قطرة الاتفاق التركي الليبي التي أفاضت كأس التوتر في العلاقات الإسرائيلية التركية

لتحميل كامل الدراسة هنا

صلاح الدين عواودة

مقدمة

تسعى هذه الدراسة إلى الوقوف على الأسباب الظاهرة والخفية، لاعتبار تركيا في تقدير شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” لعام 2020، أحد التهديدات التي تواجه الأمن القومي الإسرائيلي. وبحثت الدراسة في الخلفية التاريخية، والمصالح المتنوعة، المؤثرة إيجابًا وسلبًا، سواء كانت مصالح أمنية، أو سياسية، أو اقتصادية، وطنية، أو قومية، أو حزبية، أو حتى شخصية. وتناقش الدراسة كيف تستمر العلاقات بين الدول في مجال ما، بينما تتراجع إلى أدنى مستوى في مجالات أخرى، حيث لم يعد مستهجنا في العالم الحديث، وفي تشابك العلاقات الدولية، والتحالفات والعداوات، وجود طرفين أو أكثر في العالم، هم أعداء في مجالٍ ما، ومتعاونون، أو حلفاء، أو ربما أصدقاء، في مجالٍ آخر، وهو ما يعني أن عصر العداوات المطلقة، والتحالفات المطلقة، ينتهي ويتلاشى، فلا تكاد توجد دولتان في العالم، إلا ويجمع بينهما مصلحة مشتركة، ولو مؤقتة، مما يحتم عليهما التنسيق والتعاون فيما بينهما، وإن كان على مستوى منخفض. وفي المقابل، ربما يتصارعان في ملف آخر.

وفي الحالة الإسرائيلية التركية، نشأت العلاقة بينهما، وتطورت إيجابًا وسلبًا، وفق عدة مؤثرات داخلية وخارجية، ومصالح البلدين، ورؤية قيادة كل منهما.

ولكن المهم، هو معرفة هذه المؤثرات جيدًا، لفهم حجم تأثيرها في المستقبل، خاصة على صانع القرار في الطرفين، ولفهم الأحداث وتفسيرها، ومحاولة التنبؤ بمستقبل العلاقة بينهما.

الخلاصة

يتضح مما سبق، أن كثيرًا من العوامل تجعل العلاقة بين تركيا و”إسرائيل”، أقرب إلى العداء، لا سيما العوامل التاريخية والقومية والدينية. لكن المصالح السياسية، من وجهة نظر قيادة البلدين، وبتفاوت عبر العقود السبع الماضية، جعلت هذه العلاقة لا تبدو كذلك، بل وربما بدت وكأنها علاقة حلفاء، رغم أن علاقة التحالف الحقيقية، لا يمكن أن تنشأ بين دولتين لديهما هذا الإرث من العداء، على خلفية الدين والتاريخ والجغرافيا. فالدولتان نشأتا على أنقاض الدولة العثمانية، التي كانت في صراعٍ مع الحركة الصهيونية، وورثتها الجمهورية التركية الحديثة، بينما ورثت الحركة الصهيونية دولة “إسرائيل”، التي رأت، وما زالت ترى، أن أي دور لتركيا في فلسطين، هو محاولة لإحياء الدور العثماني التاريخي فيها، والذي يأتي حتمًا على حساب “إسرائيل”.

الخلاصة هي أن وصول العلاقة بين تركيا و”إسرائيل” إلى هذه المرحلة، التي تشبه إعلان العداء، مرتبط بشكلٍ أساسي بالقضية الفلسطينية، كقضية صراع تاريخية، بين الحركة الصهيونية والدولة العثمانية، وبالارتباط التاريخي للشعب التركي بفلسطين والقدس، مما جعل القضية الفلسطينية سببًا في تأزم العلاقات بينهما، لا سيما بعد احتلال شرقي القدس عام 1967، وضمها عام 1980. كما أن هذه العلاقة، من وجهة نظر إسرائيلية، مرتبطة بشخص الرئيس التركي، ولكن أيضا ليس بمعزلٍ عن القضية الفلسطينية. فما يزعج “إسرائيل” من رجب طيب أردوغان، هو موقفه من القضية الفلسطينية تحديدًا، والمبني على العمق التاريخي والإسلامي، الذي يميز فكر هذا الرجل. وهذا سبب ترديدهم عبارة “انتهى عصر الدولة العثمانية”، التي يوجهونها له كلما انتقد سياسات “إسرائيل” ضد الفلسطينيين.

كما يتضح أن التناقض الديني والثقافي والتاريخي، يؤثر على الأحداث الأخيرة، ويغذيها، على الأقل من وجهة نظر إسرائيلية. فالعداء لـ “إسرائيل”، والتدخل في فلسطين والقدس، وليبيا، وسوريا، وشرق المتوسط  نابع من الإرث العثماني، حتى لو كان هذا التدخل على شكل أعمال خيرية، تعتبرها “إسرائيل” جهادًا صامتًا. وعليه، فإن التقدير الذي صدر عن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان”، لا يستند إلى تهديدات عسكرية مباشرة، ولا حتى على المدى المتوسط والمنظور، بقدر ما يستند إلى النظرة السايكولوجية للرئيس التركي، وفكره السياسي، وطموحاته القومية.

وكل ما تقوم به تركيا عمليا، على صعيد الغاز في شرق المتوسط، وتطوير سلاح البحرية، ونشر قوات تركيا في البحر، أو في ليبيا، أو سوريا لم تكن “إسرائيل” لتعتبره خطرًا، بمعزلٍ عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وخلفيته الإسلامية، وعلاقاته بالإسلاميين في الإقليم والعالم.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى