فرص ترتيب البيت الفلسطيني ومواقف الأطراف الفاعلة

أيمن دراغمة

يعتبر ترتيب البيت الفلسطيني، وإعادة بنائه على أسس توافقية وطنية، من أهم أجندات الحوار الفلسطيني الداخلي وملفاته، وهو هدف وطني عام يطالب به الشارع ويطمح لتحقيقه، ولا شك أنه من الملفات المختلف حولها بين حركتي فتح وحماس منذ تسعينيات القرن الماضي، على الرغم من أن ملف الإصلاح، وإعادة بناء البيت الفلسطيني على أسس ديمقراطية، يشكل الأساس السليم والموضوعي، والقاعدة الأولى لبناء مشروع وطني توافقي، والانطلاق إلى مرحلة جديدة تستطيع أن تستثمر ما تم إنجازه خلال صمود المقاومة، وقدرتها الفاعلة والمؤثرة في معركتها الأخيرة.

 

موقف حركة فتح

 بعد أن استلم الرئيس محمود عباس رئاسة السلطة الفلسطينية وحركة فتح بداية عام 2005، تركزت جهود السلطة على بناء المؤسسات الفلسطينية، وتطوير عملها، وقد تم التوصل لتهدئة بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال لتسهيل ذلك، ورافقه منح الفصائل فرصة محددة للسلطة لتوفير المناخ المناسب لتحقيق الرؤية المشتركة فيما يتعلق بإصلاح البيت الفلسطيني الداخلي. وعلى إثر ذلك، وفي عام 2006، تم إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية الثانية وفقا لاتفاق القاهرة عام 2005، ولكن، وكردة فعل على نتائج الانتخابات التي فازت فيها حركة حماس بأغلبية عالية، لم يتم القبول والتسليم بنتائج الانتخابات، كما لم يتم استكمال تنفيذ بقية بنود الاتفاق، وخاصة فيما يتعلق بإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة تشكيلها.

تنظر فتح لحماس كمنافس يطمح ليحل محلها في قيادة المنظمة والسلطة والتمثيل، لذا استمرت سياسة إغلاق الباب أمام حماس، وعدم السماح لها بدخول المنظمة، باعتباره هو الخيار الأفضل لحركة فتح، وزادت المخاوف من تعاظم قوة حماس وشعبيتها، بعد التقدم الواضح في بناء قدرات المقاومة.

وحاليا، أظهرت حادثة قتل المعارض السياسي نزار بنات من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية حالة من الإرباك لقيادة السلطة. وحملات القمع التي تعرضت لها المسيرات المنددة بحادثة القتل.

لقد كشفت الأشهر الأخيرة بوضوح، عدم تقدم حركة فتح بتصور وبرنامج واضح للمجتمع الفلسطيني. وخاصة بعد تأجيل الانتخابات التي كان مقرر عقدها في شهر مايو الماضي. وأيضا بعد الشعبية التي حصدتها حماس بعد معركة سيف القدس. هذا دفع الحركة من الخشية من أن يهدد ذلك مستقبلها ومشروعها، وهو ما ظهر من خلال ما حمله وفد حركة فتح لحوارات القاهرة، عندما رفض نقاش إعادة بناء منظمة التحرير، ووضع بندا واحدا للحوار، ينحصر في ملف تشكيل حكومة تقبل بالشروط الدولية.

موقف حركة حماس

تتمسك حركة حماس بموقفها المبدئي والمتفق مع مواقف أغلب الفصائل والقوى والشخصيات الوطنية، والمنطلق من أن المنظمة بيت لكل الفلسطينيين وهي ليست ملكا لفصيل أو زعيم، وأن طريقة إصلاح المنظمة يجب أن تتم من خلال ما تم التوافق عليه من آليات ووسائل وتم التوقيع عليها في الاتفاقيات الفلسطينية الداخلية، ابتداء من القاهرة 2005 وانتهاء بالقاهرة 2017، ومن خلال برنامج الحزمة الشاملة والتي تلتزم بإصلاح جميع مؤسسات السلطة والمنظمة على أسس ديمقراطية، وتسمح بتمثيل الأطياف الفلسطينية كافة وفي كل القارات، بما يفضي لمؤسسات ممثلة وفاعلة وتلتزم بالنظام والقانون وتؤسس لشراكة وطنية حقيقية.

طالب البعض حماس وغيرها من الفصائل، بالذهاب لتشكيل إطار وطني بعيدا عن المنظمة، ولكن هذا الخيار، والذي جُرب سابقا، لن يحقق الهدف، وسيزيد من حدة الانقسام، ويؤدي إلى منظمتين متناحرتين، وربما يكون من الأفضل للمصلحة الوطنية، أن يبقى الأمل والرهان على تغير الأحوال والظروف، ويمكن لهذه القوى مجتمعة أن تواصل التأكيد على موقفها الثابت حول موضوع المنظمة، وتستمر بالمطالبة بالإصلاح، وتضغط بوسائل داخلية وخارجية على فتح ورئيسها للاستجابة لذلك. وربما يساهم تشكيل لجنة متابعة باسم (لجنة المتابعة الوطنية لإصلاح المنظمة)، في مواصلة الضغط، بحيث تضم جميع الفصائل والقوى والقوائم الانتخابية الوازنة، مثل قائمة المستقبل والمبادرة وغيرها، مع ضرورة التأكيد المتواصل على أن دور اللجنة ليس بديلا عن المنظمة.

موقف الفصائل والقوائم الفلسطينية

هناك موقفان واضحان للفصائل والقوى والقوائم الانتخابية، أحدهما يصر على الالتزام بتطبيق بنود الاتفاقات الموقعة كاملة لإصلاح المنظمة والسلطة والتمثيل الفلسطيني، وتتقاطع في ذلك مع موقف حركة حماس والجهاد، ويمكن تصنيف مواقف الجبهة الشعبية والديمقراطية والمبادرة وقائمة المستقبل والتيار الإصلاحي بالمتمسكة والجادة في تبنيها لهذا الموقف، بينما تتخوف حركة فتح ومعها فصائل ممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية من إصلاح منظمة التحرير، ولكن هذه الفصائل ما عدا فتح فرصها ضعيفة للحفاظ على مواقعها وعضويتها في حال تم ذلك من خلال الانتخابات الديمقراطية، ولهذا فهي ليست مؤيدة لعملية التغيير خوفا على عضويتها ومكتسباتها المؤسسية والمعنوية، على الرغم من أن هذه الرؤيا الشمولية تحظى بتأييد شعبي واسع في الداخل والخارج و عند معظم الفصائل والقوائم الانتخابية، فقد تم إدراج هذا البند في برامج معظم القوائم الانتخابية، وهو يشكل موقفا مجمَعا عليه حتى عند كثير من قواعد حركة فتح، وكوادرها وقياداتها.

موقف الأطراف الدولية والإقليمية

عربيا وإقليميا ودوليا، هناك دول تناصر وتؤيد الحقوق الفلسطينية التاريخية، أو الحد الأدنى منها، والمتفق عليها فلسطينيا، وهذه الدول تدعم ما يعزز صمود شعبنا ووحدته، وتطالبه بإنهاء الانقسام، وتشكيل قيادة موحدة وممثلة تساهم في تقوية الموقف الفلسطيني الرسمي. لكن في المقابل، يضغط الاحتلال وحلفاؤه ، لمنع دخول حماس والجهاد للمنظمة، وقد أعلن ذلك رئيس حكومة الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو، ولكن مع ذلك، إذا توافق الفلسطينيون على أمر ما، وتوحدوا حوله، فسيفرضون توجهم على المجتمع الدولي.

السيناريوهات المتوقعة

أولا: المصالحة والشراكة والوحدة، وهذا هو السيناريو الموضوعي والطبيعي الذي يأتي في سياقه الوطني، والذي يحظى بتأييد الشارع الفلسطيني كله، وهو البرنامج الذي يتبنى الأهداف الوطنية العامة. لكن هذا السيناريو يعتمد على استعداد حركة فتح، والاستعداد بالالتزام ببرنامج الوطني التشاركي، القائم على أسس تسمح لجميع مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، أن تكون شريكة في المؤسسات، وفي صنع القرار في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، بواسطة عملية توافقية وديمقراطية على قاعدة الرزمة الشاملة للإصلاح، والتي ستؤدي إلى إعادة بناء المنظمة، لتكون بيتا جامعا للشعب الفلسطيني كله، وهذا يحتاج مرحلة انتقالية يتم فيها تشكيل قيادة موحدة من الفصائل الموجودة في الميدان، ويكون لهذه القيادة كامل الصلاحيات في إدارة الشأن الفلسطيني كله، حتى يتم تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة، وتشكيل حكومة توافق وطني من جميع الأطراف المشاركة في القيادة الموحدة، وتكون مسؤولة عن إدارة شؤون الحكم في غزة والضفة، مع ضرورة عودة المجلس التشريعي الثاني للعمل في هذه الفترة الانتقالية، حتى يتم انتخاب مجلس تشريعي جديد يستلم الصلاحيات وفقا للقانون الأساسي.

ثانيا: بقاء الحال على ما هو عليه، واستمرار حالة الانقسام والاستقطاب بين غزة ورام الله وهو سيناريو له آثار سلبية على غزة والضفة معا وعلى المشروع الوطني برمته.

ثالثا: تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها حركتا حماس وفتح تحت ضغط حاجتهما لها، ومع ضغط دولي وعربي لتسهيل البدء بإعادة الإعمار في غزة، ولتحسين أحوال الفلسطينيين في الضفة. ومع أن هذا الخيار سيساهم في حلحلة بعض المسائل، وإيجاد حلول لحاجات إنسانية وحياتية ومعيشية، وسيخفف الضغط المتبادل، إلا أنه لن يؤدي إلى شراكة سياسية. كما أن هذه الحكومة، في ظل عدم وجود قيادة سياسية مشتركة، وفي غياب المجلس التشريعي، سيكون عمرها قصيرا، وربما يكون أداؤها ضعيفا وهشا.

 

خاتمة

 يعتبر سيناريو الشراكة الكاملة، وإعادة بناء البيت الفلسطيني على أسس وطنية جامعة، هو الخيار الأفضل وطنيا وفصائليا، وهو الخيار الاستراتيجي الذي يحقق المكاسب لجميع الأطراف الفلسطينية. ولكن فرصة هذا المسار، مرتبطة باستعداد الرئيس أولا، وقيادة حركة فتح ثانيا، لتغيير الوضع القائم للسلطة،  كما أن تشكيل لجنة متابعة وطنية لإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، سيساهم في مواصلة الضغط والتذكير بذلك.

لقد تم نظريا تذليل كل العقبات التي تحول دون تحقيق عملية الإصلاح ولم يعد هناك أسبابٌ وجيهة لاستمرار حالة الانقسام، وإن كل الخيارات الأخرى لا تحقق مصالح الأطراف ولا المصلحة الوطنية، وعليه فإن أي حوارات قادمة يجب أن تتم من أجل وضع برنامج زمني لتطبيق التفاهمات وتنفيذها، والالتزام بالعمل بها للوصول إلى عملية إصلاح شاملة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى