رأي الخبراء

لقاءات فتح وحماس.. هل يتحول “التكتيك” لبرنامج وطني؟

لتحميل الملف اضغط  هنا

في الثاني من تموز/ يوليو 2020، عُقد لقاء عبر تقنية الربط التلفزيوني، وببث مباشر على شاشة تلفزيون فلسطين الرسمي، جمع أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح اللواء جبريل الرجوب، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري.

اللقاء الذي لم يسبقه لقاءات تمهيدية، أو مسبقه، تبعه لقاء آخر عبر شاشة تلفزيون فلسطين في السادس من الشهر ذاته، جمع عضو المكتب السياسي لحركة حماس حسام بدران، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح أحمد حلس.

على الرغم من أن اللقاءات جاءت بعد حالة من جفاء الحوارات ما بين الحركتين، إلا أن البعض اعتبرها بارقة أمل تتجدد في ظل ما تتعرض له القضية الفلسطينية، وبالتحديد مخطط الضم الإسرائيلي، فيما يرى مراقبون آخرون هذه اللقاءات ضمن دائرة العلاقات العامة، أو رسائل ظرفيه، أو حتى محاولة استجابة للظهور الإعلامي، خوفا من فقدان ثقة الشارع بأكبر حركتي تحرر على الساحة الفلسطينية.

لذلك استقرأ مركز رؤية للتنمية السياسية في اسطنبول، وضمن القراءات النخبوية التي يقدمها تجاه القضايا المركزية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، رأي عدد من الخبراء حول هذه الخطوة: هل ستفضي إلى برنامج وطني يمكن التوافق عليه لمواجهة مخطط الضم؟ وما هي ملامح هذا البرنامج إن تم التوافق عليه؟ وهل يمكن أن يعيد هذا التقارب التقدم في ملف المصالحة بشكل ملموس؟ أم سيُبقي على الحالة الإدارية للضفة الغربية وقطاع غزة كما هي، ويقتصر التقارب على الرؤى السياسية فقط؟

وكان أبرز ما ورد برأي الخبراء ما يلي:

لقاءات قادة حماس وفتح، حسب بعض الخبراء، تأتي ضمن الخطوات التكتيكية، للضغط على “إسرائيل” والأوروبيين أمام خطة الضم، لكنها خطوة لن تؤثر على مواقفهما.

ليس مطلوبًا من فتح وحماس بعد كل هذه السنوات من الانقسام، أن تُنهيا كل شيء بضربة واحدة، وإنما المطلوب هو التدرج والبناء بخطوات.

يمكن الذهاب لوحدة ميدانية في مواجهة الأخطار المحدقة، قد تؤسس لحالة من التقارب مستقبلًا.

يمكن تبني مشروع وطني مشترك لمواجهة مشروع الضم، ومواجهة الاحتلال والاستيطان بشكل عام.

يمكن الذهاب باتجاه برنامج يقوم على الحد الأدنى من التقارب، وتقليل حالة التشاحن والتصادم من خلال توحيد الخطاب الإعلامي، والعمل على تطبيق أنشطة مشتركة في الداخل والخارج، لتعزيز الثقة لدى الشارع الفلسطيني بشكل أكبر.

ما زالت السلطة حتى اللحظة، تخشى أن تسيطر حماس على الضفة الغربية، لذا فإن المواقف قد تكون مؤقتة ومقيدة ومحدودة بين الطرفين؛ لعدم وجود ثقة وإرادة فعلية.

د. جورج جقمان، أستاذ الديمقراطية وحقوق الإنسان والدراسات العربية المعاصرة في جامعة بيرزيت، ومدير معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان 

الدافع الرسمي للقاءات قادة فتح وحماس هو خطة الضم الإسرائيلية، وهي محاولة للضغط على “إسرائيل” أو الدول الأوروبية، وهي خطوة باعتقادي معروفة، وبالتالي لا تنطلي عليهم.

وباعتقادي أيضا أن المصالحة وإنهاء الانقسام، لا يمكن الوصول إليهما دون وجود واحدة من حالتين، الأولى وجود برنامج وطني، والثانية وجود حل سياسي مقبول للطرفين، وهذا لم يحصل حتى الآن.

لكن السؤال هو: كيف يمكن أن نسير قدما بهذا الاتجاه؟ في البداية يمكن القول إن ساحة الصراع بخصوص خطوة الضم، هي الضفة الغربية وليست قطاع غزة، وبالتالي لن تُقدم السلطة على أية معارك عسكرية، وهذا موقف واضح من قبل الرئيس محمود عباس، في عدم الخوض بأي صدام عسكري.

لذلك، فإن القول بإمكانية وجود برنامج وطني، قد لا يكون أمرًا ممكنًا؛ لأن السلطة الفلسطينية تخشى على وجودها، و”إسرائيل” تهددها بخيارات أخرى، وبالتالي فإن الخطوة التي تمت من لقاءات الرجوب والعاروري، تأتي في الإطار التكتيكي المعروف حتى لـ “إسرائيل” نفسها.

السلطة الحالية في الضفة الغربية أولويتها الآن هو بقاؤها، وأي برنامج وطني سيكون برنامج مقاوِم، لكن السلطة الفلسطينية لا ترغب بالذهاب إلى المواجهة، وهذا يعني عدم القدرة على الاتفاق على برنامج وطني واحد للمواجهة.

د. إبراهيم أبراش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة

لا يمكن التعويل على اللقاء الأخير، فهو أقرب إلى مبادرة من قبل شخصين، الرجوب والعاروري، ونتاج استياء الجمهور الفلسطيني تجاه عدم الاكتراث بالمصالحة الداخلية، على الرغم من وجود مخطط الضم الإسرائيلي، وبعد أن تحرك العالم كله رفضًا لهذه السياسة الإسرائيلية، بينما الحركتان الرئيستان، فتح وحماس، لم تتحركا بخطوة على الأرض، لإثبات أنهما في مواجهة هذا المخطط، وبالتالي جاءت هذه اللقاءات الفردية، التي قد تكون خطوة من باب رفع العتب أو الحرج من قبل الطرفين. وما يعزز ذلك، أن هذه الخطوات لم تلقَ تفاعلًا حتى الآن داخل الحركتين نفسيهما، ولا الجمهور التابع لهما، ولم يتم فتح نقاشات جادة حتى الآن داخل الحركتين، لا سيما أننا لم نسمع عن رؤية واضحة للخطوة القادمة، ولا عن لقاءات أخرى، علما أن طبيعة وشكل هذه اللقاءات لا يمكن البناء عليها.

ليس مطلوبًا من فتح وحماس بعد كل هذه السنوات من الانقسام، أن تُنهيا كل شيء بضربة واحدة. وحتى في الاتفاقيات السابقة التي وُقعت بين الطرفين، كان هناك جدولة للملفات بشكل متدرج، وفي كل مرة يتم استعراض ملف ما، لذلك يمكن الآن تحديد جزئية معينة، والتركيز عليها، وهذا يسهل عملية التقارب، لكن الأهم من ذلك كله، هو وجود الإرادة من أجل التقدم خطوة إلى الأمام.

في ظل خطة الضم الإسرائيلية، يمكن الذهاب باتجاه برنامج يقوم على الحد الأدنى من التقارب، وتقليل حالة التشاحن والتصادم، من خلال توحيد الخطاب الإعلامي، والعمل على تطبيق أنشطة مشتركة في الداخل والخارج، مما يعزز الثقة لدى الشارع الفلسطيني بشكل أكبر.

يمكن الذهاب إلى التوافق على ملفات معينة، مع بقاء الحالة الإدارية على الأرض في غزة والضفة كما هي، مثلا يمكن التوافق على إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا غير مرتهن إلى مسمى جغرافي واحد، وهو أيضا يدفعنا إلى إعادة طرح فكرة دولة فلسطين الفيدرالية، بحيث تبقى الضفة تحت إدارة، وقطاع غزة تحت إدارة أخرى، ويكون لنا رئيس واحد وبرلمان واحد.

عصمت منصور، عضو المجلس الوطني الفلسطيني، وباحث متخصص في الشأن الإسرائيلي، رام الله

بالحدود الدنيا، يُمكن أن ينتج عن التقارب الأخير برنامج عمل وطني لمواجهة خطة الضم، ولكن قدرة هذا البرنامج مشكوك فيها، فالسلطة خياراتها الأساسية في مسار المفاوضات، ويُمكن العودة إليها في أي وقت، وحماس كذلك لم تأخذ قرارًا نهائيًا بحل مشكلة غزة. هناك ضرورات لحظية جديدة دعت إلى هذا التقارب، ولكن هذا لا يؤسس لحالة متينة من التقارب.

وأبرز البنود التي يمكن صياغتها في المشروع الوطني المشترك، تبنّي مشاريع لمواجهة مشروع الضم، فضلاً عن تبنّي سياسات لمواجهة الاحتلال والاستيطان بشكل عام.

هناك تحديات كبيرة ومتسارعة، منها الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وتحدي الاحتلال وكورونا، وهذه التحديات يجب أن تكون سبيلًا لتأسيس لجان للسيطرة على مناطق خارج السيطرة، وضبط الوضع الفلسطيني مثلما كان في الانتفاضة الأولى.

يمكن لهذه الخطوة أن تؤسس للتقدم في ملف المصالحة، فالخطوات التي تجري إيجابية وأفضل من لا شيء، ولكن هذا التقدم مرهون بخطواتٍ لاحقة لإثبات الجدية والإرادة السليمة.

ويمكن الذهاب إلى وحدة إدارية ميدانية لمواجهة الأخطار المحدقة، مع اتفاق سياسي على بعض الملفات، وهذه الصيغة أفضل من لا شيء، ومن الممكن أن تؤسس لحالة من التقارب مستقبلًا.

د. عدنان أبو عامر، أستاذ جامعي وباحث سياسي، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة

من الصعب بمكان الحديث عن برنامج عمل مشترك مبني على لقاءات عابرة ولحظية، أو لقاء موسمي لا يؤسس لعمل مشترك في ضوء مجموعة من الكوابح، وخاصة من السلطة الفلسطينية. فأي برنامج عمل وطني، يجب أن يُبنى على تخطيط، وليس لقاءات سريعة.

وقبل الحديث عن بنود لبرنامج وطني مشترك، لا بد أن يكون هذا البرنامج موجودًا أصلًا، وأن يكون هناك عمل على الأرض. فاللقاءات الأخيرة الحاصلة، لا يُمكن الجزم بموافقة قيادات الحركتين العليا عليها، ولم نشهد بيانات عليا تؤكد على ذلك، وبالتالي هناك نوع من الغموض في اللقاءات.

أعتقد أن اللقاءات جاءت نتيجة حالة إحباط عربي وإقليمي، وحماس حركة معنية بأن يكون لها وجود في الضفة الغربية عبر أي جانب، سواءً كان خيريًا أو اجتماعيًا أو غيره، ولذلك فهي تستثمر وترحب بأي جهد يسمح لها بذلك.

في المقابل، تسير السلطة في الاتجاه المعاكس لـ “إسرائيل”، وتحاول التعاون مع حماس في هذا الإطار، خاصة في مواجهة الضم، ولكن يبقى ذلك معتمدًا على تصرفات السلطة فيما بعد.

يُمكن أن ينتج موقف مؤقت لحظي يتمثل في المسيرات والفعاليات وغيرها، لكن دون وجود عمل ميداني لحماس. فالسلطة حتى اللحظة ما زالت تخشى أن تسيطر حماس على الضفة، لذا قد تكون المواقف مؤقتة ومقيدة ومحدودة.

د. عماد البشتاوي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل  

الظروف لم تتغير، وفلسفة الحركتين لم تتغير. وعند قراءة موقف الحركتين يُلاحظ أن عنوان التقارب الأخير هو الضم، وفي السنوات الثلاثة الأخيرة، تعرضت القضية الفلسطينية لكثير من الانتكاسات، كتزايد الاستيطان، وسياسة نتنياهو وترامب وغيرها، فلماذا لا يستدعي كل ذلك أن يحصل التقارب إن كان الخوف هو فعلًا على المشروع الوطني؟

التقارب الأخير عاطفي، ونتيجة حسابات داخلية لكلتا الحركتين، وهو مرحلي مؤقت، سينتهي بتأجيل الضم أو غيره، التقارب الحقيقي هو المبني على تحقيق المشروع الوطني.

التحديات الإقليمية في هذا التقارب كثيرة أيضا، ومن الصعب أن تسمح به. فالدول التي تمول كلًا من الطرفين لها مشاريعها، ولن تقف مكتوفة الأيدي تجاه تقارب بمعزل عنها. إضافة إلى أن كلًا من الحركتين لا يثق بالآخر، فصانع القرار ما زال هو نفسه في الحركتين، فضلًا عن أن هناك فئات تحقق مصالح كبيرة من استمرار الانقسام.

أعتقد أنه يُمكن أن نشهد وحدة سياسية مع بقاء الوضع الإداري كما هو عليه، لا شيء مستحيل، لكن التجارب السابقة، والوضع الحالي الذي لا يبشر بخير، تؤكد أن الوحدة السياسية تستدعي تقديم تنازلات من كلا الجانبين، وأن هناك تباينًا في المواقف الداخلية للحركتين تجاه ملفات الوحدة السياسية، وهذا يتجلى في سلوك الطرفين.

د. لورد حبش، أستاذة العلوم السياسية في جامعة بيرزيت 

تدل المؤشرات على الأرض على أنه لا يوجد شيء ملموس، وذلك لل أسف ناتج من أن جميع المسارات بين فتح وحماس خلال المرحلة الماضية، لم تنجح، واللقاءات الأخيرة لم تعطِ أي مؤشرات حتى اللحظة، على أنه يمكن الذهاب إلى خطوات مختلفة.

كما أعتقد أن المرحلة الحالية ووجود خطة الضم، لن تؤدي إلى الخروج ببرنامج عمل وطني مشترك، لأن الوضع خلال السنوات والمراحل السابقة لم يتغير، وكان دومًا هناك خطر قائم، وبالتالي فإن خطر الضم ليس جديدًا، وخطر التوسع الاستيطاني قائم، وتهويد القدس ليس بجديد. صحيح أن مخطط الضم سينهي خيار الدولة بشكل نهائي، إلا أنه من الناحية الواقعية الخطر قائم، ولا جديد في الفكر الصهيوني.

يبقى السؤال الحقيقي هو: كم هي الإرادة الفعلية للمصالحة؟ ويبقى غيرها من الأمور ضمن التفاصيل، لكن حتى الآن لا توجد إرادة، فهناك ملفات كبيرة وصعبة جدًا، لا ندري إن تم الاتفاق عليها فعلًا، ومن يتولى كلًا منها، وهناك أيضا قضايا عالقة، وبالتالي فإن الحديث عن اتفاق إداري لبقاء واقع الضفة وغزة كما هو، والتوحد ببرنامج وطني، هو أمر ليس بهذه البساطة، كونه لا توجد إرادة سياسية فعلية.

أنا لا أنظر إلى ما جرى من لقاءات أخيرة على أنه خطوة كبيرة، وإنما قد لا تتخطى رمزيتها الإعلامية.

السؤال هو هل هناك توجه جدي في هذه المرحلة؟ باعتقادي لا، لأنه لا توجد مؤشرات على ذلك، وبالتالي، وقبل الظهور الإعلامي، كان بالإمكان الجلوس المباشر، وترتيب العديد من القضايا والمهام.

ولو تم إتْباع هذه الخطوة بجدول عمل واضح، أو تعزيزها بخطوات متتابعة، فإن من شأن ذلك أن يكسبها أهمية قد تؤسس لنقاط التقاء، لكن حتى الآن لا يوجد شيء من هذا القبيل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى