رأي الخبراء

حكومة اشتية.. دلالات التكليف ومآلات المستقبل

في العاشر من مارس/آذار 2019 كلف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتية بتشكيل الحكومة الفلسطينية الثامنة عشرة، خلفا لحكومة التوافق التي كان يرأسها رامي الحمد لله.

تكليف اشتية بتشكيل الحكومة جاء في ظروف سياسية واقتصادية وأزمات داخلية، تعوّل حركة فتح على شخصية رئيس الحكومة المكلف باعتباره أحد الشخصيات الاقتصادية والأكاديمية والسياسية، وكذلك القادم من حركة فتح.

مركز رؤية للتنمية السياسية، ومن خلال استقرائه لآراء عدد من الخبراء والمختصين، حاول الإجابة عن مجموعة من التساؤلات حول تكليف اشتية بتشكيل الحكومة الفلسطينية، وكانت الأسئلة على النحو التالي: ما الأسباب التي دفعت حركة فتح لاختيار حكومة يرأسها أحد أعضاء لجنتها المركزية؟ ولماذا محمد اشتية بالذات؟ وما هي أبرز المهام التي تنتظر اشتية؟ وما دلالات تشكيل حكومة بقيادة فتحاوية في هذا الوقت؟ وهل ستنجح حكومة اشتية في معالجة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها السلطة؟ وهل حكومة اشتية ستعالج الانقسام أم ستعمق الانقسام؟ وكيف يجب على حماس والقوى الأخرى التعاطي مع تشكيلة الحكومة المقبلة؟

من أبرز إجابات الخبراء بهذا الشأن:

– هناك أسباب عدة لاختيار شخصية محمد اشتية لتشكيل الحكومة بهذا التوقيت، من أبرزها الجانب الاقتصادي والأزمة المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية، إضافة إلى أنه شخصية توافقية داخل اللجنة المركزية لفتح وهو ما يعني إمكانية دعمه من قبل أطرها الداخلية.

– سبب آخر يراه الخبراء باختيار شخصية من قيادة حركة فتح لرئاسة الحكومة المقبلة واشتية بالتحديد، هو التحضير للمرحلة المقبلة، وهي مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس، حيث تريد فتح تمكين نفسها في النظام السياسي في ظل عدم وجود مجلس تشريعي ولا منصب نائب رئيس السلطة الفلسطينية.

– أما أبرز المهام التي تنتظر الحكومة، فيتقدمها الملف الاقتصادي وأزمة الرواتب، إضافة إلى بعض الملفات الداخلية، في حين أن المهام السياسية وملف المصالحة خيوطه لا تزال بيد الرئيس الفلسطيني ولن تتمكن الحكومة من التعامل معها إلا من خلاله.

– على الرغم من شخصية اشتية التكنوقراطية، والأكاديمية، إلا أن هناك خشية من عدم قدرته على التأثير في ملف المصالحة، بل الإبقاء على الواقع الفلسطيني الداخلي كما هو عليه الآن.

م حمد دراغمة، كاتب ومحلل سياسي

الهدف من اختيار عضو لجنة مركزية بحركة فتح لتشكيل الحكومة المقبلة هو التحضير للمرحلة القادمة، أي الاستعداد لمرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس، وهذا أمر طبيعي ويتعلق بسن الرئيس فهو ليس صغيرا، وفتح واللجنة المركزية يريدون أن يرسخوا أقدامهم في الحكم السياسي قبل حدوث أي طارئ للرئيس، فإذا ما غادر الرئيس المشهد وفتح ليست في الحكم؛ ستكون مصالحها مهددة.

وما دفع إلى اختيار اشتية دون غيره هو امتلاكه كفاءات شخصية، في التنمية الاقتصادية والسياسية وشغل مناصب حكومية، ولديه لغات وقدرة على التواصل مع العالم.

الأمر الآخر أيضا، أنّ هناك بعدا داخليا في اختيار شخصيته، فهو شخصية توافقية بين القيادات الفتحاوية، بمعنى أنّه قريب من الشخصيات المحورية وبالتالي أكثر توافقا عليه داخل أطر فتح ولجنتها المركزية من باقي الشخصيات الأخرى.

أما من حيث المهام فلن تتغير هذه الحكومة عن سابقاتها، بمعنى أنها سوف تتعامل ضمن الموارد المحدودة وبالتالي الحكومة بالكاد قادرة على توفير رواتب الموظفين ودفعها، وسيبقى دورها في الحد الأدنى من تقديم الخدمات في الصحة والتعليم.

وكذلك فيما يتعلق بملف المصالحة فلن يكون هناك تغيير في الواقع لأن القرار ليس بيد رئيس الحكومة، والحكومة لن تكون قادرة على إدارة ملف القدس أو المصالحة أو الانتخابات. واشتية جزء من المعادلة الفتحاوية التي تسعى إلى تكريس السيطرة على الحكم قبل حدوث أي تغيير، وبالتالي المصالحة تعني شراكة ما، وفتح في هذه المرحلة ليست بوارد الشراكة مع أحد، وهي تريد المحافظة على مصالحها وعلى وجودها كعمود فقري للنظام السياسي.

على صعيد الأزمة الاقتصادية أستبعد أن تنجح في معالجتها، وربما هذه الحكومة ستواجه مشكلات أكبر من الحكومات السابقة لأن هناك توقفا كاملا للدعم الأمريكي، ولدينا أزمة مالية مع إسرائيل، ولا يوجد أي مؤشرات من المجتمع الدولي بزيادة دعمه، وبالتالي هذه الحكومة ستكون في ضائقة مالية أكبر.

أما العلاقة الممكنة مع حركة حماس أعتقد أن حماس انفعلت من خطوة تشكيل الحكومة الجديدة، لأنها جاءت دون مشاورات، وهذا أثارها وجعلها من البداية تهاجم الحكومة.

ربما المطلوب من حماس أن تعمل على تقديم مبادرات جديدة مع حكومة اشتية، وقد يكون هذا أجدى لحركة حماس، ومطلوب منها أن تبادر وتقترح وتستغل التغيير الجديد من أجل مبادرات جدية.

هاني المصري، المدير العام للمركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية مسارات

فتح ترى أنها ابتعدت عن قيادة الحكومة في السابق وبالتالي ترى أن هذا الوقت طال أكثر من اللزوم وبالتالي تريد إحكام قبضتها. ورغم ذلك فإننا لا نرى فتح موحدة في هذا الاتجاه وهناك تباين وخلافات وآراء مختلفة بين عدة اتجاهات بينها من يرى أن تستمر الحكومات برئاسة مستقل، وفي نفس الوقت كان هناك تنافس على من يكون في فتح بهذا الموقع، لأن هذه المسألة مرتبطة أيضا، وهي في غاية الأهمية، بالتنافس على خلافة الرئيس محمود عباس.

فالحكومة الحالية التي سيكون رئيسها عضو لجنة مركزية ستلعب دورا في موضوع الخلافة، لهذا السبب كان هناك شد وجذب داخل فتح نفسها لاختيار من يرأس الحكومة المقبلة.

ولسوء الحظ أن تستلم هذه الحكومة الجديدة مهامها في أسوأ وضع للسلطة، وهذا ربما لن يساعد حركة فتح بالوصول لأهدافها، بل من الممكن أن يضرها بشكل كبير.

واختيار اشتية لرئاسة الحكومة يتعلق بكونه شخصية اقتصادية، والأزمة الحالية الأبرز هي الأزمة الاقتصادية وهي الضاغطة، إضافة لذلك هو شخصية أكاديمية، ولديه من المؤهلات التي لا يستطيع أحد إنكارها، أضف لذلك أنه يحظى بدعم جناح داخل حركة فتح مكنه من أن يكون في هذا المنصب.

أما المهام التي تنتظر الحكومة فرئيس الحكومة ليس بيديه الكثير ليعمله وما يستطيع عمله يتعلق بالقضايا الخدماتية في التعليم والصحة، فالملفات الأساسية بيد الرئيس الفلسطيني.

وباعتقادي لن يستطيع أن يخرج اشتية من الأزمة الاقتصادية، لأنها أكبر من الحكومة نفسها، وهي نتاج مسار كامل عمره أكثر من 25 عاماً، وتبعية اقتصادية لإسرائيل وأزمة التزامات أمنية وسياسية، لكن من الممكن أن يحاول اشتية أن يخفف من كل هذا الأمر، لكن بنهاية المطاف مهمته صعبة جدا في ظل مقاطعة فصائل منظمة التحرير للمشاركة بالحكومة، وتنافس داخل فتح نفسها، فليست كل التيارات داخل فتح تدعمه بذات القوة.

كلنا أمل ونعمل من أجل أن يكون لهذه الحكومة وبالتحديد شخصية اشتية دور في تقليل حالة الاحتقان الداخلي، وإن لم يكن قادرا على عمل اختراقات، على الأقل يكون قادرا على التخفيف من حالة التدهور والانقسام الذي يتحرك نحو الانفصال.

وعلى حماس مسؤوليات لأنها إحدى طرفي الانقسام، وبالتالي يجب أن تقدم مقاربة جديدة، ومبادرة قد تتمثل في القبول بالتنازل عن السيطرة على غزة مقابل قبولها أن تكون شريكة، وبنفس الوقت عدم توجهها لاتخاذ خطوات على الأرض عقب تشكيل الحكومة، مثلا تشكيل لجنة أو مجلس إدارة للقطاع وما إلى ذلك من مسميات. بالتالي أمامها الكثير من الخيارات التي قد تساعد اشتية للخروج من المأزق، لأنه شخصية يمكن أن تفعل شيئا على الأقل وقف حالة التدهور والانزلاق لحالة أكثر مما نحن فيه الآن.

د . أحمد جميل العزم، أستاذ الدراسات الدولية والعلوم السياسية في جامعة بيرزيت، وعضو مجلس إدارة مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية.

المرحلة المقبلة تتطلب رئيس وزراء أكثر تسييساً، وذلك لأن تجربة التكنوقراط لم تكن ناجحة جدا، وبنفس الوقت المرحلة المقبلة بما فيها من مواجهة مع الإدارة الأمريكية ومواجهة مع إسرائيل تتطلب رئيسا أكثر تسييساً. وباعتقادي اختيار اشتية قد يكون مناسبا لهذه المرحلة كونها تجمع الأمرين، التكنوقراط والتسييس.

المرحلة المقبلة تتكون من جانبين، المرحلة الأولى وهي إدارة أزمات، فنحن مقبلون على مجموعة أزمات، فإذا ما استطعنا إدارة هذه الأزمات والخروج منها بسلاسة يمكن الحديث عن برامج أخرى لاحقا.

المهمة الأولى للحكومة الخروج من أزمة المقاصة والرواتب، والثاني الخروج من أزمة المشروع الأمريكي الذي ينفذ على الأرض خصوصا في المرحلة المقبلة فهناك خطوات أمريكية وإسرائيلية مختلفة. الأمر الثالث وهو الحالة الفلسطينية الداخلية وحالة الانقسام.

هناك فرصة لأن تسهم حكومة اشتية في معالجة الأزمة المالية، لكن هذا الأمر لا يزال مرتبطا بتشكيل الحكومة نفسها وتركيبتها، ويصعب الحكم على ذلك قبل أن نشاهد هذه التركيبة، كما يصعب معرفة دور الحكومة الفعال بشكل أكبر قبل أن نحكم على آلية تعاملها مع العديد من القطاعات. ولكن باعتقادي هناك فرصة حقيقية ومؤشرات تقول إن اشتية هو الخيار الأنسب لهذه المرحلة.

وحماس مطالبة كما هي فتح وباقي الفصائل الفلسطينية أن تضع أجوبة على سلسلة أسئلة حول الرؤية السياسية وإدارة ملف المقاومة وغيرها من القضايا، وبالتالي يصعب الآن الحديث بأي أطروحات ما لم تكن هناك أجوبة واضحة تجاه هذه القضايا، والأمر الثاني شراكة حقيقية واضحة في إطار منظمة التحرير.

حماس لديها الآن خيار واحد أمام حكومة اشتية، وهو أن تحاول أن تصل إلى تصور مع الحكومة الجديدة لتسليمها جميع المهام من الضرائب إلى المعابر إلى الوزارات والأمن الداخلي مقابل أن تتحمل الحكومة كل الجوانب من رواتب ومخصصات ومصروفات، ويمكن الحديث عن ملف المقاومة وإجراءات الانتخابات بشكل منفصل.

د . سعيد زيداني، أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية في جامعة القدس أبو ديس

باعتقادي أن اختيار عضو باللجنة المركزية لرئاسة الحكومة خطوة لتعزيز فتح بالضفة، بمعنى عندما نقول إن حماس تقود غزة، بالتالي فتح تقود الضفة، وأيضا السبب الثاني هو إعادة إبراز لدور فتح في قيادة السلطة الفلسطينية بالضفة، وهذا المنطق باعتقادي يعزز فرضية فشل الدور الحقيقي للمصالحة وعدم التعويل على الجهود المستقبلية حولها، وهذا مرتبط أيضا بالإجراءات الاقتصادية وغيرها التي اتخذتها السلطة ضد قطاع غزة.

إذا قلنا لماذا تم اختيار حكومة بقيادة فتح، يمكن القول إن السبب هو الترتيب للمرحلة المقبلة، وبالتالي وجود شخصية قيادية فتحاوية برئاسة الحكومة يمكن أن تقوم بالدور التنفيذي في حال غياب الرئيس. وأعتقد أن د. اشتيه ليس شخصية خلافية داخل فتح.

أما مهام الحكومة فتتمثل في المهمة الاقتصادية بالمقام الأول، وعلى الصعيد السياسي مهام الحكومة محدودة جدا لأن المهام السياسية هي بيد الرئيس واللجنة التنفيذية.

وأعتقد أن اختيار اشتيه قد يساعد على معالجة الأزمة الاقتصادية، لكنه لن يغير كثيرا كونها ناتجة عن الإجراءات الأمريكية والإسرائيلية.

وبرأيي أن فصائل المعارضة الرئيسة حماس والجهاد ستتعامل مع الحكومة على أنها حكومة فتح، وهذا يبرز حالة الخصام الرئيسة مع الحكومة المقبلة، وسيزيد من حالة الانقسام والشقاق.

وأعتقد أن حماس وباقي الفصائل ستكون نظرتها من الحكومة مرتبطة من كونها حكومة الرئيس عباس وهي معبرة عما يريده وستسير وفق تعليماته.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى