين استطلاعات الرأي العام “الإسرائيلي” أنّ 71% من “الإسرائيليين” يؤيدون إجراء انتخابات “للكنيست”، وهم ينقسمون إلى 38% يؤيدون تنظيم الانتخابات بعد انتهاء الحرب، و33% يؤيّدون الإعلان حالًا عن حلّ “الكنيست”، وإجراء انتخابات بعد ثلاثة أشهر كما ينص القانون، وتشير الاستطلاعات إلى أنّ المعسكر الرسمي برئاسة “غـانتس” هو الأقوى، إذ حصل حزبه في آخر استطلاع، على 34 مقعدًا، بينما حصل حزب “أمل جديد” برئاسة “جدعون ساعر” على ستة مقاعد، في المقابل، حزب “الليكود” برئاسة “بنيامين نتنياهو” سوف ينهار انتخابيًّا، وسيحصل على 17 مقعدًا، حيث تشير نتائج الاستطلاعات في المجمل إلى أنّ مركبات الحكومة الحالية ستحصل على 45 مقعدًا، في حين أنّ مركبات الحكومة السابقة برئاسة “يائير لـﭘيد” ستحصل على 70 مقعدًا، كما جاء في آخر استطلاع.

لن يتمكن “نتنياهو” من تشكيل حكومة جديدة في حال جرت انتخابات “للكنيست” وفقًا لنتائج الاستطلاعات، وقد تكون هذه نهاية مشواره السياسي، لهذا السبب يتمسك بحكومته الحالية، ويرفض الاستقالة، وهذا ما يفسر حرصه على إطالة الحرب، أو تحقيق انتصار ساحق فيها من أجل أن يستعيد شعبيته، أو أن يعطيه الانتصار شرعية لخوض الانتخابات. وعلى نحو ما هو متوقع، فإن “نتنياهو” لن يوافق على تنظيم انتخابات جديدة، وإن انتهت الحرب، وهذا الأمر قد تتولد عنه حركة احتجاج كبيرة تطالبه بالاستقالة، أو حل “الكنيست” وتنظيم انتخابات، وخاصّة في ظل وجود انطباع أنّ “نتنياهو” مشغول بالحفاظ على كرسيه وقت الحرب، فضلًا عن غياب الثقة بينه وبين المؤسسة العسكرية، التي بدأت تظهر للجمهور أيضًا، واستمرار تخبط وزرائه، وخلاصة القول أنّ الحصار يشتد على حكومة “نتنياهو” حيث أصبحت آيلة للسقوط في أية لحظة، وحتى قبل انتهاء الحرب على غزة، بسبب الصراع الداخلي القوي، وبالذات بين المستويين السياسي والعسكري.

– تصاعد حدة الاحتجاجات “الإسرائيلية”:  

أشغل المشهد السياسي الانتخابي في “إسرائيل” الرأي العام “الإسرائيلي” في سياق الحرب على قطاع غزة، وعلى ضوء توسع حركة الاحتجاج التي تطالب بإجراء انتخابات جديدة وإسقاط حكومة “نتنياهو”، وتطالب كذلك بإجراء صفقة تبادل فورية من أجل الإفراج عن الأسرى المحتجزين في غزة، وقد شهدت مدينة “تل أبيب” والعديد من البلدات والمواقع “الإسرائيلية” مظاهرات حاشدة ضد الحكومة الحالية، منها مظاهرة في قيساريا التي يسكن فيها رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو”، حيث ردد المتظاهرون هتافات تطالب بإسقاطه والإصلاح السياسي وإعادة المختطفين، وقد تحولت حركة الاحتجاج إلى حالة غضب في الشارع “الإسرائيلي”، أدت إلى إحراق وتخريب ووضع مخطط لاقتحام حواجز الشرطة، والتسلل إلى داخل منزل “نتنياهو” في مدينة قيساريا، حيث نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” مخطط مسار الاحتجاجات، الذي حمل أسهمًا من عدة اتجاهات تؤدي جميعها إلى منزل “نتنياهو”، في المقابل اعتبر ممثلو المحتجين ذلك اتهامات باطلة ومحاولة لتشويه سمعة عشرات الآلاف من “الإسرائيليين” المطالبين برحيل الشخص المسؤول عن الإخفاق، ومن المتوقع ازدياد حدة الاحتجاجات “الإسرائيلية” في ظل القلق الداخلي إزاء الحرب التي تطول أمدها دون تحقيق أي من الهدفين الأوليين: تدمير حماس وإطلاق سراح المحتجزين.

– تشاؤم “إسرائيلي” حيال مستقبل الوضع الأمني:

تشير التطورات الأخيرة على صعيد المواقف إلى تراجع معدلات الشعور بالانتماء إلى الدولة وقضاياها إلى مستواها قبل 7 أكتوبر، فقد أظهرت النتائج التي توصل إليها استطلاع “مؤشر الصوت الإسرائيلي” الأخير لشهر شباط الماضي ونُشرت يوم 10 آذار الجاري، إلى هبوط في نسبة “الإسرائيليين” الذين يشعرون بالانتماء إلى الدولة وقضاياها ومشكلاتها، وحول سؤال الشعور حيال الوضع الأمني في “إسرائيل” في المستقبل المنظور، جاءت الإجابات كما يلي: 37.5%من مجمل المشاركين في الاستطلاع عبروا عن شعور متفائل/ متفائل جداً، ( 41.1% من المشاركين من اليهود و20.2%من المشاركين العرب من فلسطيني الداخل حملة الجنسية الإسرائيلية)، في المقابل عبّر 57.1%من مجمل المشاركين عن شعور متشائم/ متشائم جدًا حيال الوضع الأمني في المستقبل المنظور، (54.2%من المشاركين اليهود و76.9%من المشاركين العرب )، وهو ما قد يشي بأن الجمهور في “إسرائيل” قد “عاد إلى روتين حياته اليومية”، بما يعيد هذه النسبة إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر وقبل الحرب ضد قطاع غزة، حيث أظهرت الاستطلاعات التي تلت السابع من أكتوبر مباشرة وتزامنت مع حرب الإبادة الشاملة ضد قطاع غزة، أظهرت ارتفاعًا كبيرًا في معدلات الشعور بالانتماء إلى دولة “إسرائيل” وقضاياها، وهي ما يطلق عليها في العادة “ظاهرة الالتفاف حول العلَم” في المشكلات العامة ذات الطابع القومي الوطني والاستثنائي.

  • تحديات الساحة الدولية:   

تبنى مجلس الأمن الدولي في الخامس والعشرين من شهر آذار للمرة الأولى قرارًا يدعو إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة بعد مرور أكثر من 5 أشهر على الحرب “الإسرائيلية”، حيث أحجمت الولايات المتحدة -الداعم الرئيسي لتل أبيب- عن استخدام حق النقض (فيتو) هذه المرة، حيث يطالب القرار الذي قدمه الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، مع التأكيد على الحاجة الملحة لزيادة المساعدات، والمطالبة بإزالة جميع العوائق أمام تسليمها.

أثار هذا القرار ردود فعل “إسرائيلية” غاضبة، فقد اعتبر رئيس الحكومة “الإسرائيلية” “بنيامين نتنياهو” امتناع الولايات المتحدة الأميركية عن استخدام “حق النفض” (الفيتو) ضد قرار يطالب فيه بـ”وقف فوري لإطلاق النار” في غزة “تراجعًا عن الموقف الأميركي الثابت” منذ بداية الحرب، بما “يضر بالمجهود الحربي وبالجهود الرامية إلى إطلاق سراح الرهائن” “الإسرائيليين” في قطاع غزة، وردًا على ذلك قرر “نتنياهو” إلغاء زيارة الوفد “الإسرائيلي” التي كانت مقررة إلى واشنطن لمناقشة مخططات اجتياح منطقة رفح، ثم ما لبث أن أعلن “نتنياهو” عن إرساله وفدا لواشنطن لن يكون هو ضمنه، وانتقد وزير الحرب “يوآف غالانت” قرار الأمم المتحدة وقال إنّ “إسرائيل ليس لديها الحق الأخلاقي في وقف الحرب في غزة قبل أن نعيد جميع الرهائن إلى ديارهم”، ورفض وزير الحرب “بيني غانتس” قرار مجلس الأمن الدولي ووصفه بأنه “ليس مهما من الناحية العملياتية بالنسبة لنا”، وفي الوقت نفسه، انتقد قرار “نتنياهو” بإلغاء الرحلة، قائلًا إنّ على الوفد أن يتوجه إلى الولايات المتحدة، بل “كان على رئيس الوزراء أن يسافر إلى الولايات المتحدة بنفسه، ويجري حوارًا مباشرًا مع الرئيس بايدن وكبار المسؤولين”، وهو ما يشير إلى تصعيد الخلافات بين واشنطن و”تل أبيب”.

موازاة لذلك، سلطت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية الضوء على تراجع الدعم الدولي ل”تل أبيب” في حربها المستمرة على قطاع غزة للشهر السادس على التوالي، مؤكدة أنّ الدبلوماسية “الإسرائيلية” في أسوأ حالاتها، وأشارت إلى أنّ المسؤولين في “إسرائيل” يعترفون بأن مظاهر الدعم التي تلقتها “تل أبيب” في 7 أكتوبر /تشرين الأول قد اختفت تمامًا، وبدلًا من ذلك بدأ التركيز على الجانب الفلسطيني، وبينت أنّ وزراء في الحكومة يلومون رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” على الإهمال الكامل للعلاقات العامة “الإسرائيلية”، في الوقت الذي تحتاج فيه “تل أبيب” إلى حشد اليهود وإطلاق حملة دولية لمواجهة الخسارة المحتملة في محكمة الرأي العام العالمي.

حظي موضوع تزايد عزلة “إسرائيل” في الساحة الدولية بالاهتمام الكبير لدى الرأي العام “الإسرائيلي” بسبب فقدان “تل أبيب” الدعم العالمي نتيجة الحرب الدموية المتواصلة على قطاع غزة للشهر السادس على التوالي، ولاقت ما نشرته مجلة “إيكونوميست” في افتتاحيتها المثيرة بعنوان “إسرائيل وحيدة”، صدى كبيرًا وقلقًا واسعًا لدى “الإسرائيليين”، حيث وضعت المجلة صورة لعلم “إسرائيلي” يتعرض لرياح شديدة على غلافها، في إشارة للعزلة الدولية التي تهدد “تل أبيب” جراء سياستها في الحرب الوحشية على قطاع غزة، ورأت المجلة أنّ كل أعمدة الأمن “الإسرائيلي”: الردع، والتحذير السريع، والنصر الحاسم، انهارت في الحرب الحالية، وأنه مهما كانت النتيجة، فالسيناريو الواضح هو أنّ “إسرائيل” دخلت في مستنقع غزة والاحتلال الدائم، في حين أنّ فشل المفاوضات في العاصمة القطرية الدوحة بشأن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، قد يترك “إسرائيل” حبيسة المسار الأكثر كآبة منذ وجودها، والذي يبلغ 75 عامًا، ومن ينكر العديد من “الإسرائيليين” هذه الحقيقة، ولكن الحساب السياسي سيأتي في نهاية المطاف، بحسب المجلة.

تشير التحليلات إلى أنّ هناك شعور في الأيام الأخيرة بأن “إسرائيل” بدأت تفقد أصدقاءها الغربيين، حيث تطرق الإعلام “الإسرائيلي” إلى أنّ رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني فاجأت ‏الكثيرين عندما قالت إنّ إيطاليا تعارض عملية عسكرية في رفح. وسحبت المجر وجمهورية التشيك ‏معارضتهما للعقوبات ضد المستوطنين العنيفين، بالرغم من أنهما صديقتا “إسرائيل” في الاتحاد الأوروبي، وقد استخدمتا حق النقض (الفيتو) ضد كل مبادرة معادية ل”إسرائيل” في الاتحاد ‏الأوروبي، والتفاجئ الأكبر، حسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” هو تهديد بريطانيا ل”تل أبيب” بوقف تصدير السلاح إليها إذا لم تسمح لجمعية الصليب الأحمر بزيارة أسرى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الذين اعتقلهم جيش الاحتلال “الإسرائيلي” منذ بداية الحرب على قطاع غزة ويُحتجزون بظروف قاسية، على اعتبار أن بريطانيا تعتبر ثاني دولة صديقة ل”إسرائيل” في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وذكرت صحيفة “غارديان” البريطانية في السياق أنّ أكثر من 130 برلمانيًا بريطانيًا حثوا في رسالة وزير الخارجية “ديفيد كاميرون” على حظر مبيعات الأسلحة لـ “إسرائيل” إسوة في الإجراءات التي اتخذتها دول أخرى، وآخرها كندا، وتضيف الصحيفة أنّ الضغوط البرلمانية تزيد على الحكومة البريطانية لحظر مبيعات الأسلحة إلى “إسرائيل”، وسط مؤشرات على أنّ “تل أبيب” تعتزم تجاهل قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدعو جميع الأطراف إلى الالتزام بوقف إطلاق النار، في موازاة ذلك، أطلق ناشطون في الولايات المتحدة الأميركية حملة ضخمة لمقاطعة عملاق صناعة الرقائق الالكترونية وأدوات الحواسيب شركة “إنتل” الأميركية، بعد إعلان مجلس إدارتها عن خطته توسيع العمل في “إسرائيل” باستثمار 25 مليار دولار في بناء مصنع للرقائق الإلكترونية في إحدى البلدات “الإسرائيلية” القريبة من قطاع غزة، وناشد النشطاء بمقاطعة منتجات الشركة وأجهزة الحواسيب المزودة بشرائح “إنتل”، وحثت الشركات والمؤسسات التعليمية والمصانع والصناديق الاستثمارية إلى مقاطعة بضائع الشركة واستبدالها بشركات أخرى للضغط عليها بوقف مخططاتها في دعم الاقتصاد “الإسرائيلي”، في الوقت الذي أعلنت فيه الكثير من الشركات سحب استثماراتها ومشاريعها من “إسرائيل” في ظل استمرارها في الحرب على غزة.

يتساوق ما ذكر مع تحذيرات مجلس الأمن القومي “الإسرائيلي” بتجنب السفر إلى تركيا والمغرب ومصر – بما في ذلك سيناء – والأردن، وأوصى “الإسرائيليين” الذين يعتزمون السفر لحضور مسابقة الأغنية الأوروبية في مالمو السويدية أو الألعاب الأولمبية التي ستقام خلال الصيف في فرنسا، بعدم إظهار هويتهم وإبراز جنسيتهم وعدم التجول بالأعلام “الإسرائيلية”، ويشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات احترازية في ظل “التهديدات الأمنية”، ووفقًا لما ذُكر، فإن الكيان “الإسرائيلي” يعيش حالة من العزلة في الساحة الدولية، مع وجود خلاف بائن بين من يعتقد أن هذه العزلة تنطوي على مخاطر جمّة، وبين من يُقدر بأنها لا تزال غير خطرة.

الخاتمة:

مع دخول الحرب “الإسرائيلية” على قطاع غزة شهرها السادس، من المتوقع أن تتبلور عدة عوامل مؤثرة من شأنها أن تلقي بظلالها على تطورات الفترة المقبلة، كما تكشف التطورات الأخيرة أنّ التصدعات بدأت تظهر بشكل واضح في حكومة الطوارئ “الإسرائيلية” لإدارة الحرب على قطاع غزة المحاصر، ومع استمرار الحرب تبقى مكانة رئيس الحكومة “الإسرائيلي” “بنيامين نتنياهو” السياسية على المحك، ويشعر الرأي العام “الإسرائيلي” بالقلق إزاء الحرب التي تطول أمدها دون تحقيق أيّ من أهدافها، في ظل تشاؤم “إسرائيلي” حيال مستقبل الوضع الأمني، فيما تبدو التناقضات بين إدارة بايدن وحكومة “نتنياهو” جدية وأبعد من تكتيكات داخلية أو انتخابية، وقد يقود انسداد الأفق إلى اتجاهات غير متوقعة، بما فيها المغامرة باقتحام رفح والتهجير، رغم تراجع الاحتمالات أمام الثمن الاستراتيجي الذي يتطلبه الأمر، ومن الواضح أنّ التوجه السياسي للحكومة “الإسرائيلية” لا يتماشى مع رؤية بايدن للشرق الأوسط، ومن مصلحة بايدن السياسية أن ينتهي الصراع في غزة قبل اشتداد حملة الانتخابات الرئاسية، وبالرغم من ذلك يُستَبعد لجوء واشطن لتغيّر سياسات واحدة من أهم حلفائها في العالم.

[1] باحث في القضايا السياسية  من الناصرة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى