رأي الخبراء

جبهة عريضة للإنقاذ الوطني.. ضرورة التشكيل وقابلية التحقيق

استمرار حالة الانغلاق في الأفق السياسي الفلسطيني، وعدم التقدم بخطوات عملية باتجاه إنهاء حالة الانقسام السياسي الداخلي، إضافة لغياب الحياة الديمقراطية في ظل إلغاء الانتخابات التشريعية الأخيرة، دفع بالعديد من الأطراف والشخصيات إلى الحديث عن إمكانية الدعوة لتشكيل جبهة وطنية عريضة، أو ما يمكن تسميتها بجبهة عريضة للإنقاذ الوطني.

هذه الدعوة، وإمكانية الذهاب لخطوات عملية لتطبيقها، دفعت بمركز رؤية للتنمية السياسية في اسطنبول، لاستقراء رأي عدد من الشخصيات والخبراء، انطلاقًا من تساؤلات عدة في مقدمتها؛ هل هناك حاجة فعلية لهذه الخطوة؟ وهل يمكن لمثل هذه الجبهة أن تساهم في الخروج من حالة الاستعصاء الوطني وتمترس كل طرف على مواقفه؟ وكيف يمكن أن تخدم هذه الخطوة القضية الوطنية؟ وما هي العراقيل والتحديات التي قد تواجهها؟ وما هي مقومات النجاح لها؟

وفيما يلي أبرز ما طرحته الشخصيات:

  • المنطلق الأساس لأي تشكيل، أو جبهة، يجب أن لا يكون بديلًا لمنظمة التحرير، أو جسمًا يحاول سحب أي تمثيل للمنظمة، لأن ذلك سيكون سببًا رئيسًا لفشل الفكرة، وهذا ناتج من بعدين؛ الأوّل: محليّ وطني، وبالتالي عدم مشاركة القوى الفلسطينية فيه. والثاني: بعد عربي إقليمي دولي، حيث لن يحظى بأي اعتراف أو اهتمام أو تعامل.
  • ليس المطلوب تشكيل جبهة عريضة، بل الضغط على إعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وإحيائها، حتى تصبح ممثلة للكل الفلسطيني، وبمشاركة الأطر والتنظيمات كافة، وهذا قد يكون الشكل المطلوب الآن.
  • تنبع عوامل إنجاح الفكرة من الارتكاز على القضايا الوطنية المشتركة، والثوابت التي يجمع عليها الكل الفلسطيني، والبعد عن القضايا الخلافية.
  • المطلوب، قبل أن يتم الحديث عن تشكيل جبهة إنقاذ، هو وضع برنامج وطني يمكن أن يشكل أرضية تبنى عليها الجبهة، بحيث يكون البرنامج مستندًا لقضايا توافقية وتمثل الكل الفلسطيني.
  • الأطر المنضوية تحت منظمة التحرير لن توافق على الانخراط في أي إطار آخر؛ خوفًا إما على مستحقاتها المالية، أو تحت الضغط الذي قد يمارس عليها، وبالتالي الجهات الوحيدة التي قد تمثل هي التي خارج إطار المنظمة.

وفيما يلي رأي الشخصيات

د. مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية

إنّ طرح أيّ أفكار أو تصوراتٍ بشأن القضية الفلسطينيّة، لا بدّ من أن يرتكز على أهمية وجود قيادةٍ سياسية واحدة للكلّ الفلسطينيّ، في أماكن تواجده كافة، وهو الأمر الذي كان نواة الأساس لإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، التي يُفترض أن تكون الممثّل للكلّ الفلسطيني. ولكن، رغم أن المنظمة في الظرف الحالي لا تمثّل المرجعية والقيادة السياسية للكل الفلسطيني، إلا أنّ هذا لا يعني تجاوز هذا الجسم الممثل للفلسطينيين.

بالتالي، فإنّ المطلوب في هذه الحالة أمران؛ الأول: يتعلّق في إيجاد برنامج وطني كفاحي يمكن أن يوحّد الكل الفلسطيني، انطلاقًا من القواسم المشتركة والثوابت الوطنية، والثاني: هو الجسم المرجعي الذي من المفترض أن يكون منظمة التحرير. لذلك؛ نرفض أن يكون هناك أي جسم بديل عن منظمة التحرير. لكن يمكن الذهاب لخطوة أكثر فاعلية وهي توحيد الجهد من خلال جبهة وطنية، تكون ضمن قواسم مشتركة يجمع عليها الجميع، وتنطلق من حالة الفشل التي يمر بها الواقع السياسي الفلسطيني، نتيجة إضعاف المؤسسات الفلسطينية وحالة التفرّد. فكلّ هذا سينعكس بشكل خطير على الحالة الفلسطينية إذا ما استمر على ما هو عليه.

د. حسن خريشة، النائب السابق بالمجلس التشريعي الفلسطيني

باعتقادي أننا لسنا بحاجة إلى أجسام أو أشكال أو مسميات، منظمة التحرير الفلسطينية موجودة بالفعل، وما نحتاجه الآن هو استعادتها، بعد أن تم اختطافها والتفرد فيها من قبل فئة محددة.

كانت هناك سابقًا محاولات كثيرة لتشكيل بدائل عنها، لكنّها فشلت.  فما نحتاجه أمران؛ الأول: أن يكون هناك تمثيل جماعي للكل الفلسطيني وليس لجزء منه، وبالتالي، أي تشكيل مقبل سيكون غير شامل للجميع، وسيقابل برفض من قبل العديد من القوى والأطراف، وهذا بالتالي فشل. الأمر الثاني: أن يكون فعالاً في أماكن تواجد الشعب الفلسطيني كافة. وهذا لن يتحقق بسهولة؛ إما لرفض الاعتراف به، أو لعدم قدرة تطبيق الفكرة على الكل الفلسطيني. وسيكون بمثابة اجتزاء يعيدنا لنفس مشكلة منظمة التحرير الآن؛ المسيطر عليها من قبل فئة أو طرف معين.

بالتالي، المطلوب الآن هو حالة ضغط فلسطيني لإجراء انتخابات مجلس وطني فلسطيني، بمشاركة الكل الفلسطيني حتى يكون ممثلا، وحتى نصل إلى فكرة تفعيل منظمة التحرير. الأمر الثاني: لا بدّ أن يكون الجهد جماعيًا؛ حتى يُكتبَ له النجاح. فلا تطرح حماس وحدها الفكرة، أو اليسار، بل بتناسق يجمع فئات واسعة من الشعب، ولا يطرح نفسه بديلًا لأي شيء. لا بدّ أن تكون الخطوة مدروسة جيًدا كي لا نعزّز حالة الانقسام، بدلًا من تعزيز الوحدة.

 

د. أيمن دراغمة، نائب سابق بالمجلس التشريعي

أعتقد أن أي مسمى لهيئة أو جبهة وطنية ولدينا منظمة التحرير ليس مطلوبًا؛ ليس بسبب عدم الحاجة لذلك، ولكن لصعوبة نجاح الفكرة. هذه الخطوة جُربت سابقًا وفشلت، وساهمت في تعميق الخلاف.

في سياق الظروف الدولية والإقليمية والعربية والفلسطينية، هي خطوة ليست واقعية، وستكون نتائجها السلبية أكثر من المتوقعة.

باعتقادي هناك عراقيل في عدة محاور؛ دولية وعربية، فمنظمة التحرير هي الجهة الرسمية المعترف بها، والممثلة في جامعة الدول العربية، وفي الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي، وقبول هذه الهيئات بجهة تمثيل بديلة أو موازية غير ممكن. فدول العالم تعترف بمنظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطيني، وتفتح سفارات لفلسطين من خلالها. لا زال العالم يخضع لهيمنة أمريكا والغرب، وليس من السهل حاليًا تسويق بديل عن منظمة التحرير، خاصة أن أي جبهة جديدة ستتكون هيئتها من حركات المقاومة، التي تصنفها كثير من الدول الغربية بحركات إرهابية.

فلسطينيا؛ منظمة التحرير، التي ذابت في أروقة السلطة، هي من يملك أوراق القوة الرسمية والمالية والعملية في الضفة، ومن خلال السفارات والممثليات، وعدم الرضا الشعبي عن أداء السلطة لا يعني استعداد الشعب الفلسطيني لتقبل البديل، خاصة أن مصالح الناس اليومية والحياتية مرتبطة بالسلطة وليدة المنظمة، زيادة على أن الشعب الفلسطيني يمقت ويحارب الانقسام، وسينظر الشارع  لجبهة كهذه كإضافة جديدة تعزز الانقسام. لذا، فإن هذه الجبهة لن تجد حاضنة شعبية قوية موحدة وغير منقسمة تحتضنها. كما أنه من غير المحتمل أن تلقى الفكرة قبولًا لدى أيٍّ من الفصائل المنضوية تحت راية المنظمة، بل من المرجح أنها ستحارب وتقاوم تأسيس أي جسم مواز أو بديل.

اقتراحي البديل هو زيادة الضغط الشعبي والنقابي والفصائلي لإصلاح المنظمة، فهي ليست حكرًا على فصيل، بل هي ملك لهذا الشعب العظيم، وأقترح أن يتم تشكيل هيئة لإصلاح المنظمة، يكون هدفها قيادة وإدارة ومتابعة الضغط والتحشيد من أجل إصلاح المنظمة، بدلًا من تشكيل جبهة وطنية بديلة.

هاني المصري، مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات)

أرى أننا في الوقت الحالي لسنا بحاجة إلى أجسام مؤسسية جديدة، بقدر الحاجة إلى البرنامج السياسي التوافقي، الذي يمكن أن يحدث نقلة في الفكر والمعطى السياسي، وبالتالي فإن الحل الوحيد في هذا الاتجاه تجميع عناصر القوة؛ بهدف تصحيح البرنامج الوطني الذي سيقود إلى إعادة إصلاح أو تفعيل منظمة التحرير.

ويمكن أن نركز الجهد في هذا الاتجاه من خلال مجموعة نقاط، تتمثل أولًا في بلورة برنامج ونقاط محددة توضع كمدخل أساس لتعزيز مفهوم الشراكة الوطنية، وللضغط على منظمة التحرير كمؤسسة للقبول بها والتجاوب معها. ما نطرحه لا يستند إلى ابتداع شكل أو جسم جديد، بل من باب أن المنظمة هي الجهة الوطنية العريضة التي يجب أن ينضوي الكل الفلسطيني تحت إطارها. وباعتقادي هذه الخطوة يمكن أن تتحقق من خلال الدعوة إلى مؤتمر وطني، يذهب إلى الاتفاق على مبادئ الشراكة، وليس التفاصيل الدقيقة التي من شأنها أن تفشل أي جهد.

الأمر الثاني، مطلوب من حركة حماس الاستعداد لإنهاء سيطرتها على قطاع غزة، أو على الأقل تقديم خطوات في هذا الاتجاه، مقابل أن تكون شريكًا كاملًا في كل شيء بإدارة الحياة السياسية الفلسطينية.

الأمر الثالث؛ يجب أن نجعل من المقاومة قضية وطنية، ضمن مرجعية وطنية، وعدم اعتبارها شأنًا لفصيل أو جهة معينة، وهذا أحد نقاط التوافق.

الأمر الرابع، وهو المهم، الدفاع باتجاه الاحتكام للشارع الفلسطيني والشعب، من خلال الضغط باتجاه تفعيل الخيار الديمقراطي، وإجراء الانتخابات.

باعتقادي، حتى وإن كان هناك نية للذهاب باتجاه تشكيل أي جسم أو مسمى أو جبهة إنقاذ عريضة، فإن هناك عقبات عديدة، في مقدمتها ارتهان بعض الفصائل، وخصوصًا فصائل منظمة التحرير الفلسطينية للمال والمخصصات المالية التي تُصرف لها، وبالتالي لن يكون حضور لهذه الفصائل ضمن أي جهد مستقبلي. العقبة الثانية تأثير العامل الخارجي، عربيًا وإقليميًا ودوليًا، سواء من ناحية الاعتراف بأي تشكيل، أو التعاطي معه، أو حتى الضغط على هذا الطرف أو ذاك للتراجع عن مواقفه. أما العقبة الأهم وهي المتمثلة في الاحتلال، فإسرائيل تدرك أنه في ظل حالة التوحد على البرنامج الوطني الواحد، أو الجهد الفلسطيني الجامع، سيكون هذا خطرًا عليها، وبالتالي لن تسمح بذلك. وهذا ليس دعوة للاستسلام، بقدر التنبه للمعيقات، ويجب على الجميع الاستعداد لدفع الثمن.

تمارا حداد، ناشطة سياسية، ومرشحة سابقة لانتخابات المجلس التشريعي

باعتقادي حان الوقت لتشكيل جبهة وطنية عريضة لمواجهة التحديات الراهنة، وبالتحديد بعد فشل حركة فتح في تنظيم وضعها الداخلي، وفشلها في تنظيم علاقاتها مع بقية الفصائل، سواء علاقتها بفصائل منظمة التحرير الحالية، أو علاقتها مع الفصائل خارج منظمة التحرير.

تسعى حركة فتح، وبأكثر من موقف، إلى إقصاء الجميع، سواء فصائل منظمة التحرير أو غيرها، دون العمل على أسس الشراكة الوطنية، والبرنامج الوطني الحقيقي لمواجهة التحديات المحلية، ومواجهة التهويد المستمر.

لذا، فهناك حاجة الآن لجبهة عريضة بعيدة عن حركة فتح، يكون أساسها العمل الوطني، وبناء تيار وطني يضم الفصائل بأطروحاتها كافة، والجمهور الفلسطيني، والاتحادات، والنقابات، وغيرها. وتعيد بناء منظمة التحرير ضمن أسس الشراكة، وليس أسس الإقصاء لمصالح شخصية، وأسس غير وطنية.

هذه الجبهة يجب أن تُشكل من الضفة الغربية، وقطاع غزة، والداخل المحتل، وأيضًا فلسطيني الخارج، والهدف منها ليس كيانًا بديلًا عن منظمة التحرير، وإنما جبهة للضغط على المنظمة بهدف التفعيل والإصلاح.

أعتقد أن الجبهة إذا استطاعت أن تعمل على تكاثف جهود جماعية فصائلية وشعبية وقانونية، تستطيع الخروج من المأزق ضمن آلية يتفق عليها الجميع. أما العمل الفردي دون العمل الجماعي المستمر لن يكون مجديًا؛ فالجبهة بحاجة لتمويل ضخم لتقوم بما هو مرجوٌّ منها، ضمن أجندةٍ وطنيّة غير مسيّسة خارجيًا.

خطوة الجبهة العريضة ستخدم القضية من خلال إعادة إحيائها من جديد، أمام رؤية إسرائيل بتشكيل شرق أوسط جديد، وضمن سياق اتفاقية أبراهام الجديدة، التي ستلغي القضية الفلسطينية. وإنشاؤها سهل إذا توافرت الإرادة الوطنية لجميع الفصائل والجمهور الفلسطيني، ولاقت قبولًا من الدول التي ستدعمها.

أما العراقيل والتحديات التي ستواجه الجبهة، فهي سياسية؛ مثل وقوف حركة فتح ضد الجبهة الوطنية، والبقاء في حالة استعداء الجبهة بدل الانخراط فيها، ومواجهة التحديات بشكل جماعي. أمّا تحديات الاحتلال فتتمثّل باعتقال كل من سيفكر في ترسيخ فكرة الجبهة. كما أن السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية لن تقبلا بوجود مثل هذه الجبهة. إضافة إلى التحديات المالية، فالجبهة بحاجة لممول لدعمها. عدا عن التحديات القانونية لإيجاد غطاء رسمي لدعم الجبهة. كما أنّها بحاجة لالتفاف شعبي  قوي حولها، لكنّ المعيق أن الشعب لا يهتم إلا بلقمة العيش في ظل الظروف الحالية.

الحركة الوطنية استطاعت تسجيل بعض النجاحات، لكنها لم تكتمل بعد؛ لعدم توفر العديد من المقومات، أهمها الإيمان بالفكرة، والإيمان بالعمل الجمعي، وعدم توفر قيادات وطنية لدعم الجبهة الوطنية. وعدم القدرة على التواصل بين أوساط المجتمع الفلسطيني في غزة والضفة الغربية. باعتقادي، يمكن تشكيل الجبهة من جميع الفصائل، وحركة حماس، والجهاد الإسلامي، والنقابات العمالية، والاتحادات، والنقابات الأخرى، ومؤسسات المجتمع المدني والمحلي، وشرائح المجتمع الفلسطيني كافة.

عصمت منصور، ناشط وباحث سياسي، وعضو قيادة سياسية سابق في الجبهة الديمقراطية

باعتقادي أننا جميعا نشعر بحالة فراغ قيادي، وحالة استفراد وغياب المؤسسات التشريعية، وحكومة جامعة للجميع، واستمرار حالة الانقسام، هذا كله يخلق سؤالًا ملحًا، هل نحن بحاجة فعلًا إلى جبهة إنقاذ وطني عريضة؟ وبالتالي، من الطبيعي أن تبرز مثل هذه الأفكار. لكن أعتقد أنّ أيّ مشروع بمعزل عن منظمة التحرير أو حركة فتح أو بديل للمنظمة، أو على حسابها، ستكون نتيجته تعميقَ حالة الانقسام أكثر مما هي عليه الآن، وسيمس بتمثيل الشعب الفلسطيني وقضيته، خصوصًا أنّنا نمر الآن في مرحلة تهميش للقضية الفلسطينية، وبالتالي قد يكون هذا مبررًا في ذات الاتجاه، إقليميًا ودوليًا، بعد أن سجلت إسرائيل العديد من الاختراقات في المنطقة العربية والإقليمية. لذلك هذا الجهد قد يضعف القضية الفلسطينية، ويظهر أنه جانب من الصراع الداخلي على السلطة، وبالتالي رغم واقعية الطرح، والحاجة الوطنية له، إلا أن التوقيت غير مناسب، وهذا يدفع بضرورة أن يكون هناك توحيد للجهد الفلسطيني؛ بهدف الضغط لتجديد منظمة التحرير، وتطويرها في الوقت الحالي.

إنّ الصيغة التي يمكن العمل عليها الآن يجب أن تكون باتجاه الذهاب للانتخابات، ولتوحيد الصف الفلسطيني، وليس على حساب الأطر القائمة، رغم أنها تعاني من أزمات عميقة، وأنها تشكل عقبة أمام ثورة الشعب الفلسطيني. وبالتالي، لن تخدم هذه الفكرة القضية الفلسطينية حاليًا، حتى وإن تحوّل تمثيل منظمة التحرير إلى صفر.

وأشكّك أن تنجح مثل هذه الخطوة بالتطبيق الفعلي على الأرض، وحتى نكون واقعيين أكثر، فإنّ هناك أجيالًا بدأت تولد وتتصدر المشهد وهي خارج هذه الأطر التقليدية، وخارج الحالة الموجودة، وهؤلاء يبحثون عن صيغة تمثلهم ويمثلون بها أنفسهم، وهذا بالتالي لا ينفي أن يكون هناك حراك مستمر للبحث عن أطروحات، وتزاحم الأطر الحالية، ولكن هذا يحتاج ربما إلى مسار زماني طبيعي يمكن أن يتحقق مع الوقت والتطورات المتتابعة. لذلك هناك سؤال مشروع إن كانت الأجيال الجديدة خارج الأطر الحزبية والتنظيمية، فكيف يمكن لأي إطار جديد أن يمثل هذه الأجيال؟ وهل سيكون هناك إطار ديمقراطي يفسح المجال أمام الجميع؟. لذلك أي فكرة تحتاج لدراسة متأنية أكثر من مجرد الطرح.

أما الفصائل التي يمكن أن تكون ممثلة بأي تشكيل مقبل لجبهة عريضة، هي الفصائل خارج منظمة التحرير، أما باقي الفصائل المنضوية تحت المنظمة لن يكون لها مشاركة في أي إطار، وهذا نتاج العديد من الروابط التي تحول دون انخراطها.

وحول إن كانت ستكون هناك معارضة وردة فعل تجاه هذه الخطوة، أعتقد أنه سيكون هناك ردة فعل قوية، وستقابل بالرفض، وربما الاتهام بالخيانة، والخروج عن الصف الفلسطيني.

د. مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة

إنشاء جبهة وطنية عريضة سينظر له على أنه بديل عن منظمة التحرير، بالتالي سيرافق هذا المشروع أو المقترح حالة من الشك أن هناك مسعى للالتفاف على منظمة التحرير، وهذا ربما سيضيف مأساوية أكبر على المشهد السياسي الداخلي فلسطينيًا الذي هو بالأساس في حالة سيئة.

هناك للأسف حالة إدارة سياسية منفردة من قبل السلطة في الضفة، وفي المقابل هناك حالة انفراد في قطاع غزة، وبالتالي الخطوة الأولى التي يجب أن ننطلق منها؛ تمهيدًا لأي تطوير وتفعيل للأطر الفلسطينية، هي الذهاب إلى حوار وطني، يمكن أن يفضي إلى إعادة تفعيل وتطوير لمنظمة التحرير وباقي المؤسسات، وأن لا نذهب لفكرة إنشاء أطر في ظل هذا الواقع؛ لأنها ستبقى في إطار حالة الانقسام والتجاذبات بالدرجة الأولى.

لذلك المطلوب الآن هو ترتيب البيت الداخلي، خصوصًا أن الجزائر الآن قطعت شوطًا، وقد تتوج حواراتها بطرح يشكل أملًا للمستقبل، وقد يكون بداية انطلاق لحوار جاد مستقبلي في ظل المتغيرات التي تجري.

أما الحديث عن تشكيل أو بناء جبهة وطنية عريضة، باعتقادي إذا لم تستطع هذه الجبهة أن تمثل الكل الفلسطيني، خصوصًا الأطراف الرئيسة فتح وحماس، فإنها ستكون محل اتهام، بأنها بديل عن منظمة التحرير، وبالتالي لن تحقق النجاح الفعلي لها.

في المقابل، استخدام المال السياسي فيما يتعلق بفصائل منظمة التحرير ومستحقاتها من المنظمة، لن يجعل من هذه الفصائل قادرة على القبول بالدخول بأي تشكيلات خارج إطار المنظمة، رغم أن المنظمة فعلًا لم تعد قادرة على إحداث حالة تغيير فعلي؛ بسبب ضعفها وتغييبها.

كما أن مسألة الاعتراف العربي والإقليمي بأي إطار جديد لن يتحقق؛ لكون النظم السياسية، عربيًا وإقليميًا ودوليًا، تعترف بمنظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطيني.

وأمام كل هذا الانغلاق، فإنه لا يمكن الحديث عن خيارات في ظل وجود الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لأنه جزء من المشكلة وليس الحل، فالانتخابات التشريعية السابقة كان بالإمكان أن تكون مدخلًا لتجديد وتطوير المؤسسات والشرعيات، ولكنّ إلغاءها حال دون ذلك، كما أن حركة فتح لن تقبل أن تكون ضمن أي جبهة جديدة؛ لأنها ستعتبر نفسها خسرت مركز القيادة الذي تعتبره دائمًا من نصيبها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى