ملفات وقضايامقالات

“إسرائيل” تغلق سبع مؤسسات فلسطينية.. دلالات الخطوة

أ. سليمان بشارات[1]

نفذت قوات الاحتلال “الإسرائيلي”، فجر الخميس 17 أغسطس/آب 2022، وبشكل شبه متزامن، اقتحامًا لمدينتي نابلس ورام الله، ففي نابلس اقتحمت عشرات الآليات العسكرية ومئات الجنود المنطقة الشرقية من المدينة؛ لتوفير الحماية لمجموعات من المستوطنين المقتحمين لمقام يوسف، لتندلع على إثرها مواجهات عنيفة، ويرتقي أحد الشبان شهيدًا برصاص الاحتلال.

أمّا في مدينة رام الله؛ فقد ركزت قوات الاحتلال جهودها على اقتحام سبع مؤسسات أهلية فلسطينية تعمل في مجال الأبحاث والدراسات وحقوق الإنسان؛ لتقوم بمصادرة محتوياتها، وإغلاق أبوابها، بعد أن وضعت على مداخلها قرارًا من القائد العسكري للاحتلال بإغلاق هذه المؤسسات.

تأتي هذه الاقتحامات في ظل تصاعد وتدرج سياسات قوات الاحتلال “الإسرائيلي” بالضفة الغربية، والتي باتت تأخذ منحنًى متصاعدًا في الأسابيع والأشهر الأخيرة، ويحاول هذا التقرير البحث عن إجابات لتساؤلات مهمة باتت تطرح مؤخرًا حول دلالات هذه الاقتحامات؟ وسؤال آخر بات يتردد حول السيادة الفلسطينية التي يتوجب أن توفر حماية للمؤسسات والمواطنين داخل المناطق المصنفة “أ”، وفقًا لتقسيمات اتفاقية أوسلو؟

إغلاق سبع مؤسسات:

شكل اقتحام قوات الاحتلال لمدينتي رام الله والبيرة وإغلاق سبع مؤسسات حقوقية وأهلية ومصادرة محتوياتها في الجانب الآخر، كثير من ردود الأفعال على الصعيدين المحلي والدولي، والمؤسسات التي أغلقت هي (الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين، والحق، واتحاد لجان العمل الزراعي، واتحاد لجان العمل الصحي، واتحاد لجان المرأة الفلسطينية، ومركز بيسان للبحوث والإنماء).

أعلنت المؤسسات تحديها لقرار الإغلاق، إذ عقدت مؤتمرًا صحفيًا قالت فيه إنها مستمرة بعملها وفقًا للقانون الفلسطيني الذي منحها ترخيصًا للعمل، وقام موظفو المؤسسات بانتزاع الألواح الحديدية التي ثبتت على أبوابها ومباشرة العمل من جديد في مكاتبهم، فيما دعا رئيس الحكومة محمد اشتيه، خلال زيارته لمؤسسة الحق، جميع المؤسسات إلى إعادة فتح أبوابها وممارسة عملها وعدم الخضوع للقرار “الإسرائيلي”، باعتبار “هذه المؤسسة مسجلة لدى دولة فلسطين، وبالتالي هي مؤسسات قانونية تعمل ضمن إطار القانون”. وأعربت الرئاسة الفلسطينية عن رفضها لهذا القرار الذي يمثل اعتداء “على المنظومة الحقوقية الدولية”، كما عبرت غالبية المؤسسات الأهلية والقوى والتنظيمات السياسية الفلسطينية في مقدمتها حركتا فتح وحماس، عن رفضها لهذا القرار داعية لعدم قبوله، بل وضرورة تصعيد الموقف الفلسطيني الرافض ميدانيًا وسياسيًا لمحاولات التقييد التي يسعى الاحتلال فرضها على المؤسسات الفلسطينية، وأعربت تسع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، عن قلقها من الخطوة “الإسرائيلية”، وقالت في بيان مشترك: “لا غنى عن وجود مجتمع مدني حر وقوي لتعزيز القيم الديمقراطية، ومن أجل حل الدولتين”، وأعلن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أنه لم تثبت مزاعم الاحتلال “الإسرائيلي” فيما يتعلق ببعض منظمات المجتمع المدني الفلسطينية واتهامها بدعم “الإرهاب”، وسنواصل الوقوف لجانب القانون الدولي ودعم تلك المنظمات.

وتعيد هذه الخطوة للأذهان ما قام به الاحتلال “الإسرائيلي” خلال احتلاله لمدينة بيروت، واقتحامه لمركز دراسات الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1982، ومصادرة أرشيفه من الوثائق قبل أن ينجح الفلسطينيون باستعادة أجزاء منه بعد عام على المصادرة ضمن صفقة تبادل مع حركة فتح، لتودع عقب ذلك في الجزائر، وتبقى هناك حتى اليوم.

 دلالات الخطوة:

يثير تصاعد اقتحامات الاحتلال للمدن الفلسطينية في الأسابيع والأشهر الأخيرة، إضافة لإغلاقه المؤسسات الأهلية، سؤالًا حول دلالات هذه الخطوات والأهداف التي يحاول الاحتلال تحقيقها، وهو ما يمكن قراءته ضمن مجموعة من الدلالات:

  • الخوف من رفع الغطاء الدولي: يعمد الاحتلال “الإسرائيلي” على الإبقاء على الغطاء الدولي الذي يوفر حماية كاملة لممارسته على الأرض، وهي ذات السياسة المتبعة منذ إقامة الكيان وفقًا لوعد بلفور حتى الآن، إلا أنّه في السنوات الأخيرة بات الاحتلال عاجزًا عن تصدير روايته فقط، وبات هناك كشف لجزء من الحقائق من خلال ما تقوم به المؤسسات الفلسطينية المستهدفة والتي تمكنت من بناء مصداقية لأدائها في توثيق الجرائم التي ينفذها الاحتلال، وآخرها الاستعداد لرفع قضية أمام المحاكم الدولية متعلقة بمقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة برصاص قناص “إسرائيلي”، وهو ما قد يفسر اختيار التوقيت ودلالة الخطوة تجاه هذه المؤسسات ومحاولة إخفاء جزء من أرشيفها أو سرقته عبر مصادرته وإغلاقها.
  • تعزيز مبدأ اليد العليا للاحتلال: تحاول “إسرائيل” جعل الضفة الغربية ضمن تصنيف مناطق “متنازع” عليها، خصوصًا عقب الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وإنهاء ما بات يعرف بتقسيمات المدن وفق اتفاقية أوسلو، هذه الصفة تجعل “إسرائيل” أكثر قدرة وحرية في إحداث تغيرات ديمغرافية وجغرافية تمهيدًا لفرض سيادتها الكاملة عليها، والاستمرار في إضعاف سيطرة السلطة الفلسطينية على مناحي الحياة المختلفة، وتعزيز مفهوم “السلطة الإدارية” فقط والتي تقتصر على تقديم الخدمات للمواطنين، وما يؤكد ذلك أن القرارات التي أصدرها الاحتلال بحق إغلاق المؤسسات، وكذلك التعامل مع الاقتحامات اليومية للمدن الفلسطينية يكون بناء على قرار من القائد العسكري، وهو ما يعني أن الضفة الغربية هي ضمن سيادة قيادة جيش الاحتلال.
  • تفكيك بُنى المقاومة: يدرك الاحتلال “الإسرائيلي” أن الضفة الغربية ستبقى تشكل تحديًا أمام المؤسسة الأمنية التابعة له، ومصدر إلهام للعمل المقاوم بشتى أشكاله ابتداءً بالمقاومة الشعبية وصولًا إلى العمل العسكري، وهذا ما بات يبرز في الشهور الماضية، وصعود العديد من النماذج للعمل المقاوم ابتداءً من مخيم جنين وكتيبتها وصولًا إلى مدينة نابلس وكتيبتها، ويعدَّ ما تقوم به المؤسسات الحقوقية من عمليات توثيق للانتهاكات “الإسرائيلية” المتواصلة على الأرض جزءًا من العمل النضالي ، حيث يخشى الاحتلال من أن تنجح هذه المؤسسات من إكمال دورها وفضح ممارساته عبر المؤسسات والمنصات الدولية ما قد يسبب حرجًا له، ويفتح باب الضغوط عليه، هذا الأمر يعزز من النهج “الإسرائيلي” وتفكيك بنية العمل المقاوم بأشكاله كافة؛ لعدم الوصول إلى حالة تنظيمية متكاملة، وبشكل موازٍ له خلق حالة خوف وقلق أمام المؤسسات العاملة في المجال الحقوقي التوثيقي.

الخاتمة

تساهم حالة الانشغال الفلسطيني الداخلي بالمناكفات السياسية بين التنظيمات الرئيسة، وغياب الرؤية والبرنامج السياسي المتفق عليه، واستغلال هذا الوضع من شخصيات فلسطينية تبحث عن مستقبلها السياسي على حساب البرنامج الوطني، في خلق أرضية خصبة يمكن من خلالها تسهيل المهمة “الإسرائيلية” الساعية إلى إعادة بسط سيادتها التامة على الأرض الفلسطينية بالضفة الغربية، واقتصار مفهوم السيادة الفلسطينية على توفير إدارة خدماتية يقوم عليها الفلسطينيون تحت مسميات عديدة، الأمر الذي قد يجعل الحالة المقبلة ميدانيًا تزيد من الانتهاكات “الإسرائيلية”؛ لعدم وجود ما يمنعها من ذلك، وبالتالي يأتي السلوك “الإسرائيلي” على الأرض لتهميش مكانة ودور المؤسسات الأهلية باعتبارها جزءًا فاعلًا في تعزيز حالة الوعي الفلسطيني تجاه مقاومة الاحتلال من جانب، ومن جانب آخر لإضعاف دورها على الساحة الدولية، لا سيما فيما يتعلق بتوثيق الانتهاكات “الإسرائيلية”، وإمكانية ملاحقة تقاريرها أمام المحاكم الدولية.

[1] – باحث في مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، رام الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى