رأي الخبراء

المصالحة الفلسطينية من جديد.. بدائل ما بعد الانتكاسة

لقراءة وتحميل الملف اضغط هنا

جاءت نتائج الانتخابات الأمريكية وفوز جو بايدن، لتعيد لأذهان الفلسطينيين عبارة طالما كرروها على مدار الشهور الماضية، من أن الجهود المبذولة لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، ما هي إلا حالة مرحلية قد تنقشع بانقشاع العوامل الضاغطة لها. وبالتالي تضاف إلى النكسات التي مرت بها رحلة المصالحة، الممتدة منذ ما يزيد عن 13 عاما من عمر الانقسام المستمر.

وللوقوف على ملابسات الأمر ونتائجه، قام مركز رؤية للتنمية السياسية في اسطنبول، باستقراء رأي عدد من الخبراء، وذلك من خلال توجيه الأسئلة التالية: ما هي أبرز مسببات توقف مسار المصالحة الأخير؟ وما الخيارات المتاحة لنجاح المصالحة، وكيف يمكن إنعاشها؟ هل هناك بدائل وطنية لمسار المصالحة؟ كيف سيؤثر قدوم إدارة بايدن على المصالحة الفلسطينية؟ هل يمكن الاستمرار بالوضع القائم دون إلحاق الضرر بالقضية الوطنية؟ وهل من استراتيجيات بديلة تحافظ على الحد الأدنى للحق الفلسطيني مع وجود الانقسام؟

وقد تلخصت آراء الخبراء فيما يلي:

  • أبرز مسببات وقف مسار المصالحة الأخير، هو فوز جو بايدن، وشعور كل من السلطة وحماس، وتحديدا السلطة الفلسطينية، أنها لم تعد تحت ضغط ترامب.
  • من الصعب أن نتخيل مصالحة حقيقية ما بين فتح وحماس، دون أن تكون هناك تنازلات مؤلمة من الطرفين.
  • نحن الآن أمام كارثة حقيقية، وهي تشكل كينونتين مختلفتين تماما، ومنفصلتين سياسيا ومزاجيا، وحتى ثقافيا ودينيا، وهناك تبلور لهوية ضفاوية وأخرى غزاوية.
  • بعد فوز بايدن، ستكون رحلة جديدة من الوهم، فالملف الفلسطيني ليس له أولوية ضمن أجندته، وربما تتسع الفجوة بين فتح وحماس، ولن نذهب لمصالحة في القريب العاجل.
  • يجب أن تكون هناك مقاومة شعبية من نوع معين، وتحرك على الساحة الدولية لدعم المسار الدبلوماسي، أي أن الاستراتيجية المجدية هي التحرك المدعوم من مقاومة شعبية.
  • الفلسطينيون بحاجة لمقاربة جديدة لاستعادة الوحدة، وإلغاء مقاربة فتح وحماس، وإذا استمر الواقع على ما هو عليه، فهناك احتمال بروز قوى جديدة من خارج القوى السياسية التقليدية.
  • إجراء الانتخابات قبل المصالحة وإنهاء الانقسام، هو بمثابة وضع العربة أمام الحصان.

د. خالد الحروب، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية والدراسات الإعلامية في جامعة نورث ويسترن في قطر

هناك عوامل داخلية وأخرى خارجية تسببت بتوقف مسار المصالحة، ولكل منهما طابع بنيوي، وعندما يكون هناك طابع بنيوي تكون الأمور صعبه ومعقدة جدا. كان الدافع لتنشيط عملية المصالحة في المرحلة الأخيرة، هو انسداد الأفق السياسي للسلطة الفلسطينية في رام الله، ولحركة حماس في غزة، فكلا السلطتين في مأزق نتيجة حالة انسداد الأفق، وهناك حالة من التكلس واللافعل على المسارات كافة، سواء المسار السياسي أو مسار المقاومة. ومن طرف العدو، هناك تقدم على الأرض بشكل متواصل، فمنذ بداية رحلة أوسلو، وما كان موازيا لها من حالة انقسام سياسي بين فتح وحماس، كان يقابلها فعل وتقدم إسرائيلي على الأرض.

المشكلة أنه مع ذهاب ترمب أصبح لدى السلطة الفلسطينية في رام الله حسابات أخرى، وأصبحت تعتقد أن هناك أفقا سياسيا ومسارا يمكن أن يتبدل، وهذا يشير إلى أن المسألة بنيوية، وبالتالي فإن الجهد الذي بُذل هو محاولة تجاوز الإشكال البنيوي. وفعليا من الصعب أن نتخيل مصالحة حقيقية ما بين فتح وحماس، دون أن تكون هناك تنازلات مؤلمة من الطرفين، فالسلطة الفلسطينية عليها أن تقبل بمبدأ الشراكة الحقيقية في أمرين: البرنامج السياسي، والإدارة السياسية، وفي كلا الأمرين هناك مشكلات. وبالنسبة لحماس، فإن بنيوية التنازل الذي قد يتم، هو تنازل عن حصرية السلطة في قطاع غزة، وهناك أيضا إشكالية سلاح المقاومة. وبالتالي فإن هذه المشكلات الأساسية يصعب التنازل عنها من كلا الطرفين، وهو ما يعني أن مشروع المصالحة سيبقى في مسار غاية في الصعوبة، دون أن تقرر إحدى السلطتين أن تقدم التنازل للسلطة الأخرى، أو الاتفاق على شراكة تقبل فيها أن تكون الرقم الثاني، وهذا لم يحدث حتى الآن، وهناك تخندق رهيب من قبل الطرفين كل منهم في مكانه.

وحول الخيارات المتاحة، لا بد أن تتخلى حماس بشكل كامل عن إدارة قطاع غزة، وتوحيد إدارة الشأن الفلسطيني تحت إطار السلطة، ولو تحت سقف سياسي أقل. والخيار الصعب أمام حماس هو إما بقاء السقف السياسي لديها مرتفعا، وبالتالي استمرار الانقسام، وإما أن تقبل بسقف سياسي منخفض مقابل نوع من التوافق الوطني، وهو، على الأقل، أن يتم التئام القطاع مع الضفة. وهذا الخيار، وإن تم بموازاة تجميد المقاومة وتجميد سلاحها لفترة من الوقت، له فوائد وخسائر، على مستوى حماس فإن الخسائر السياسية واضحة، ولكن مكاسبها على المستوى الوطني أكبر، وهو أن يعود هناك نوع من التواصل الجغرافي والديمغرافي والمزاج الوطني بين الضفة والقطاع، لأننا الآن أمام كارثة حقيقية، وهي تشكل كينونتين مختلفتين تماما، ومنفصلتين سياسيا ومزاجيا، وحتى ثقافيا ودينيا، وهناك تبلور لهوية ضفاوية وأخرى غزاوية، وهذا تتحمل مسؤوليته حركتا حماس وفتح.

أما الضرر إزاء القضية الوطنية في حال استمرار الانقسام، فباعتقادي أن التاريخ لن يرحم حماس ولا فتح إزاء حقبة الانقسام. الشيء المليء بالمرارة والسخرية هو أن الشعب الفلسطيني داخل فلسطين على الأقل، كان موحدا تحت الاحتلال، أكثر منه الآن تحت قيادة فلسطينية هنا وهناك. الآن، وفي عصر السلطتين، أصبح هناك تجمعات فلسطينية معزولة ومفصولة، وهذا يحتاج  إلى نقاش معمق من منظور تاريخي لتحديد ما هو الأفضل للشعب الفلسطيني، فهل نُبقي على الوضع القائم الذي تستمر فيه الخسارة؟ أم ستكون هناك جرأة ما، وشجاعة من قبل إحدى الحركتين لكسر هذا الجليد، وعندها يمكن أن يُفتح المجال لإعادة الأمور إلى سياقها الطبيعي؟

وحول الاستراتيجيات البديلة، لا يمكن أن نجترح أي استراتيجية تحافظ على الحد الأدنى في ظل بقاء الانقسام، فكلما بقي الانقسام ستبقى الخسائر تتراكم، وما يجري من اندفاعة تطبيعيه عربية هو دليل على ذلك، فهذه الدول تشير إلى أن أحد مصوغات التطبيع هو استمرار الانقسام الفلسطيني، وكذلك طبيعة وشكل العلاقة مع إسرائيل. لذلك، ومع استمرار الانقسام، ستُخلق ثغرات واسعة، تستغلها الدول الإقليمية وغير الإقليمية؛ لتعزيز حالة الاستقطاب الإقليمي المذهل والمدمر. وبسبب هذا الاستقطاب، تنشدّ الأقطاب الفلسطينية، سواء في الضفة أو غزة، إلى هذا المعسكر أو ذاك، مما يعمق الانقسام، ويوسع مساحات الخروق، ويدفع باتجاهات مختلفة لتعزيز مصالحها، التي ليس بالضرورة أن تكون منسجمة مع المصلحة الفلسطينية.

د. إبراهيم فريحات، أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا وجامعة جورج تاون.

برأيي أن المصالحة الفلسطينية فعليا لم تبدأ، ولم أؤمن للحظة واحدة أن اللقاءات والبيانات، ستشكل خطوة باتجاه تحقيق الوحدة. فهذه اللقاءات كانت تفتقر إلى الأسس الصلبة والمنهجية الصحيحة التي تقود إلى مصالحة، وبالتالي من البداية لم أكن أعتبر أن قطار المصالحة قد انطلق في هذه الجولة، لأن ذلك كان يجب أن ينعكس في البرنامج السياسي أولا، ثم في بنية مؤسسات الحركة الوطنية، وبشكل مباشر منظمة التحرير الفلسطينية، وبالتالي لم يحدث نقاش حول تغيير بنيوي في مؤسسات المنظمة، ولم يتم التطرق إلى برنامج سياسي، وبالتالي لم تكن المصالحة في لقاء بين قيادات، ولا عقد نقاشات هنا أو هناك.

أما الخيارات المتاحة لنجاح المصالحة، فباعتقادي يجب أن يسبق المصالحة شيء جوهري، هو حوار وطني بين حماس وفتح وباقي الفصائل الأخرى، بهدف الاتفاق على برنامج سياسي يحكم المرحلة، حتى وإن لم يكن برنامجا سياسيا بالمفهوم الاستراتيجي، وإنما على الأقل برنامج عمل موحد ينعكس باتفاق الفصائل، لقيادة العمل الوطني خلال مرحلة إدارة نتنياهو مثلا، أو خلال الإدارة الأمريكية الجديدة، وهذا يتم التوصل إليه من خلال لقاء وطني حقيقي، وليس لقاء بين قيادي هنا أو هناك، ولا الحديث عن إعطاء فرص لإثبات حسن نوايا.

أما عن البدائل الوطنية لمسار المصالحة في حال فشل الجهود الحالية، فمن المهم جدا أن يكون هناك اتفاق لإدارة الانقسام، أو إدارة حالة اللامصالحة، بالرغم من الضرر الذي يلحق بالمشروع الوطني في الوقت الحالي، فحالة الانقسام هي حالة فوضوية وغير منظمة، وليس لها قواعد أو أسس، وهذا ضرر كبير، وبالتالي فإن كان هناك إدارة أفضل، وإدارة منظمة لحالة الانقسام، فإن ذلك يمكن أن يقلل من الأضرار التي يعاني منها المشروع الوطني اليوم.

وحول تأثيرات الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة بايدن، ستكون رحلة جديدة من الوهم وبيع الوهم، فالملف الفلسطيني ليس له أولوية ضمن أجندته. ولذلك ستتوقف سياسة التجويع تجاه الشعب الفلسطيني التي عمل عليها دونالد ترمب، ولكن لن يغير بايدن شيئا سوى بعض المسكنات هنا وهناك، وهذا ربما يكون بمثابة وهم للقيادة الفلسطينية. وما قد نشهده من عودة لمسار المفاوضات، فإنه يعني 4 سنوات من الوهم، ومن استمرار الانقسام؛ لأن السلطة الفلسطينية لن تكون معنية بتحقيق مصالحة، وذلك لاعتقادها بأن المرحلة المقبلة ستكون مفتوحه أمام العمل الدولي، وبسبب الموقف الأمريكي الرافض بالأساس لحركة حماس، فإن السلطة ستبتعد عن حركة حماس.

وحول الاستراتيجيات البديلة، فإنه يجب أن تكون هناك مقاومة شعبية من نوع معين، وتحرك على الساحة الدولية لدعم المسار الدبلوماسي، أي أن الاستراتيجية المجدية هي التحرك المدعوم من مقاومة شعبية، لأن مسار السلطة القائم على العمل التفاوضي فقط لن يجدي فعلا، والمسار المقاوم وحده يستفز إسرائيل بشكل كبير، وبالتالي فالمطلوب هو المزاوجة بينهما، مع ضرورة الإصلاح السياسي؛ لأن القيادة الحالية لا يوثق بأنها ستقود مقاومة شعبية تسير الجماهير خلفها.

د. عماد أبو رحمة، دكتوراة علوم سياسية، مستشار مركز مسارات/ غزة

يبدو أن خيار المصالحة هو خيار مؤجل بالنسبة لأطرافها، فحركة فتح والرئيس أبو مازن كانوا يراهنون على عودة العلاقة مع الاحتلال والإدارة الأمريكية بعد ترامب، واتضح أن كل ما تعلق بالمصالحة كان تسويفا بانتظار نتائج الانتخابات الأمريكية. وبعد النتائج، كان هناك اندفاع لإجراءات العودة للمفوضات. هنا لا بُد من القول إن مشكلتنا مع الاحتلال، هي في كونه يحتل أرضنا وينتهك حقوق شعب بأكمله، ويقوم بممارسات قوضت اتفاق أوسلو الذي أنتجته المفاوضات، فتهويد القدس والاستيطان مستمر، والاعتداءات متواصلة، لذا فإن عودة العلاقة مع الاحتلال دون ضمانات حقيقية لوقف الاستيطان، والالتزام بعملية التسوية، أنهك الخيارات المتاحة لنجاح المصالحة، وقلل من فرصها كثيرا، فأسوأ ما مر على الشعب الفلسطيني هو الانقسام، الذي يُعدُ رصيدا صافي الربح للاحتلال.

قدمت السلطة أوراقا كثيرة سلفا للإدارة الأمريكية الجديدة، مثل وعود بعدم الانضمام للمؤسسات الدولية، ومراجعة المناهج الفلسطينية التي ترى إسرائيل فيها حثا على الإرهاب. وقدمت كل ذلك لصالح إدارة لم تعرف ما لديها حتى اللحظة، علما أن العقلانية كانت تقتضي الموافقة على استلام أموال المقاصة، مع إبقاء خيار السعي للمصالحة قائما، دون ربطه بالعلاقة مع الاحتلال.

وحول البدائل الوطنية لمسار المصالحة، فأعتقد أن الأولوية هي لمشروع التحرر الوطني، وهو ما لم يتحقق عبر سنواتٍ من المفاوضات، وإمكانية تحقيق خطوات جدية نحو مشروع التحرر الوطني، تبدو صعبة بسبب عدة عوامل، منها انزياح الحكومة الإسرائيلية نحو اليمين. وتجربة أوباما وكيري التي لم تواجه ما يواجهه بايدن، لم تحقق إنجازات. وحسب ما نشرت مؤسسة راند، هناك 14 قضية ذات أولوية في الولايات المتحدة الأمريكية، ليس من ضمنها القضية الفلسطينية.

لذلك، فإن أي خيار يتم تبنيه دون مصالحة، سيكون مصيره الفشل. كما لا بد من استعادة الدعم العربي والعالمي، والمفاوضات لم ولن تحقق شيئا، ونتائجها كارثية، فقد شوهت صورة العلاقة مع إسرائيل، ومنطق العلاقة مع إسرائيل هو منطق صراعي، وليس منطق مفاوضات لينة، ومسار أوسلو شوه هذه الصورة، حتى الشرعية الدولية الراعية للمفاوضات كانت غائبة فعليا. هذا كله بحاجة لمراجعة حقيقية، وإلا فهناك ضرر أكبر سيلحق بالقضية الفلسطينية.

وحول الاستراتيجيات، فإن حركة حماس لم تقدم تجربة كبيرة على أرض الواقع، مع أنه كان هناك رهان فعلي عليها، وغرقت في مشروعها من مشروع مقاومة إلى مشروع سلطة، وخطابها السياسي تغير حتى بين المقاومة والسلطة، فقد كانت تعتقد أنها تستطيع أن تُحدث فارقا لأنها فازت بالانتخابات، ولكنها وصلت للحكم، وبدأت بتقديم التنازلات. أما الطرف الآخر والمتمثل في فتح والسلطة، فقد كان يراهن على المفاوضات والتنسيق الأمني لإنهاء الاحتلال.

وكلا الطرفين لم يتوفقا، ونحن، من أجل استعادة الوحدة، بحاجة لمقاربة جديدة وإلغاء مقاربة فتح وحماس. وإذا استمر الواقع على ما هو عليه، فهناك احتمال بروز قوى جديدة من خارج القوى السياسية التقليدية، والظرف الموضوعي يبدو ناضجا، والحل أن يعترف الطرفان بالفشل، وتبني رؤية جديدة للوحدة، وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني، والزمن يسير بشكل سريع جدا، ففي الوقت الذي حُسم فيه الصراع على غزة، يبدو واضحا السعي الإسرائيلي نحو حسم الصراع على الضفة الغربية من قبل المتطرفين اليهود، وهو إن حصل فستصبح المعالجة صعبة للغاية.

خليل شاهين، مدير البحوث في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات/ مسارات، رام الله

باعتقادي أن السبب الأول لانتكاسة الجولة الأخيرة من المصالحة، هو ذات السبب الذي يجري منذ سنوات، وهو تجنب معالجة قضايا الخلاف التي أثيرت في السنوات الماضية، ودون أن يكون هناك بحث جدي لها، وأهمها عدم التوافق على برنامج سياسي واضح ومحدد. صحيح أن ما يعرف باسم وثيقة الأسرى تشكل أساسا إيجابيا، إلا أنه يجب أن يكون هناك وضوح تام عند الحديث عن المصالحة، من حيث العملية السياسية والمقاومة والكثير من الملفات، إضافة إلى الموقف من التحالفات الإقليمية والعربية، وأخيرا عودة التنسيق الأمني والمدني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وهو أيضا من القضايا الخلافية التي لم تحسم في الجانب السياسي.

الجانب الآخر، وهو وضع العربة أمام الحصان، أي إجراء الانتخابات قبل المصالحة وإنهاء الانقسام، علما أنه لا يمكن إنهاء الانقسام دون التغلب على العقبة الرئيسة، التي تتمثل في ما يفرضه الاحتلال الإسرائيلي، فحركة حماس لن تستطيع المشاركة وممارسة دورها في الحكم، أو في المجلس التشريعي، بفعل الاعتقالات المستمرة منذ سنوات، والتي لم تتوقف، بحق الشخصيات التي ترشحها الحركة، أو تتولى مهامَّ سياسية من قبلها. وبالتالي فإن الاعتقاد بأن الانتخابات يمكن أن تشكل مدخلا للمصالحة، هو اعتقاد خاطئ في ظل العقبات الموجودة، وكذلك في ظل سيطرة الحزب الواحد على المؤسسات، سواء في الضفة من قبل فتح، أو في غزة من قبل حماس.

العامل الثالث هو أن حماس تريد المصالحة والدخول للنظام السياسي، دون أن تتخلى عن سيطرتها على قطاع غزة، وحركة فتح غير مستعدة لإدخال حماس إلى منظمة التحرير ومؤسساتها، إلا وفق ترتيبات هي تريدها، وعندما تتحدث عن انتخابات، فإنها تريدها بنتائج مضمونة وفقا لرؤيتها.

وحول البدائل المطروحة وطنيا، فعلينا أولا الاستفادة من التجارب الماضية والنظر بواقعية، فالطرفان ليسا جاهزيْن حتى اللحظة لمعالجة ملف المصالحة، وفقا للطريقة التي يريدها الشعب الفلسطيني، أي عودة المؤسسات الوطنية لدورها، وهذا يعني استمرار الانقسام، وربما التحول إلى انفصال. هذا الأمر يتطلب منا الإمساك بما هو متاح كبديل، وهو العمل الوطني الميداني المشترك بين الفصائل كافة، والدفع باتجاه تشكيل قيادة وطنية موحدة، وتعزيز آليات تنسيق العمل المشترك بين المؤسسات المدنية، كما هو في ملفات التعليم والصحة، وغيرها من ملفات يمكن أن تُبقي حالة من الانسجام، والحفاظ على الحد الأدنى من عدم الانفصال، وكذلك وقف حملات التحريض والاتهامات، الأمر الذي من شأنه الإبقاء على أجواء مناسبة لعودة الحوار الوطني الشامل.

أعتقد أن فوز بايدن سوف يؤجل النظر في ملف المصالحة، وباعتقادي يجب عدم الرهان على مواقف الحركتين الرئيستين فتح وحماس، لأن مواقفهما تتأثر بمتغيرات إقليمية ودولية، وإنما يجب الرهان على الشعب الفلسطيني، وعلى الحريصين على العمل الوطني، وهذا يتطلب الذهاب إلى خطوة جريئة من خلال بناء تيار وطني عابر للأحزاب والجغرافيا من قبل مجموعة من الشخصيات، سواء كانت من الفصائل أو من خارجها، وعليها أن تتداعى لحوار شامل وغير رسمي، بهدف التننسيق والتشبيك مع المؤسسات والأطر النقابية والطلابية، في أماكن التواجد الفلسطيني كافة.

د. حسام الدجني، أستاذ علوم سياسية، باحث بالشأن الفلسطيني/ غزة

لم يعد الانقسام فلسطينيا فحسب، فقد أثرت عليه متغيرات إقليمية ودولية وإسرائيلية، إضافة إلى وجود جماعات مصالح تدفع باتجاه عدم إنجاز المصالحة، فضلا عن أزمة الثقة بين طرفي الانقسام، والتي ساهمت في تباعد وجهات النظر، وأزمة الثقة هذه موجودة على المستوى الاجتماعي والنفسي بعيدا عن الحديث الإعلامي المنمق. وإذا ما تم الحديث عن فيتو أمريكي على المصالحة، فبالإمكان معرفة مسببات توقف المصالحة مؤخرا.

إنعاش المصالحة بحاجة إلى حراك ديمقراطي داخلي، وقيادات تعبر عن القواعد التنظيمية في كل الحركات، وأن تكون قيادة منتخبة، وأن تغلب الصالح العام على الصالح الخاص.

وحول البدائل الوطنية، فإن الخيار الأفضل هو الخيار الفدرالي: حماس تحكم غزة ضمن حكومة خدمات مشتركة بين كل الأطراف، وفتح تحكم الضفة ضمن حكومة خدمات مشتركة أيضا، مع إسناد السياسة الخارجية للسلطة الفلسطينية.

وحول تأثير إدارة بايدن على المصالحة الفلسطينية، فقد يكون هناك حالة تحول، ولكن هناك معطلات، فهل ستسمح السلطة بالمصالحة؟ وهل ستكون حماس قادرة على التأقلم مع المتغيرات الجديدة؟ أعتقد أن على حماس في المرحلة القادمة الاقتناع بإظهار قيادات جديدة حتى تُزال عن لوائح الإرهاب، وتُصبح المصالحة ممكنة، وعلى السلطة الدفع باتجاه ذلك، وإذا لم يحصل فسيبقى الانقسام في إطاره الناعم في المرحلة المقبلة.

بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه لم يعد مقبولا، فخيار الحرب أمام حماس لم يعد خيارا وحيدا، ويجري الاعتماد على الردع أكثر. حماس أمامها إغراءات كثيرة في ظل الأوضاع الاقتصادية في غزة. وفي المراحل القادمة، قد تفكر غزة بالحل وحدها، وضمن خيارات جديدة، مقابل إنقاذ الشعب. وفي الضفة هناك مفاوضات لم تُجْدِ نفعا، وهذا يعني انتكاسة وطنية على مستوى الوطن.

د.طلال أبو ركبة، أستاذ العلوم السياسية، ورئيس مجلة تسامح/ غزة

اللجوء للمصالحة ليس توجها استراتيجيا، بل هو تكتيكي أمام الطبقة الحاكمة، وهذا التكتيك هو ضمن سياسة المحاور التي تحكم المنطقة. فعندما جاء ترامب، وفي ظل استمرار الاستيطان، ثم موجة التطبيع، كان الرد بضرورة المصالحة ووحدانية التمثيل، ورفض مشاريع الضم واتفاقيات التطبيع، وبالتالي لم يكن التوجه في المقام الأول استراتيجيا، وبرغبة حقيقية للمصالحة، ثم كان أمرا طبيعيا أن فوز بايدن، سيؤدي إلى وقف المصالحة.

إن أي محاولات لإنعاش المصالحة، ستبقى دون ترجمة إلا بوجود زخم شعبي، لذا يجب أن يخرج الناس في الضفة وغزة للضغط على طرفي الانقسام لإنهائه، لأن المصالح التي بنيت لدى الطرفين، تمنعهم من إنجاز المصالحة، ورغبات المتنفذين باتت تسيطر.

البدائل أيا كان نوعها هي لتعزيز الانقسام، لذا فإن البديل الأنسب هو العودة للقانون الأساسي، والعودة للشعب، والذهاب نحو الانتخابات، وأن يحدد المواطن الفلسطيني ما يريد، وإلا فسيبقى كل طرف يرى أنه الأحق في تمثيل الشعب الفلسطيني، دون أن يكون هناك تغيير حقيقي على الأرض.

في بدايات رئاسة بايدن، أعتقد أنه لن تكون هناك أهمية للقضية الفلسطينية، وملف المصالحة لن يكون ضمن سياسته الخارجية، مع اعتقادي أنه سيتمم اتفاقيات السلام والتطبيع وإدارة المفاوضات، ولن تُنجز أشياء حقيقية على الأرض. في إدارة بايدن ربما تتسع الفجوة بين فتح وحماس، ولن نذهب لمصالحة في القريب العاجل.

إذا كانت هناك استراتيجيات بديلة تحافظ على الحد الأدنى، فهو، على الأقل، عدم السماح لأي طرف بإقامة حلول، منفردا، مع الطرف الإسرائيلي، وعلى حساب الحق الفلسطيني. وإذا لم نستطع أن نحمي الفلسطيني، أو نوفر له حياة كريمة، فعلى الأقل عدم تقديم تنازلات أكثر في هذا البعد.

والبديل الاستراتيجي الثاني، هو ضغط شعبي وازن على طرفي الانقسام، باتجاه تحقيق مصالحة يتم فيها الاتفاق على برنامج الحد الأدنى. وبما أننا وصلنا إلى حالة يصعب فيها الكفاح المسلح والمقاومة الشعبية وإنجاز المصالحة، فعلى الأقل يمكن التوجه للقانون الدولي، والاشتباك مع إسرائيل في أروقة المحاكم الدولية، إضافة إلى ضرورة تعزيز حملات المقاطعة دوليا وشعبيا.

أ. نائلة خليل، مدير مكتب صحيفة العربي الجديد برام الله

أبرز مسببات وقف مسار المصالحة الأخير، هو فوز جو بايدن، وشعور كل من السلطة وحماس، وتحديدا السلطة الفلسطينية، أنها لم تعد تحت ضغط ترامب، من حيث الإملاءات العلنية بخصوص صفقة القرن وضم الضفة، والأهم مخاطر استبدالها إذا بقيت على موقفها الرافض.

جعل نجاح بايدن السلطة الفلسطينية تتنفس الصعداء، وتكون خارج الضغط الذي عاشته أربع سنوات. والمصالحة لم تكن أكثر من ورقة تهديد يشهرها الرئيس أبو مازن، وكذلك حركة حماس، في وجه إدارة ترامب والدول العربية التي تسانده، والتي بدأت مسار التطبيع العلني.

الخيارات المتاحة لنجاح المصالحة تتطلب نوايا سياسية حقيقة لدى قيادة السلطة وحماس، لكن وضع الانقسام مريح للجهتين من حيث تقاسم السلطة، ففتح في الضفة الغربية وحماس في قطاع غزة، فهذا وضع مريح لكلا الطرفين، ولن يضطرهما للقيام بأي تنازلات حقيقية عن السلطة.

يُضاف إلى ذلك أن قرار المصالحة ليس فلسطينيا خالصا، وإنما هو قرار عربي وإسرائيلي، مما يجعل الأمر أكثر تعقيدا وأكثر انكشافا، خاصة من ناحية الضعف الفلسطيني، وارتهانه لدول عربية يخضع قراراه السياسي لها.

الوضع القائم يؤدي إلى تذويب القضية الفلسطينية، ولا يمكن المراهنة على أن بقاء الوضع الراهن سيبقي القضية الفلسطينية والفلسطينيين بخير، لكن اعتمد أبو مازن طيلة الخمسة عشر عاما الماضية، على الرهان على سياسة واحدة، وهي الانتظار، كانتظار انتخابات إسرائيلية مرة، وانتخابات أمريكية مرة أخرى، من أجل البقاء، لكن هذا البقاء يذوب يوميا بفعل استمرار الاستيطان وتأكل الأرض الفلسطينية لصالح المستوطنين والاحتلال، بل إنه لم يعد هناك مشروع وطني بمعنى الكلمة، يتم الإجماع عليه من قبل الفصائل الفلسطينية، والقيادة، والشعب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى