مقالات

حتى تشكل الانتخابات مَخرجًا من الأزمة

أيمن دراغمة

وفقا للتصريحات الصادرة عن لقاءات اسطنبول بين حركتي فتح وحماس، فإن ملف الانتخابات موجود الآن على الطاولة، وربما يتم الإعلان عن ذلك بشكل رسمي خلال لقاء الرئيس بالأمناء العامين للفصائل، والذي سيعقد مطلع هذا الشهر، كما أعلن عن ذلك.

جرت أول انتخابات فلسطينية عام 1996، حيث تم إجراء انتخابات رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية حديثة التكوين، وفاز فيها الرئيس ياسر عرفات، الذي أصبح أول رئيس للسلطة الوطنية الفلسطينية، وتم انتخاب أول مجلس تشريعي فلسطيني في نفس التاريخ وبالتزامن، وكان ذلك بناء على اتفاقيات أوسلو.

واستمر ياسر عرفات رئيسا للسلطة، ولم تجرِ أي انتخابات سياسية في عهده، إلى أن توفاه الله في أواخر عام 2004، وتولى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني حينها السيد روحي فتوح رئاسة السلطة وفقا للقانون، إلى أن تم إجراء الانتخابات الرئاسية الثانية في بداية عام 2005، والتي فاز فيها السيد محمود عباس (أبو مازن)، الذي ما زال في منصبه حتى اليوم. أما المجلس التشريعي الأول، فقد استمر حتى عام 2006، حيث تم إجراء الانتخابات التشريعية الثانية وفقا لاتفاق القاهرة 2005،  وفازت فيها حركة حماس بأغلبية المقاعد، وعلى إثرها دخلت الحالة الفلسطينية في مرحلة استقطاب حادة، واستعصاء وتعطيل، إلى أن حصل الانقسام عام 2007 بعد أحداث غزة المؤلمة. وقد استمر تعطيل المجلس التشريعي منذ ذلك التاريخ حتى تم حله بقرار من قبل المحكمة الدستورية، المختَلَف حولها أصلا، وبالتالي يعتبره بعض فقهاء الدستور بأنه غير دستوري.

توجس من الدعوة للانتخابات

 تسود حالة من الشك وعدم التأكد، مع درجة ليست بسيطة من عدم الاهتمام بالدعوة للانتخابات، وذلك قياسا على التجارب السابقة، وهذا ناجم عن عدم الثقة بجدية الدعوة، ولوجود مسافة من التباعد بين الشعب والمؤسسة الرسمية، وبسبب عدم الوفاء والالتزام بما تم الإعلان عنه في الاتفاقيات الداخلية طيلة فترة الانقسام، والتي كان آخرها  قبل عام  فقط، عندما تم الطلب من حنا ناصر، رئيس لجنة الانتخابات المركزية، التحضير للانتخابات، وقام على إثر ذلك بعدة زيارات لغزة، واجتمع مع قيادة حركة حماس والفصائل الأخرى، وتم الإعلان عن التوصل لتوافق حول إجراء الانتخابات، ولكن هذه الجهود لم تُقلع، وتوقفت عند انتظار رد الاحتلال على طلب السلطة الموافقة على إجراء الانتخابات في القدس، والذي لم يرد على الطلب حتى اليوم.

 كما أن سنوات الانقسام الطويلة، وما خلفته من آثار سلبية وتداعيات على المشروع الوطني، ألقت بظلالها السلبية على ثقة المواطن في النظام السياسي بشكل عام، وأهليته لقيادة المشروع الوطني. ثم إن المواطن غير متأكد من قدرة الانتخابات على تغيير الوضع الحالي، بناء على ما صاحب تجربة 2006 من إخفاقات ما زالت آثارها ماثلة، يضاف إلى ذلك ما أفرزه الانقسام من انشطار وتفتت، وتشكل نظاميْ حكم في كل من الضفة وغزة، لم ينالا رضى الجمهور.

وفي هذا السياق، يتبنى فريق آخر وجهة نظر مفادها أن ما يجري ليس أكثر من استجابة لمتطلبات المرحلة، وحاجة الأطراف للاقتراب من بعضها لأهداف تكتيكية سرعان ما تتغير. كما أن هناك درجة عالية من الشك حول استعداد الطرفين لتقبل نتائج الانتخابات والتسليم بها، قياسا على انتخابات 2006. فمثلا هل ستقبل حركة فتح بمشاركة حماس في مؤسسات السلطة والمنظمة بناء على نتائج الانتخابات أيا كانت؟ وماذا لو حصلت حماس على الأغلبية في المجلس التشريعي، وبشكل تلقائي في الوطني، هل ستسلم فتح لحماس بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية؟ وهل من الممكن أن يكون رئيس اللجنة التنفيذية شخصية من خارج فتح؟ وكذلك رئيس المجلس الوطني والمركزي، وهل ستسلم فتح لحماس بتشكيل الحكومة وإدارة الوزارات، وتتعاون في ذلك؟ .

في المقابل، هناك شكوك حول جدية الرئيس في دعوته لإجراء الانتخابات. فطيلة 13 عاما كان مفتاح الانتخابات في جيبه، ويرى المحللون أنه لا يوجد ما يؤكد مغادرة الرئيس للمربع الحالي، حيث إن عينه تتجه نحو واشنطن بانتظار ما ستسفر عنه الانتخابات الأمريكية، وقد صرح  بهذا المضمون أمام اجتماع الأمناء العامين، وكرره في كلمته المسجلة في اجتماع الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، الأمر الذي لا يتوافق مع فكرة إجراء انتخابات غير محسومة النتائج. وفي ظل معارضة حركة حماس وغيرها من الفصائل لذلك، فالرئيس ما زال يراهن على حدوث تغير في موقف الإدارة الأمريكية في حالة فوز بايدن.

أما بالنسبة لحركة حماس، وموقفها من التسليم بنتائج الانتخابات، في ظل عدم الإعلان عن تغيير في مواقف الرئيس وشعاره في هذا السياق (تسليم غزة من الباب إلى المحراب)، فكيف ستتعامل مع سيناريو فوز حركة فتح؟ وهل ستسلم بتبعات هذا الفوز، وتسلم لفتح قيادة المشروع الوطني وفق برنامج المفاوضات؟ واستلام الحكم في غزة والضفة دون اتفاق مسبق على بعض الملفات الهامة؟ وهل ستسلم الحكم في غزة دون ضمانات بعدم المس بالبنية العسكرية لها وللفصائل الأخرى، خاصة وأن الأمور ستتغير بعد الانتخابات؟ فإذا ما جرت الانتخابات وفازت فيها فتح، فهي ستتصرف على أن الشعب يدعم برنامجها، وهو برنامج المفاوضات، وستجد دعما مفتوحا، إقليميا وعربيا، لفرض سلطتها بالقوة على مناطق السلطة في غزة والضفة، وإلا فإن هذا الملف، والخلاف حوله، سيدخلنا في خلاف جديد، وربما أشد من السابق.

أما بالنسبة للاحتلال، فهل سيسمح بإجراء انتخابات تشارك فيها حماس؟ وفي حال جرت الانتخابات وفازت فيها حماس: هل سيسمح لها أن تحكم في الضفة، وأن تقود الأجهزة الأمنية؟ وكذلك ماذا عن الانتخابات في القدس، هل سيتم السماح لأهلنا في العاصمة بالمشاركة الفعلية؟ خاصة وأن هناك “فيتو” معلن حول ذلك.

وفي نفس السياق، ماذا عن مواقف الدول العربية، التي في أغلبها تتطلع للتطبيع مع الاحتلال؟ وكذلك بالنسبة للموقف الأوروبي، وغيره من الدول الهامة في هذا الصعيد؟ كل هذه الأسئلة وغيرها، بحاجة إلى إجابة عليها قبل أن يصدر مرسوم الانتخابات، أم أن الفلسطينيين حسموا أمرهم وقرارهم بغض النظر عن أي موقف آخر؟

هل الانتخابات قادرة على إخراجنا من عنق الزجاجة؟؟

لا يوجد خلاف حول ضرورة إجراء الانتخابات، وأهمية عودة الحياة الديمقراطية، ووجود مجلس تشريعي يسن القوانين، ويراقب عمل الحكومة ويحاسبها، ويضمن حقوق المواطنين، ويمنع كل أشكال التعدي على الحريات، ويضمن استقلال القضاء والفصل بين السلطات، ويحافظ على الالتزام بالقانون واحترامه، ويضمن العدالة والمساواة والكرامة، ويعطي الثقة للحكومة، ويقر الموازنة العامة، ويتلقى التقارير المالية، وغيرها.

كما أن إجراء الانتخابات الشاملة يمكن أن يساهم في استنهاض الحالة الوطنية. فالنجاح في إعادة بناء المؤسسات الفلسطينية على أسس ديمقراطية من خلال القانون، سيساهم في بعث الروح والحياة، ويضخ دماء شابة وجديدة في عروقها، ويقوي شوكتها، ويرفع شأنها ومكانتها على الصعيد الداخلي والخارجي.

إن نجاح إجراء الانتخابات الشاملة من خلال خارطة طريق مفصلة، تشمل كل الملفات المختلف حولها، سيُنهي الانقسام، ويوحد الجهود وفق بوصلة وطنية ورؤية توافقية، ويضع حدا لاستمرار الخلافات والنزاعات التي تعيق التقدم نحو تحقيق الطموحات الوطنية، وفقا للبرنامج المتفق حوله على قاعدة الحدود الدنيا للقواسم المشتركة، وفقا لوثيقة الوفاق الوطني (وثيقة الأسرى).

وفي المقابل، إن الدعوة للانتخابات دون التوافق على خارطة طريق وطنية شاملة، ومفصلة، ومحْكمة، وبمشاركة الفصائل وممثلين عن الشتات الفلسطيني الذي غُيب لسنوات، تشكل قفزة في الهواء دون القدرة على التحليق، وهي مغامرة غير مضمونة النتائج، بل يُخشى أن تُدخل الحالة الفلسطينية في موجة خلاف جديدة وغير آمنة.

إن تعقيدات هذه الحالة وتداخل الملفات، تتطلب التوافق حول جميع الملفات سلفا، والاستعداد لجميع السيناريوهات، من خلال خارطة طريق وطنية يشارك الجميع في رسمها، وعلى أرضية الشراكة، وتغليب المصلحة الوطنية، والحفاظ على الثوابت، والاحتكام للقانون.

مقاربات وتوصيات

بسبب ما نتج عن الانقسام وسياسات الحكم من عدم ثقة، وحالة الانكفاء والانطواء التي تسود الشارع، والذي تؤكده استطلاعات الرأي، فإنه يفضل البدء ببعض الخطوات التي تعيد الثقة للشارع، وتبعث الروح الوطنية الوحدوية فيه، مثل تشكيل قيادة موحدة من خلال اجتماع الإطار القيادي الموحد، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، والالتزام بالقانون، ورفع قبضة الأجهزة الأمنية، والتأكيد على استقلال القضاء، وإطلاق الحريات، ورفع العقوبات والإجراءات الداخلية، كالحظر والحصار ووقف الرواتب وغيرها.

وحتى تساهم الانتخابات في تحقيق أهدافها، يجب أن تكون بندا ضمن خارطة طريق شاملة لجميع الملفات، وتتبنى رؤية استراتيجية يتم التوافق عليها من الجميع، وأن ينتج عنها خطط تنفيذية محكمة بتواريخ مثبتة، وتقدم الأوْلى فالأوْلى ولا تستعجل الخطوات. إن البدء بالانتخابات دون توافق على بقية الملفات من خلال خارطة الطريق، ربما يؤدي إلى فشلها، وإن جرت، فهي، وبمعزل عن معالجة شاملة للملفات الأخرى، ليست قادرة على إخراج الحالة الراهنة من أزمتها.

وفي هذا السياق، لا بد من الاستعداد لجميع السيناريوهات التي قد تنجم عن تطبيق خارطة الطريق الوطنية، ووضع برامج للتعامل معها.

كذلك فإن موقف المجتمع الدولي ضروري في الاعتراف بنتائج الانتخابات، وعدم وضع شروط عليها، وهذا يتطلب موقفا وطنيا موحدا، مع ضرورة فتح حوارات بهذا الخصوص.

من الضروري أن يؤخذ بعين الاعتبار أننا ما زلنا في مرحلة تحرر وطني، ونخوض معركة الاستقلال والتحرر، وأن العملية الديمقراطية تأتي في هذا السياق، وتحت شعار الشراكة الإلزامية، وعلى قاعدة لا غالب ولا مغلوب. والأهم تفعيل المؤسسات المنتخبة، كالمجلسين التشريعي والوطني، والرئيس، واللجنة التنفيذية، وذلك من أجل قيادة معركة الصمود والتحرر، والحفاظ على الثوابت، والالتحام بالشعب في كل أماكن تواجده.

إن من متطلبات المرحلة إعادة النظر في مكونات النظام السياسي الفلسطيني، ونَظْم العلاقة فيما بينها، من خلال تحديد العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية، والعلاقة بين المجلس الوطني والمجلس التشريعي، ومن الضروري دراسة مقترح الفصل بين رئاسة السلطة ورئاسة المنظمة.

إن حسن النوايا والأجواء الإيجابية لا تتعارض مع معالجة بعض الملفات المتعلقة بالانتخابات، مثل ملف المحكمة الدستورية وصلاحياتها، وضرورة تراجعها عن قرارها بحل المجلس التشريعي، لتثبيت الحق القانوني ولتصحيح الخطأ الدستوري. كذلك لا بد من الاتفاق مسبقا على آلية التعامل مع جميع القرارات والقوانين التي صدرت عن الرئيس، وعن اجتماعات المجلس التشريعي في غزة، لا سيما وأنه نشأ عن ذلك مراكز قانونية جديدة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى