المشهد الفلسطيني

انعقاد المجلس المركزي برام الله.. جدلية الاستحضار والمخرجات

ختام عجارمة[1]

انعقد المجلس المركزي الفلسطيني بين 6-7 شباط/فبراير 2022 في مدينة رام الله، بدعوة من اللجنة التنفيذية ورئاسة المجلس الوطني، لمناقشة ما تتعرض له القضية الفلسطينية من هجمة استعمارية شرسة، وبحث تعزيز الوحدة الوطنية وتطوير وتفعيل دور مؤسسات ودوائر منظمة التحرير الفلسطينية، كما عين المجلس أعضاء جدد في اللجنة التنفيذية بدلاً من أمين سر اللجنة التنفيذية صائب عريقات الذي توفي عام 2020، وحنان عشراوي التي قدمت استقالتها في كانون الأول/ ديسمبر 2022.

أثار انعقاد المجلس المركزي الكثير من الجدل والمعارضة على الساحة الفلسطينية، حيث أعلنت عدة فصائل من منظمة التحرير، منها: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية -القيادة العامة- وغيرهما، مقاطعتها للمجلس، إلى جانب معارضة فصائل أخرى من خارج المنظمة منها: حماس والجهاد الإسلامي، لانعقاده في هذا التوقيت وبهذه الآلية.

يدور التساؤل حول أهداف الدعوة لعقد المجلس المركزي، وأسباب معارضة عدد من الفصائل الفلسطينية والأعضاء المستقلين في المجلس المشاركة فيه، لا سيما أن انعقاد المجلس جاء في فترة تشهد محاورات لعودة الحوار الوطني بين الفصائل الفلسطينية برعاية الجزائر، ومتزامنا مع عودة التواصل ذي الطبيعة السياسية، بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية في ظل الحديث عن مرحلة ما بعد أبي مازن.

 

المجلسان الوطني والمركزي: الصلاحيات والأدوار

تعود نشأة المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى الدورة الثالث عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني عام 1977م، ليشكل حلقة وصل بين كل من المجلس الوطني واللجنة التنفيذية بين كل دورتين عاديتين من دورات المجلس الوطني. وقد بدأ بعدد (32) عضواً في الدورة الأولى عام 1985م، وتضخّم العدد مع توالي الدورات ليصل إلى (143) عضواً في الدورة الثلاثين عام 2018م. يمثل المجلس الوطني السلطة العليا للشعب الفلسطيني، بصفته مصدر جميع السلطات في منظمة التحرير واضطلاعه بوضع السياسات والمخططات والبرامج لمنظمة التحرير الفلسطينية وأجهزتها، وحسب نظام المجلس الوطني فإن أعضاءه يجري اختيارهم من خلال الانتخاب، ولكن المجلس لم يشهد أية انتخابات منذ تأسيسه عام 1964، إذ جرت العادة في تعيين أعضائه بالتوافق، كما تعقد جلسة سنوية ودورة كل أربعة أعوام تتولى تجديد الأعضاء بحسب نظام المجلس، لكن دورات المجلس الوطني لم تعقد بشكل سنوي وبقيت اجتماعاته مرهونة بالظروف السياسية وحاجة القيادة السياسية للمنظمة إلى إجراء بعض التعديلات أو إكمال نصاب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.

لم ينعقد المجلس الوطني في دورات اعتيادية طيلة 22 عام، منذ 1996 وحتى 2018، سوى جلسة استثنائية في أغسطس/ آب 2009 ، لتجديد أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وخلال هذه الفترة عقدت عدة دورات للمجلس المركزي، حيث إن أزمة الشرعية التي عانى منها النظام الفلسطيني عقب الانقسام وانتهاء مدة ولاية رئيس السلطة محمود عباس، دعته إلى دعوة المجلس المركزي للانعقاد بهدف التغطية على عجز شرعيته، واستصدر قرارًا في اجتماع المجلس بتاريخ 16/12/2009 بتجديد ولايته إلى حين إجراء الانتخابات في العام التالي، وقد أثارت هذه الخطوة جدلاً حول صلاحيات المجلس المركزي، انطلاقًا من أن صلاحياته لا تعطيه هذا الحق، لأنها نصت على أن “تكون جميع قراراته في إطار قرارات المجلس الوطني”، وهذه الصلاحيات ليس فيها ما يشير إلى حقه في بحث قضايا تخص السلطة الفلسطينية ما لم يتخذ فيها المجلس الوطني قرارًا. عاد المجلس الوطني للانعقاد عام 2018، وشهدت دورته هذه معارضة بعض الفصائل الفلسطينية، مثل الجبهة الشعبية من داخل المنظمة، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي من خارج المنظمة، وقد قرر المجلس الوطني تخويل المجلس المركزي بصلاحياته ما بين دورتين إلى المجلس المركزي.

 

دورة المجلس المركزي: الخلفيات والأبعاد

أوضحنا سابقاً أن المجلسين الوطني والمركزي لا ينعقدان بصورة دورية، بل تأتي حيثيات انعقادهما بِما يلبي حاجة قيادة م.ت.ف، بإحداث بعض التغييرات والترتيبات، فانعقاد الدورة الحالية للمجلس المركزي جاءت ضمن سياقات معقدة على الساحة الفلسطينية، والمسألة المركزية في هذه المرحلة هي مسألة خلافة الرئيس محمود عباس -الذي يبلغ من العمر 86عامًا- في قيادة المنظمة والسلطة الفلسطينية، إذ تشهد الساحة الفلسطينية انقسامات في الآراء والمواقف، ورفض تفرد تيار معين وأشخاص متنفذين في المؤسسات الفلسطينية، وعلى صعيد حركة فتح هناك صراعات ظاهرة للعيان حول من سيخلف أبا مازن في قيادة المنظمة والسلطة، وهذا ما أظهرته انتخابات المجلس التشريعي التي كان من المقرر عقدها في شهر نيسان/ابريل 2021 ، والتي أجلها عباس لأجل غير مسمى في ظل الانقسامات التي شهدتها حركة فتح، وترشح أكثر من قائمة محسوبة على الحركة للتنافس على مقاعد المجلس التشريعي.

كان من المقرر عقد جلسة المجلس المركزي في 20 يناير/كانون الثاني، إلا أن تلك الجلسة أُجلت إلى 6 فبراير/شباط، وتشير بعض التقارير إلى أن الخلافات داخل حركة فتح على ملئ الشواغر في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والتنافس على منصب رئاسة المجلس الوطني، هي السبب الحقيقي وراء تأجيل انعقاد جلسة المجلس المركزي الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير.

اتخذت اللجنة المركزية لحركة “فتح” في 18 يناير/ كانون الثاني عدة قرارات من أجل ملء شواغر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، فبالإضافة إلى تجديد اختيار عباس لرئاسة المنظمة، وتجديد العضوية لعزام الأحمد-عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”-، وترشيح روحي فتوح لرئاسة المجلس الوطني، اختير حسين الشيخ لعضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

يعتقد البعض أن هناك عملا دؤوباً من قبل الرئيس عباس وفريقه المقرَّب لحسم قيادة “فتح” والمنظمة والسلطة في المرحلة المقبلة، وإضفاء الشرعية على هذا التوجه، من خلال عقد المجلس المركزي، كما ويُنظر لهذه الخطوة على أنها تأتي ضمن ترتيبات خلافة الرئيس عباس، حيث إنها ستمهد الطريق لحسين الشيخ لتولي منصب أمين السر للّجنة التنفيذية للمنظمة، خلفاً للراحل صائب عريقات، ما يعزز فرص الشيخ في خلافة الرئيس أبي مازن، وتشير العديد من المؤشرات إلى أن هناك محاولات إسرائيلية لتدعيم وضع الشيخ ليكون المرشح الأكثر حظاً لخلافة عباس، ومن هذه المؤشرات اللقاءات التي أجراها حسين الشيخ وماجد فرج برفقة عباس ومن غيره مع مسؤولين إسرائيليين، إذ يبدو أن هناك ترتيباً لتقسيم الأدوار السياسية والأمنية بين الشيخ وفرج في إطار إدارة مرحلة ما بعد أبي مازن لتلافي الانحدار نحو فوضى في الضفة الغربية عقب رحيل أبي مازن.

ردود الفعل على عقد المجلس المركزي

شهدت الساحة الفلسطينية معارضة شديدة لعقد المجلس المركزي؛ حيث أعلنت عدد من الفصائل المنضوية في منظمة التحرير مقاطعتها للمجلس، وهي: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية -القيادة العامة- وطلائع حرب التحرير الشعبية- الصاعقة-، والمبادرة الوطنية، بالإضافة إلى ذلك أعلن عدد من الأعضاء المستقلين في المجلس المركزي مقاطعتهم له، مثل: أحمد جميل عزم، فيحاء عبد الهادي، محسن أبو رمضان، كما أعلنت كل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي معارضتهما لعقد المجلس المركزي وعدم مشاركتهما في الجلسة، حيث جرت العادة إلى دعوة الحركتين للمشاركة في الجلسة الافتتاحية للمجلس.

فيما شهدت كل من الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب توترات داخلية نتيجة رفض قواعد الحركتين المشاركة في المجلس المركزي في ظل مشاركة قيادة الحركتين في الجلسة، ما أدى إلى إعلان العديد من نشطاء وقيادات الحركتين استقالتهم منهما عقب مشاركتها في اجتماع المجلس، إلا أن حزب الشعب شارك في الجلسة الافتتاحية للمجلس وانسحب منها مباشرة معترضاً على جدول أعمال المجلس المركزي ومطالباً بتعديله، بينما بررت الجبهة الديمقراطية مشاركتها للتأكيد على عناصر مبادرتها التي قدمتها في حوارات الجزائر.

من ناحية أخرى عملت حركة فتح على تحقيق النصاب القانوني للجلسة بنهج غير مهني؛ إذ استُثنى أعضاء المجلس التشريعي الذين هم أعضاء في المجلس الوطني، وعدد منهم أعضاء في المجلس المركزي، فقد تعاملت حركة فتح بازدواجية في المعايير مع مسألة دعوتهم للاجتماع، ففي حين لم توجه دعوات لأعضاء كتلة التغيير والإصلاح؛ وجهت دعوات لأعضاء المجلس التشريعي المنتمين لحركة فتح، حيث اعتبر المجلس التشريعي منحلاً بالنسبة لأعضاء كتلة الإصلاح والتغيير، وغير منحل بالنسبة لأعضاء حركة فتح، وعلاوة على ذلك، استعيض عن الأعضاء الذين أعلنوا عدم مشاركتهم بشخصيات ليست أعضاء في المجلس المركزي، مثل رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون أحمد عساف، ووزير العمل نصري أبو جيش وغيرهم، لاستكمال النصاب العددي للمجلس.

تدرك فتح أن النصاب القانوني متحقق بحكم انتماء أغلبية الأعضاء لها، ولكن النصاب السياسي له أهميته أيضا؛ فمقاطعة الفصائل والشخصيات الوطنية للمجلس يظهر الاجتماع على أنه اجتماع داخلي للحركة، لذلك كان من الضروري مشاركة الفصائل لإعطاء شرعية سياسية للمجلس، علما أن حجمهم التصويتي لن يشكل عائقا أمام فتح، إلا أنه لا يمكن اعتبار أن النصاب القانوني والسياسي مكتمل، فالمسألة ليست مجرد أرقام، فالهدف من وجود منظمة التحرير هو: تمثيل كل الفلسطينيين في الداخل والخارج بكل قواهم، وبعض الفصائل الموجودة حاليا في منظمة التحرير لم يعد لها أي وجود فعلي على الأرض، ولا يعدو كونها مجرد أحزاب مدارية حول حركة فتح للتغطية على هيمنة فتح على كل المؤسسات الفلسطينية، والمجلس بتركيبته الحالية لا يعكس الأوزان والقوى الحقيقة في الشارع الفلسطيني، لأن القوى الفلسطينية الكبرى مقصاة عن منظمة التحرير، وعليه يمكن القول إن قيادة منظمة التحرير عملت على عقد جلسة للمجلس المركزي بنصاب قانوني وسياسي يتوافق مع غايات حركة فتح.

أكدت الفصائل الفلسطينية بعد انعقاد المجلس المركزي وصدور قراراته والتعينات الجديدة للجنة التنفيذية للمجلس الوطني ، على موقفها المعارض له، وعدم اعترافها بشرعية القرارات الصادرة عنه، حيث أصدرت كل من حركة الجهاد الإسلامي وحماس والجبهة الشعبية بياناً مشتركاً دعت فيه إلى البدء بحوار وطني فلسطيني جاد على مستوى الأمناء العامين للاتفاق على تشكيل مجلس وطني انتقالي جديد يضم الجميع، ويمهد لإجراء الانتخابات الشاملة، ما يساهم سريعاً في إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وتفعيل مؤسساتها باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، كما أكدت أنه لا اعتراف ولا شرعية لكل التعيينات التي أعلن عنها المجلس المركزي، سواء على صعيد رئيس المجلس الوطني ونوابه وبقية المناصب الأخرى.

 

النتائج

 

على الرغم من معارضة ومقاطعة عدد من الفصائل الفلسطينية لانعقاد جلسة المجلس المركزي، إلا أنه عُقد، وعين عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” حسين الشيخ عضوا في اللجنة التنفيذية خلفًا للراحل صائب عريقات، ورئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني، وحلًّ محمد مصطفى رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني بديلاً عن حنان عشراوي ، وانتخب عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” روحي فتوح، رئيسا للمجلس الوطني، وهذا ما يشير إلى أن جلسة المجلس المركزي كان الهدف الحقيقي منها وضع ترتيبات لمرحلة ما بعد عباس وتعزيز موقف الفريق الموالي له داخل منظمة التحرير، وإعادة لملمة أوراق حركة فتح التي تبعثرت عقب إلغاء الانتخابات التشريعية 2021، وحدوث حالة من الانقسامات بين تياراتها. بالإضافة إلى ذلك، صدرت عن اجتماع المجلس عدة قرارات، أبرزها: وقف التنسيق الأمني بأشكاله المختلفة مع إسرائيل، وتعليق الاعتراف بدولة إسرائيل لحين اعترافها بدولة فلسطين، ورفض مخططات “السلام الاقتصادي”، و”تقليص الصراع”.

من ناحية أخرى، وعلى الرغم من قرارات المجلس المركزي وقف التنسيق الأمني بأشكاله المختلفة مع إسرائيل، وتعليق الاعتراف بدولة إسرائيل لحين اعترافها بدولة فلسطين، ورفض مخططات “السلام الاقتصادي”،  فقد أشار سلوك السلطة الفلسطينية في المرحلة الأخيرة إلى أنه ليس بصدد وقف التنسيق مع إسرائيل وسحب الاعتراف بها، ورفض مخططات تقليص الصراع؛ فالزيارات المتبادلة بين رئيس السلطة الفلسطينية ووزير “الدفاع الاحتلال الإسرائيلي” التي جرت بعد انقطاع دام أكثر من عشر سنوات، تظهر أن السلطة الفلسطينية تسعى لترميم علاقتها مع الاحتلال والتعاطي معها ضمن التصورات التي ترتئيها الحكومة الإسرائيلية في التعامل مع الفلسطينيين، التي تنطلق من أطروحة “تقليص الصراع”، كما أنها قرارات مكررة لعدة مرات دون أن يكون هناك أي تنفيذ حقيقي لها على أرض الواقع، فدورات المجلس المركزي المتتالية منذ عام 2015 حتى الدورة الحالية أصدرت ذات القرارات، بالإضافة إلى قرارات المجلس الوطني عام 2018 التي دعت إلى تعليق الاعتراف بإسرائيل ووقف التعامل معها، ولكن أياً من هذه القرارات لم يجري تنفيذه.

أسهم انعقاد المجلس المركزي بالصورة الحالية  في تهميش منظمة التحرير الفلسطينية، وابتلاع حركة فتح لها، فبعد نشوء السلطة كان الجدل يدور حول هيمنة السلطة الفلسطينية على منظمة التحرير، ولكن اليوم يظهر أن حركة فتح، أو الجزء المتنفذ في حركة فتح، بات يسيطر على منظمة التحرير ويسخرها في تنفيذ أهداف معينة بعيدة عن الإجماع الوطني، ومعمقة للانقسام الفلسطيني، فالجلسة الحالية تشكل خطوة استباقية لمخرجات حوارات الجزائر والأهداف المرجوة منها، وهي أيضا هدم لكل اتفاقات المصالحة والحوارات الفلسطينية السابقة التي دعت إلى إصلاح منظمة التحرير وإجراد انتخابات المجلس الوطني والتشريعي والرئاسة لاختيار قيادة ممثلة للشعب الفلسطيني.

 

[1] – باحثة في قضايا علم الاجتماع والعلوم السياسية، رام الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى