عرض كتاب: “مقاومة الهيمنة في فلسطين: آليات وتقنيات السيطرة والاستعمار واستعمار المستوطنين”

الكاتب: علاء الترتير، تيموثي سيديل، وطارق دعنا

عرض: د. رغد عزام

لغة الكتاب: الإنجليزية.

عنوان الكتاب: Resisting Domination in Palestine: Mechanisms and Techniques of Control, Coloniality and Settler Colonialism

دار النشر: آي بي توريس (I.B. Tauris).

عدد الصفحات: 247 صفحة

يُعدُّ هذا الكتاب مساهمة علمية تسعى لفهم ديناميكيات السيطرة والمقاومة في الحالة الفلسطينية. يستعرض الكتاب، من خلال مجموعة من الدراسات الميدانية، حالة اتساع نطاق العنف الهيكلي، واستمرار الهيمنة الإسرائيلية وإعادة إنتاجها بوسائل وآليات جديدة، ما يجعله يحلل هيكلية الهيمنة بمنظور أوسع وليس بمعناه المجرد. وفي ذات الوقت يكوّن تفاعلًا جدليًا بين الهيمنة والمقاومة عبر مجموعة من الخلفيات الفكرية، وفي سياقات تاريخية متنوعة.

يُعتبر الكتاب تجميعًا لوجهات نظرٍ نقديةٍ معاصرة، ويستند إلى العمل الميداني التجريبي، إذ يتبنى المؤلفون لهذا الكتاب مناهج متعددة التخصصات في فحصهم للوظائف والهياكل المعقدة للهيمنة التي تتخلل الحياة الفلسطينية من خلال إلقاء الضوء على ديناميات السلطة، والكشف عن الآليات التي تحافظ على النظام الاستعماري الاستيطاني. ويركز الكتاب في ذات الوقت على أن آليات السيطرة هذه هي أيضًا نقاط قوة للمقاومة الفلسطينية.

يتألف الكتاب، المكوّن من 247 صفحة، من ثلاثة عشر فصلًا مقسمة ضمن أربعة أقسام رئيسة، ويناقش القسم الأول منها الأبعاد السياسية للسيطرة والهيمنة الإسرائيلية مقابل الرفض والمقاومة الفلسطينية. ويتناول القسم الثاني الأبعاد الاقتصادية للهيمنة والاستغلال ونزع الملكية من الفلسطينيين. أما القسم الثالث فيفسّر الأبعاد البيئية للسيطرة الإسرائيلية من حيث الأرض والأصلانية والفضاء العام، والمقاومة في إطار سياق الاستعمار الاستيطاني والرأسمالية العرقية. في حين يتطرق القسم الرابع لأبعاد السيطرة المعرفية، ويسلط الضوء على كيفية إدارة معايير إنتاج المعرفة لاستدامة السيطرة.

بالنظر إلى فصول الكتاب، يقدم الفصل الأول مقدمة عامة كتبها محررو الكتاب: علاء الترتير، وتيموثي سيدل، وطارق دعنا، حول فكرة الكتاب القائمة على استكشاف واقع السيطرة والهيمنة الإسرائيلية في كلٍّ من السياسة والاقتصاد والبيئة والمعرفة، ودور المقاومة الفلسطينية في التصدي لسياسات الاستعمار الاستيطاني. أما الفصل الثاني، فيناقش فيه طارق دعنا الرؤية الصهيونية طويلة الأمد التي تستند إلى مفهوم “الحكم الذاتي الفلسطيني” لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وذلك من خلال إنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح تفتقر إلى السلطة، على شكل جيوب متجاورة محاطة بالكامل “بإسرائيل”، وهو ما تم بالفعل ضمن الحكم الذاتي المؤطر في أوسلو.

وتناقش يارا عاصي في الفصل الثالث تصور العنف الهيكلي والقمع في تفاصيل الحياة اليومية للفلسطينيين، والتي تعتبر الآلية الرئيسة التي يتم من خلالها إنشاء أنظمة الهيمنة والحفاظ عليها. وركزت الباحثة في تحليلها على نظام التصاريح الطبية الذي تفرضه “إسرائيل” على المرضى الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، ومحاولة سلبهم حقهم الإنساني في العلاج، لتتوصل من خلال تحليل البيانات المتوفرة إلى أن الاحتلال يسعى عبر تشديده على التصاريح الطبية إلى التضييق على الفلسطينيين، متذرّعًا بمزاعم المخاوف الأمنية.

وفي الفصل الرابع تشرح نجمة علي كيف باتت التكنولوجيا في عصرنا الحالي أداة مهيمنة على التفاعلات البشرية اليومية، ولكن على الرغم من أفق الحرية الذي توفره التكنولوجيا، إلا أن أنظمة الرقابة والتجسس أفسدت هذه الحرية، خاصة مع تصدّر “إسرائيل” عالميًا في هذا المجال، وهيمنتها على الفضاء الرقمي لاستغلاله كأداة للقمع والسيطرة. وفي سياق متّصل، ناقشت وئام حمدان في الفصل الخامس دور الرّقمنة كقوة اقتصادية تساهم في تسريع تنمية المجتمع ونشر المعرفة، لكن الباحثة ترى أن الحواجز الهيكلية والهيمنة التي تمارسها “إسرائيل” للحد من إحداث تنمية في فلسطين تحول دون الاستفادة من التطور التكنولوجي، إلى جانب التأثير الذي تُحدثه الرقمنة في اتساع نطاق تأثير الرأسمالية على التعليم والبُنى الاجتماعية. لينتهي بذلك القسم الأول من الكتاب والمتعلق بالجانب السياسي.

في الفصل السادس تعالج هبة طه العلاقة البنيوية بين سياسات المساعدات الاقتصادية والتقنية التي طوّرتها “إسرائيل” في البلدان الأفريقية، والممارسات الاستعمارية الموجهة ضد الفلسطينيين منذ بدء الاحتلال. وتتطرق الباحثة في أطروحتها إلى تحليل الترابط الجغرافي بين المناطق، حيث يتَشَكَّل هذا التشابك بفعل ديناميات الاقتصاد العالمي، وتداخل مشاريع نزع الملكية الفلسطينية مع التصوّرات التنموية العالمية، ممّا جعلها جزءًا من سرديات التحديث والتنمية العالمية، وتشير الباحثة إلى أن هذه الإستراتيجيات لم تُستخدم لتعزيز الهيمنة الإسرائيلية فقط، بل لإعادة تشكيل الفلسطينيين كموضوعات اقتصادية وسياسية خاضعة للرأسمالية الاستعمارية الإسرائيلية.

يبحث كولن باورز في الفصل السابع في المحددات التي فرضها الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي على أداء الاقتصاد الفلسطيني وأثره على صياغة التكوين الأساسي لذلك الاقتصاد. فالعلاقة التي فرضتها “إسرائيل” بين الاقتصاد والدولة، وتشكيل الطبقات الاجتماعية في فلسطين لتعزيز نموذج النمو القائم على الديون والاستهلاك الممول بالمساعدات، والاعتماد القسري للسلطة الفلسطينية على الشيكل الإسرائيلي، وغياب ُنظم مستقلة للتمويل والتبادل التجاري، كل ذلك يحد من التنمية الفلسطينية ويُبقي الاقتصاد الفلسطيني في حالة تبعية دائمة. وفي الفصل الثامن يحلل الباحث أنس قطيط تأثير محددات بروتوكول باريس الاقتصادي على المالية العامة للسلطة الفلسطينية وهيكليتها ونظام السيطرة الذي فرضته إسرائيل عليها. لينهي بذلك القسم الثاني من الكتاب والمتعلق بالاقتصاد.

في الفصل التاسع يشرح غابي كيرك وبول كولبري دور الزراعة والريف كشكل من أشكال المقاومة وإظهار فلسطين للعالم وتشكيل الهوية الفلسطينية والحفاظ على حق ملكية الأرض، وحق المغتربين واللاجئين الفلسطينيين في أرضهم. أما الفصل العاشر فيناقش فيه الباحثان تيموثي سيدل وفيديريكا ستاني الاستعمار الاستيطاني، ونضالات السكان الأصليين في فلسطين، والبُعد المستمر للأصلانية والدور المحوري للأرض في الكفاح من أجل الحكم الذاتي والسيادة وتقرير المصير. ويتناول الباحثان أشكال المقاومة والنضال الشعبي اليومي، التي تتجسد في ممارسات الصمود ورفض محاولات الإقصاء والمحو، لينهيا بهذه الورقة القسم الثالث من الكتاب، والذي يُناقش البُعد البيئي.

في الفصل الحادي عشر، يستعرض سومديب سين تبني تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA)  لفكرة معاداة السامية في الجامعات، مسلطًا الضوء على دور ذلك في الحد من الحريات الأكاديمية، وتعزيز السياسات الاستعمارية الاستيطانية. ويشرح الباحث كيف أن هذا التعريف يسعى إلى تضييق نطاق المناهج التي تعترف بشرعية الحقوق الفلسطينية، معتبرًا ذلك تهديدًا للرواية التي تبرر قيام “إسرائيل” على أساس “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”. ويخلص الباحث إلى أن هذا النهج يعكس نزعة استعمارية لإقصاء السكان الأصليين، ويظهر امتداد سياسات الاستعمار الاستيطاني إلى الجامعات العالمية.

ويستعرض جيريمي وايلدمان في الفصل الثاني عشر دور الديمقراطيات الليبرالية الغربية في تعزيز بناء الدولة الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية على حساب تطلعات الدولة الفلسطينية. ويركز الباحث على ثلاث محطات تاريخية رئيسة في تاريخ القضية الفلسطينية وهي: تقسيم الأمم المتحدة لفلسطين، واتفاق أوسلو، ومحاولات بناء الدولة الفلسطينية بإشراف غربي بعد الانتفاضة الثانية. ويخلُص الباحث إلى أن السياسات الغربية تعكس نزعات استعمارية عنصرية تفضل الإسرائيليين “ذوي العرق الأوروبي” على الفلسطينيين، مما يثير تساؤلات جوهرية حول إمكانية الثقة بالتدخل الغربي في حل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي.

وفي الفصل الأخير من الكتاب، تناقش ميلاني مينزر تأثير اعتماد المنظمات غير الحكومية الفلسطينية على المساعدات الخارجية في مرحلة ما بعد أوسلو، وكيف أدى ذلك بحسب الباحثة إلى توجيه المجتمع المدني نحو أولويات المانحين وإضعاف حركات المقاومة، الذي انعكس بدوره على مناهج التعليم في فلسطين. ومع ذلك، تُسلّط الباحثة الضوء على استمرار روح التعليم الشعبي كحصن ضد المحو الثقافي في ظل محاولة “إسرائيل” الهيمنة على الجانب المعرفي للفلسطينيين. ومن خلال المقابلات والدراسات الاستقصائية، تُسلّط الباحثة الضوء على دور المنظمات والمعلّمين في توظيف المسرح والفنون والسردية الموروثة لتعزيز وعي الشباب وتعبئتهم. وتختتم بأن التعليم الشعبي، رغم قيود المساعدات، يظل أداة للتحرر الفردي والجماعي.

خاتمة

لطالما تم تصوير الهيمنة والمقاومة كقوتين متعارضتين جذريًا، وغالبًا ما يُفترض أنهما عمليتان منفصلتان ومستقلتان. إلا أن كتاب “مقاومة الهيمنة في فلسطين” يُعيد نقاش هذا الفهم التقليدي، مسلّطًا الضوء على التشابك الجدلي بين الهيمنة والمقاومة، حيث يظهران كعمليتين مترابطتين تتبادلان التأثير وتتداخلان في الممارسات. ويشير هذا الطرح إلى أن الهيمنة ليست مطلقة، كما أن المقاومة ليست قوة منفصلة بذاتها، بل إن كليهما ينبثق عن ديناميات مشتركة تُشكِّل بعضها بعضًا.

فمن خلال دراسة الحالة الفلسطينية، يبرز الكتاب هذا التفاعل العميق بين الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية. فمع استمرار آليات الهيمنة الاستعمارية في تعزيز السيطرة، تتجدد أشكال المقاومة المناهضة للاستعمار، مما يعكس ديناميكية الصراع وتجدده كعملية مستمرة يتشكل فيها الطرفان بشكل متبادل.

ومع أن الكتاب وعد في مقدمته بتحليل متوازن لكل من الهيمنة والمقاومة، إلا أن التركيز على المقاومة يبدو محدودًا ومقتضبًا للغاية في معظم الفصول. فعلى الرغم من تقديم العلاقة الجدلية بين الهيمنة والمقاومة كإطار تحليلي أساسي وبأسلوب واعد في المقدمة، إلا أن هذا النهج لم ينعكس بشكل كافٍ في محتوى الكتاب. وهذا يُعدّ مأخذًا على الكتاب، خاصة بعد ما شهده العالم من أحداث وتغيرات تلت العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وضرورة عدم اختزال المقاومة الفلسطينية في إطار العنف، مما يستدعي معالجة أكثر شمولية تُظهر دورها ومركزيتها في حفظ حق الفلسطيني في أرضه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى