اجتياح شمال الضفة: تفكيك المخيمات ونزوح أهلها لإعادة تشكيل البنية والوعي

تقى حنون

منذ اجتياح جيش الاحتلال لمخيم جنين معلناً إطلاق “عملية الجدار الحديدي” في ال21 من يناير العام الحالي، بعد يومين فقط من سريان وقف إطلاق النار في غزة، وجّه الاحتلال ثقل نشاطه العسكريّ نحو شمال الضفة الغربية، مستهدفاً مدن جنين وطولكرم وطوباس ونابلس، مكثّفاً اعتداءاته على مخيّماتها (جنين، وطولكرم ونورشمس، والفارعة، والعين وبلاطة)، وامتدت فترة عدوانه على جنين وطولكرم، اللتين احتل مخيماتهما، محدثاً أكبر عملية نزوح في الضفة الغربية منذ عام 1967، وإن كان هذا النزوح داخلياً إلى ضواحي المدينتين وقراهما في أغلبه، فقد فتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات حول مصير النازحين ومخيماتهم، في خضم أكبر عملية هدم جماعي للمنشآت، تشهدها الضفة منذ الانتفاضة الثانية أيضاً، وتحديداً منذ اجتياح جنين “عملية السور الواقي” عام 2002.

شرع جيش الاحتلال في إفراغ ممنهج للمخيمات وبعض المناطق المحيطة فيها والمشرفة عليها، بإجبار اللاجئين على الخروج منها بأوامر مباشرة تحت تهديد السلاح، أو باستهدافهم بنيرانه عشوائياً، أو الضغط عليهم بقطع إمدادات المياه والغذاء والكهرباء عنهم، مسبباً موجات نزوح متتالية، فرّغت مخيمي جنين وطولكرم بالكامل من سكانهما، ومخيم نور شمس من أغلبيتهم، ليفوق عدد النازحين منها 41 ألف نازح وفق الأونروا[1]، بظروف جوية قاسية، ملتجئين إلى منازل معارفهم أو مراكز الإيواء كالنوادي وقاعات الأفراح والخيام والمنازل قيد الإنشاء، فيما اضطرت مئات العائلات إلى استئجار مساكن تحتاج إلى التأثيث غالباً، ما ضاعف عبء النزوح عليهم، علماً أن بعضهم عادوا مراراً إلى منازلهم، قبل أن يعاود جيش الاحتلال اقتحامها وطردهم منها.

توزيع النازحين وظروف معيشتهم

خلّفت اجتياحات الاحتلال الدورية لمخيمات جنين وطولكرم ونور شمس على مدار عامين ونصف مضت، أضراراً بشرية ومادية جسيمة، موقعة أكثر من 500 شهيد في المدينتين ومخيماتهما وفق مرصد شيرين[2]، فضلاً عن تدمير بنية المخيمات التحتية التي جعلتها “منطقة منكوبة وغير صالحة للسكن البشري وفق لجانها الشعبية[3]“، ما أدى إلى نسبة من النزوح الدائم والمؤقت إلى خارجها آنذاك، إلا أنّ اجتياح الاحتلال الحاليّ فرّغها من سكانها بالكامل.

فوفق لجنة الخدمات الشعبية في مخيم جنين والأونروا، بلغ عدد النازحين من المخيم أكثر من 18 ألفاً من سكان المخيم والجوار، توزّعوا على 86 موقعاً أكبرها مدينة جنين، حيث تستأجر قرابة 1300 عائلة مساكن خاصة، بالإضافة لحوالي 520 عائلة تسكن في مساكن الطلبة حول الجامعة العربية الأميركية، وتكفل اللجنة الشعبية تكاليف استئجار أغلبها، وتتوزع بقية الأُسر النازحة على 84 موقعاً في قرى جنين، أكبرها قرى برقين وقباطية ويعود واليامون وسيلة الحارثية، بالإضافة إلى قريتين في محافظة نابلس[4].

وفي طولكرم، توزع ما لا يقل عن 13500 نازح من مخيم طولكرم، وحوالي 9500 نازح من نور شمس على عدد كبير من التجمعات السكانية وفقاً للأونروا[5]، بدءاً من المناطق المحيطة بالمخيم وصولاً إلى بقية أحياء المدينة وضواحيها، وتركزوا في الحيّين الشرقي والشمالي وضواحي ذنابة وشويكة والعزب واكتابا وبلدات بلعا وعتيل وعنبتا والكفريات وغيرها[6]، متوزعين على قرابة 40 تجمعاً سكنياً على الأقل، ونظراً للعشوائية الذي اتسمت بها حركة خروج الناس من المخيمات، دون تخطيط مسبق لاحتواء الأزمة، أو وجود آلية سابقة لرصد تحركاتهم وتوزيعهم، واجهت الأونروا واللجان الشعبية صعوبة في الإحاطة بأعداد النازحين وأماكن توزيعهم.

تجشّم اللاجئون عناءً مادياً ونفسياً ثقيلاً في سبيل الحفاظ على سلامة أسرهم وأطفالهم، خاصة أن موجات نزوحهم الأولى كانت بالتزامن مع برد الشتاء القارس، في ظل شح أو انعدام الدخل لدى كثير منهم، علماً أن سطوة الاجتياح طالت جميع أنحاء المدينتين، اللتين لاحق الاحتلال النازحين فيهما، واعتقل أو أوقف واستجوب بعضهم في أماكن نزوحهم، كما تكرر نزوح بعضهم عدة مرات تبعاً لإخطار الاحتلال بإخلاء الأماكن التي نزحوا إليها، خصوصاً في الحيين الشرقيّ والشماليّ بطولكرم وحي الزهراء بجنين، حيث نزحت لتلك الأحياء مئات العائلات من المخيمات، مستأجرةً بعض الشقق والمنازل، ثم اضطروا لإخلائها تبعاً لتلك الإخطارات.

وضاعفت أوامر إخلاء عشرات المباني السكنية في الأحياء المذكورة المجاورة للمخيمات أزمة النزوح، إذ وجد بعض المواطنين من غير اللاجئين أنفسهم خارج منازلهم، بعدما باغتتهم قوات الاحتلال وطالبتهم بإخلائها في غضون 5 دقائق أحياناً، ولم تتجاوز المدة الممنوحة للإخلاء لأوفر العائلات حظاً ال10 ساعات، دون مراعاة حساسية بعض الأوقات كشهر رمضان، إذ تكررت الاقتحامات وإخطارات الإخلاء مع ساعات الإفطار أو السحور، مخلفةً أعداداً أكبر من النازحين غير المسجلين بالأونروا، ما يعني عدم حصولهم حتى على المساعدات التي قدمتها للاجئين، رغم عدم كفايتها لتلبية احتياجاتهم كما يقول كثير منهم؛ في ظل غلاء المعيشة المتزايد، وارتفاع إيجارات المنازل، ما اضطر بعضهم إلى السكن بأماكن مكتظة في منازل أقاربهم، أو استئجار شقة واحدة لإيواء عدة عائلات.

ومع انتشار النازحين على القرى المحيطة، لوجود مأوى لدى أحد الأقارب هناك، أو انخفاض الإيجارات نسبياً بالمقارنة مع المدينة، باتت العودة للمدينة لتسيير مصالحهم وإتمام معاملاتهم أو العودة لمحاولة إخلاء ما استطاعوا من منازلهم بالمخيمات مكلفة ومرهقة، خصوصاً مع إغلاق جيش الاحتلال للطرقات بالحواجز أو عرقلة سالكيها.

وبعد مضي حوالي 3 أشهر تقريباً على الاجتياح، وتنفيذ العديد من الحملات الخيرية، تلاشت كثافة المساعدات التي اتخذت طابع العونة والفزعة شيئاً فشيئاً، ورغم صرف الأونروا طروداً غذائية ومخصصات مالية كبدل إيجار للمسكن، وإعلان محافظة طولكرم بعيد الاجتياح عن تشكيل “لجنة الكرامة”[7] التي ضمت طيفاً واسعاً من المؤسسات الرسمية والأهلية، معلنة بدورها عن التكفل بإيجار مئات الشقق السكنية، والمساعدات العينية والمالية، غير أنها غير كافية بالنسبة لعدد النازحين الكبير واحتياجاتهم المتزايدة، خاصة وأن بعض مؤجّري المنازل يطالبون بإيجارات سنوية أو نصف سنوية، كما أنّ مالكي بعض مراكز الإيواء كالمراكز الثقافية والقاعات طالبوا من نزحوا إليها بالخروج منها مؤخراً؛ لإعادة تشغيلها كونها مصدر رزقهم، وهو ما زاد من صعوبة عثورهم على بديل.

ولا يخفى ما أفرزه نزوح اللاجئين واكتظاظهم من تبعات اجتماعية تجسد أكثرها وضوحاً بالخلافات في أماكن نزوحهم، عدا عن انعكاسها على صحتهم الجسدية والنفسية تبعاً لانتشار الفيروسات، بالإضافة للصدمات والضغط النفسي، ومستوى تعليم أطفالهم؛ بعد انقطاعهم لفترات متفاوتة عن التعليم في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، فمنذ بدء الفصل الدراسيّ الثاني بعيد الاجتياح اضطرت المدارس الحكومية ومدارس الأونروا (72 مدرسة حكومية و10 مدارس أونروا) لإغلاق أبوابها، وتحويل دوامها إلكترونياً، في وقت كان يعجز فيه كثير من طلبة المخيمات النازحين أو العالقين بالمخيمات عن توفير احتياجاتهم الأساسية، ما حال دون استئناف تعليمهم.

فالعديد من الأسر عجزت عن توفير الأجهزة اللازمة لأبنائها، وعانت من انقطاع الإنترنت والكهرباء، ما انعكس سلباً على آلاف الطلبة في مدارس الأونروا، علماً أن أغلبية مدارس المحافظتين الحكومية عادت للعمل وجاهياً بعد 7 نيسان/ أبريل 2025، بعد عيد الفطر[8] أي بعد قرابة شهرين من الاجتياح، وتبعتها مدارس الأونروا بالدوام جزئياً في فترات مسائية، داخل مباني المدارس الحكومية، إلا أن تشتت الطلبة النازحين منذ بداية الاجتياح حال دون عودتهم للانتظام في مقاعدها، خاصة وأن أعداداً غير قليلة منهم التحقوا بالمدارس الحكومية في أماكن نزوحهم.

طمس شواهد النكبة: محو المخيمات بإعادة تشكيلها

في اجتياحه الأخير اعتمد الاحتلال مستوًى متقدماً من التدمير المنظم وفق مخططات محددة؛ لإعادة رسم بنية المخيمات وشق طرق جديدة، تجعلها أشبه “بالأحياء” كما يقول، لنزع خصوصية المخيمات التي يشبه تلاصق منازلها تلاصق قطع الليجو، ما كان يحول دون تنقل جيشه بحرية داخلها ودون كشف أزقتها ومكامنها، ونظراً إلى أن تلك المخيمات في أصلها مرتبطة بحق العودة وقضية اللاجئين، فالاحتلال يسعى إلى سلخها عن سياقها، بمحو هويتها البصرية الدالة عليها، وصولاً إلى تقويض عمل وكالة الأونروا فيها.

وما زالت عمليات تدمير وهدم منازل المخيمات في أوجها، فبعدما فجّر وهدم الاحتلال في مخيم جنين 600 منزل بشكل كامل وجعل 3000 وحدة سكنية غير صالحة للسكن[9]، ودمّر أكثر من 400 منزل في مخيّمَيْ نورشمس وطولكرم بشكل كامل وأكثر من 2500 منزل بشكل جزئي[10]، وأصدر جيشه قراراً عسكرياً بهدم 58 وحدة سكنية في مخيم طولكرم و48 وحدة في مخيم نور شمس[11]، لمحو منازل مئات العائلات في الوحدات المكونة من عدة طوابق، وتتعمد قوات الاحتلال تنفيذ عملية الإخلاء بأسلوب يُنهك أصحابها، الذين بالكاد يتمكنون من الوصول إليها مشياً على الأقدام، إذ شهدت إجراءات الإخلاء الأخيرة تصعيداً من قبل الاحتلال، الذي كثف من ممارساته القمعية تجاه النازحين، من خلال استخدام أساليب مختلفة شملت الهدم بإخطار مسبق أو بدونه، ومنح بعض الأهالي مهلاً قصيرة لا تتجاوز ثلاث ساعات لإخلاء منازلهم دون السماح باستخدام وسائل نقل، حتى تلك التابعة لجمعية الهلال الأحمر، التي هاجم جنوده طواقمها مراراً، ومنعها من دخول المخيم في الوقت المحدد، ما أدى إلى هدم المنازل بما فيها من أثاث. وفي ظل هذه الظروف، تدفق العديد من سكان المخيم إليه، بمن فيهم من لم يتلقوا إنذارات، في محاولة لإنقاذ متاعهم، خوفاً من تضرر منازلهم دون إنذار، ولمعاينتها بعدما حرموا منها لأشهر، فقابلهم جيش الاحتلال بالقمع والطرد. وما زالت بلاغات الإخلاء للهدم إليهم تتوالى تباعاً، ولم تنته سلسلة الهدم حتى تاريخ إعداد هذه المادة.

ومع إعلان قرار الهدم الجماعي الأخير ليلة الأول من أيار 2025، ضمن خرائط جوية غامضة أشارت إلى مبانٍ مهددة دون تفاصيل، توافد الأهالي جماعياً إلى المخيمين صباحاً، تغمرهم الصدمة من الدمار، والارتباك لغياب تفاصيل المباني المهددة بالهدم، تبعتهم عدسات الصحفيين، ولم يمض وقت طويل قبل أن تبرز قوات الاحتلال لقمعهم والتنكيل بهم وطردهم بالقنابل والرصاص، وتحتجز المئات منهم رجالاً ونساءً وتفتشهم، ثم تفرج عنهم بعد ساعات ومعهم أحد المصورين الصحفيين، كما أصابت صحفية بشظية في ساقها. وفي الأيام اللاحقة سمح لهم بالدخول بأعداد محدودة وتفتيش مسبق، مع منع دخول وسائل الإعلام.

التكيّف مع النزوح: مخاوف من تحوّل المؤقّت إلى دائم

تتوالى تأكيدات قادة الاحتلال على نيّته استئناف اجتياحه للمخيمات لأشهر قد تصل حتى نهاية هذا العام، كما صرح وزير جيش الاحتلال يسرائيل كاتس، وأكد قائد لواء أفرايم نتانئيل شمكا مؤخراً، الذي قال إن وجودهم “لن يستمر للأبد، ولكن في الوقت الحالي لا يمكنهم المغادرة”، مشيراً إلى “أهمية بقاء القوات على الأرض”، وموضحاً “نحافظ على استمرارية العمل. إذا لم نقم بجز العشب، فسيتعافون”، وتتنامى مع هذه التصريحات مخاوف النازحين، مطالبين بالعودة السريعة لمنازلهم في المخيم أو إلى ركامها.

وبالتوازي مع هذه التصريحات أعلنت محافظتا جنين وطولكرم بعد اجتماع مع رئيس الوزراء في ال19 من مايو 2025، عن التوافق على حل يتمثل “بتوسعة رقعة الإيواء المؤقت” عبر توفير تجمعات ل” كرافانات” للعائلات النازحة التي تحتاج للإيواء على أراضٍ مختلفة”، وأعلنت محافظة طولكرم عن “تنظيم عقود إيجار لصالح النازحين من مخيمي طولكرم ونور شمس” خاصة لمن لم يجدوا ملجأً، حيث يجري تنفيذ الإجراءين معاً وفق دائرة العلاقات العامة بالمحافظة.

وهذه الحلول بالقدر الذي تحاول فيه إيجاد مقاربة لاحتواء معاناة حقيقية لمن لا يجدون مأوى، فإنها تثير مخاوف النازحين، الذين باتوا على علم بمخططات الاحتلال الرامية إلى تحويل المخيمات إلى “أحياء تابعة للمدينة، دون أن يستطيع أكثر من نصف سكانه العودة إليه بعد التدمير”، ما يرونه طمساً لقضية اللاجئين بمحو المخيمات، لذا علت أصوات محتجة من أهالي مخيمي طولكرم خلال وقفات أمام مقر المحافظة في طولكرم، مطالبةً السلطة الفلسطينية بالعمل لإعادتهم إلى منازلهم في المخيمات، بدلاً من إيجاد بدائل لها، خوفاً من أن يتحول المؤقت إلى دائمٍ يمحو أثر جريمة التهجير الأولى.

بعد أسابيع من الاجتياح، بدأ الفلسطينيون بمحاولات لاستعادة الحد الأدنى من حياتهم اليومية، مجبرين على التكيف مع وجود الاحتلال لتأمين احتياجاتهم ودخلهم المتهالك. ونظراً إلى أن الاحتلال أبدى رغبته الصريحة في عودة الحياة للمدن، خلال اجتماع ضابط الإدارة المدنية الإسرائيلية مع رئيس بلدية جنين ومدير غرفتها التجارية، مشجعاً على فتح المتاجر وإصلاح الشوارع ومقترحاً تغطية التكاليف – مع استثناء المخيمات من ذلك – فهدفه بات واضحاً بتسيير حياتهم اليومية وتطبيع وجوده اللصيق بينهم، مع احتمالية اقتحامه لشوارعهم ومتاجرهم ومنازلهم واعتقالهم في أي لحظة، فيما يظل مشهد دمار المخيمات ماثلاً، ومذكراً بمصير من يحاول الوقوف في وجهه.

خاتمة

في المحصلة، فإن لما سبق تأويلات لمآلات قد يطمح الاحتلال إلى تحقيقها، نظراً لانعدام أي مانع يحول دونها، أقتمها وأشدها سوداوية بقاؤه الدائم في المخيمات، تبعاً لتصريح كاتس حول “دراسة إقامة نقاط عسكرية دائمة في قلب مخيمات شمال الضفة الغربية“، فيما امتدت هواجس البعض إلى نقطة أبعد قد تسمعها في حديث أحد اللاجئين، مثل: أن يتحور ذلك البقاء إلى شكل من أشكال الاستيطان.

ويبدو جلياً أن شيئاً من بواعث هذا البقاء هو ترويع الفلسطينيين إلى الدرجة التي لا تنهي وجود المسلحين وحسب، بل تجعلهم مهيئين لنبذ أي نشاط مسلح في فضائهم، فمنهجيته الواسعة في التنكيل بهم في المخيمات والمدن، وإعادة هيكلة المخيم لفصله مؤسساتياً ومعنوياً عن قضية اللاجئين- الأونروا وحق العودة، تشير مجتمعة إلى إستراتيجية تهدف لإعادة تشكيل منطلقات الفلسطينيين ودوافعهم، لتحركهم نزعة النجاة، التي عمقها تهديد وجودهم وإفقادهم الشعور بالأمان والاستمرارية، وهم يشهدون الإبادة في غزة دون أي رادع يذكر.

وهذه السياسة ليست جديدة على الاحتلال الذي انتهج عبر تاريخه سياسات العقاب الجماعي والعنف المفرط تجاه أقل ظاهرة مقاومة، وهي سياسة نابعة من عقيدة الاحتلال الأمنية الساعية لإفقاد الفلسطينيين الأمل من خيار المقاومة وجعله خياراً مرفوضاً منهم بذواتهم كأحد تجليات عملية “كيّ الوعي” الناتجة عن صدمة العنف المفرط وحجم التكاليف الباهظة التي يفرضها على الشعب الفلسطيني. وهذه السياسة اليوم تتخذ أحد أكثر تجلياتها عنفاً، ولا ينفصل ذلك عن العقلية التي تحكم دولة الاحتلال اليوم، التي يهيمن عليها اليمين الخلاصي الساعي لحسم الصراع، إذ إن وزير مالية الاحتلال بتسلإيل سموتريتش، في خطته المعروفة، بـ”خطة الحسم”، يرى أن مقاومة الفلسطينيين، لا تنبع من اليأس كما هو شائع في الخطاب الإسرائيلي، وإنما من الأمل. ولذلك فإن جوهر الحسم هو قتل ذلك الأمل.

أمام هذا الواقع، فإن هناك أسئلة من المهم أن تُطرح فلسطينياً، وأن يعاد التفكير في مجمل السياسات والخيارات الرسمية وغير الرسمية التي نتعامل بها مع الاحتلال وسياساته، ومن المحتمل أن تكون السياسات والخيارات الفلسطينية منطلقة من فهم عميق للواقع وظروف الناس على الأرض، كونهم هم الذين يتحملون العبء والتكلفة المباشرة لتلك السياسات والخيارات، ثم بناء إستراتيجية وطنية تنطلق من هذا الفهم بما يضمن الحفاظ على بقاء الشعب الفلسطيني في أرضه والحفاظ على الأمل في وجدانه، من باب أنه أصبح محوراً من محاور الصراع في هذه المرحلة.


[1]  المصدر: القائم بأعمال مدير المكتب الإعلامي للأونروا “عبير إسماعيل” بعد تواصلي معها.

[2]  بالعودة إلى قائمة الشهداء، وتحديد البحث وتصفية النتائج لإظهار عدد الشهداء بين الفترة الزمنية يناير 2023 وأيار 2025، تحديداً في مدينتي جنين وطولكرم، يظهر أن عدد الشهداء في المدينتين 580 شهيداً، الأغلبية العظمى منهم استشهدوا داخل المدينتين ومخيماتهما.

[3] صرّحت اللجان الشعبية في مخيمات جنين وطولكرم ونورشمس، ومحافظة طولكرم ومسؤول محلي من جنين بأن المخيمات والمدينتين باتت مناطق منكوبة، غير صالحة للسكن عدة مرات خلال العام الماضي. كما التقيت فيصل سلامة ونهاد شاويش رئيسيْ اللجنتين الشعبيتين بشكل شخصي العام الماضي وأكّدا أن المخيمين منكوبان ولا يصلحان للسكن الآدمي، وفيما يلي عدد من روابط الأخبار حول ذلك:

5.

[4]  المصدر ذات الموقع المضمن في بداية الفقرة، الدراسات الفلسطينية، كارثة نزوح المخيم والجوار هائلة ودور الحكومة باهت ومتخبط.

[5]  المصدر: سابق، القائم بأعمال مدير المكتب الإعلامي للأونروا “عبير إسماعيل”

[6]  وفق الجداول التي زودتنا بها اللجنتان الشعبيتان.

[7]  إعلانات اللجنة الرسمية وتفاصيل منسقيها في مناطق النزوح تنشر بشكل دوري على صفحة المحافظة على الفيسبوك.

[8]  لم تكن عودة المدارس دفعة واحدة في المدينتين بعد العيد، بعض المدارس قدرت العودة في تواريخ مختلفة حسب ظرفها، لكن العدد الأكبر منها عاد للعمل في تاريخ 7 نيسان/ أبريل 2025.

[9]  الأناضول، بلدية جنين: الجيش الإسرائيلي دمر 600 منزل في المخيم.

[10] الأيام، أكثر من 2800 منزل دمرت في مخيمي طولكرم ونور شمس، صدر هذا التقرير في منتصف نيسان/ أبريل 2025 ومنذ ذاك هدم الاحتلال عشرات المنازل ليتجاوز عدد المهدوم كلياً ال400 وفق فيصل سلامة ونهاد شاويش رئيسيْ لجنتي مخيمي طولكرم ونورشمس عند تواصلي معهم.

[11]  وفا، الاحتلال يخطر بهدم 106 منازل وبنايات في مخيمي طولكرم ونور شمس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى