قرار إلغاء قانون “فك الارتباط” في شمال الضفة الغربية وتداعياته على المشهد الفلسطيني
حمدي علي حسين/ لتنزيل التقرير
أعلن وزير الجيش “الإسرائيلي” “يوآف غالانت” في ٢٣ أيار/ مايو ٢٠٢٤ عن سريان قرار إلغاء قانون فك الارتباط والعودة إلى ثلاث مستوطنات في شمال الضفة الغربية “كاديم” و”غانيم” و”صانور”، وذلك تنفيذاً لقرار صدر عن “الكنيست الإسرائيلي” في آذار ٢٠٢٤، وترافق إعلان “غالانت” مع قرار عسكري أصدره “قائد المنطقة الوسطى”، ينص على السماح للمستوطنين بالدخول والإقامة في المستوطنات المذكورة، وأمر تنفيذي آخر من قِبل وزير أمن الاحتلال “إيتمار بن غفير” يسمح للمستعمرين بالعودة للبناء فيها، وذلك استكمالاً لما صدر قبل عام بخصوص العودة إلى مستعمرة “حومش” والسماح بالبناء فيها، وتزامنت الخطوة الأخيرة مع إعلان كل من النرويج وإسبانيا وإيرلندا الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام ١٩٦٧، ورفع التمثيل الدبلوماسي المتبادل مع السلطة الفلسطينية، والذي يمكن أن يُعزز من توجه هذه الدول لإدانة الاستيطان “الإسرائيلي” في الضفة الغربية مستقبلاً، باعتباره سلوكاً غير قانوني على أراض ستقوم عليها دولة فلسطين، وجاء قرار إلغاء قانون فك الارتباط أيضاً بالتزامن مع تصاعد الحراك الدولي المؤيد للقضية الفلسطينية في عواصم ومدن وجامعات أوروبية وأمريكية، والذي تركزّت فيه الدعوة إلى وقف حرب الإبادة التي تشنها “إسرائيل” على قطاع غزة.
يساهم قرار إلغاء قانون فك الارتباط بتداعيات متعددة، حيث يشكل خطوة يُسمَح على إثرها بعودة الاستيطان وشرعنته وتعزيزه في المنطقة الواقعة بين نابلس وجنين على وجه الخصوص، كما ويشكّل غطاءً على مواصلة الاستيطان في بقية مناطق الضفة الغربية، ويمنح قطعان المستوطنين المتطرفين شرعية للاستمرار في إقامة البؤر الاستيطانية بأشكال مختلفة، ويدفع تجاه مصادرة أكبر مساحة ممكنة من الأراضي في المنطقة المصنفة (ج) بحجج وذرائع مختلفة، ويلقى بظلاله على إمكانية تطبيق حل الدولتين، ويدفع باتجاه تصعيد المواجهة المسلحة في شمال الضفة الغربية.
يتناول هذا التقرير قانون فك الارتباط، ومراحل ومبررات إقراره من قِبَل حكومة “أرئيل شارون”، وتداعيات إلغائه على الضفة الغربية، وردود الأفعال حوله، والتوجهات المتعلقة بتنفيذ القرار.
خلفية قانون فك الارتباط:
أصدر “الكنيست الإسرائيلي” في شباط/ فبراير 2005 قانون فك الارتباط، الذي نص على الانسحاب من مستوطنات قطاع غزة، البالغ عددها 21 مستوطنة، إضافة إلى أربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية، وذلك لدواعٍ أمنية وعسكرية وديمغرافية، ولم ينص القرار وتبعاته على أيّ إقرار بحق الفلسطينيين في الأراضي التي انسحب منها الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة.
شمل قرار الانسحاب إجلاء المستوطنين، ونُفذ في آب/ أغسطس 2005، وفرض جيش الاحتلال عقب تنفيذه طوقاً عسكرياً على المستوطنات التي أُخلِيت في الضفة الغربية، ومنَع دخول المستوطنين إليها، فيما بذل اليمين المتطرف في “إسرائيل” جهوداً للعودة إلى تلك المستوطنات عبر الضغوطات التشريعية والفعاليات الميدانية، واستمرت المحاولات طوال السنوات الماضية، إلى أن نجح المستوطنون في ظل الحكومة اليمينية المتطرفة بإصدار قرار عن “الكنيست” في آذار 2023 غيّر اسم القانون إلى “قانون تعويض ضحايا فك الارتباط”، تبعه قرار آخر بشطب لوائح الاتهام التي صدرت بحق المستوطنين الذين دخلوا مستوطنة “حومش”، كونهم كانوا قد تجاوزوا قرار إخلائها السابق، وآخر في أيار/ مايو 2023 يلغي منع دخول المستوطنين إلى تلك المستعمرات، والسماح للمستوطنين بدخول “حومش” بحماية أمنية، وعلى إثره عاد المستوطنون إليها لأداء طقوس في كنيس يهودي ، وأُضفِي عليها شرعية.
في ذات السياق، أخلت “إسرائيل” عام 2005 معسكر “دوتان” المقام على مدخل قرية عرّابة جنوب جنين، وعادت وسيطرت عليه عام 2014، وحوّلته إلى منطقة تدريب عسكري، كما أخلت في إطار فك الارتباط معسكرات أُخرى، هي: معسكر “الزبابدة” قرب قرية الزبابدة، ومعسكر “صانور” الواقع بين قريتي صانور وجبع، ومعسكر “نحال جنان” الواقع إلى الغرب من مدينة جنين (حرش السعادة)، ومعسكر آخر يقع شرق جنين على الطريق الالتفافي، وقد أعاد جيش الاحتلال استخدام هذه المواقع عدة مرات لاحقاً وتواجد فيها.
لم يتم تطبيق قرار الانسحاب النهائي فيما يخص المستوطنات المخلاه، فقد عارض المستوطنون قرار الحكومة، ونظموا حملات اقتحام للمستوطنات للضغط تجاه العودة إليها بدعم من أعضاء من “الكنيست”، وبتراخيص أمنية، فيما أظهرت تقارير مختلفة استخدام الجيش “الإسرائيلي” المستوطنات المخلاة مناطقَ للتدريب العسكري.
اسم المستوطنة | تاريخ تأسيسها | عدد السكان وقت الإخلاء | المساحة المقامة عليها/ دونم | مساحة أُخرى مصادرة/ دونم | طبيعة الاستيطان وأبرز المعالم | القرى المحاذية |
حومش | 1978 | 5000 نسمة | 1000 | 4000 | بدأت معسكرًا، وتحولت إلى مستوطنة، وفيها كنيس يهودي، وتحمل الطابع السياحي، وأُقيم فيها مدرسة دينية بعد عام 2021 | برقة التابعة لمحافظة نابلس، وسيلة الظهر التابعة لجنين |
كاديم | 1981 | بضع عشرات | 160 | 2100 | مستوطنة فيها مجلس خدمات، تحولت إلى قاعدة عسكرية عام 2000 | بيت قاد، قباطية- محافظة جنبن |
جانيم | 1983 | 100 نسمة | 185 | 1863 | مستوطنة مدنية تحوي مصنع للمواد الكيماوية واستُخدمت منطقةً للتدريب العسكري بعد الإخلاء عام 2005 | عابا الشرقية ودير أبو ضعيف وأم التوت وعابا وخربة سبعين ومنطقة عرب السويطات |
سانور (ترسلة) | 1978 | 105 نسمة | 77 | – | مستوطنة مدنية فيها بناء كان يتبع لمعسكر من العهد الأردني، حوّل المستوطنون المسجد إلى كنيس | قرى جبع والفندقومية وعجة وصانور- محافظة جنين |
تفاصيل حول المستوطنات التي أُخلِيت في قرار فك الارتباط شمال الضفة الغربية
تداعيات إلغاء قانون “فك الارتباط”:
يساهم إلغاء قانون فك الارتباط والعودة للاستيطان في تلك المستوطنات في عدة تبعات جيوسياسية وقانونية وأمنية أبرزها:
أولًا: تداعيات جيوسياسية:
تتمثل في تثبيت سيطرة “إسرائيل” على أراضٍ فلسطينية وتوسع الاستيطان، خصوصاً في محافظة نابلس، التي تُصنف 43.3 % من مساحتها على أنها مناطق (ج)، وجنين التي تصنف 33.4% من أراضيها مناطق (ج)، وهي مناطق تخضع أمنياً وإداريا ل”إسرائيل“، ويسيطر عليها الجيش والإدارة المدنية، وقد ساهمت سياسات الاحتلال في الاقتلاع والتهجير بتقلص التواجد الفلسطيني فيها، وبات يقطن فيها نسبة ضئيلة تصل إلى 7% في محافظة جنين، وإلى 15% في محافظة نابلس، ويساهم الاستيطان في تفتيت الأرياف من خلال إجراءات العزل والفصل وصناعة الكانتونات المعزولة، وتشكل المنطقة الجغرافية الواقعة بين جنين ونابلس أهمية للمستوطنين، نظراً لطبيعتها الجبلية، ومتاخمتها للتجمعات الاستيطانية القريبة من المنطقة، مما يساهم في زيادة دافعية المستوطنين لإقامة بؤر أخرى، والدفع باتجاه تنفيذ المخططات الاستعمارية الكبرى، منها “خطة لمليون مستوطن في شمال الضفة الغربية“، التي تشمل زيادة أعداد المستوطنين خلال الثلاث عقود القادمة، وإقامة خطوط سكك حديدية ومدن صناعية، ومطار.
تستغل الجماعات المتطرفة حكومة “بنيامين نتنياهو” لتحقيق أطماعها، في ظل دعم وزير الأمن القومي “إيتمار بن غفير”، ووزير المالية “سموتريتش” الذي موّل ونشط سابقاً في تظاهرات وأعمال تخريبية قادها المستوطنون، وشارك في حملات اقتحام المستوطنات المخلاة قبل تسلمه الوزارة في الحكومة الحالية، ومنها نشاطات المستوطنين في محيط مستوطنة “سانور”.
تُضاف هذه المستوطنات إلى المستوطنات الأخرى التي أُقيمت في محافظة جنين، وخصوصاً تلك الواقعة خارج الجدار، وتشمل مستوطنات “ميفو دوتان” و”حرميش”، ويذكر أنّ هنالك مجموعة أخرى من المستوطنات في جنين أُقيمت بالقرب من الخط الأخضر، وتشمل مستوطنات: “ريحان وشاكيد ودينانيت وتل منشة”.
يؤدي تسارع الاستيطان في شمال الضفة الغربية إلى توسيع دائرة ضم الأراضي ومصادرتها، برغبات من القوى اليمينية المتطرفة المعارضة لفكرة إقامة الدولة الفلسطينية، والرافضة للانسحاب من أيّ بقعة يسيطر عليها المستوطنون، مما يساهم في تراجع آخَر في إمكانية تنفيذ مشروع “حل الدولتين”، أو القدرة على إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافياً، وحتى لو حصلت فلسطين على اعتراف دولي، فإنّ “إسرائيل” بسياساتها وإجراءاتها المستمرة على الأرض تزيد من تحوّل فكرة الدولة الفلسطينية إلى مطلب رمزي يصعب تطبيقه في ظل بسط سياسة الأمر الواقع، وأنّ أيّ إمكانية لبحث هذا الأمر ونقاشه في أروقة صنع القرار في “إسرائيل” تعني الاصطدام باليمين المتطرف، الذي يزداد ثقله وقوته المنظمة والمسلّحة في الضفة الغربية، مما يعني صعوبة تنفيذ أي قرار يتعلق بإخلاء تلك المستوطنات، ويظهر من جانب آخر عدم التزام “إسرائيل” بأي قرارات أو مطالبات دولية قد تصدر بهذا الصدد، وجاء ذلك في عدة تصريحات سابقة ل”سموتريتش“، بأنّ “إسرائيل لا تحتكم للقانون الدولي، وبأن ضم الضفة هو مسألة وقت”، وتدعم هذه التصريحات ما خططت له حكومة “نتنياهو” في “مخطط الضم”.
ثانياً: تداعيات قانونية:
يُظهر توجه “إسرائيل” لإلغاء قانون فك الارتباط نجاح الحكومة اليمينية المتطرفة في إحداث نقلة في القدرة على شرعنة الاستيطان داخل مصادر صنع القرار في “إسرائيل”، وذلك بعد فشل إقراره سابقاً، حيث طُرِحَ سبع مرات في سبع حكومات مختلفة، إلى أن جاء التصويت لصالح هذا القرار الذي قُدّم بطلب من رئيس “مجلس السامرة”، وبدعم من الوزيرة “أوريت ستروك” وعضوي “الكنيست” “ليمور سون هار ميلخ” و”يولي إدلشتين”، وجاء بالتزامن أيضاً مع سلسلة من السياسات والمشاريع الاستيطانية التي أقرتّها ونفذتها الحكومة اليمينية منذ توليها الحكم نهاية عام 2022، وتتويجاً لرفع صلاحيات “سموتريتش” التشريعية والتنفيذية في ملف الاستيطان منذ توليه حقيبة وزارة المالية في الحكومة المتطرفة، إضافة إلى نجاحه في تأسيس وحدة إدارة الاستيطان داخل الإدارة المدنية “الإسرائيلية”، والتي تتبع لوزارة الجيش “الإسرائيلية”، وتعيين مستشاره “يهودا الياهو” رئيساً لها خلال فترة عملها ما بين عامي 2022-2026، والتي من المقرر أن تنظر في وضع 160-180 بؤرة استيطانية خلال الفترة المذكورة، وتسعى إلى “تسوية أوضاع” المستوطنات الرعوية داخل المناطق المصنفة (ج)، وإطباق سياسات التضييق على الفلسطينيين فيها.
تساهم تبعية وحدة إدارة الاستيطان لوزارة الجيش “الإسرائيلية” في قدرة حصول المستوطنين على حماية الجيش بشكل مباشر، كما ومُنِحَت لها صلاحيات تعيين نائب رئيس الإدارة المدنية، فعيّنت المستوطن “هيلل روط” صاحب النظرة الاستيطانية العقائدية في هذا المنصب، إضافة إلى ذلك فإن الحكومة اليمينية المتطرفة ستكون قادرة على فرض شرعية المستوطنات عبر تواجد المستوطنين فيها، فضلًا عن إلحاقها بأحد التجمعات الاستيطانية الكبيرة، وجعلها تابعة لما يسمى بـ “المجلس الإقليمي للسامرة”، لتنال الحماية الأمنية وتتوسع ببناء مزيد من الوحدات، مما يمنحها سرعة في الحصول على الخدمات مثل خطوط المياه والكهرباء والاتصالات.
على صعيد القانون الدولي، يشكل إلغاء فك الارتباط تحدٍ للقانون وقرارات الشرعية الدولية، ولمطالب بعض الدول الكبرى بوقف الاستيطان في الضفة الغربية، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت قد وجهت انتقاداً عام 2023 على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية “فيدانت باتيل”، وصفت فيه هذا التوجه “الإسرائيلي” بأنه يشكل استفزازاً وانتهاكاً للالتزام الذي قدمته “إسرائيل” لإدارة “جورج بوش” قبل 20 عاماً بوقف الاستيطان في الضفة الغربية، وانتهاكاً للتعهد “الإسرائيلي” بوقف التصعيد خلال قمة شرم الشيخ عام 2003، داعيًا إلى عدم السماح للمستوطنين بالعودة إلى شمال الضفة الغربية، من جهته أعلن سفير أُستراليا لدى “إسرائيل” عن معارضته أيضاً لهذا القرار، معتبرًا أنّ “نشاط المستوطنات يقوِّض جهود السلام”، فيما أدانت الرئاسة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي وعدة دول عربية القرار.
ثالثاً: التداعيات الأمنية:
تسعى الجماعات اليهودية المتطرفة إلى ربط هدف “إرساء الأمن” بتسريع مشروعها الاستيطاني في الضفة الغربية، وترّوج بأنّ توسع المشروع الاستيطاني سيزيد من قدرتها على بسط سطوتها الأمنية على المناطق بزيادة انتشار الجيش، وترى أطرافاً حكومية، منها وزير الجيش “غالانت” بأن “السيطرة اليهودية على الضفة الغربية تضمن الأمن، وأنّ تطبيق قانون إلغاء فك الارتباط سيؤدي إلى تطوير الاستيطان، وتوفير الأمن لسكان المنطقة”، وهذه النظرة مغايرة للتاريخ والواقع والنظرة الأمنية “الإسرائيلية”، حيث يرتبط رفع وتيرة الاستيطان في مناطق شمال الضفة الغربية بزيادة التهديدات الأمنية، لارتباط ذلك بالقرب من الكتلة الديمغرافية الفلسطينية، التي تتركز فيها مجموعات المقاومة المسلحة الناشطة في الشمال، خصوصاً في جنين وطولكرم، والتي يتبع جزء منها للفصائل الفلسطينية التي أصدرت بيانات رافضة لهذه الخطوة، وهذا ما سجّلته الانتفاضة الثانية (2000-2005)، التي كانت فيها المستوطنات المذكورة في الشمال هدفاً لعمليات إطلاق النار وتسلل الفدائيين الفلسطينيين، وكانت الحجج الأمنية، والرغبة بحماية المستوطنين إحدى أبرز مبررات فك الارتباط أُحادي الجانب.
في المقابل، يمكن أن يساهم قرار العودة إلى المستوطنات المذكورة في شمال الضفة الغربية في الاصطدام بالكتلة الديمغرافية الفلسطينية، وزيادة هجمات المستوطنين على القرى التي تتاخمها المستوطنات، والضغط عليهم من أجل تهجيرهم، في مقابل ذلك، فإنه يزيد من وتيرة المقاومة الشعبية لمواجهة المشاريع الاستيطانية، أو في إطار التصدي لهجمات وممارسات المستوطنين تجاه القرى الفلسطينية والأراضي الزراعية والرعوية، ومثال على ذلك هجوم المستوطنين في شباط/ فبراير 2024 على قرية برقة قضاء نابلس، التي سُلبت أراضيها لصالح مستوطنة حومش، حيث أحرق المستوطنون البيوت والممتلكات على أطراف البلدة، وهجوم آخر سجل في نهاية شهر أيار/ مايو 2024 بعد قرار الغاء فك الارتباط، حيث هاجم المستوطنون أراضي الفلسطينيين قرب جبل القبيبات في برقة، وجرّفوا الأراضي بحماية جيش الاحتلال، وأقاموا مبنى من حجر في المنطقة، لذا، تَعتبر الجهات الأمنية في حكومة الاحتلال بأن القدرة على حفظ الأمن في تلك المنطقة تشكل تحيًاٍ لهم، خصوصاً منطقة جنين، ولذلك فإن عودة المستوطنين بنظرهم تتطلب تعزيز القوات والقواعد العسكرية.
تبعات مستقبلية:
يمكن أن يؤدي قرار إلغاء قانون فك الارتباط وتنفيذه إلى أحد التوجهين:
التوجه الأول: عودة الاستيطان إلى شمال الضفة الغربية، واستمرار المشاريع الاستيطانية الناتجة عن استمرار السياسات الاستيطانية للحكومة المتطرفة، وآخرها إلغاء فك الارتباط وما ينتج عنه، في ظل تهيئة الظروف واستغلال غطاء الحرب القائمة لتمرير المخططات وتسريع وتيرة الاستيطان من جانب، ومن جانب آخر، تلقي الدعم المالي واللوجستي والأمني للمستوطنين من مختلف المستويات داخل “إسرائيل”، وانخفاض أصوات المعارضة، ومحاولة فرض السطوة الأمنية والبوليسية في الضفة الغربية عبر نشر الجيش بشكل غير مسبوق، وإقامة الحواجز وتعزيز أدوات الضبط والتحكم الاستعماري بالفلسطينيين للحد من انفجار الوضع الميداني باندلاع مواجهة أو ارتفاع وتيرة الفعاليات الشعبية، ولذلك فإنها تعمل بشكل مستمر على زيادة حملات الاعتقالات، وتوجيه الاحكام الإدارية دون تهم، ويفتح تنفيذ هذا التوجه فرصة لزيادة وتيرة المقاومة والعمليات المسلحة في الضفة الغربية، ويدفع باتجاه تصعيد المواجهة الميدانية.
التوجه الثاني: عدم استمرار تطبيق قرار إلغاء فك الارتباط وتوابعه: ويمكن أن ينتج ذلك عن تغيرات حكومية داخل “إسرائيل”، في ظل تنديد المعارضة “الإسرائيلية” برئاسة “يائير لابيد” لقرار “الكنيست” بإلغاء قانون فك الارتباط، باعتباره قانوناً “يعيق ويعمق المشكلة الأمنية والسياسية”، ويخالف وعد “إسرائيل” للحكومة الأمريكية السابقة، إلى جانب معارضة حزب العمل، الذي رأت رئيسته “ميراف ميخائيلي” بأنّ المستوطنين هم من يهددون “الرؤية الصهيونية”، وأنّ “خطوة إلغاء قانون الانفصال هي خطوة مناهضة للصهيونية، معتبرة أنّ ذلك قد يقود إلى قيام دولة ثنائية القومية، ونهاية المشروع الصهيوني”، ووصفت أطراف “إسرائيلية” أُخرى الخطوة بأنّ الحكومة المتطرفة بقرارها ستُغرق “إسرائيل” في وحل، وستزيد من “الأعباء الأمنية الهائلة”.
يزيد من إمكانية حدوث هذا التوجه ردة الفعل الدولية والمحلية حول القرار، وإمكانية إحداث ضغط دولي على “إسرائيل” لإيقاف الاستيطان وتجميد المشاريع القائمة، ومنها منع العودة إلى المستوطنات المذكورة وإعادة إعمارها وتشغيلها، خصوصاً من الدول التي اعترفت بفلسطين، ويرتبط أيضاً بردة الفعل الفلسطينية من قِبَل السلطة الفلسطينية في حال توجهت إلى المحاكم الدولية، وتفعيل المقاومة الشعبية من قِبَل الأهالي في مواجهة المستوطنين، أو بدور الفصائل عبر تفعيل المقاومة على الأرض، ورفع وتيرة العمليات المسلحة تجاه البؤر الاستيطانية القريبة من مناطق انتشار المجموعات المسلحة في شمال الضفة الغربية، مما يزيد من الأعباء والهواجس الأمنية التي تدفع باتجاه التراجع عن هذه الخطوة أو تجميدها.
الخاتمة:
في ظل التداعيات التي يسببها هذا القرار والنقاش المحتدم حوله في الأوساط المختلفة، تبقى هذه الخطوة وتداعياتها مرهونة بعدة متغيرات تتمثل بمستقبل الحكومة اليمينية المتطرفة وبالوضع السياسي داخل “إسرائيل”، إضافة إلى توفر الإرادة الدولية لمواجهة مشاريع “إسرائيل” الاستيطانية، وكبح رغبات الحكومة المتطرفة ونواياها في توسيع الاستيطان وشرعنته، ومدى قدرة الفلسطينيين على مواجهة هذه المشاريع الاستيطانية وإحباطها.