انهيار أسواق قطاع غزة في ظل الإبادة الجماعية

ما أن انطلقت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حتى أطبق الاحتلال الإسرائيلي حصاراً مشدداً على القطاع، أغلق فيه المعابر الحدودية ومنع سلاسل توريد وإدخال أي من البضائع والسلع الغذائية والمساعدات الإنسانية والخدماتية والتي أدت إلى اختفاء سلع كثيرة من الأسواق وارتفاع غير مسبوق بأسعار المتوافر منها.

وعلى مدار 22 شهراً، عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى تدمير جل مقومات الحياة في قطاع غزة، من المنازل السكنية إلى البنى التحتية، والمراكز التجارية والأسواق الشعبية، كسوق الزاوية وسوق الشيخ رضوان، ومول كيرفور ومترومول، ليستبدلها سكان قطاع غزة بالعرائش والبسطات الصغيرة في الشوارع وعلى المفترقات الرئيسية للمناطق التي يتركز فيها النازحين، وهو ما أثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي للأسواق وأدى لإصابتها بما يسمى التشوه الاقتصادي.

وقد تسبب ذلك التشوه في ازدهار السوق السوداء وارتفاع أسعار السلع بشكل كبير جداً، وهو ما أدى إلى تدهور القدرة الشرائية لدى السكان، حيث تباع السلع بأسعار أعلى من المعتاد، ليصبح الحصول على الاحتياجات الأساسية تحدياً يومياً يواجه الغزيين.

أولاً: واقع الأسواق في ظل الحرب

تشهد الأسواق في قطاع غزة شللاً شبه كامل نتيجة لحرب الإبادة المستمرة منذ 22 شهراً، والتي أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية وألقت بظلالها على مختلف نواحي الحياة المعيشية للفلسطينيين، وأدى إلى تعقيد التفاصيل اليومية لهم.

أحد الأسواق في مدينة غزة خلال حرب الإبادة

الدمار الشامل

فقد عمد جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى استهداف المباني التجارية والمخازن والأسواق المركزية بالقصف والتدمير والتجريف، في جميع أنحاء قطاع غزة، حيث استهدف السوق التاريخي لمدينة غزة سوق القيسارية أو ما يعرف بسوق الزاوية، وسوق فراس، وسط مدينة غزة، كذلك سوق بيت لاهيا وسوق مخيم جباليا شمال قطاع غزة والذي كان يمثل مركزاً تجارياً مهما بالنسبة لسكان المنطقة، بالإضافة إلى أسواق مدينتي خانيونس ورفح.

كما أقدمت جرافات وطائرات جيش الاحتلال الإسرائيلي على تدمير المراكز التجارية والمولات المحدودة في مدينة غزة، فقد شهد شارعي عمر المختار والشهداء التجاريين وسط حي الرمال تدميراً مركزاً للمحال التجارية وقصفاً متكرراً لها ما تسبب في تدمير العشرات من المحال واحتراقها بشكل كامل، كذلك تخريب البنية التحتية للمشاريع التجارية الموجودة في المنطقة، مثلما حدث مع مترو مول، ومول كيرفور، ومول ستيبس، ومدينة اللحوم.

وبحسب وزارة الاقتصاد الوطني، فقد دمر جيش الاحتلال الإسرائيلي عشرات الآلاف من الأسواق الشعبية والمركز التجارية، كانت تقدم خدمات لما يزيد عن 2.400 مليون من السكان، وبالتالي فإن الاحتلال يسعى إلى تدمير مقومات البنية التجارية ومنع أي عملية نهوض لها عند انتهاء حرب الإبادة المستمرة على القطاع المتواصل منذ ما يقرب من عامين.

انعدام الإمدادات

أدى إغلاق المعابر بشكل محكم من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، منذ ما يقرب من 156 يوماً إلى منع إدخال البضائع والمواد الغذائية والإمدادات الإنسانية الأساسية إلى قطاع غزة، وهو ما أفرغ الأسواق من محتوياتها، لتصبح فارغة من المواد الغذائية التي يحتاجها المواطن الفلسطيني في قطاع غزة، ليفاقم من معاناته وسوء حالته الصحية نتيجة سوء التغذية الذي وصل إلى مراحل كارثية وفقاً لمقياس ريختر للجوع، طبقاً لبرنامج الأغذية العالمي، والذي يمثل مقياساً لتقييم الأمن الغذائي في منطقة ما في العالم، ويشرف على إعداده لجنة دولية تتكون من 15 منظمة.

وقد أدى الحصار الخانق للمواطنين في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023م إلى تعطل سلاسل التوريد وبالتالي حرمانهم من جل مقومات الحياة، وليس فقط المواد الغذائية، فلم يعد يجد الفلسطيني ما يقيه حر الصيف أو برد الشتاء من الملابس والأحذية، فضلاً عن مواد التنظيف التي أدى فقدانها إلى انتشار الأمراض والأوبئة، إلى جانب مواد البناء التي أصبح سعرها عشرات أضعاف سعرها الطبيعي لندرتها وحاجة الناس إليها.

وعلى الرغم من حالة الحصار التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ ما يزيد عن ثمانية عشر عاماً، والتي أثرت بشكل كبير على عوامل الإنتاج المحلي، إلا أن ما كان يدخل من شاحنات للتجار كان يوفر عيشاً كريماً للسكان في القطاع وقتها، فقد سجلت وزارة الاقتصاد الوطني بغزة دخول ما يقرب من 1551 شاحنة[1] يومياً محملة بالضائع التجارية المختلفة خلال شهر أغسطس 2023، أي قبل حرب الإبادة بشهرين، بينما تراوح أقصى معدل للشاحنات التي دخلت قطاع غزة منذ بدء الإبادة الجماعية ما بين 500 إلى 600 شاحنة يوميًا خلال وقف إطلاق النار، قبل أن يعيد الاحتلال الإغلاق الخانق للقطاع ولمدة 3 شهور أفرغت خلالها الأسواق من محتوياتها، ليعاود الاحتلال الإسرائيلي السماح لمؤسسة الغذاء العالمي إدخال جزء يسير من شاحنات المساعدات المحملة بالدقيق دون السماح للأجهزة الأمنية والشرطية في غزة بتأمينها وتركها للصوص من أجل نهبها وحرمان الغزيين من الحصول عليها.

كما أدى تدمير الأسواق الشعبية سواء بشكل كلي أو جزئي إلى استحداث أسواقاً شعبية بعضها متنقلة وأخرى دائمة وفقاً لكثافة تواجد النازحين، مثل: سوق الشيخ رضوان، وسوق شارع الجلاء وأبو سكندر، وسوق شارع الوحدة، والتي يسيطر عليها السوق السوداء والارتفاع الخيالي للأسعار، بحيث يشتري الغزيين منها ما يبقيهم على قيد الحياة، كالخضار التي أصبح يتم شراؤها بالحبة بعدما كان يشتريها الفلسطيني في القطاع بالكيلو، كما أصبح شراء المؤونة من قهوة وسكر ومعجون الطماطم ومرق الدجاج وغيرها بالجرامات بحيث يصل سعر الجرام الوحد من السكر إلى 5 شواكل.

نزوح السكان

فقد أدى النزوح الجماعي والمستمر لسكان قطاع غزة، إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وانهيار شبه كامل للسوق، وتغير في نمط وأولويات الإنفاق، بحيث يُقبل الفرد على شراء ما هو ضروري ويعزُف عما هو غير ضروري في ظل استمرار الحرب وكثرة التنقل وعدم الاستقرار في مكان معين، فضلاً عن تحول الفرد في شراء السلع الأساسية كالدقيق والبقوليات والأطعمة المعلبة والمجففة بدلاً من الأكلات الطازجة كاللحوم والخضار لعدم توافرها في الأسواق.

وهو ما تؤكده المواطنة سندس فياض[2] لتي نزحت من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، إلى مدينة غزة تحت القذائف والصواريخ الإسرائيلية، فعلى الرغم من حاجتها إلى الكثير من مستلزمات البيت من سجاد وأواني وملابس إلا أنها استغنت عن كل ذلك، ولم تعد تشتري سوى ما هو ضروري ويسهل حمله، فضلاً عن شراء الأغذية بكميات قليلة وحسب الحاجة اليومية خوفاً من ورود إشارة إخلاء تدفعها لترك كل ما تم شراؤه من أطعمة ومستلزمات حياتية خلفها للنجاة بروحها.

فقدان القوة الشرائية

فقد أدى انقطاع الرواتب، وانعدام مصادر الدخل، مع تفاقم نسب البطالة والفقر، إلى فقدان القوة الشرائية لدى السكان في قطاع غزة، وهو ما ألقى بظلاله على حركة السوق المحلية.

ووفقاً لمنظمة العمل الدولية، ارتفعت نسبة البطالة في قطاع غزة إلى ما يقرب من 80%، بينما وصلت نسبة الفقر بحسب البنك الدولي إلى ما يزيد عن 100%، مع انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 85 في المائة خلال العام 2024م، وهو ما أثر بشكل كبير على الأحوال المادية والقوة الشرائية والتي أدت إلى تعقيد التفاصيل اليومية للفلسطينيين وضعف حالة الشراء في السوق.

وبحسب المختص بالشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر، فإن أنصاف الرواتب وانعدام الدخل مع ارتفاع أسعار السلع الخيالية أدى إلى انخفاض القوة الشرائية، خاصة في ظل نسب التكييش المرتفعة جداً والتي تؤدي إلى خسارة المواطنين ما يقرب من نصف أموالهم، فعلى الرغم من حاجة المواطن إلى الكثير من السلع الأساسية إلا أن ضعف القدرة الشرائية لديه حالت دون ذلك[3].

وانتشرت خلال الحرب المستمرة منذ 21 شهراً في قطاع غزة ما يسمى بعملية “التكييش” أي يقوم من هو بحاجة إلى صرف مبالغ مالية من راتبه أو حوالات خارجية من أعماله أو مساعدات من أقاربه وأصدقائه، بتحويلها إلكترونياً لحساب الوسيط، مقابل حصوله عليها نقداً، بعد خصم نسبة وصلت إلى 45%، وهو استغلال واضح للمواطنين في ظل إغلاق البنوك ونقص السيولة في القطاع.

وبالتالي، فإن ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين يؤثر بشكل كبير على حركة الأسواق ويدفع بها إلى الركود وضعف الحركة التجارية، وهو ما ينعكس على حياة السكان في القطاع الذين يكافحون من أجل البقاء وسط ظروف معيشية كارثية.

ثانياً: مظاهر الأزمة في الأسواق

يواجه المواطن الفلسطيني في قطاع غزة نُدرة شديدة في السلع الأساسية كالطحين، والأرز، والزيوت، والحليب، واللحوم والخضار والفواكه وحتى الدواء وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل مخيف يفوق قدرة الإنسان العادي.

أحد الأسواق في مدينة غزة خلال حرب الإبادة

فقد ذكرت غرفة تجارة وصناعة محافظة غزة في موجزها الأسبوعي لرصد أسعار السلع الأساسية في الأسواق أن كيس الدقيق 25 كيلو وصل إلى 2536 شيكل “742$” مقارنة بسعره قبل الحرب والذي كان يقدر بـ35 شيكل “10$”، أما الكيلو الواحد من السكر فقد وصل إلى 413 شيكل “130$” مقارنة بسعره السابق 3 شواكل” 0.88$”، ووصل سعر الأرز حالياً إلى 102 شيكل “29$” بينما كان 8 شواكل سابقاً “2,3$”، في حين أن سعر الزيت النباتي كان سابقاً 8 شواكل “2.3$” بينما أصبح اليوم 85 شيكل “25$”، أما عن سعر حفاضات الأطفال فقد كان سعره 29 “8.5$” شيكلاً ليصل اليوم إلى 520 شيكلاً “152$”، وكذلك حليب الأطفال كان 25 شيكلاً “7.3$” بينما حالياً وصل سعره إلى 170 شيكل “50$”، ولتر السولار كان بـ6.3 شيكل “1.8$”، بينما يباع حالياً بـ117 شيكل “34.2$”، وبالتالي فإن متوسط مؤشر غزة لأسعار السلع الاستهلاكية خلال الأسبوع 3590 شيكل “1015$”، في حين أن متوسط نسبة عمولة الحصول على السيولة النقدية خلال الأسبوع 43%، وتلك الأسعار تتراوح ما بين ارتفاع وانخفاض وفقاً للكميات الشحيحة التي تدخل عبر المساعدات ويقوم البعض ببيعها في الأسواق.

وإذا ما تحدثنا عن الخضار التي تعتبر من المكونات الأساسية لأي وجبة منزلية، فتكاد لا تجد شيئاً منها يسد الرمق سوى القليل وبسعر خيالي يصل إلى 100$، حيث وصل سعر الكيلو الواحد من البندورة إلى 120 شيكل “35$”، والخيار 90 شيكل “26$”، والأوقية من الفلفل الحار 30 شيكل “9$”، وكذلك الحال مع ما تبقى من مزروعات الفواكه كالعنب والتين والبطيخ والشمام، أما اللحوم سواء البيضاء أو الحمراء فلم تعد متوافرة بتاتاً مذ تم إغلاق المعابر قبل 156 يوماً.

أما السلع غير الأساسية فهي شبه غائبة تماماً، بسبب شح الكميات واستغلال بعض التجار لندرتها وبالتالي ارتفاع أسعارها، كالملابس والأجهزة الكهربائية والإلكترونية والسيارات والمشروبات بأنواعها حيث وصل سعر الأوقية من القهوة إلى 400 شيكل “117$” في حين كانت تباع أجود الأنواع منها قبل حرب الإبادة بـ14 شيكل “4$” للأوقية.

ويرى المختص في الشأن الاقتصادي محمد بربخ، أن أحد أهم مظاهر الأزمة في السواق هو استمرار الاحتلال الإسرائيلي في إغلاق المعابر مع فتحها بشكل محدود جداً، بحيث يتم إدخال المساعدات الإنسانية (دقيق) بدفعات محدودة جداً وبكميات شحيحة، تفتقر إلى التنويع في السلع الأساسية، لتصبح الأسواق خالية من السلع سواء الأساسية أو غير الأساسية، بحيث ترك الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لكي يواجه ظروفاً معيشية مأساوية وصلت حد المجاعة الكارثية[4]، والتي أدت إلى وفاة 162 شهيداً بينهم 92 طفلاً. (وزارة الصحة، 1/8/2025، تصريح صحفي).

ثالثاً: أثر الحرب على المنظومة الاقتصادية للأسواق

أدت حرب الإبادة الجماعية المتواصلة على قطاع غزة إلى فقدان آلاف التجار لمحالّهم ومخازنهم ومراكزهم التجارية، لتقدر الخسائر الأولية للقطاع التجاري بـ 1.625 مليار دولار بما يشمل الأسواق والمحلات التجارية والمخازن وغيرها من المنشآت التجارية، وهو ما تسبب في شلل الحياة الاقتصادية ودخولها في أزمات غير مسبوقة، وبحسب رئيس الغرفة التجارية في قطاع غزة، عائد أبو رمضان، فإن أكثر من 80% من المنشآت الاقتصادية تضررت كلياً أو شبهَ كليّ، وقرابة 80% من التجار خرجوا عن الخدمة، بسبب غياب البضائع أو انعدام القدرة الشرائية بالإضافة إلى الخسائر الفادحة التي تكبدها التجار في المخزون ورأس المال تقدر بملايين الدولارات[5]، في الوقت الذي يدعم الاحتلال “تجار الحرب” لإبقاء الاقتصاد في فوضى دائمة، ليعقّد المشهد الاقتصادي أكثر فأكثر.

كما أدى تدمير الاحتلال الإسرائيلي لسلاسل التوريد المحلية، بما فيها من منشآت ومصانع ومزارع نباتية وحيوانية وأسواق الأسماك، إلى انهيار القدرة على توفير السلع الأساسية وتعطل الأنشطة الاقتصادية والحياتية بشكل عام، فضلاً عن الخسائر البشرية والمالية والاقتصادية الكبيرة جداً، التي لا يمكن تعويضها بسهولة، حيث قدرت الخسائر الولية للقطاع الزراعي بنحو (1,050 مليار دولار)، بينما قدرت الخسائر الولية للقطاع الصناعي بنحو (1,125 مليار دولار)، ليصبح اعتماد 90% من سكان القطاع على المساعدات الإغاثية الشحيحة.

وفي ظل ندرة البضائع واحتكار التجار لها، كذلك شح السيولة وارتفاع عمولة الحصول عليها نقداً لتصل إلى نصف المبلغ تقريباً، انتشرت ظاهرة المقايضة بدلاً من الشراء بالمال، وفي شهادته يروي محمد سمور الموظف في حكومة غزة ويتقاضى راتبه مرة واحدة كل شهرين إلى ثلاثة أشهر، ويعيش واقعاً صعباً واصفاً إياه بالمأساوي، أنه لم يعد لديه سيولة كي يشتري ما يسد به رمق أطفاله المجوّعين، فاضطر لمقايضة كيلو من السكر مقابل 8 كيلوات من الدقيق[6].

وبفعل الحرب المتواصلة على قطاع غزة، انتشرت السوق السوداء وحالة الفوضى ليسيطر فئة من الباعة والتجار على البضائع ويحددون أسعارها، في ظل غياب الرقابة الحكومية نتيجة لاستهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي لطواقمها العاملة في الأسواق، فقد أفرزت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة طبقة جديدة من التجار وأصحاب رؤوس أموال جدد، تمكنوا من استغلال حالة الفوضى فجمعوا المال والسلاح، وامتهنوا سرقة شاحنات المساعدات بحماية جيش الاحتلال الذي يتحكم بالمعابر ونوعية السلع الواردة لغزة.

رابعاً: دور إدارة حماية المستهلك في الأسواق

يقع على عاتق الإدارة العامة لحماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني وفقاً لقانون حماية المستهلك رقم (21) لسنة 2005، مهمة الرقابة على الأسعار ومنع الاحتكار والاستغلال للمواطنين، وضمان عدم تعرضهم لمخاطر صحية، بالإضافة إلى ضمان حصولهم على سلع وخدمات تتفق مع التعليمات الفنية.

وبحسب مصدر في وزارة الاقتصاد الوطني بغزة، فإن الرقابة على الأسعار في ظل حرب الإبادة الجماعية المستمرة على قطاع غزة ليست بالأمر الهين، نظراً لاستهداف الاحتلال الإسرائيلي لأي عنصر يعمل على متابعة وضبط الأسعار في أسواق القطاع [7].

وعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي مذ بدأت حرب الإبادة إلى استهداف ضباط الأمن الذين يعملون على ضبط الأسواق، مثلما حدث في سوق دير البلح في 26/6/2025، حيث تم استهداف تجمعاً شعبياً أثناء عملية توزيع الطحين بإشراف عناصر من الشرطة والأمن والذين كانوا يعملون على مصادرة المواد الغذائية من تجار السوق السوداء ويلاحقون عصابات النهب والاحتكار.

وعلى الرغم من ذلك، تواصل وزارة الاقتصاد وبالتعاون مع عناصر المباحث العامة التابعة لوزارة الداخلية متابعة السواق من أجل الضغط على التجار للبيع بناء على القائمة السعرية التي تم نشرها عبر غرفة التجارة والصناعة في قطاع غزة ويتم عمل محاضر ضبط للمخالفين.

خامساً: سبل المواجهة والإنقاذ

في ظل انهيار الأسواق في قطاع غزة، وشح المواد والسلع الأساسية والارتفاع الجنوني للأسعار، لابد من البحث عن حلول ووسائل لمواجهة تلك الأزمة، والتي يمكن طرحها على النحو التالي:

  • تكثيف الضغط الدولي لإيقاف حرب الإبادة وفتح المعابر وفق السوق الحرة لإدخال المساعدات الإنسانية والغذائية، والبضائع التجارية بكميات كافية كماً ونوعاً لتلبي احتياجات المواطنين، فقطاع غزة يحتاج يومياً من 600 إلى 800 شاحنة من السلع الأساسية كاللحوم والفواكه والخيام[8] و1000 إلى 1100 من مواد خام وبناء[9].
  • الضغط على الاحتلال الإسرائيلي من أجل السماح بتأمين شاحنات المساعدات وإيصالها إلى المخازن كي يتم توزيعها بعدالة ومنع احتكارها من قبل فئات معينة من الناس تحرم آخرين من حقهم في هذه المساعدات.
  • العمل على فتح البنوك في قطاع غزة لاستبدال العملة المهترئة بأخرى جديدة، بالإضافة إلى توفير السيولة بإدخال عملة نقدية تخفف عن كاهل المواطن ما يتكبده من فوائد لتكييش المال أو للشراء على التطبيق البنكي[10].
  • فرض رقابة شعبية ومجتمعية على الأسواق والمخازن وشركات الصرافة لمنع التلاعب بالأسعار، بحيث يتم تحديد تسعيرة عادلة للبضائع والسلع المتوافرة في الأسواق وتوزيعها على التجار والبائعين، ومن ثم تشكيل لجان من المواطنين في الأحياء والأسواق المحلية لمراقبة الأسعار بشكل مستمر والتأكد من التزام التجار بالتسعيرة، ومن يثبت تورطه في الاحتكار أو التلاعب بالأسعار أو سرقة أموال المواطنين يتم محاسبته وتقديمه لمحاكمة علنية دون تهاون لضمان الامتثال وتجنب تكرار المخالفات.
  • دعم المزارعين المحليين لتعويض جزء من النقص الغذائي، وذلك بتوفير منحاً مالية للمزارعين لإنشاء مشاريع زراعية متطورة، أو بتوفير مستلزمات زراعية متكاملة مثل خزانات المياه والمحاريث والبذور وهو ما يؤدي إلى تحسين كفاءة الزراعة، وزيادة الإنتاجية، وإمداد السوق بما يحتاجه من الخضار والفواكه والمزروعات.

ختاماً:

خلفت حرب الإبادة الجماعية انهياراً كبيراً في الأسواق، ونقصاً حاداً في المواد الغذائية والدوائية وجل مقومات الحياة الطبيعية، نتيجة للدمار الهائل للأسواق، والتعطيل الشبه كلي لسلاسل التوريد بفعل إغلاق المعابر الحدودية ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية ومواد الخام، وهو ما أدى إلى انتشار السوق السوداء والارتفاع المفرط في الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، مع انخفاض حاد في القوة الشرائية لعدم توفر مصادر مالية داخلية وفرض عمولة عالية جداً عند تسييل المصادر المالية الخارجية، وهو ما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني في قطاع غزة ليصل حد المجاعة الكارثية والتي أدت إلى استشهاد ما يزيد عن مئة شخص، من بينهم 92 طفلاً.

وعلى الرغم من أن إنقاذ الأسواق وإعادة إنعاشها سيحتاج وقتاً، إلا أنه الآن لابد من وقف حرب الإبادة الجماعية فوراً، ورفع الحصار عن الفلسطينيين في قطاع غزة، وتقديم دعم اقتصادي وإنساني عاجل.

أحد الأسواق في مدينة غزة خلال حرب الإبادة

[1] وزارة الاقتصاد الوطني، الإدارة العامة للتجارة والمعابر، تقرير شهر سبتمبر 2023.

[2] مقابلة أجرتها الباحثة مع المواطنة سندس فياض (19/7/2025)

[3] مقابلة أجرتها الباحثة مع الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر (7/7/2025)

[4] مقابلة أجرتها الباحثة مع المختص في الشأن الاقتصادي الدكتور محمد بربخ (7/7/2025)

[5] مقابلة أجرتها الباحثة مع رئيس الغرفة التجارية والصناعية في قطاع غزة عائد أبو رمضان (25/7/2025)

[6] مقابلة أجرتها الباحثة مع المواطن محمد سمور (23/7/2025)

[7] مقابلة أجرتها الباحثة مع مدير الإدارة العامة لحماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني (26/7/2025)

[8] مقابلة مع المختص الاقتصادي أحمد أبو قمر.

[9] مقابلة أجرتها الباحثة مع الأستاذ المشارك في جامعة الأزهر بغزة د.سمير أبو مدللة (7/7/2025)

[10] المصدر نفسه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى