التحولات في المجتمع الفلسطيني مابعد اتفاق اوسلو وأثره على التحرر الوطنيأخبار المشروع

“الشرق” و”رؤية” يختتمان مؤتمر التحولات في البُنى الاقتصادية والاجتماعية لما بعد اتفاق أوسلو” بإسطبنول

اسطنبول

اختتم مركزا الشرق للدراسات الاستراتيجية ورؤية للتنمية السياسية، مساء الأحد، المؤتمر الرابع ضمن مجموعة عمل “التحولات في المجتمع الفلسطيني بعد أوسلو” تحت عنوان: “”التحولات في البُنى الاقتصادية والاجتماعية لما بعد اتفاق أوسلو”.

شارك في المؤتمر الذي استمر ليومين، والذي عقد في مدينة إسطنبول التركية، عدد من الباحثين، قدم كل منهم ورقة بحثية في سياق عنوان المؤتمر بمجموع 21 ورقة، مقسمة على خمس جلسات أدارها أساتذة ومختصون.

بدوره، قال مدير مركز رؤية، أحمد عطاونة أن “المؤتمر استهدف مرحلة ما بعد أوسلو لأنها الحقبة الأطول والأكثر تأثيراً على الفلسطينيين منذ الانتداب البريطاني وما تلاه من احتلال إسرائيلي حتى اليوم، مشيراً أن المشهد الفلسطيني يظهر اليوم بحالة من الانسداد وعدم التوافق في البرنامج الوطني الفلسطيني، وأن التجزئة التي فرضها الاحتلال على الفلسطينيين زادت من حالة الإرباك، وتركت كل كتلة فلسطينية تبدو وكأنها تبحث خصوصية منفردة، فغزة باتت لها خصوصية عالية تخص القطاع وتركيبته، وكذلك الـ48 والضفة، وحتى الشتات الفلسطيني، إلى جانب ذلك، الحديث بات اليوم عن دولة ثالثة هناك في الضفة، وهي دولة المستوطنين، يضاف إليها المخاوف من الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية

أما رئيس مركز الشرق، وضاح خنفر، فأشار إلى أن “النظام الدولي الذي أسس من أجل إسرائيل لم يكن عادلاً ولا رحيمًا بالفلسطينيين، لكن هذا النظام يواجه تصدعات عديدة في الوقت الراهن، و هناك استقطابات عديدة لتشكيل نظام دولي جديد”، مشيرًا إلى أن “النظام العالمي الذي قد يتشكّل بسبب الصراعات المتفاقمة في مناطق مختلفة حول العالم،  لابد للفلسطينيين أن يجدوا لهم مكاناً فيه”.

أشار  الباحث والأكاديمي السياسي إبراهيم ربايعة، أن “التبعات التي يعيشها الفلسطينيون بعد اتفاق أوسلو هي تبعات الأمر الواقع الذي تفرضه إسرائيل من جانب واحد، وكل التعقيدات في الحالة الفلسطينية والعربية خلقت عجزاً مستداماً، أدى لغياب رد الفعل وغياب الاستجابة الفلسطينية العربية الفاعلة”.

ومن جهته أكد الباحث الاجتماعي جميل هلال أن “غياب الدولة المستقلة وهيمنة الاستعمار الاستيطاني كان لهما أثراً كبيراً في تشكيل تهديداً لواقع التركيب الطبقي الفلسطيني في الضفة والقطاع والداخل المحتل  48، مضيفاً أن آثار الانقسام في الحقل السياسي الفلسطيني نتج عنه انهيارات التشكيلات الوطنية الجامعة، وتعريضها لمحددات الجغرافيا السياسية”.

بينما أشارت الباحثة الأكاديمية والمختصة بالشأن القانوني ريم البطمة أن “تجاذب المجتمع الفلسطيني ما بعد أسلو له تحولات مختلفة على عدة اصعدة وأبرزها صعود الخطاب القانوني والخطابات المرتبطة به من حقوق انسان وقانون دولي واتفاقيات دولية وسيادة قانون التي أحدثتها عملية أوسلو أنتج مجال قانوني جديد كمرجعية أساسية، موضحة أنه كان سبباً في الهيمنة على المجتمع الفلسطيني ومقيداً لحريته وحقوقه المسلوبة من قبل الإحتلال”.

تحدث أستاذ العلوم السياسية والباحث الفلسطيني منصور النصاصرة، أن “خطورة ما شهدته فلسطين عقـب توقيع اتفاقيات أوسلو، حيث انتهجت إسرائيل سياسات تهجير صامتـة لتسريع عملية تفريغ شرق القدس مــن سكانها، من خــلال سحب بطاقــات الإقامة والهوية، ومنع لمّ شمل الأسر، وهدم المنازل، وعـدم منــح تصريح للبناء، وفرض ضرائب طائلة على الاقتصاد المقدسي، وتكريس الظروف المعيشية الهشة، التي أدت إلى نزوح “خفــي” لبعـض سـكان القـدس إلـى ما وراء الجدار الفاصل إلـى الضفـة الغربيـة وخارجها”. 

وعن التحول السياسي والمجتمعي لفلسطينيي 1948، أكد خالد عنبتاوي الباحث والأكاديمي السياسي أن ” عملية التحوّل الاجتماعي الاقتصادي لم تكن مفصولةً عن التحولات السياسية في الداخل الفلسطيني، موضحاً أن الداخل الفلسطيني يمرّ بتحولات متقاطعة، منها نمط المشاركة السياسية في العلاقة مع نظام سبقه تحوّل على المستوى الاجتماعي-الاقتصادي في المجتمع الفلسطيني في الداخل، متأثراً بمسارين أساسيّن: تشديد المسار الاستعماري-الديني في الصهيونية، واشتداد البعد النيو-ليبرالي فيها”.

وهذا ما أكدته الباحثة في الشأن السياسي نادية سعد الدين عن أن ما نتج عن اتفاق “أوسلو” وقيام السلطة الفلسطينية هي محاولات لتهميش الفلسطينيين في مناطق اللجوء والشتات، وتقزيم تمثيلهم السياسي وربما إلغاء دورهم، فضلاً عن تدهور مستمر لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وتطويق مهام المجلس الوطني الفلسطيني، بوصفهما ممثلين لفلسطيني الشتات، مقابل استئثار جهاز السلطة الفلسطينية بعملية صنع القرار السياسي.

من جهته تحدث الإعلامي والباحث علي رزق حول  آثار التحولات التي أثرت على طريقة المشاركة السياسية للشباب الفلسطيني عموما وفي الضفة الغربية وقطاع غزة على وجه الخصوص منذ توقيع اتفاقية أوسلو، موضحاً أن أهمها التحول في شكل السلوك النضالي وطريقة الانخراط في العمل السياسي، ليبدأ الشاب الفلسطيني ممارسة العمل السياسي ضمن إطار السلطة الفلسطينية كحزب حاكم أو كعضو في حزب معارض للسلطة الحاكمة باعتبارها المخرج الأهم لأوسلو، ثم ليتحول الشاب الفلسطيني المطارد أو المتمرد إلى موظف لدى الحزب الحاكم ومتلقٍّ للأوامر، ثم يتحول للعمل المسلح إلى المطالبة بحقوقه المشروعة عبر النضال السلمي.

من جهتها أشارت الباحثة نور بدر في ورقتها أن “سوسيولوجيا الممارسات العائلية والعشائرية وتحولاتها في المكان والزمان الفلسطيني تؤثر بشكل كبير على إدراك دور العائلة كبنية اجتماعية تتشكل ممارستها في الحياة اليومية عبر قضيتين أولهما عبر سياق الحكم العسكري الذي يمارس خطاب المقاومة اليومية لغرض الصمود واستمرار أبنائها، أما ثانيهما فهو سياق ما بعد أوسلو الذي يمارس خطاب الفزعة لغرض العدالة والسلم اليومي”.

وفي مرحلة التحولات في الأدوار الاجتماعية والسياسية للمرأة الفلسطينية، أكدت الباحثة والناشطة المجتمعية نوار ثابت أن “مرحلة تكوين النظام السياسي وبداية تشكل المؤسسات السياسية، والمدنية، ومن ثم تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، بنظام سياسي هشّ، ازدادت هشاشته بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية، فلم يعد ينظر إليه مؤسسة بنظام حكم يقاس عليه معدلات مشاركة المرأة في هيكلياته البنيوية والتشريعية، أو نسبة مشاركة المرأة في الانتخابات التشريعية والبلدية، مبينة وجودها اقتصر على مشاركة المرأة على الأحزاب والفصائل الفلسطينية.

وفي اليوم الثاني من المؤتمر والتي تخصصت الأوراق فيه حول تأثير الاقتصاد الفلسطيني في ظل المؤثرات الخارجية، تحدث الباحث في المعهد الفرنسي للشرق الأدني ابراهيم اللبدي أن إسرائيل تمنع أي قاعدة اقتصادية فلسطينية كبيرة معادية للاحتلال، لافتاً إلى أنَّ فهم الاقتصاد الاستعماري في فلسطين لا يزال يختزل العلاقات الاقتصادية في حدود السوق فقط، ويتجاهل الصراعات والقوى التي تنشأ في الاقتصاد نفسه. مشيراً أن علماء الاقتصاد والتاريخ والاجتماع والأنثروبولوجيا قدموا مقاربات بديلة ومواد قيّمة للتفكير بشكل مختلف حول الاقتصاد في هذا السياق، لكنه أمر لا يزال غير مدروس نسبياً في مجال الدراسات الفلسطينية.

وحول منهجية التبعية الاقتصادية للاستعمار الاستيطاني، قالت رغد عزام  باحثة ومحررة اقتصادية في مركز رؤية للتنمية السياسية، إنه بعد حرمان فلسطين من حقها في تقرير مصيرها، أُتبعت لاستعمار إسرائيلي قائم بالعقلية الاستعمارية التي سعت للإبادة الجماعية ومحو وجود السكان الأصليين، ثم العمل على إخضاع وتطويع من تبقى منهم في أرضه، واستغلال كافة مقدرات البلاد وثرواتها لتحقيق مصالح المستعمر، من خلال توفير فرص عمل لهم بهدف السيطرة عليهم والتحكم في توجهاتهم ودمجهم بما يضمن عدم انخراطهم في أعمال المقاومة ضد الاحتلال”.

كما أكدت رغد أن هذه الخطوة لم تكن عشوائية لحكومة الاحتلال، بل كانت سياسة انتهجها المستعمر طوال سنواته الطويلة “مع اختلاف مساراتها تبعاً للمتغيرات في البنية الاستعمارية”، وتنبع هذه السياسة من الإدراك المتأصل للفكر الاستعماري بأن الاستقرار الاقتصادي في المناطق المستعمرة شرط أساسي لديمومة الاستقرار الأمني في تلك المناطق. 

أما بخصوص الحلول الاقتصادية لفلسطين، فقد أكدت الباحثة أن التوجه نحو اقتصاد مقاوم يسعى لتعزيز قدراته الاقتصادية الذاتية ويهدف إلى تقوية قاعدته الإنتاجية، سيسهم في دعم صمود الفلسطيني على أرضه ويزيد من فرصة تحقيق استقلاله السياسي والاقتصادي، في حال تم ذلك ضمن استراتيجية وطنية أشمل وأوسع تسعى للتحرر.

وحول التحولات في الدعم المالي الخارجي وأثرها على الاقتصاد الفلسطيني، أوضحت ليلى فرسخ أستاذة مشاركة في العلوم السياسية بجامعة ماساتشوستس في بوسطن بالولايات المتحدة، أن المساعدات المقدمة من المجتمع الدولي لم تنجح في دعم تنمية الاقتصاد الفلسطيني، أو وضع الأسس للدولة الديمقراطية التي يتطلع إليها الشعب الفلسطيني.  موضحة أن مساعدات الداعمين قد أسهمت في تقويض مشروع التحرر الوطني الفلسطيني عوضاً عن تدعيمه، إذ إن معظم برامج المساعدة تم تصميمها وتنفيذها بمعزل عـن الواقع الفلسطيني المأزوم طوال ما يربو على خمسين عاماً من الاحتلال، والسياق الأوسع للمشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي”.

وعن أثر تجارب المقاطعة الاقتصادية على الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، عرضت سامية البطمة، أستاذة في دائرة الاقتصاد بجامعة بيرزيت، ورقة بحثية تضمنت ثلاث مراحل: الأولى تغطي مقاطعة الدول العربية لإسرائيل بعد احتلال فلسطين عام 1948، أما الثانية فتغطي المقاطعة الاقتصادية خلال الانتفاضة الأولى، والمرحلة الأخيرة تغطي تأثير حركة المقاطعة العالمية منذ عام 2005 .وبحسب البطمة فإن هناك تأثيراً واضحاً لحملات المقاطعة الأجنبية في الاقتصاد الإسرائيلي بمجالات التجارة والاستثمار وقطاعات الزراعة والصناعة والمالية العامة، ولكن تأثيرها السياسي يبقى أقل فعالية. 

كما أدت المقاطعة الفلسطينية للبضائع الإسرائيلية إلى خسائر كبيرة على الجانب الإسرائيلي وفقاً للبطمة، مشيرة أن المقاطعة الشعبية لعبت دوراً هاماً في إعادة صياغة الوعي الوطني حول مقاومة الاستعمار وقدرة الفلسطينيين على تفعيل أدوات النضال.

من جهته أكد نصر عبد الكريم الخبير الاقتصادي والسياسي حول “التحولات في إدارة السلطة الفلسطينية للقطاعات الاقتصادية المختلفة بعد أوسلو، أن تقدم المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي تم تسجيلها مابعد أوسلو دليلاً على هشاشة الوضع التنموي الفلسطيني، مشيراً أن جهود الفلسطينيين ركزت على التعايش ضمن منظومة الواقع الاحتلالي، وبالتالي يجب اعتماد نسق تنموي بديل قادر على تحقيق الاعتماد على الذات ومواجهة الاحتلال”.

أما فيما يخص إدارة الاقتصاد في ظل الانقسام والحصار والاعتداءات المتكررة على قطاع غزة، أوضح محمد مقداد الخبير في الشأن الاقتصادي والسياسي أن الانقسام والحصار والاعتداءات المتكررة على غزة أدت لتحولات مهمة على الوضع الاقتصادي والمعيشي والأمن الغذائي كما أدى إلى اختلافات جوهرية في المستوى الاقتصادي والمعيشي بين محافظات الضفة وغزة،

مؤكداً على ضرورة العمل على إصلاح النظام الضريبي ليصبح مراعياً للعدالة الاجتماعية، واشراك الأطراف الفاعلة لإنشاء نظام موحد لحل مشكلة الفقر والبطالة، وضرورة دعم المنتج المحلي، وتوطيد العلاقات الاقتصادية مع دول الجوار وتوفير حزم من التسهيلات الاستثمارية لجذب أموال الفلسطينيين في الخارج لتوفير فرص عمل لآلاف العاطلين عن العمل في غزة.

بينما أكد رابح مرار في ورقته حول “الاقتصاد الفلسطيني في الشتات، مشيراً أن تحويلات العاملين الفلسطينيين في الشتات شكلت مصدراً هاماً للاستثمار الفلسطيني المحلي. لكن لم يتم الاستفادة من هذا الدور بعد أوسلو، وانحصر دور الشتات حاليا في النشاطات التوعوية والتضامنية، لذا يجب تطوير آليات الشتات لتعزيز وحدة جميع المكونات الديموغرافية الفلسطينية”.

بدوره أكد مهند إسماعيل أن “أهمية الحماية الاجتماعية تكمن في ضمان استمرار صمود المجتمع الفلسطيني ضد الاحتلال. وتسعى جهود المؤسسات الحكومية والجمعيات الخيرية والقطاع الخاص لدعم الوضع الاجتماعي للفئات المهمشة. فقد طرأت عليها تحولات أثرت على بنيتها وتنوعها بعد قدوم السلطة الفلسطينية”.

واختتم المؤتمر بجلسة نقاش ختامي، تحدث فيها كل بشير نافع، وجوني منصور، إصلاح جاد وخالد الحروب، بإدارة حسن عبيد. حول “آفاق تطوير مشروع دراسات في تحولات المجتمع الفلسطيني مابعد أوسلو”.

ويُذكر أن مجموعة عمل “التحولات في المجتمع الفلسطيني بعد أوسلو” المنظمة للمؤتمر تضم كلاً من مركز الشرق ومركز رؤية، وتشكلت قبل 3 سنوات، بهدف دراسة تحولات المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، والأراضي المحتلة عام 1948، والشتات، بعد اتفاقية أوسلو بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى