صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل أغسطس 2025: دلالات التعليق الإسرائيلي ومآلاتها
في آب/أغسطس 2025، أُعلن عن اتفاقية من أضخم اتفاقيات الطاقة في تاريخ العلاقات بين مصر و”إسرائيل”، قُدّرت قيمتها بنحو 35 مليار دولار، وتمتد حتى عام 2040. تهدف الاتفاقية إلى توريد الغاز الإسرائيلي من حقل “ليفياثان” إلى محطات الإسالة المصرية في إدكو ودمياط. بدا الاتفاق وكأنه تتويج طبيعي لمسار طويل من التعاون بين الطرفين في مجال الطاقة، ووسيلة لتعزيز المكانة الإستراتيجية لكليهما: بالنسبة لـ “إسرائيل” أرادت تعزيز دورها كمصدّر إقليمي للطاقة؛ وبالنسبة لمصر فهي تهدف إلى تكريس نفسها كمركز إقليمي لتسييل الغاز وإعادة تصديره إلى الأسواق الأوروبية. غير أنّ هذا “الإنجاز” لم يدم طويلًا، إذ أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مطلع أيلول/سبتمبر 2025 تعليق الصفقة، مبررًا ذلك بما سماه “خروقات مصرية لاتفاقية السلام”، في إشارة إلى التعزيزات العسكرية المصرية في سيناء، زاعمًا أنها تخالف الترتيبات الأمنية الخاصة باتفاقية كامب ديفيد.
تعليق الصفقة المفاجئ يطرح سؤالًا جوهريًا: هل قرار نتنياهو مجرد مناورة تكتيكيّة في ظل الضغوط المتصاعدة على “إسرائيل” فيما يتعلق بالحرب على غزة، أم أنّه يعكس أزمة أعمق في العلاقات المصرية–الإسرائيلية، أزمة تتجاوز ملف الطاقة إلى مسائل السيادة، والأمن، والمكانة الإقليميّة؟
السياق التاريخي: من تصدير الغاز المصري إلى الاعتماد على الغاز الإسرائيلي
بدأت العلاقات المصرية الإسرائيلية في مجال الغاز عام 2005، مع عقد صفقة بقيمة 2.5 مليار دولار تصدّر بموجبها مصر الغاز إلى إسرائيل، لتتحول الأولى إلى مصدر رئيس للغاز الطبيعي إلى إسرائيل، عبر خط أنابيب “العريش–عسقلان” التابع لشركة غاز شرق المتوسط المصرية EMG الذي بدأ بالعمل عام 2008. هذه العلاقة لم تكن مجرد صفقة تجارية، بل عكست مسارًا سياسيًا أرادت “إسرائيل” من خلاله تكريس “السلام الاقتصادي” كإطار لتعزيز اتفاقية كامب ديفيد، فيما اعتبرتها القاهرة فرصة لتعزيز مكانتها كمصدّر للطاقة، غير أنّ هذه المرحلة لم تدم طويلًا.
مع اندلاع ثورة 25 يناير 2011 في مصر وما تلاها من اضطرابات، تعرض خط الأنابيب لهجمات متكرّرة في شمال سيناء، ما أدّى إلى توقف التصدير عمليًا، وتبع ذلك قرار رسمي مصري بوقف العمل بالاتفاقية في أبريل/نيسان 2012، وقد عُلّل القرار بعجز إسرائيل عن الوفاء بالتزاماتها في التعاقد. غير أن القرار قُرِئ إسرائيليًّا على أنه انعكاس للتحولات التي أحدثتها الثورة المصرية وصعود الإسلاميين إلى الحكم في مصر، كما كشف هذا التوقف هشاشة العلاقة في مجال الطاقة بين البلدين، ودفع “إسرائيل” إلى تسريع تطوير حقول الغاز البحرية التي كانت قد اكتُشفت حديثًا، مثل حقل “تمار” (2009) وحقل “ليفياثان” (2010).
شهدت الأعوام التالية تحولًا كبيرًا في شكل العلاقة بين الطرفين، إذ تحولت مصر من مصدّر للطاقة إلى مستورد للغاز الإسرائيلي، جاء هذا الانقلاب على أثر التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدتها كل من مصر وإسرائيل. فمن جانب مصر كان انعكاسًا لأزمات متداخلة – ترافقت مع سقوط نظام الإخوان في مصر عام 2013 – أدت إلى زيادة الاستهلاك المحلي المصري مع توسّع محطات الكهرباء، وتراجع إنتاج الحقول المحلية، وفشل الدولة في تلبية الطلب الداخلي، على الرغم من اكتشاف حقل ظُهر عام 2015 ودخوله مرحلة الإنتاج عام 2017، الذي أشارت التقديرات في حينه إلى أنّ احتياطاته تبلغ 30 مليار قدم مكعب، قبل أن تصدر لاحقًا بيانات ترجح أنّها أقل من ذلك بكثير. في المقابل كانت إسرائيل منذ عام 2009 قد أعلنت عن اكتشاف عدد من حقول الغاز، ذات الاحتياطيات التجارية المؤكّدة، قبالة السواحل، ما مكنها من تلبية الاحتياج الداخلي من الغاز والتحول إلى مصدّر له.
في المقابل كانت مصر قد أخذت باستيراد الغاز، في ظل هدف التحول إلى مركز إقليمي للطاقة، مستغلة وجود شبكات نقل الغاز ومحطات التسييل لديها، ما يمكّنها من استيراد الغاز وإعادة تصديره بعد تسييله. وفي ظل اكتشافات الغاز الإسرائيلي، وحاجة إسرائيل إلى وسيلة وسوق لتصديره فقد ساهم ذلك في ظهور نوع من الحاجة المتبادلة بين الطرفين.
كان العام 2018 محطة فارقة في مسار العلاقة، حيث وقّعت شركة “دولفينوس” المصرية صفقة مع شركتي “ديليك” الإسرائيلية و”نوبل إنرجي” الأمريكية بقيمة 15 مليار دولار لتوريد الغاز لعشر سنوات. لم تكن هذه الاتفاقية اقتصادية فحسب، بل حملت دلالات سياسية عميقة، منها قبول مصر استيراد الغاز من إسرائيل بعد أن اضطرت لدفع تعويضات للحكومة الإسرائيلية على خلفية إيقاف العمل باتفاقية 2005، في خطوة عكست استعدادها لإعادة هيكلة العلاقة على أسس جديدة، وقد لعبت الولايات المتحدة دورًا مهمًا في رعاية هذه الترتيبات، في إطار رؤيتها لتعزيز أمن الطاقة في شرق المتوسط.
تلا ذلك تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط في القاهرة عام 2019، وأُعلن عنه رسميًا في 2020، ليشكّل إطارًا مؤسسيًا للتعاون الإقليمي، وضم المنتدى مصر و”إسرائيل” إلى جانب اليونان وقبرص والأردن وفلسطين وإيطاليا وفرنسا، مع الاتحاد الأوروبي كمراقب، ولأول مرة وُضعت “إسرائيل” ضمن إطار جماعي إقليمي معترف به، فيما عززت مصر موقعها كمركز إقليمي لتسييل الغاز وإعادة تصديره إلى أوروبا.
في 15 يونيو/حزيران 2022 وقعت إسرائيل والاتحاد الأوروبي ومصر على مذكرة تفاهم لتصدير الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى دول الاتحاد الأوروبي من خلال نقله إلى مصر ومنها إلى أوروبا عبر ناقلات بحرية بعد تسييله في مصر، واتفقت الأطراف أن تكون مدة الاتفاق ثلاث سنوات، وبعدها يُجدد بشكل تلقائي لعامين إضافيين. هناك عدة أسباب لمشاركة مصر في هذا الاتفاق، والسبب الرئيس هو غياب منشآت تسييل الغاز في إسرائيل، في حين أن مصر تملك منشأتين في بور سعيد. وتشير مصادر إسرائيلية إلى أنّ احتمال بناء منشآت لتسييل الغاز في إسرائيل ضئيل، بسبب التكاليف المالية الباهظة، ومعارضة الجمهور الإسرائيلي والمنظمّات البيئية لإنشائها.
ولكن التحول المهم في طبيعة العلاقة بين إسرائيل ومصر، وتحوّل الأخيرة إلى الاعتماد على إسرائيل في مجال الغاز أخذ يتصاعد منذ عام 2023، نتيجة تراجع إنتاج حقل ظهر إلى أدنى مستوياته في مقابل تنامي الاستهلاك المحلي للغاز تباعًا لتزايد استهلاك الكهرباء التي ينتج 60% منها من خلال الغاز المحلي.
لم يتوقف التعاون في مجال الطاقة بين مصر وإسرائيل خلال حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، رغم أنّها خلقت توترات متصاعدة بين الطرفين، ففي فبراير/شباط 2024 جرى اتفاق على زيادة في صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر من حقل تمار بمقدار 3 أضعاف، بحيث تُصدر 4 مليارات متر مكعب إضافية سنويًّا لمصر لمدة 11 عامًا، ما يجعل إجمالي الصادرات الإضافية 43 مليار متر مكعب.
رغم أنّ مصر تبدو كأنها الطرف الأضعف في المعادلة، فإنّ إسرائيل بدورها بحاجتها بشكل ملحّ في مجال تصدير الغاز، إذ ليس لديها إمكانية لتصدير الغاز إلى أوروبا إلا من خلال مصر عبر الأنابيب الناقلة ليُسيّل هناك في محطات التسييل التي لا تمتلك مثلها إسرائيل، ما يجعلها في الواقع هي الأخرى رهينة لمصر في تصدير غازها.
كان من المفترض أن يدخل الاتفاق، المذكور آنفًا، حيّز التنفيذ في يوليو/تموز 2025، نظرًا إلى التحضيرات اللوجستية اللازمة للبدء في التنفيذ بما يشمل العمل على توسيع القدرة الإنتاجية للحقل ومد خط الأنابيب الثالث لإنتاج الغاز وما إلى ذلك.
يشير المسار السابق من العلاقات في مجال الطاقة بين الطرفين، إلى أن صفقة 2025 كانت بمنزلة التتويج لهذا المسار الطويل، غير أنه اتّسم دومًا بشدّة التأثر بالظروف السياسية. فالتعاون في مجال الطاقة بين مصر وإسرائيل، ظلّ رهينة بالتحولات السياسية والأمنية، ومتأثرًا بشدة بالتوترات التي تشهدها المنطقة وتبعاتها.
الحرب لا تنعكس على مسار الطاقة
على الرغم من التوترات في العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين مصر وإسرائيل منذ اندلاع حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، فإنّ تلك التوترات، حتى وقت قريب، لم تنعكس على التعاون المتبادل في مجال الطاقة. فمنذ بداية الحرب تصاعدت عدة أزمات بين الطرفين حول محور فيلادلفيا، ومعبر رفح، والدور المستقبلي للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، وغيرها من القضايا التي كانت مصر الأكثر حساسية تجاهها بحكم موقعها السياسي والجغرافي فيما يتعلق بقطاع غزة.
في الأسابيع الخمسة الأولى من الحرب تقلص إمداد الغاز الإسرائيلي إلى مصر بأكثر من 50 في المئة، بسبب توقف ضخ الغاز من حقل “تمار”، الذي يقع على بعد حوالي 20 كم قبالة سواحل غزة، خشية تعرضه للقصف بصواريخ المقاومة. ولكن في المقابل، استمر الغاز الإسرائيلي الذي يصل إلى مصر عبر الأردن في التدفق كالمعتاد منذ بداية الحرب. فقد سعت كل من مصر وإسرائيل إلى إبقاء التبادل التجاري في مجال الطاقة بعيدًا عن التوترات الناتجة عن الحرب؛ لإدراكهما أنّ هذا الموضوع يمثل مصلحة إستراتيجية للطرفين وله فوائد متبادلة. فقد أتاح فصل الغاز عن التطورات المرافقة للحرب والخلافات السياسية إمدادًا منتظمًا للطاقة لمصر، انعكس بطبيعة الحال على استقرارها السياسي وعدم تعميق أزمتها الاقتصادية، ومن ناحية إسرائيل فقد حافظت على سوق نهم لغازها ما وفر لها إيرادات مهمة.
غير أنّ تصاعد الخلافات السياسية، خاصة تلك المرتبطة بالحرب على قطاع غزة، والاتهامات الإسرائيلية لمصر بانتهاك اتفاقية السلام والملحق الأمني المتعلق بسيناء،أخذ يُلقي بظلاله على مجمل العلاقات بين الطرفين.
يشارك في تلك الاتهامات مسؤولون إسرائيليون كبار، لا ينتقدون ما يعدّونه انتهاكًا مصريًّا لاتفاقية السلام، وإنّما تعاظم قوة الجيش المصري بشكل عام. ومنهم سفير إسرائيل في الأمم المتحدة داني دانون الذي هاجم تعاظم قوة الجيش المصري وادّعى أنهم يستعدون لكل سيناريو، وذلك خلال مقابلة صحفية في يناير/كانون الثاني 2025. وانضم إليه أيضًا يحائيل ليتر السفير الإسرائيلي المعيّن حديثًا في واشنطن، الذي صدرت عنه تصريحات في 28 يناير/كانون الثاني الماضي خلال اجتماع افتراضي مع قادة المؤسسات اليهودية في الولايات المتحدة، جاء فيها أنّ مصر تنتهك بصورة خطيرة اتفاقية السلام في سيناء، وأنهم سيعملون على إثارة هذا الموضوع مع الإدارة الأمريكية.
في الوقت ذاته، هناك تصاعد في حدة الخطاب والاتهامات المتبادلة بين الطرفين على خلفية مخططات التهجير في قطاع غزة، ففي حين كانت الاتهامات تصدر من مسؤولين مصريين بأن إسرائيل تسعى لتهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء عبر استمرار الضغط عليهم للنزوح تجاه الحدود المصرية، فإن مسؤولين إسرائيليين بدورهم كالوا الاتهامات لمصر بأنها هي من تتسبب بالأزمة الإنسانية في القطاع “بإغلاقها لمعبر رفح” ورفض خروج الفلسطينيين من قطاع غزة. وبعيدًا عن هشاشة وسذاجة الطرح الإسرائيلي، الذي يسعى للتنصل من جرائم الإبادة والتجويع والحصار، فإنّ تلك الاتهامات المتبادلة كانت تعبر عن أزمة حقيقية تلوح في الأفق بين الطرفين.
الغاز كأداة ضغط
يشير قرار نتنياهو بتعليق صفقة الغاز مع مصر إلى تحوّل في إستراتيجية إسرائيل للتعامل مع ما تصفه بانتهاكات مصر للملحق العسكري لاتفاقية السلام في سيناء. فبعد أن كانت الضغوط الأمريكية والدبلوماسية غير فعّالة لسنوات، حسب ما تزعم إسرائيل، توقفت خلالها قوة المراقبين الدولية بقيادة الولايات المتحدة عن الإشراف على الانتشار العسكري المصري، يبدو أنّ إسرائيل قد قررت تفعيل نفوذها الاقتصادي-الطاقي، للضغط على مصر.
تكمن الأداة الجديدة للضغط الإسرائيلي في الغاز الطبيعي، في ظلّ إدراكها أنّ مصر تعاني من نقص حادّ فيه منذ عدة سنوات، ما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي المبرمج لساعات طويلة. ويبدو أنّ إسرائيل تستغل هذه الحاجة الملحة عبر ربط استعدادها لبيع الغاز، الذي يعد ضروريًا لتخفيف هذا النقص، بالتزام مصر الصارم بتعهداتها الأمنية بموجب اتفاقية السلام. وفي هذا السياق، أشار مسؤولون سياسيون إلى أنّ رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الطاقة كوهين يعتزمان التأكد من التزام القاهرة قبل استئناف العمل بموجب الصفقة.
جاء الرد المصري على القرار الإسرائيلي بتعليق صفقة الغاز، عبر رئيس هيئة الاستعلامات ضياء رشوان، الذي حذّر من أن نتنياهو لن يستطيع تحمل التبعات الاقتصادية لهذا القرار، مشيرًا إلى أنّ الصفقة مهمة للطرفين لكن الكفة الاقتصادية “تميل أكثر لإسرائيل”، بمعنى أنّ إسرائيل ستكون هي الخاسر الأكبر في حال إلغائها. مؤكّدًا في ذات الوقت أن بلاده، التي تستخدم الغاز الذي تستورده من إسرائيل محليًّا، وتُسيّل جزءًا منه لإعادة التصدير، لن تواجه أزمة حالية لتوقف الإمدادات مع قرب انتهاء الصيف، وأن لديها “بدائل كثيرة وسيناريوهات جاهزة” في ملف الطاقة، معتبرًا أن تهديد نتنياهو محاولة لـ “تصدير أزمة” مرتبطة بالضغط لتنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة الذي ترفضه مصر رفضًا قاطعًا.
غير أن الموقف المصري الرسمي تجاه قرار إسرائيل بتعليق الصفقة لم يكن حادًّا، ويبدو فيه نوع من البراغماتية، إذ تنظر مصر إليها كخيار عملي ما زال مجديًا على الرغم من المناخ الإقليمي المتوتر والتوتر في العلاقات بين الطرفين. ويتأكد هذا الفهم من خلال تصريحات رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، المشار إليها آنفًا، ما يوحي بعدم نية مصر للانسحاب ما لم تضطر إلى ذلك في ظل التعنت الإسرائيلي. ينبع الموقف المصري من اعتبارين أساسيين، الأول اقتصادي، حيث تُقدّر تكلفة البدائل الأخرى للغاز بنحو 2.5 مليار دولار إضافية سنويًا، والثاني يتعلق بمسألة الاستقرار النسبي في الإمدادات. فبالمقارنة مع حدة التوتر الإقليمي المستمر والتوقف المؤقت في إمدادات الغاز خلال الحرب، اتسمت المعادلة بالاستقرار النسبي، ما يدعو مصر إلى النظر إلى تلك التوترات على أنّها غير جوهرية، ويجد في استمرار الاتفاق خيارًا مقبولًا انطلاقًا من حسابات التكلفة والجدوى.
ومع ذلك، فإن الموقف الإسرائيلي قد أثار القلق المصري من قضية الاعتماد على الغاز الإسرائيلي إلى درجة تحوله إلى ورقة ضغط عليها، وسط مخاوف من ميل إسرائيل لاستخدام هذه الورقة كأداة ضغط على مصر في قضايا مختلفة في المستقبل، خاصة في ظل التحذيرات من مخاطر ربط قطاع الطاقة المصري بإسرائيل على الأمن القومي.
وعليه، يشير اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 7 سبتمبر/أيلول 2025 مع رئيس الوزراء ووزير البترول، الذي ركز على تعزيز الإنتاج المحلي وتكثيف أنشطة البحث والاستكشاف، إلى سعي مصري حثيث لتجهيز بدائل تضمن استمرار أمن الطاقة في حال تعطّل التعاون مع إسرائيل مستقبلًا.
خاتمة
على الرغم من التوتر بين الطرفين والتصعيد الإسرائيلي تجاه مصر، فإنّه من الواضح أنّ كلًّا من الحكومتين المصرية والإسرائيلية تدركان أنّ لديهما مصلحة مشتركة قوية في الحفاظ على الاستقرار والتعاون الإستراتيجي في مجال الغاز والطاقة. وهي الورقة التي ظلت بمنأى عن ظروف الحروب والتوترات بين مصر وإسرائيل، لأنّ العلاقة فيها قائمة على وجود مصلحة حيوية لدى كل طرف عند الطرف الآخر، فمصر بحاجة ماسة للغاز الإسرائيلي، وإسرائيل كذلك بحاجة ماسة للسوق المصري، والبنية التحتية المصرية لتسييل الغاز، التي لا يوجد لديها بديل عنها في الوقت الحالي.
ما يعني أنّ إسرائيل لجأت للعب على وتر صفقة الغاز وهي تدرك أنها ليست الطرف المهيمن الوحيد فيها، ولذلك فإنّ القرار الإسرائيلي لم يلغِ الصفقة كلية، وإنما علّق تنفيذها للضغط على مصر في جملة الخلافات التي ظهرت بين الطرفين خلال الحرب، من قضية تسليح الجيش المصري والانتشار العسكري في سيناء والتهجير من قطاع غزة. غير أن توقف الحرب في قطاع غزة في شهر أكتوبر/تشرين الثاني والزخم الأمريكي لتثبيت وقف إطلاق النار وإشراك الدول العربية والإسلامية فيه، قد يؤدي إلى حلحلة التوترات بين مصر وإسرائيل، وتراجع الأخيرة عن قرارها بتعليق الصفقة، غير أن هذا الأمر متعلق بما سيؤول إليه مصير وقف إطلاق النار.
من ناحية أخرى، فإنّه حتى وإن تراجعت إسرائيل عن قرار تعليق الصفقة، إلا أنّ الخطوة الإسرائيلية قد أثارت مخاوف مستقبلية لدى مصر تتعلق بخطورة الارتهان إلى إسرائيل في مجال حيوي كالطاقة، ما سيدفعها للبحث عن بدائل لتنويع مصادرها من الطاقة سواء من الإنتاج المحلي أم من الاستيراد. وهذا الأمر سينطبق على إسرائيل أيضًا التي قد تبدأ بالبحث عن بدائل بعيدة المدى للانفكاك عن الارتهان لمصر في مجال التصدير.



