تحليل مشاعري: كيف ينظر الإسرائيليون للحرب على إيران؟

في خضم النزاع المتصاعد مع إيران، تشهد الساحة الإسرائيلية تفاعلات تعكس تباينا واضحا في مواقف الشارع تجاه العمليات العسكرية واحتمالات توسيع نطاقها. فالبعض يؤيّد ما يصفونه بـ”الضربة الوقائية” للحيلولة دون تحوّل إيران إلى قوة نووية تهدّد إسرائيل وجوديا. هؤلاء يرون أنّ خطوات الجيش الأخيرة دليل على قدرة عسكرية فائقة ورادعة وتؤكد على رغبة إسرائيل في حماية نفسها ضد أي خطر محتمل. ومن هذه الزاوية، يجدون مبررا لاستمرار الضغط العسكري، معتبرين أنّ استهداف البنية التحتية الإيرانية قد يفضي إلى زعزعة نظام الحكم في طهران، أو على الأقل إلى كبح طموحاتها النووية.

على الجانب الآخر تبرز شريحة معارضة تماماً للنهج التصعيدي، مشددة على أنّ العمل العسكري لا يمكن أن يحسم الأمور بالسرعة أو الفعالية التي يتوقّعها مؤيدوه. يبدي هؤلاء مخاوفهم حيال الانزلاق إلى حرب إقليمية أوسع قد تجرّ أطرافاً دولية وإقليمية أخرى وتخلّف خسائر فادحة في الأرواح والبنى التحتية. ويهيمن عند هذه الفئة شعور بأن الإجراءات العسكرية قد لا تُسفر إلا عن تأجيل البرنامج النووي الإيراني لفترة محدودة، فيما قد تدفع طهران إلى مضاعفة جهودها أو اعتماد تكتيكات أكثر عداء. ومن ثمّ، يتبنّى البعض حلولاً دبلوماسية بديلة، محذّرين من أنّ القوة المفرطة لن تحل النزاع على المدى الطويل، بل قد تؤجّج حالة الاحتقان وتجعل خطر المواجهة النووية أكبر.

وسط هذا التنافر في المواقف، شهدت منصة X تويتر سابقا خلال الفترة التي أعقبت الهجمات الإسرائيلية على ايران موجة كبيرة من التفاعلات لدى المغردين الإسرائيليين حول ضرورة وجدوى اللجوء للخيار العسكري وما تبعه من رد فعل إيراني وما يمكن أن تؤول إليه الأمور. في هذا السياق، تم جمع 6500 تغريدة تمثيلية باللغة العبرية لإسرائيليين ينتمون إلى شرائح اجتماعية وسياسية متنوعة باستخدام أدوات تقنية وبرمجية متقدمة ومنهجية تتسم بالموثوقية العلمية.

يجيب هذا التقرير على سؤال: كيف يشعر المغردون الإسرائيليون تجاه الحرب مع إيران واللجوء إلى الخيار العسكري؟ وما هي دوافع المشاعر؟

يشير التحليل الإجمالي إلى تقدم المشاعر السلبية على نظيرتها الإيجابية بفارق واضح (34% مقابل 29%)، ما يعكس مخاوف تخيم على المزاج الإسرائيلي العام، وإن لم تُلغ وجود شريحة ترى في المواجهة خيارا أمنيا لا مفرّ منه.

1 الشعور العام تجاه الحرب

لم يتفوق الشعور الإيجابي تجاه الحرب لدى المستخدمين بالرغم من الهجمة النوعية التي باغتت فيها إسرائيل ايران. منذ بداية الهجمات عبر مستخدمو منصة اكس عن شعور سلبي أكثر من الإيجابي (33% مقابل 30%)، وقد ازدادت نسبة هذه السلبية في الشعور أكثر عندما قامت إيران بالرد بهجمات تدميرية محدودة (35% مقابل 28%).

Figure 2 شعور الاسرائيليين تجاه الحرب قبل وبعد الهجمات الإيرانية

قراءة في الدلالات

  1. الانقسام وغياب الاجماع الداخلي: أنّ المجتمع الإسرائيلي لا يصطفّ بإجماع خلف خطاب الحرب الوقائية من أجل تعطيل برنامج إيران النووي.
  2. فجوة النخبة-الجمهور: كلما اتّسعت هذه الفجوة ستتراجع قدرة القيادة الاسرائيلية على جلب تأييد الشارع والنخب الاسرائيلية، وقد يساهم ذلك في النزوع نحو الاحتجاج الميداني أو تعزز ظواهر كالتهرب من الخدمة العسكرية.
  3. قابلية تحول المزاج السلبي إلى ضغط سياسي: إذ قد يترجم ذلك إلى أفعال ملموسة كالاحتجاج والمطالبات بإسقاط الحكومة، وفقدان ثقة المستثمرين.

الأسباب وراء المشاعر الإيجابية

يرى داعمو التحرك العسكري ضد إيران في هذه الخطوة ضرورة استراتيجية تمليها حسابات الأمن القومي. إذ يعتقدون بأنّ منع طهران من امتلاك سلاح نووي يمثل أولوية قصوى للحفاظ على الردع في المنطقة وحماية اسرائيل من تهديد وجودي. يرى هؤلاء أيضا أن قدرة الجيش على تنفيذ ضربات دقيقة تكشف عن مستوى تكنولوجي يرسخ الشعور بالاعتزاز القومي، مع التأكيد في الوقت ذاته على أهمية تصميم القيادة الاسرائيلية على التمسك بحق الدفاع الذاتي مهما بلغت التحديات.

يرى كثيرون من ناحية أخرى أنّ استهداف بُنى النظام الإيراني يمكن أن يساهم في إضعاف النخبة الثيوقراطية الحاكمة وإيقاف طموحاتها النووية والسياسية والعسكرية أو على الأقل كبح جماحها. كما أنها تشكل عاملا مساهما يعزز حركات معارضة داخل إيران تساعد على زعزعة مواقع السلطة الحاكمة هناك.

بالنسبة لأصحاب التوجه الإيجابي، فإنّ الالتحام الجماعي حول القرار السياسي – حتى لو كان مثيراً للجدل – يمثّل استمراراً لمسيرة طويلة من الحفاظ على الأمن ووقوف المجتمع صفا واحدا أمام أي خطر داهم. وفي نظر هؤلاء، تنطلق الشرعية الأخلاقية لأي عمل عسكري من كونه دفاعا مُستحقّا في وجه خصم يجاهر بعدائه، وعليه يجدون في دعم العمليات العسكرية واجبا قوميا قبل أن يكون خيارا سياسيا.

الأسباب وراء المشاعر السلبية

تظهر آراء رافضة أو مشككة في جدوى الحملة العسكرية على إيران، مدفوعة بتخوفات جادة من أنّ الانخراط في صراع مفتوح قد يفضي إلى تدهور أمني أكبر. يستند أصحاب هذا التيار إلى رؤية تقول إنّ توجيه ضربات جوية أو سيبرانية ضد المنشآت النووية الإيرانية لن يضمن بالضرورة القضاء التام على برنامج طهران النووي. بل على العكس، قد يدفعها إلى التمسك بسياستها النووية والعمل بسرية أكبر، أو قد يحفّزها على إعادة هيكلة برنامجها ليكون أقرب إلى خطوط حمراء يصعب رصدها. مؤكدين على أنّ الأثر طويل المدى للتصعيد العسكري قد يكون محدوداً.

يتضمن هذه المواقف السلبية تجاه الحرب الخشية من أن تتحول هذه الضربات إلى شرارة لحرب إقليمية أوسع نطاقا حيث يرون في المشهد الإقليمي تعقيدا بالغا، إذ يشمل تحالفات متعددة وتشابكات سياسية وأمنية لا تحتمل مغامرات أحادية قد تخرج عن السيطرة. وقد يُزعزِع أي انفلات في المواجهة مجمل الحسابات الجيوسياسية في المنطقة، ويتسبب في تداعيات اقتصادية هائلة تطال مختلف الأطراف، بما فيها إسرائيل.

هناك من يعتقد من ناحية أخرى أنّ دافع بعض القادة السياسيين لخوض الحرب مع إيران يرتبط أكثر بتحقيق مكاسب داخلية عوضاً عن تحقيق مصالح إستراتيجية استراتيجية بعيدة المدى، بالإضافة إلى الادعاء بأن رئيس الحكومة بالتحديد يستخدم ورقة “الخطر النووي الإيراني” من أجل الهروب مما يلاحقه داخليا سواء بشأن ملفات الفساد أو الجدل المستمر حول الإصلاحات القضائية التي تسبّبت في انقسام حاد داخل إسرائيل.

يشير العديد من المغردين إلى ما يوصف بـ”المبالغة الإعلامية” أو تضخيم الخطر لوضع الجمهور أمام خيار واحد فقط هو المواجهة العسكرية. كما يشيرون إلى تراجع مساحة النقاش الهادئ حول البدائل الدبلوماسية التي قد تكون أكثر نجاعة وأقل تكلفة. وبالنسبة لهم، فإنّ تحييد الأصوات الناقدة أو التهوين منها يأتي في سياق تركيز الضوء على قدرة الضربة العسكرية على تحقيق انتصار سريع، بينما الواقع أكثر تعقيداً وقد يستغرق سنوات من المواجهة غير المضمونة.

أما فيما يتعلق بجاهزية الجبهة الداخلية الإسرائيلية ذاتها واستعدادها للهجمات الإيرانية، يعرب المعارضون عن قلقهم من أن تتحمل المدن الإسرائيلية أعباءً كبيرة إذا وسّعت إيران أو حلفاؤها دائرة الرد لتشمل المناطق الحيوية، سواء بالصواريخ الدقيقة أو بالعمليات السرية الخارجية، كما تطالب بعض الاراء من الحكومة تقديم تفصيل جلي عن مستوى التأهب الداخلي، وسبل حماية المدنيين، وخطط الاستمرار اقتصادياً واجتماعياً في حال استمرت الحرب لأشهر طويلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى