رأي الخبراء

فتح وإقالة القيادات: الدلالات والمآلات

مقدمة

في الأول من أيار/ مايو2022، أصدرت حركة فتح قراراً موقّعًا من رئيسها الرئيس محمود عباس، بإقالة 40 من كوادرها وقياداتها، وذلك على خلفية ترشحهم في المرحلة الثانية للانتخابات المحلية، التي جرت في 26/3/2022، ضمن قوائم خارج إطار القوائم الرسمية للحركة. وفي أعقاب نتائج انتخابات جامعة بيرزيت، التي جرت في 18/5/2022، وخسارة الحركة، تعالت الكثير من الانتقادات لسياسات الحركة، وتفرد بعض قياداتها، ما دفع بأمين سر إقليم فتح في رام الله والبيرة موفق سحويل للاستقالة، تبعها كثير من المواقف المشابهة، وتعليق عمل مكاتب الأقاليم بعد قرار تجميد عملها، معللين ذلك بوجود تفرد في اتخاذ القرار داخل الحركة، أدى بها إلى هذه الخسارة. وسبق ذلك فصل مجموعة من قيادات وكوادر الحركة، أبرزهم ناصر القدوة عضو اللجنة المركزية السابق، وذلك على إثر ترشحهم في قائمة منفصلة عن القائمة الرسمية لحركة فتح في الانتخابات التشريعية التي كان مقررًا عقدها في أيار/ مايو 2021.

هذا التحول، ليس الأول من نوعه داخل حركة فتح، فتاريخيًا شهدت الحركة الكثير من الإقالات والاستقالات والانشقاقات، لكن ما يجري مؤخرًا، يدفع لضرورة فهم طبيعة ومآلات المتغيرات التي باتت تعصف بالحركة. و تحاول هذه الورقة التي يصدرها مركز رؤية للتنمية السياسية في اسطنبول، قراءة العديد من المعطيات، وتقديم تقدير لتطوراتها المتتابعة، انطلاقاً من مجموعة تساؤلات يجيب عليها خبراء وأكاديميون[1] وهي:

  1. ما هي دلالات الإقالات والاستقالات الأخيرة في حركة فتح؟
  2. هل تمهد هذه المتغيرات لحدوث تحولات كبيرة في هيكلية حركة فتح تؤدي لسيطرة شخصيات محددة؟
  3. كيف يمكن أن تنعكس التحولات داخل حركة فتح على ثقة أعضائها وقاعدتها الشعبية والجماهيرية؟
  4. إلى أي مدى يمكن أن تؤثر التحولات داخل حركة فتح على العلاقات الفلسطينية الداخلية، خصوصًا في ملف الوحدة وإنهاء الانقسام، أو طريقة إدارة السلطة والحكومة؛ كون حركة فتح انصهرت بهما؟

دلالات قرارت الإقالة

في قراءة ظاهرة الإقالات والاستقالات الأخيرة داخل حركة فتح، يفسر الخبراء المستطلعة آراؤهم أسباب الإقالات بما يلي:

  • يتضمن النظام الداخلي للحركة بنودًا تلزم التحقيق قبل اتخاذ العقوبة، وبالتالي فإن تجاهل النظام الداخلي يجعل اتخاذ قرار الفصل، أقرب للرغبة الشخصية منها للقانون التنظيمي.
  • تحاول الحركة، من خلال القرارات المركزية، الحد من ظاهرة عدم الانضباط الحركي من قبل كوادرها وأفرادها، والتي تظهر أكثر عند الانتخابات، سواء ما حدث خلال الترتيب للانتخابات التشريعية التي ألغيت العام الماضي، أو الانتخابات المحلية لهذا العام.
  • تصدر قيادات جديدة للمشهد الفتحاوي ارتبط بتعزيز نهج الإقصاء.
  • ما حصل هو رسالة من قيادة فتح لأفرادها، مفادها أن الخروج عن إجماع الحركة يُعرض صاحبه للعقوبات.
  • تعبر هذه القرارات عن مؤشرات حول وجود أزمة داخلية تعاني منها الحركة، وتعكس الأوضاع الظاهرة في الحركة، وهي قديمة متجددة، عانت وما زالت تعاني منها، مثل الترهل الداخلي والانشقاقات في بناها، وتعكس حالة من الفوضى.
  • تعكس هذه الأوضاع عدم إمكانية إشراك القاعدة التنظيمية في اتخاذ القرارات، لذلك يتم معرفة القرارات من خلال وسائل الإعلام، وليس التبليغ المباشر.
  • وهي تعكس أيضًا محاولة إضعاف المنافِسين المحتَملين في ظل الأزمات المتعاقبة.

 

أما الدلالات الزمانية لهذه الظاهرة، فيمكن إجمالها في النقاط التالية:

  • قد تكون هذه القرارات خطوة تسبق عقد المؤتمر الثامن للحركة، وبالتالي تهدف إلى تحييد الشخصيات المعرقِلة لوصول بعض المتنفذين في فتح لمواقع القيادة.
  • قد تكون هذه القرارات ضمن الترتيبات داخل الحركة للمرحلة المقبلة، وفكرة تولي قيادة جديده في حال رحيل الرئيس محمود عباس، وبالتالي فإن الهدف منها هو تمهيد الطريق للقيادات الجديدة وتحييد المعارضين والمنتقدين، الذين قد يعرقلون الانتقال السلس المُرتب له لمواقع القيادة.
  • تسعى فتح إلى إعادة الهيبة لنفسها، والتي فقدتها جراء تراكم الانتكاسات التي مرت بها، والمتمثلة بخوض بعض أفرادها الانتخابات المحلية والتشريعية المنصرمة، في قوائم غير قوائم الحركة.

لكن في المقابل، يرى آخرون أن هذه القرارات تأتي في سياق اعتيادي، مرجعين ذلك إلى أن القرارات التي تصدر عن الحركة، لا تحمل دلالة زمانية، بقدر ما أنها محاولة تصحيحية؛ لأنها تأتي ضمن رؤية تنظيمية يتم دراستها من قبل كوادر وقيادات الحركة بشكل يضمن سلامة وقانونية الإجراء، وبتوافق داخلي منصوص عليه في النظام الداخلي.

التداعيات على البنية المؤسسية

يجمع الخبراء على أن القرارات الأخيرة بفصل العديد من قيادات الحركة، سيكون له مردود سلبي واضح، والعديد من الانعكاسات على الصف الداخلي، لا سيما في هذا التوقيت الذي تمر به الحركة من أزمات داخلية عديدة، ويبررون ذلك بما يلي:

  • لا يمكن وصف ما يحدث على أنه انهيار في النظام المؤسسي للحركة، لكن هنالك بعض التصدعات بسبب سيطرة بعض الأشخاص على مفاصل مهمة داخل الحركة، بحيث أصبحوا أكثر قدرة على صناعة القرار فيها، وأكثر نفوذًا.
  • لا تساهم الإقالات الأخيرة في تماسك الحركة، بل تزيد من الخلافات والصراع الداخلي، مما قد يؤدي إلى انشقاقات واضطرابات إضافية.
  • تعاني فتح في السنوات الأخيرة من ضعف البنية المؤسسية التنظيمية، وتصدر القرارات في معظمها عن شخصيات دون الرجوع للمرجعية التنظيمية.
  • ستنعكس القرارات سلبًا على القاعدة الجماهيرية والشعبية للحركة.
  • ستكون الشخصيات المفصولة نواة لتشكيل تيارات جديدة ضد حركة فتح، وستعمل على معاقبتها في أي فرصة ممكنة.
  • تعود مؤشرات انهيار النظام المؤسسي لفتح، إلى التداخل الهائل، بل التماثل، بين حركة فتح والسلطة الفلسطينية، وبالتالي أصبح هناك إفراغ للجسم التنظيمي لصالح الجسم الرسمي التابع للسلطة.
  • تخالف هذه الإقالات وقرارات الفصل أنظمة الحركة، ويرافقها تشهير، كما أن هناك شخصيات خرجت عن إطار الحركة في الانتخابات المحلية في مدينتي رام الله وبيت لحم، ولم يتم فصلها، وهذا يدل على عدم الاعتماد على مرجعية، وإنما على حسابات فردية.
  • تعاني الحركة في السنوات الأخيرة من أزمة سطوة القيادات المتنفذة، أو أزمة وراثة الرئيس، والمخاوف من عدم تمكن أي قائد لسد فراغ رحيل الرئيس، وبالتالي يكون كل ذلك على حساب مأسسة الحركة، أي أن الذي يحكم الحركة هم أشخاص وليس قانون حركي.
  • تُظهر هذه القرارات مراكز قوة فاعلة ومؤثرة في فتح، تفرض رؤيتها اعتمادًا على دعم الرئيس عباس لها، وهذا ما يزعج قيادات فتحاوية أخرى.

التأثير على القاعدة الشعبية

هناك تباين في قراءة انعكاسات هذه القرارات على القاعدة الشعبية والجماهرية لحركة فتح، ويمكن إبراز هذا التباين من خلال ما يلي:

  • رغم حدوث بعض الاهتزازات، إلا أن فتح تتمتع بمنظومة جماهيرية تمتاز بالانسيابية، والتعبئة الوطنية تجعلها حاضرة شعبيًا وجماهيريًا.
  • قد تنعكس هذه الأوضاع على شكل تراجع قوتها وجماهيريتها التي كانت تتمتع بها سابقًا، من حيث الثقة والرضى عن أدائها في الشارع الفلسطيني، وهذا يبرز من خلال أي محطة انتخابية قادمة.
  • يأتي الانعكاس الجماهيري بتحميل فتح كل أخطاء السلطة والحكومة.
  • لن تؤثر قرارات الفصل هذه المرة على تماسك الحركة؛ نظرًا لأن المفصولين كانوا قد اتخذوا قراراهم فعليًا بعدم المشاركة في الانتخابات بغطاء فتحاوي.
  • تمنح تجربة فوز الأشخاص خارج إطار التنظيم الثقة بالأشخاص أكثر من الثقة بالتنظيم، وبالتالي يعني هذا تعزيز التوجه نحو انشقاقات داخل فتح إلى عدة أقسام، تتمحمور حول أشخاص.
  • بدأت تظهر ملامح غضب جماهيري، وتراجع ثقة ناجم عن نهج الإقصاء والتفرد داخل الحركة، وما يصاحب هذا من استمرار في تراجع الرصيد الحركي لدى كوادر الحركة ومناصريها.
  • يوجد سخط، على استحياء، بين القاعدة الشبابية لفتح، على الأداء القيادي، ناتج عن انعزال المستوى القيادي عن الحالة الوطنية والنفسية التي تتحلى بها القاعدة، فكيف سيكون الحال عند الجماهير غير المؤطرة، التي قد تبتعد أكثر عن فتح؟
  • تحولت الحركة من شعارها الأصيل “أم الجماهير”، إلى عدم قدرتها لتكون أمًّا لأبنائها أنفسهم، وأصبحت اليوم، بهيكليتها القيادية الحالية، تفتقد القدرة على التأثير والاستقطاب في الشارع الفلسطيني.

ميزان التيارات الداخلية

وفيما يتعلق بطبيعة الاصطفافات الجديدة، يرى الخبراء أن التحولات التي قد تشهدها حركة فتح، ستتجه نحو ما يلي:

  • خطوات تصحيحية للحفاظ على تماسك الحركة، والحركة قادرة على احتواء أي تيارات قد تتشكل لاحقًا.
  • فتح بدأت تتحول إلى حركة عاطفيه لم تعد كما كانت فكريّة، حتى تيار دحلان ومروان هم مجرد “حردانين” من الحركة الأم، ولا أثر لهما على الأرض سوى أنهم متناقضون مع ما هو موجود.
  • بعض هذه القرارات وما تمثله من إقصاء لشخصيات وطنية، ستزيد من الاصطفاف مع فصائل المقاومة، بغض النظر عن طبيعة الفصيل، وهذا ما قد يفسر النماذج المقاوِمة حديثًا، التي لم تعد ضمن تأطير تنظيمي واضح.
  • بعض الشخصيات الفتحاوية ستستغل هذه التحولات لاستقطاب قاعدة واسعة، خاصة تيار مروان البرغوثي، كونه يمثل رمزية حركية.
  • ستكون هناك توجهات لأفراد الحركة للمساحات الأخرى داخل الحركة نفسها، وبالتحديد لتيار مروان البرغوثي بشكل أكبر.
  • هذه القرارات ستؤثر سلبًا على فتح، وستعمل على التعاطف مع المفصولين، وذلك لكونهم قيادات لها احترامها وتاريخها.
  • كثير من الفتحاويين المنتمين لا يبحثون عن بديل للحركة، ولكنهم يبحثون فعلًا عن تيارات أخرى يمكن تفعيلها داخل الحركة.
  • الكادر الفتحاوي قوي، ويبحث عن التجديد، وقريب من هموم الشعب، لكن استمرار انعزال القيادة المتنفذة في الحركة عن هذا الكادر، سيحرّضه على تعزيز وجوده، من خلال دعم قيادات أخرى مرغوبة شعبيًا، مثل مروان البرغوثي، أو حتى استبدالها بقيادات قادرة على تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، من خلال الحلول الاقتصادية مثل تيار محمد دحلان.
  • قد تعمل الشخصيات التي يتم فصلها على تشكيل بديل للحركة بالمفهوم التقليدي.
  • تيار دحلان صاحب نفوذ فتحاوي في قطاع غزة، وله قاعدة جماهيرية، ومن غير المستبعد أن يستفيد من أي إشكالات داخل فتح في الضفة أيضًا، ويستفيد من ذلك في حال جرت أي انتخابات مقبلة.

الانعكاسات الداخلية

يشير الخبراء إلى أن إشكالية عدم التفاهم داخل حركة فتح، واستمرار الإقالات والاستقالات، من شأنه أن ينعكس سلبا على حالة النظام السياسي الفلسطيني، وملف المصالحة الداخلية، إضافة إلى طبيعة وشكل العلاقة ما بين فتح وباقي التنظيمات، وذلك للأسباب التالية:

  • في الاتجاه داخلي، لم تجرِ الانتخابات التشريعية والرئاسية منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، ولا وجود لمقومات الديمقراطية والحق في التمثيل والانتخاب، وغياب العدالة الاجتماعية. أما في البعد الوطني: حيث يستمر الاحتلال الإسرائيلي بجرائمه البشعة على الأرض، دون أن يكون لقيادة السلطة، وهي نفسها قيادة حركة فتح، أي عمل من شأنه تلبية الطموح الوطني للجماهير.
  • تغييب منظمة التحرير عن الفعل السياسي دون أي تجديد في هياكلها، فلا انتخابات أجريت، ولا تغيرات تمت على أرض الواقع، وهذا بسبب انصهار المنظمة وحركة فتح في هياكل السلطة.
  • سياسة التفرد والإقصاء ستحافظ على بقاء شخصيات قليلة في مراكز صنع القرار، وإقصاء طبيعي لمزيد من الكوادر مستقبلا، وهو ما يعني بقاء منظمة التحرير والسلطة ومؤسساتها بصورتها الحالية على المدى البعيد. وبالتالي تغييب منظمة التحرير عن الفعل السياسي دون أي تجديد في هياكلها.
  • النظام السياسي متمسك بأشخاص معينين، ولا يستمد قراراته من مركزية الحركة رغم وجود لجنة مركزية وانعقاد اجتماعاتها، وكل الفاعلين في حركة فتح يعلمون أن إدارة الحركة باتت بأيدي أشخاص معينين.
  • هذه القرارات تأخذ الحركة للسلوك الفردي، والنظام السياسي اليوم بحاجة أكثر للبناء المؤسسي، وهناك هياكل غائبة كالمجلس التشريعي، فالقرارات التي تؤخذ اليوم هي قرارات فردية.
  • التداخل الحاصل بين السلطة وحركة فتح ليس في مصلحة أحد، والقيادات المتنفذة في الحركة هي نفسها المتنفذة في السلطة، وهي نفسها في منظمة التحرير.
  • ستؤثر التحولات داخل حركة فتح على إدارتها للنظام السياسي الفلسطيني، ممّا سيُضعف من أداء الحركة في مؤسسات السلطة.

الخلاصة

إن أي إشكاليات تتعرض لها حركة فتح، باعتبارها من أقدم الحركات الفلسطينية، وكذلك ذات الامتداد والتأثير الجماهيري، يمكن أن ينعكس بشكل واضح ليس على الحركة وأطرها فحسب، بل على الحالة الوطنية الفلسطينية، وبالتالي فإن قرارات الحركة يجب أن تؤخذ بطريقة حكيمة حتى تُعيد الهيبة لتاريخ الحركة ونضالها، وذلك من خلال إعادة تفعيل دوائر ومؤسسات الحركة، وأن لا يُسمح بأن تكون القرارات بين أيدي أشخاص معينين فحسب، بل أن تكون نابعة من نظم داخلية وتشاركية للحركة، وأن تُعاد المكانة لأبنائها الناشطين، لأن الانتكاسات المتراكمة، خاصة بعد العلاقة السلبية ما بين السلطة والحركة، ستؤثر على فعالية الحركة، ويجب دراسة هذه العلاقة حتى يُصبح الفتحاوي مشاركًا كما كان، وليس شخصًا يُستحضر وقت الحاجة.

[1] – يتقدم مركز رؤية بالشكر للأساتذة والباحثين الذين شاركوا بآرائهم في هذا التقدير، ونخص بالذكر:

  • د. أسامة عبد الله، أستاذ الإعلام في جامعة النجاح الوطنية.
  • أمجد بشكار، باحث دكتوارة في العلوم السياسية.
  • د. تيسير فتوح، الأمين العام لحزب العدالة الفلسطيني.
  • ثامر سباعنه، ناشط وباحث في التنمية السياسية.
  • د. رائد الدبعي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية.
  • أ‌. سائد أبو عدوان، محاضر أكاديمي في العلوم السياسية بجامعة الاستقلال.
  • أ‌. فارس الديك، محاضر في العلوم السياسة بالجامعة العربية الأمريكية.
  • فادي عابد، ناشط سياسي.
  • د. عماد أبو الرب، محاضر في الجامعة العربية الأمريكية.
  • د. عمر اشتيه، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس المفتوحة.
  • منير الجاغوب، الناطق الإعلامي سابقًا باسم التعبئة والتنظيم في حركة فتح.
  • أ‌. محمد أبو سعدة، باحث في الشأن السياسي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى