المشهد الفلسطيني

المنحة القطرية.. تغير في الآليات وثبات في الأهداف

مادلين الحلبي[1]

بحسب صحيفة واشنطن بوست ووسائل إعلامية أخرى، جرى الاتفاق على آلية جديدة لتحويل المنحة القطرية إلى قطاع غزة بهدف دفع رواتب الموظفين في قطاع غزة، بحيث يتم تمرير كمية وقود من مصر بقيمة 10 ملايين دولار، تدفع قيمته قطر إلى مصر، وتقوم حماس في غزة  بدفع رواتب موظفيها من ثمنه، بعد بيعه لمحطات الوقود المحلية.

يناقش هذا التقرير آثار ردود الفعل المحلية تجاه هذا الاتفاق، بالإضافة لتبعاته السياسية والاقتصادية.  وإلى أي مدى سيسهم في تخفيف الأزمة الاقتصادية في قطاع غزة.

مؤشرات لاقتصاد قطاع غزة

ما زال قطاع غزة يعاني من أزمات اقتصادية متراكمة جراء عدة عوامل مستمرة، لعل أبرزها الاحتلال الإسرائيلي وسياساته تجاه القطاع، وكذلك بسبب الانقسام الفلسطيني الذي عانى منه الفلسطينيون في غزة بشكل كبير وملاحظ، و تشير النسب والإحصاءات إلى استمرار التهالك الاقتصادي في قطاع غزة وعلى مستويات عدة. وبحسب إحصائيات لمركز الإحصاء الفلسطيني عام 2020،  فإن نسبة البطالة في قطاع غزة بلغت 43%، مقابل 15% في الضفة الغربية. وفي حين يبلغ نصيب الفلسطيني في قطاع غزة من الناتج الإجمالي المحلي ما يعادل 331 دولارا  مقابل الضفة التي يبلغ نصيب الفرد فيها  1151 دولارا، أي ما يعادل 28.7% فقط من نصيب مواطن في الضفة الغربية. وانخفض عدد المنشآت الاقتصادية العاملة في قطاع غزة من 3500 منشأة إلى 250 منشأة حتى عام 2019، ومع نهاية الحرب الأخيرة على القطاع في أيار/ مايو الماضي فإن 2% من رصيد رأس المال تم تدميره بفعل القصف الإسرائيلي.

هذه المعطيات تدلل على السياسة الإسرائيلية المتبعة مع قطاع غزة وهي إبقاء ساكنيه على قيد الحياة، لكن في ظروف فقر مدقع وبطالة وأزمات اقتصادية واجتماعية.

المنحة القطرية أحد الحلول

ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر 2018 بدأت قطر بتقديم المنحة القطرية لغزة، حيث كانت قطر تساهم في دفع رواتب 50 ألف موظف في غزة من خلال الحقائب النقدية التي يتم إدخالها عبر معبر بيت حانون” إيرز”، حتى الحرب الأخيرة في مايو الماضي. و رفض  الاحتلال بعدها إدخال المنحة القطرية بشكل قاطع، وتبلغ مساهمات قطر في رواتب الموظفين ما قيمته 10 ملايين دولار من ضمن 30 مليون دولار تقدمها شهرياً لقطاع غزة، أما المتبقي موزعة ما بين 10 ملايين لحوالي مئة ألف أسرة فقيرة، بحيث يبلغ نصيب الأسرة الواحدة 100$ ما يعادل 320 شيقلا، و10 ملايين أخيرة تدفع كوقود لمحطة الكهرباء، ثم جرى التوافق على آلية جديدة فيما يخص الأسر الفقيرة في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، بحيث يتم توزيع هذه المبالغ باتفاق مع الأمم المتحدة، من خلال أكثر من 700 نقطة صرف موزعة في مناطق القطاع، وسيكون التغيير بسبب الاتفاق الجديد هو ارتفاع نسبة صرف الحد الأدنى للموظف ليصبح 60% (1600 شيكل) بدلا من 40% (1200 شيكل).

وكان قد أعلن وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري سلطان بن سعد المريخي في 18 نوفمبر الماضي، خلال لقاء في العاصمة النرويجية أوسلو على هامش اللقاء الوزاري لتنسيق المساعدات الدولية للشعب الفلسطيني، عن “توقيع دولة قطر الاتفاقيات مع مصر لتوريد الوقود ومواد البناء الأساسية لصالح قطاع غزة”، وتبّين أن هذا الاتفاق جرى توقيعه مع شركة أبناء سيناء، وهي ذات الشركة التي تدير أنشطة إعادة الإعمار والتدخلات الاقتصادية المصرية في قطاع غزة.

مواقف محلية حول الاتفاق

أكد مصدر مسؤول في حركة حماس لمركز رؤية للتنمية السياسية -تحفظ على ذكر اسمه- ، أن الاتفاق الجديد لن يؤدي إلى تعديل في مضمون المنحة القطرية الممنوحة للقطاع منذ سنوات، لكن الآلية الجديدة تأتي في إطار تغيير على آليات تحويل الأموال؛ لوجود حكومة إسرائيلية جديدة ترفض سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو تجاه قطاع غزة.

وأعلنت السلطة الفلسطينية  في وقت سابق انسحابها من التفاهمات حول المنحة القطرية وآلياتها الجديدة، تحت ذريعة الخوف من الملاحقات القانونية في المحاكم الدولية بتهمة تمويل الإرهاب، وحول موقف حركة فتح من هذا الاتفاق، فقد قال عبد الله عبد الله  نائب مفوض العلاقات الدولية في حركة فتح، في حديثه مع مركز رؤية: “ما تقوم به حماس من تفاهمات ثنائية مع قطر أو مصر أو إسرائيل هي استراتيجية كرستها حماس لتجاوز السلطة الفلسطينية، نحن نرفض في حركة فتح والسلطة الفلسطينية هذه التفاهمات الثنائية من حيث المبدأ، ونتحفظ أن تختزل حماس مشهد غزة بتسهيلات اقتصادية إنسانية، لأن الحالة الفلسطينية بما فيها قطاع غزة هي أزمة سياسية”. ويرى عبد الله أن الأولوية للمصالحة كآلية لحل مشاكل قطاع غزة. وأن التفاهمات الأخيرة تطبق مفهوم صفقة القرن القائمة على التسهيلات الاقتصادية دون مضمون سياسي.

وأكد قيادي في الجبهة الشعبية في حديثه مع مركز رؤية  -تحفظ على ذكر اسمه- ،  أنه على الرغم من أن هذا الاتفاق يأتي في إطار تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية للموظفين في قطاع غزة، إلا أننا نتحفظ على دور قطر في قطاع غزة. والجبهة الشعبية كفصيل فلسطيني تقبل هذا الاتفاق على مضض في محاولة لتحسين الأوضاع الاقتصادية، وترفض أي تبعات سياسية لهذا الاتفاق.

لكن حركة الجهاد الإسلامي ذهبت في اتجاه آخر، حيث صرّح داود شهاب الناطق باسم الحركة لمركز رؤية أن “المقاومة تقوم بواجباتها، وقد أعلنت أكثر من مرة موقفا واضحا بأنها لن تقبل بالحصار ولا التضييق وأن العدو إذا لم يرفع الحصار فإن المقاومة مستعدة لخوض مواجهة، وبالتالي فنحن ندعم أي خطوة لتخفيف الحصار دون أن  يكون مقابلها أي ثمن سياسي يتعلق بالحقوق الوطنية الثابتة، وفي مقدمتها حق المقاومة”.

كيف نظر الاحتلال لهذه الآلية؟

بحسب تقرير نشرته صحيفة هآرتس العبرية أكّدت من خلاله أن “إسرائيل” تؤكد أنها ليست طرفاً في هذا الاتفاق الموقع بين قطر ومصر وبالتالي ترفض التعليق عليه، وتتابع الصحيفة أنه لا يمكن لاتفاق كهذا أن يتم دون موافقة ضمنية من إسرائيل.

ويرى حسن لافي المحلل السياسي والمختص في الشأن الإسرائيلي في حديث له مع مركز رؤية، أن الاتفاق على إدخال المنحة القطرية يأتي في إطار استكمال حكومة (نفتالي- بينت) الإسرائيلية خطتها الهادفة إلى تبريد جبهة غزة من خلال الاقتصاد مقابل الأمن، ولتجنب أي تصعيد جديد مع قطاع غزة. “في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل إلى حشد كامل طاقاتها واستعادتها على الجبهة الإيرانية”.

الانعكاسات الاقتصادية للاتفاق !

وصرح سلامة معروف رئيس المكتب الإعلامي في حكومة غزة لمركز رؤية، أن الآلية التي اتخذتها الأطراف الحكومية في غزة هو تشجيع تجار الوقود على شراء كميات السولار القادم من مصر ضمن الاتفاق القطري_ المصري الأخير، من خلال آلية تخفيض تكلفة الوقود  من خلال الدفع النقدي(الكاش).  والجدير بالذكر أن هذه التخفيضات تكون على أسعار الوقود المباعة في السوق الفلسطيني ضمن الأعلى عالميا، حيث وصل سعر اللتر 2.1 دولار (٦.٧ شيكل\لتر)، وهذا بسبب اتفاقية باريس التي ألزمت السلطة بتسعيرة السوق الإسرائيلي دون الأخذ بفارق الدخل بين المواطن الإسرائيلي  والفلسطيني.

في حين كشف مصدر آخر في وزارة المالية في غزة، رفض الكشف عن هويته لمركز رؤية، أن الآلية  التي جرى التوافق عليها بعد اجتماع عقدته وزارة المالية مع المجلس التشريعي في غزة ضمن المسؤولية الاجتماعية، هي  تخفيض ٢ أغورة لكل نصف مليون لتر.

محاولات حركة حماس لتمرير مواد إعادة الإعمار عقب الحرب الأخيرة من خلال مصر وليس إسرائيل، وموافقتها على الاتفاق الأخير في دفع رواتب موظفي غزة من خلال بيع الوقود. سيعزز الشراكة التجارية مع مصر في وفي نفس اللحظة سيقلل ما تحصل عليها السلطة الفلسطينية من إيرادات التعرفة الجمركية والوقود، لكن الاتفاق الحالي لن يغير كثيراً من واقع الجباية والضرائب؛ لأن قيمة الوقود المباع هي ذات القيمة لمنحة الموظفين قبل الحرب الأخيرة.

ويرى محمود صبرة الأكاديمي في قسم الاقتصاد في جامعة الأزهر في حديثه مع مركز رؤية، أن هذا الاتفاق سينعكس إيجاباً على دفع رواتب الموظفين، وشكل من أشكال التمويل لحكومة قطاع غزة، حيث سيخفف هذا الاتفاق الأعباء المالية عليها، إلا أن هذا الحل هو حل آني، لكن الأفق الآخر السيء في هذا الاتفاق بما له من انعكاس في إطار الاقتصاد السياسي؛ لأن ذلك سيؤدي إلى مزيد من الاحتواء من خلال دفع الأموال للقطاع، وبالتالي تقريبها أكثر نحو مصر وتكريس الانقسام الفلسطيني. ويرى صبرة أن هذا الاتفاق مقبول لدى الأطراف الفاعلة في القطاع لأنه يسمح بضخ المزيد من الأموال للقطاع. ويخفف من الاحتقان الاقتصادي الشديد.

لكن الباحث الاقتصادي مازن العجلة في حديثه مع مركز رؤية اعتبر أن الأثر الوحيد الإيجابي لهذا الاتفاق أنه سيوفر على الحكومة 10 ملايين من إيراداتها. ويرى العجلة أن هذا المبلغ صغير جداً، كما  أن هذا المبلغ كان متوفراً إلى جانب 20 مليون آخر ضمن المنحة القطرية قبل الحرب الأخيرة في مايو الماضي.  ومع ذلك حتى لو أن هذه المساعدات عززت القوة الشرائية لدى الفقراء، فإنها لن تخفف من معدلات البطالة والفقر المرتفعة.

دلالات وأبعاد الاتفاق الأخير  

يرى حسن لافي في مقابلته مع مركز رؤية، أن الأبعاد السياسية لهذا الاتفاق تكمن في أن مصر باتت اللاعب الرئيس في الملف الفلسطيني داخل الإقليم، وهذا بات محل توافق إقليمي ودولي، وكانت مصر هي الوسيط الأبرز في وقف إطلاق النار بين الاحتلال و فصائل المقاومة  في الحرب الأخيرة في مايو الماضي، ولها دور ملحوظ منذ سنوات في خفض التوتر، ولذلك نظرتهم إلى أي تسهيلات اقتصادية تقدم لغزة أنها ستعزز دورها في القضية الفلسطينية.

واعتبر أستاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية في القاهرة، عبد الله الأشعل في مقابلة له مع مركز رؤية أن “هذا الاتفاق هو اتفاق روتيني، وبالتالي ليس له دلالة سياسية في علاقة مصر مع غزة ولا يمكن تحميله أكثر من ذلك، ومصر دورها  في غزة هو دور إجرائي فقط وليس دورا سياسيا، وبالتالي الموقف المصري هدفه تخفيف المعاناة والصراع في قطاع غزة، وحتى التعاون المصري القطري في غزة ليس له أي أثر في تحسين العلاقات المصرية القطرية”.

خلاصة

مختصر الآلية الجديدة في المنحة القطرية هي أنها أصبحت شكلا أكثر قبولا إسرائيليا وإقليمياً لإعادة ضخ الأموال القطرية إلى القطاع، وفي ذات الوقت يحل أزمة مالية، ويساعد في تخفيف حالة الضغط داخل القطاع، دون أن تقدم حلولا ملموسة للمشاكل الاقتصادية المتراكمة. بما يبقي قطاع غزة بحالة من الهدوء، ويؤجل مرحلة جديدة من المواجهة مع إسرائيل.

 

[1] باحثة فلسطينية في السياسات العامة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى