الإسرائيليون وخطاب النصر المطلق: تحليل لمنصة إكس

يشير عدد كبير من التغريدات العبرية إلى أنّ الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران قد أثارت جدلا واسعا بشأن طبيعة العواقب المترتبة. وتتعدد زوايا النقاش ما بين الرواية التي ترى في العملية انتصارا حاسما يعزّز الردع الإسرائيلي في المنطقة، ورؤية نقدية ترى أن “التهديد الوجودي” من إيران لم ينحسر بعد، وأنّ “النصر المطلق” لا يعدو أن يكون شعارا انتخابيا داخليا.

الرؤى المؤيدة لفكرة “الانتصار الإسرائيلي”

يرى العديد من المغردين، الذين يمثلون آراء شريحة اسرائيلية وازنة، على أنّ إسرائيل حقّقت ما يمكن وصفه بـ”الانتصار الحاسم” إذ استطاعت تدمير المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية موجهة ضربة قاتلة لقدرات إيران النووية، وتدمير مراكز إطلاق صواريخ باليستية في عمق الأراضي الإيرانية. ويرى أصحاب هذا الاتجاه أنّ الطلعات الجوية الإسرائيلية، التي جاءت مدعومة استخباراتيًا ولوجستيًا من الولايات المتحدة قد قدّمت للعالم صورة عن كفاءة سلاح الجوّ الإسرائيلي.

يذكر المؤيّدون أنّ ما يميز نجاح هذه الضربة أنها تحققت بدون الانزلاق إلى احتلال بري أو معركة استنزاف طويلة من شأنها أن تكلّف الجيش الإسرائيلي أثمانا فادحة. وقد ساعد الدعم الأميركي الكبير في إنجاز وقف لإطلاق النار بشروط ترضي إسرائيل، وبإيصال رسائل بأنّ الولايات المتحدة لن تسمح بخروج الموقف عن السيطرة أو أن تتعرض إسرائيل لتهديد وجودي. وقد ذهب فريق من المتفائلين من نتيجة الضربات إلى اعتبار هذه العملية تمهيدا لتحالفات إقليمية أوسع من بوابة “الردع الجماعي” ضد طهران، وربما فتح بابا أوثق للتنسيق الأمني مع دول عربية مثل السعودية والإمارات لا سيما في الملفات التي تتقاطع مع المصالح الجيوسياسية لإدارة ترامب.

مستوى التشكيك والانتقادات 

تجادل تغريدات متعدّدة، على الجهة المقابلة، أنّ إيران لا تزال تمتلك موادا انشطارية وقدرة على تخصيب اليورانيوم، بالإضافة إلى امتلاكها آلاف الصواريخ التقليدية وبعيدة المدى التي لم تطالها الضربات الإسرائيلية، ويشير أصحاب هذا الرأي إلى أنّ ما جرى تدميره ليس إلا جزءا من البنية التحتية، في ظل استمرار وجود الخبرة الفنية الإيرانية، مما يمنح طهران فرصة لإعادة تأهيل منشآت نووية في مواقع بديلة وقد تكون أكثر سرية. ومن منظورهم، فإنّ إعلان “النصر الكامل” لا يخلو من توظيف دعائي داخلي لدى حكومة نتنياهو التي توصف أحيانا بأنّها تسعى إلى استثمار العمليات العسكرية لأغراض سياسية.

تستعرض الأصوات النقدية أيضا الغياب الواضح لاتفاق شامل، إذ إنّ وقف إطلاق النار حصل من دون اشتراطات مُلزِمة لإيران بوقف تخصيب اليورانيوم أو إنتاج الصواريخ الباليستية، ويرى هؤلاء أنّ ما قُدّم للجمهور الإسرائيلي بوصفه “احتواء للخطر الإيراني” قد يكون في حقيقته هدنة مؤقتة تدفع إليها الضغوط الدولية أو الانتخابات الأميركية، ويتساءلون عن جدوى الضغط العسكري حين لا يرفق مع حل سياسي شامل، في ظل إظهار إيران مقدرة لا يمكن تجاهلها على التحمل وإعادة البناء والهجوم.

من جملة هذه الأصوات النقدية تبرز اراء تقدّر أنّ صواريخ إيران لم تُدمّر بالكامل، وأنّ درجة تخصيب اليورانيوم لا تزال مرتفعة بما يكفي لإعادة إنتاج قنبلة نووية في فترة زمنية قصيرة. وينبّه هؤلاء من أنّ البنيتين السياسية والأمنية لإيران قادرتان على الالتفاف، سواء عبر التعاون مع جهات دولية أخرى كالصين وروسيا، أو بتطوير منشآت تحت الأرض يصعب رصدها جوّيا. وهكذا، يصبح الحديث عن “إنجاز حاسم” سابقا لأوانه؛ لأنه قلّص التهديد جزئيا ولم يزلْه جذريا.  بهذا المعنى، تبدو إسرائيل كأنّها كسبت الوقت وكسرت جزءا من هيبة إيران النووية، لكن ظلّت الأزمة عالقة على المدى البعيد.

توجه هذه الأصوات المعارضة سهام النقد نحو بنيامين نتنياهو مباشرة، معتبرين أنّه لم يتعامل مع متطلبات الأمن القومي بأسلوب شفاف ومؤسسي، بل حوّل الحرب إلى رصيد انتخابي بوصفه “الزعيم الحاسم” الذي يهزم إيران. ووفقا لهذه الانتقادات، فإنّ القيادة الإسرائيلية ركّزت على تطوير سردية “النصر المطلق” بدل وضع خطة جذرية لإنهاء التهديد النووي والصاروخي الإيراني من جذوره. كما يُتّهم نتنياهو بأنّه أخضع القرارات الإستراتيجية لحسابات تحالفه اليميني، ما قوّض فرص التوصل لترتيبات دبلوماسية مستدامة مع طهران.

يؤكد أنصار هذا التيار على أنّ أي انتصار عسكري لا يكتمل بدون ضمان سلم دائم، وهو ما يتطلب ترتيبات دبلوماسية تضمن عدم عودة طهران إلى تخصيب عالي المستوى.  ويرون أن إسرائيل عاجزة بمفردها على تفكيك النظام الإيراني أو إطاحته، ما يجعل الإنجاز الإسرائيلي الميداني بمنزلة محطة في صراع مفتوح قد يشتعل مجددا إن لم تجر تسوية البنود الجوهرية. ويتطلب ذلك دعم قوى دولية أوروبية وآسيوية إلى جانب الولايات المتحدة.

اغتيال قادة “الحرس الثوري”

تسلّط مجموعة من التغريدات الضوء على مسألة تصفية قيادات بارزة في «الحرس الثوري» الإيراني، وترى فيها مفصلا هاما في تطوّر الأحداث. فمن جهة، أضعفت هذه الاغتيالات، بحسب الرؤى المؤيدة، البنية القيادية الإيرانية، وأثرت على المنظومات القتالية وعلى معنويات الجيش، كما منعت طهران من اتخاذ قرارات سريعة بالتصعيد حيث فقدت بعض العقول المدبرة والخبراء الكبار في مجالات الصواريخ والطائرات المسيّرة. بيد أنّ رأيا مقابلًا يرى أنّ إيران تمتلك آليات تنظيمية تتيح لها ترميم القيادات وملء الفراغات، خاصة أنّ الثورة الإسلامية نجحت تاريخيًا في تحويل “شهداء” قياديين إلى أيقونات تعبئة شعبية وسياسية. وعلى غرار ما جرى بعد اغتيال قاسم سليماني سابقا، يستطيع النظام إيجاد أساليب بديلة لتعويض الخسائر البشرية، وتجنيد كوادر جديدة تحظى بتدريب وولاء عقائدي مكثّف.

العلاقات مع الولايات المتحدة بين التنسيق أو الارتهان

يكاد يجمع المغردون على أنّ العامل الأميركي كان حاسما في رسم سيناريوهات الحرب ووقفها لاحقا، إذ لعب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب دورا رئيسيا في توفير الغطاء الدبلوماسي والدعم المتعدد الأبعاد، لكن ثمة انقسام في إسرائيل حول مدى فائدة هذا الاعتماد شبه المطلق على البيت الأبيض؛ ففي الوقت الذي يرى فريق أنّه ضمانة لأمن إسرائيل يمكن البناء عليها لتعزيز الردع على المدى البعيد، يرى فريق آخر في هذه العلاقة “تبعية سياسية” قد تتلاعب بها المصالح الانتخابية والأجندات المتغيرة في واشنطن. واستعاد نقاد في إسرائيل تجربة التحالف السابق مع إدارة ترامب التي انسحبت من الاتفاق النووي (JCPOA) لتعود مرة أخرى تحاول عقد صفقات براغماتية مع إيران. ويخشى هؤلاء من أن تجد إسرائيل نفسها مستقبلا في موقع الحرج أو الضعف بناء على التغيرات في البيت الأبيض أو إذا انخفضت أولويات واشنطن في الشرق الأوسط.

وقف إطلاق النار: مكسب مؤقت أم تنازل؟ 

غير أنّ قسما واسعا يعبّر عن شكوك في جدوى هذه الهدنة، إذ أنها قد تنتهي بدورة عنف جديدة؛ إذ تستثمر إيران أي فترة هدوء لإعادة تنظيم الصفوف وابتكار منظومات هجومية أكثر تطورا. والأخطر، بحسب معارضي الهدنة، هو أنّها قد تفسَّر لدى طهران بوصفها تراجعا إسرائيليا تحت ضغوط دولية أو خشية من ارتفاع الخسائر البشرية والاقتصادية. وبهذا، يتكرّس لدى الإيرانيين تصور بأنّ إسرائيل ليست على استعداد لخوض حرب شاملة، ما قد يحفزها على المواجهة والتحدي مستقبلا.

تفيد مجموعة من التغريدات بأنّ خطورة الصواريخ الإيرانية الباليستية تبقى عالية، رغم النجاح النسبي في اعتراض قسمٍ كبير، ففي الوقت الذي بقدر فيه أنصار السردية الرسمية نسبة إسقاط مرتفعة بسبب تشابك أنظمة «حيتس» و«مقلاع داود» و«القبة الحديدية»، بالإضافة إلى السيطرة الجوية فوق سماء طهران خلال الضربة، إلا أن مغردين آخرين يطالبون بضرورة ترقية تكنولوجية تمنع حتى صاروخا وحيدا من اختراق الدفاعات الاسرائيلية. كما يتساءل نقاد عن غياب صواريخ باليستية إسرائيلية بعيدة المدى، إذ إنّ التفوّق الجوي وحده قد لا يكفي في حال حدوث تغييرات سياسية خاصة تلك التي قد تحد من الدعم الأميركي في أي مواجهات مستقبلية.

الدبلوماسية والتحالفات الدولية 

يرصد باحثون إسرائيليون اهتمامًا دوليًا بتطويق إيران نوويا، إلّا أنّهم يسترجعون التحفظ الأوروبي بعد تجربة الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي (JCPOA) وتبرز دعوات إسرائيلية لتوسيع التحالف مع الاتحاد الأوروبي ودول آسيوية لضمان ترتيبات تفتيش دولية مُلزمة تمنع إيران من المماطلة، ويعزي بعضهم أهمية ذلك في أنّ إسرائيل غير مستعدة لحربٍ طويلة منفردة؛ إذ لا طاقة لها على تحمّل خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، فقد سجلت الحرب سقوط 28 قتيلًا إسرائيليًا وأكثر من ثلاثة آلاف مصاب بدرجات متباينة، وبرزت موجة نزوح حادّة، كما تعالت شكاوى فئات مهمشة شعرت بأنّ الدولة لم تؤمن لها الملاجئ أو الحماية الكافية.

يرى النقاد أنّ الكلفة الاقتصادية والاجتماعية كانت أكبر مما أُعلن، وأنّ أي “نصر عسكري” ينبغي أن يُقاس بحساباتٍ أشمل تتضمن تنمية المجتمع واستقرار الاقتصاد. لذا، يستبعد هؤلاء أن يستمر “الشعور بالانتصار” طويلا إذا عجزت الحكومة عن معالجة آثار الدمار وإعادة دمج النازحين والمصابين.

البعد الديني–الأيديولوجي والخطاب الرمزي 

تبرز في فوضى التغريدات لغة دينية–أيديولوجية في الدوائر اليمينية القومية وبعض الأوساط الأرثوذكسية اليهودية، تصف الحدث بأنه “معجزة ربانية” تحقّقت على يد جيش مبارك، كما تعتبر الانتصار “جزءًا من التدخل الإلهي” في حماية شعب إسرائيل، في المقابل يجادل الناقدون للرواية والتفسيرات الدينية على أنّ التجييش الديني قد يطمس الحقائق العملياتية ويمنع تقييما عقلانيا للتكاليف والمخاطر.

الفرص الإقليمية

ثمة من يشدد على أنّ الحرب قد أسهمت في رفع مكانة إسرائيل الدبلوماسية لدى عواصم كبرى، إذ جرى إظهار القدرة الإسرائيلية على خوض معركة جريئة بعد ضرب العمق الإيراني. كما يعبر عديد من المغردين عن مدى انعكاس هذا التفوّق على توسيع اتفاقيات سلام مع دول جديدة، وعن إمكانية تحالف إسرائيلي–عربي ضد إيران بقيادة أميركية. ويرى مؤيدون لهذه الفكرة أنّها خطوة تاريخية تفرض على إيران عزلة أكبر، بينما يشكّك معارضون في قدرة دول عربية على السير في تحالف صريح مع إسرائيل ما لم تنضبط حسابات المصالح الإقليمية.  لكن هذا المسار يبقى وفقا لمغردين معلّقا على شرط نجاح المفاوضات حول الملف النووي والترسانة الصاروخية، وليس مجرد عقد هدنة مؤقتة.

تباين الرؤى حول سياسات غزة 

ينسحب نقاش الجدوى العسكرية والدبلوماسية على ملف غزة، ولو بدرجة مختلفة. فوفقا لعدد من التغريدات، يريد ترامب تحقيق تهدئة أو صفقة تمثل مكسبا دعائيا له، في حين يتخوّف نتنياهو من أي هدنة ترى في الداخل الإسرائيلي “تنازلية” وتتسبب بموجة انتقادات من شركائه في الائتلاف اليميني، وقد يؤدي هذا التباين إلى مزيد من الشرخ فلا ترامب يملك صبرا لانتظار توازنات الائتلاف الإسرائيلي، ولا نتنياهو على استعداد لتقديم مكسب انتخابي مجاني للرئيس الأميركي. الأمر الذي قد يرمي بظلاله على إمكانية قيام “تسوية شاملة” في المنطقة تشمل إيران وغزة، ما يجعل الباب مفتوحا لخيارات سياسية مختلفة.

تدعو تيارات يمينية في إسرائيل إلى “ترحيل سكان القطاع” أو تحويل غزة إلى منطقة محميّة دوليا كسبيل إلى الحل. وترى هذه التيارات أنّ الرهان الدائم على وقف إطلاق النار لم يفلح، بدليل أنّ حماس تستغل ذلك لتطوير صواريخها وأسلحتها في كل مرة. بالمقابل يجادل اخرون بأن مثل هذه المقاربة تقترب من انتهاك صارخ للقانون الدولي وتحرّك ردود فعل دولية مضادّة. ويرى فريق آخر أنَّ التركيز الحالي يجب ألّا ينصبّ على غزة، بل على إيران، ما دام التهديد الأخطر إيرانيا عابرا للحدود ومتصّلا بقوى حليفة لطهران في الإقليم.

تحليل مشاعري: كيف ينظر الإسرائيليون للحرب على إيران؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى