الطريق إلى الضمّ: عميقًا تحت الرادار تشقّ إسرائيل مئات الكيلومترات من الطرق الجديدة في الضفة الغربية

نشر موقع شومريم الإسرائيلي المادة، أدناه، بتاريخ 24 أبريل/نيسان 2025 اعتمادا على تقرير لحركة السلام الآن، غير منشور في حينها، يتناول ظاهرة بعيدة كلية عن الإعلام والنقاش السياسي، وهي ظاهرة الشوارع الترابية والفرعية التي تُشقّ لخدمة البؤر والمزارع الاستيطانية وربطها ببعضها أو بالمستوطنات أو لتمكين سيطرتها على مساحات شاسعة من الأراضي وحرمان الفلسطينيين منها، وتسهيل مهمة تهجير التجمعات البدوية كمرحلة أولى في مخططات التهجير. اعتمدت السلام الآن في رصد هذه الظاهرة على صور جوية مقارنة خلال الحرب وما قبلها، وذلك لأن هذه الظاهرة لا توجد بيانات رسمية من سلطات الاحتلال الإسرائيلي حولها، ولا يسلط عليها الضوء فلسطينيا أيضا. غير أن هذه التطورات المتسارعة على الأرض، التي أصبحت تسير بسرعة فرط صوتية بعد اندلاع حرب الإبادة على قطاع غزة، هي ما سيحدد مستقبل الضفة الغربية وما يشكل واقعها الحالي، وظاهرة شوارع البؤر الاستيطانية، هي مجرد نموذج على كثير من التحولات التي تشهدها الضفة الغربية التي تجري بصمت بعيدا عن الأضواء والإعلام والملاحظة، إلا لدى من يعانون جرّاءها. وهي لبنة أساسية في مشروع ضم الضفة الغربية وتهجير أهلها الذي يمارس كواقع يومي معاش.

ونفترض أن التحليل الدقيق للوضع السياسي ومستقبل مشروع الضم في الضفة الغربية، لا يمكن أن يبنى على أسس سليمة دون الانطلاق من معرفة التحولات العميقة التي تجري على الأرض في مختلف المجالات، ولذلك لأن مجمل هذه التحولات هي التي تشكل وتعيد تشكيل الواقع، وهي التي من شأنها أن تؤدي إلى جعل ضم الضفة الغربية تحصيل حاصل حتى دون الإعلان الرسمي عن ذلك، الذي إن حصل فإنه سيكون ذروة المشروع على نقطة انطلاقه. ومن هذا الباب فقد ارتأينا ترجمة المقال، أدناه، كونه يسلط الضوء على إحدى الظواهر التي تساهم في جعل مشروع الضم والتهجير أمرا واقعا لا رجعة عنه، ما يجعل أي حديث عن حل سياسي أو حتى “مسار سياسي ذي مغزى” كما يشيع في الخطاب السياسي الإقليمي حاليا، حديثا منفصلا عن الواقع.

ترجمة المقال:

دانيئيل دولِف

استثمارات بمليارات الشواقل في شوارع مركزية، و100 كيلومتر إضافية من الطرق غير الرسمية في عام واحد فقط، وتصريحات صريحة بشأن الغاية منها: مليون إسرائيلي وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية كأمر واقع. إنّ الطرق الجديدة التي تُشقّ في الأراضي المحتلّة تغيّر واقع الحياة اليوميّة وتفرض حقائق جديدة على الأرض.

….

يقف مصطفى أبو صيام (37 عامًا) مستشرفًا الوادي الذي يقع شرق قريته مخماس، شمال شرق القدس. ذاك الوادي الذي تشقه طريق ترابية ممهّدة بيضاء، دُشّنت في الأشهر الأخيرة لتربط بين البؤرة الاستيطانيّة «نَحْلات تسفي» التي أُقيمت عام 2022، وبين فرع جديد لها قد أقيم مؤخرًا. يقول وهو يشير إلى الوادي: «أصحاب الأراضي [الفلسطينيون] لا يستطيعون الوصول إلى كل هذه المنطقة. إذا حاولوا ورآهم المستوطنون فسيهاجمونهم. اعتدنا رعي أغنامنا هنا، وهناك في الأسفل أشجار زيتون لا نستطيع الوصول إليها». وفي أثناء حديثه يصل قطيع أغنام للمستوطنين إلى جوار الطريق المستحدث باحثًا عن مرعى غضّ.

هدمت السلطات الإسرائيلية بؤرة نَحْلات تسفي عدّة مرّات، على اعتبار أنها غير قانونية حسب قوانين الاحتلال، وها هي اليوم قائمة من جديد، بل تتفاخر بفرعها الجديد وبطريق يربط بينهما. حسب أبو صيام، شُقّت هذه الطريق في أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي واستغرق إنشاؤها، الذي كان يجري في الليل، نحو أسبوع. “اتّصلنا بالارتباط المدني التابع للإدارة المدنية الإسرائيلية والشرطة لكنّهم لم يفعلوا شيئًا. ذهبنا إلى الضابط المسؤول في بيت إيل، فجاء إلى هنا وقال إنّ هذه مشكلة”. يضيف أبو صيام: ” لقد أنشأنا طريقًا عبدناه بالإسفلت فهدمته الإدارة المدنية. فلماذا لم يغلقوا الطريق التي يستخدمها المستوطنون؟”

عادة ما يُقاس حجم البناء الاستيطاني الإسرائيليّ في الأراضي المحتلّة بعدد وحدات السكن المصادَق على بنائها، والأحياء الجديدة المخططة، وإقامة البؤر الاستيطانيّة، وفي السنوات الأخيرة أيضًا برزت المزارع الزراعية والرعوية كإحدى وسائل التوسع الاستيطاني. لكن، بشكل خاص، التطوير الكثيف للعامل الذي يربط كلّ هذه المكوّنات ويتيح وجودها، وهو الطرق، يختفي تمامًا عن الرادار. فخلال ولاية الحكومة الإسرائيلية الحاليّة من الملاحظ أن هناك اندفاعة في شقّ الطرق “غير القانونيّة”، حسب قوانين الاحتلال التي تحظى بدعم حكوميّ مباشر أو غير مباشر، إضافةً إلى شوارع استيطانية أقرتها الحكومة بشكل رسمي بتكلفة تبلغ مليارات الشواقل.

بعض تلك الطرق الجديدة يضيّق الخناق على الفلسطينيّين ويمنعهم من الوصول إلى أراضيهم الزراعية، فيما يغيّر بعضها الآخر وجه الضفّة الغربيّة، وتُعقّد أي إمكانية لانفصال مستقبلي بين الفلسطينيين والمستوطنين، وتشكّل فعليًا البنية التحتيّة للضمّ الإسرائيليّ للضفة الغربية.

تقلّص مساحة المراعي

إنّ “مشروع” المزارع الرعويّة والزراعية في الأراضي المحتلّة، المدعوم بعدد متنوع من الميزانيّات الحكوميّة، الذي تسارع في ظل الحكومة الحاليّة، بعيدٌ كلّ البُعد عن كونه سرًّا. فهدفه، الذي يعلنه قادة المستوطنين جهارًا، واضح، وهو: السيطرة على أقصى مساحة بأقلّ عدد من المستوطنين. فمؤخرًا، قد صرّح بذلك صراحة، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في مناسبة منح فيها (إلى جانب الوزيرة أوريت ستروك) عشرات المركبات المخصصة للطرق الوعرة للبؤر الاستيطانية: “ثمّة حدث مذهل هنا في يهودا والسامرة. هذه مزرعة؛ تعيش هنا أسرة، وحظيرة أغنام – يمكنكم رؤية الخراف والماعز هنا في الأسفل – وتسيطر على مساحات شاسعة؛ لو أنّ هذه المزرعة لا تسيطر عليها…. فستكون البئر فارغة، لا ماء فيها، وفيها الأفاعي والعقارب.”

تشكل تلك الطرق التي تُشقّ، بدرجة كبيرة، شريان الحياة للمزارع الاستيطانية، وكذلك للبؤر الاستيطانيّة أو للمستوطنات القديمة؛ فهي لا تتيح إمكانية الوصول إليها فحسب، بل تعمل على ترسيم حدود المساحات التي تستولي عليها.

من الجانب الفلسطيني تبدو الأمور مختلفة تمامًا. ففقط على بعد أربعة كيلومترات شرقيّ قرية مخماس، واجه تجمع مغاير الدير البدوي المشكلة نفسها. فالمستوطنة “متسِـبپه داني”، التي هي نفسها فرع من مستوطنة معاليه مخماس التي توسعت شرقًا ما وراء شارع ألون الاستيطاني، مدت فرعًا جديدًا نحو الشرق، أي مزرعة روح هآرتس، التي شُقّت بينها وبين المستوطنة طريق لتربط بينهما.

يقول الفتى عمر مليحات، من مغاير الدير، إنّ شقّ الطريق الجديد يساعد المستوطنين الآتين من جهة البؤرة الاستيطانية/المزرعة الجديدة على الوصول بسرعة إلى تجمعهم بالدبّاب[1] والسيارات، لا سيرًا على الأقدام فحسب. ويضيف أنّ الطريق أثّرت أيضًا على قدرة سكّان القرية على رعي مواشيهم في مساحات واسعة، وقلّصت مراعيهم لدرجة كبيرة.

حتى وقت قريب كانت أعمال شق الطريق تجري من الجهة الجنوبية للتجمع، لكن قبل ثلاثة أسابيع فوجئ الفلسطينيّون بمعدّات هندسيّة يقودها مستوطنون في الجهة الشماليّة للقرية، على بُعد أمتار قليلة من بيوتهم. وقد أظهر المستوطنون للسكّان المصدومين تصريحًا صادرًا عن مجلس بنيامين الاستيطاني لتنفيذ “أعمال للحفاظ على أراضي الدولة”.[2] وقد قطعت جرافة المستوطنين العاملة في الموقع خط كهرباء يخدم التجمع البدوي، وبحسب السكّان كانت الجرافة على وشك هدم أحد البيوت. وفي نهاية المطاف، يقول السكّان، وبعد عدة محاولات للتواصل مع الإدارة المدنية، وافق جيش الاحتلال على الحضور، وأوقف الأعمال التي ينفذّها المستوطنون، وصادر آليّة هندسيّة منهم.

وردًّا على ذلك ما أدلى به السكان، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنّ “الجيش والإدارة المدنيّة يطبّقان القانون بشكل متساوٍ إزاء جميع السكّان في المنطقة، مع مراعاة الاعتبارات الأمنيّة والقانونيّة والعمليّاتيّة، ووفق تعليمات المستوى السياسي. والحوادث الاستثنائيّة يُتعامل معها وفق الإجراءات المتبعة، بما في ذلك وقف الأعمال غير المرخَّصة ومصادرة المعدات عند الحاجة. الجيش والإدارة المدنيّة لا يستخفّان بحوادث من هذا النوع، ويخضع كل ادّعاء بشأن أعمال غير قانونيّة لفحص ومعالجة الجهات المختصّة”.

شمالًا من هناك، في خربة المرجم القريبة من قرية دوما، يحاول السكّان التأقلم مع جيرانهم الجدد، البؤرة الاستيطانية “غال يوسف” التي أُنشئت العام الماضي. في مساء عيد البوريم اقتحم مستوطنون خربة المرجم وأحرقوا سيارة ومنزلًا. وحسب سكّان الخربة فقد تمكّن المستوطنون من الوصول بسرعة بفضل الطريق المنحدر من المزرعة جنوبًا الذي يمر، بالضبط، بمحاذاة قريتهم.

يقول يوتام، متطوّع في منظمة “توراة تسيدِك”[3] يرافق التجمعات الفلسطينيّة ويساعدها: “إنّ الشوارع الجديدة تعاظم قدرة البؤر والمزارع الاستيطانية على إيذاء السكّان ومضايقتهم. فهي تُمكّن المستوطنين من الوصول أسرع بكثير – بدبّاب أو بسيارة جيب. فعندما يأتون سيرًا على الأقدام ويراهم سكان التجمعات الفلسطينيون قد يتمكنون من إخلاء ممتلكاتهم، أو أغنامهم، أو استدعاء السلطات، أو نحن [توراة تسيدك]. ولكن بوجود الشوارع فالأمر أصعب”.

139  طريقًا غير رسمية في عام واحد

لا تنشر السلطات الإسرائيلية الرسمية أي معلومات عن الطرق الجديدة المعبَّدة في الأراضي المحتلّة. تقرير منظمة “سلام الآن” الإسرائيلية المتوقع صدوره قريبًا هو في الواقع الوحيد الذي يحلّل الظاهرة ويكشف حجمها. ووفقًا للتقرير، المبني أساسًا على مقارنة صورٍ جويّة للمنطقة، فقد شُقّت في الضفة الغربية، بين منتصف 2023 ومنتصف 2024، 139 طريقًا غير رسمية بطول 116 كيلومترًا، وهذا الرقم لا يشمل التحديث والتطوير الذي أجري، خلال نفس الفترة، على الطرق الترابية الموجودة سابقًا.

وحسب التقرير، فقد شُقّت 25 طريقًا لإقامة بؤر استيطانيّة جديدة، و31 طريقًا لتوسيع بؤر قائمة، وثمانية طرق بين بؤرة قائمة ومستوطنـة قريبة. إضافةً إلى ذلك، شُقّت 46 طريقًا لإتاحة الوصول إلى مناطق لا وجود ثابتًا للمستوطنين فيها حاليًّا، ويُحتمل وفق التقرير أن تُقام فيها بؤر جديدة مستقبلًا.

ويشير معدّو التقرير إلى أنّه أي من هذه الطرق لم تنشأ بناء على مخطط حكومي، ولم يصدر بحقها ترخيصٌ قانوني، وأنّ ثلثيها يمرّ في أراضٍ فلسطينيّة خاصّة. وجاء في التقرير: “إنّ الطرق التي تُشقّ وتُعبَّد هي للاستخدام الحصريّ للمستوطنين، ويُمنع الفلسطينيّون من استخدامها، حتى لو شُقّت على أراضٍ فلسطينيّة خاصّة.”

إنّ شقّ الطرق غير الرسمية يحظى، كما أسلفنا، بدعمٍ، بل وبتمويل حكومي. إحدى الجهات القائمة على التمويل هي “دائرة الاستيطان” التابعة المنظمة الصهيونيّة العالميّة (وهي نفسها مموّلة من الحكومة). ففي مؤتمر الصهيونيّة الدينيّة في يونيو/حزيران الماضي، عرض المدير العام للدائرة، هوشَعيا هرَري، كيف استثمرت الدائرة نحو 75 مليون شيقل عام 2023 لدعم المزارع والبؤر الاستيطانية، منها 7.7 ملايين شيقل خُصّصت لـ”شق طرق” لتلك البؤر.

وعقب الحرب حصلت الدائرة على ميزانيّة إضافيّة قدرها 75 مليون شيقل لـ”تعزيز مقومات الأمن” في المستوطنات، بما يشمل، من بين أمور أخرى، تركيب أعمدة لكاميرات المراقبة ونقاط حراسة، ومن ضمنها بند يخول المجالس الاستيطانية طلب دعم لـ”شقّ طرق عملياتيّة”. ووفق الإجراء، يفترض نشر بروتوكولات لجنة الدعم في موقع الدائرة، لكنّها لا تُنشر بذريعة الحاجة لاستشارة قانونيّة والأسباب الأمنيّة. ورغم طلب “شومريم”، الاطلاع على الاستشارات القانونية التي تتذرع بها، لم تقدم لجنة الدعم أية إجابة. وتزعم دائرة الاستيطان أنّه لم تُنفّذ فعليًّا أعمال شقّ طرق من هذه الميزانيّة.

مسار آخر لتمويل الطرق غير الرسمية يأتي مباشرةً عبر ميزانية وزارة الاستيطان؛ إذ تدعم الوزارة “وحدات دوريات الأراضي” التي تُشغّلها المجالس الاستيطانية في الأراضي المحتلّة بهدف “منع مخالفات التخطيط والبناء والاستيلاء على أراضي الدولة”. ويمكن للوحدات الحصول على دعم حكومي لتجهيزات الحراسة في نطاق المجالس الاستيطانية، بما في ذلك “شقّ مسارات وإغلاق مناطق”، وكذلك “شق طرق ترابيّة أو ترميمها”.

وفي هذا الصدد، لا تبقى وعود الدعم على الورق؛ فوثائق وزارة الاستيطان تُظهر أنّ المجلس الإقليمي الاستيطاني “جبل الخليل”، تلقّى العام الماضي 1.1 مليون شيقل لدعم مشروع يشمل “شقّ مسار لحماية أراضي دولة في منطقة سوسيا”، وتلقّى المجلس الاستيطاني “غوش عتسيون” 958 ألف شيقل لـ”تحسين طرق قائمة لحماية أراضي دولة في التلال”، بينما تلقّى مجلس بنيامين الاستيطاني نحو 1.9 مليون شيقل لستّة مشاريع مختلفة لشقّ طرق. وهذه قائمة جزئيّة فحسب.

يقول يوني مِزْرَاحي، معدّ تقرير “سلام الآن”: “الطرق أداة للسيطرة على الأرض دون وجود مستوطن واحد فيها”. ويضيف: “في بعض البؤر تسكن أسرة أو أسرتان، أحيانًا مع بضعة فتية. هذه البؤر تستولي على مساحات هائلة، والطرق تساعدها في السيطرة على تلك المساحات. فلطريقٍ طوله كيلومتر واحد حافتان على جانبيه تجعل الفلسطينيين يعرفون أنّه طريق أقامه المستوطنون، فلا يجرؤون على الاقتراب منه”.

ويتابع مِزْرَاحي: «خلال السنتين الأخيرتين نرى في الضفة كثيرًا من العنف، وكثيرًا من بناء البؤر والمزارع الاستيطانية، ولم نزل نتحدث عن ذلك. لكن يجب أن نتحدث أحيانًا أكثر عن الطرق التي تخنق الفلسطينيّين. عندما أتحدّث عن طريق شقها المستوطنون يقول لي كثيرون: “ليست مشكلة، فلا يوجد هناك مستوطنون”، لكنّ الفلسطينيّين الذين يعيشون هناك ويشعرون أنّهم لا يستطيعون الذهاب إلى أراضيهم، يدركون أن هذا استيلاء عليها. إضافةً إلى ذلك، في البؤر الاستيطانية هناك حذر ما عادةً من البناء على أراضٍ فلسطينيّة خاصّة، أمّا في بناء الطرق فنسبة البناء على أراضي فلسطينية خاصة أعلى بكثير”.

ومن الجانب الآخر، ثمّة من يدّعي العكس تمامًا؛ إذ قدّمت جمعية “رِغافيم”[4] هذا الشهر التماسًا إلى المحكمة العليا طالبت فيه سلطات تطبيق القانون في الأراضي المحتلّة بالتحرّك ضد طريق غير قانوني شقّه فلسطينيّون في جنوب الخليل على أراضي دولة. كما نشرت الجمعية خريطة، الشهر الماضي، تزعم أنّ الفلسطينيّين شقّوا خلال العام الأخير 106 كيلومترات من الطرق الجديدة.

وجاء في موقع رِغافيم : “هذه الطرق هي البنية التحتية لإقامة دولة فلسطينيّة، المشروع الكبير للسلطة الفلسطينيّة بدعم من الاتحاد الأوروبي”، شاكين من غياب فرض القانون وداعين إلى “تغيير سياسة فرض القانون بخصوص الطرق والمسارات”، وهم يقصدون بها تلك الفلسطينية فقط.

مليارات الشواقل أيضًا لإنشاء الطرق الاستيطانية الرسمية

ليست الطرق غير الرسمية وحدها التي تشق لخدمة المستوطنات في الضفة الغربية؛ فإلى جانبها تُشقّ أيضًا شوراع كبيرة ومُنظَّمة. الغايات من إنشاء تلك الشوراع متعدّدة، منها ربط المستوطنات بصورة مريحة بمنطقة المركز في أراضي 1948 على نحو يتيح سفرًا سريعًا وسلسًا من المستوطنات في الضفة الغربية إلى “إسرائيل”، ويمحو فعليًّا الخط الأخضر.

كانت الخطة الرئيسة الشاملة لشق الشوارع في عموم الدولة، بما في ذلك الشوارع الاستيطانية في الضفة الغربية، قد طرحت سابقًا عندما كان يسرائيل كاتس وزيرًا للمواصلات، ولكنها دخلت حيز التنفيذ في نوفمبر 2020 أثناء ولاية الوزيرة، ميري ريغِف، حينها، وهي اليوم أيضًا وزيرة المواصلات. وعند الإعلان عن تلك الخطة قال رئيس مجلس “يشع” حينذاك، دافيد ألحَياني: “لو أنّ هذه الخطة قد نُفّذت قبل عشر سنوات، لكان اليوم يسكن يهودا والسامرة مليون إسرائيلي. هذه الخطة تربط المستوطنات بباقي أجزاء الدولة ويتجسّد السيادة بحكم الأمر الواقع”.

ومؤخرًا قال يوني دَنينو، رئيس دائرة الاستيطان في وزارة حرب الاحتلال، كلامًا مماثلًا في مقابلة مع صحيفة “هآرتس”: “إذا أوجدنا وضعًا يسافر فيه كل سكّان المركز إلى الجولان عبر يهودا والسامرة، لأنّ تطبيق Waze يقودهم هناك، حيث هناك شارع 90 وشارع 5 العريضان وتقاطعات طرق ممتازة ولا اختناقات مرورية، فإنّ ذلك سيُفضي إلى فرض السيادة”.

وأيضا سموتريتش قال كلامًا مشابهًا، في مؤتمر الصهيونيّة الدينيّة، العام الماضي: “من يريد جلب مليون مستوطن إلى يهودا والسامرة، عليه أن يهتمّ بتوفّر أماكن بناء، ونحتاج إلى طرق”. وأضاف: «أدرجنا في الخطة الخمسية القادمة، أنا ووزيرة المواصلات، نحو 7 مليارات شيقل. هذا الأمر ثورة حقًّا… أقول لكم إنّ هذه هي الثورة الأهمّ: إذا كان بالإمكان خلال خمس إلى سبع سنوات الوصول من أي مكان في بنيامين، السامرة، غور الأردن، في ربع ساعة إلى محطة مواصلات ما، ومنه إلى بنية تحتية عامة للمواصلات الجماعية، ثم ربع ساعة أخرى وتجد نفسك متصلًا بغوش دان، فهذا ثورة: هكذا يُجلب مليون مستوطن إلى يهودا والسامرة”.

في يوليو/تموز 2023، في جلسة اللجنة الفرعية للجنة الخارجية والأمن لشؤون الضفة الغربية، عرض، بشكل مفصل، ممثل شركة “نتيفي يسرائيل” مشاريع لإنشاء أو تطوير شوارع في الضفة الغربية قيد مراحل التخطيط أو التنفيذ.  تسعة من تلك المشاريع التي عرضها تصل تكلفتها إلى 3.1 مليار شيقل.

وكجزء من خطة النقل الرئيسة، افتتح في عام 2023 شارع “التفافي العروب” في تجمع عتصيون الاستيطاني وشارع “التفافي حوارة”، بتكلفة تقديرية بلغت حوالي 550 مليون شيكل. بالإضافة إلى ذلك، وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي مؤخرًا على شق “طريق نسيج حياة” بالقرب من مستوطنة معاليه أدوميم، الذي سيربط قرية الزعيم الواقعة شمال شارع رقم 1 بالعيزرية الواقعة جنوبه. ويهدف هذا الطريق، الذي خصصت له ميزانية قدرها 335 مليون شيكل وفقًا لموقع Ynet، إلى تحسين حياة الفلسطينيين في المنطقة، ولكن هدفه الرئيس هو الفصل بين حركة الفلسطينيين، الذين سيسافرون على الشارع الجديد، والإسرائيليين الذين سيسافرون على شارع رقم 1، ما يعني ربط القدس بمعاليه أدوميم.

يقول د. شاؤول أريئيلي، رئيس مجموعة البحث “تمرور” لدراسة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني: “عندما تنظر إلى محور التركيز في هذه الخطّة ترى أنّ المسعى الرئيس لها هو السيطرة على شارع 60 (الذي يعبر الضفة الغربية من الشمال إلى الجنوب) وإنشاء شوراع للمستوطنات المعزولة بهدف توفير إمكانية وصول عالية إليها، حتى تكون هناك إمكانية لتوسيع المستوطنات جغرافيًا وديموغرافيًا. كما هو الحال بالنسبة لمستوطنات ألون موريه، إيتمار، براخاه، يتسهار، من أجل ذلك أُنشئ شارع التفافيّ حوّارة بمئات الملايين”.

ويضيف أريئيلي: «اليوم، المستوطن يُضيّع ضعف الوقت في الطريق إلى عمله داخل أراضي 48 مقارنةً بالإسرائيليّ العادي المقيم في أراضي 48، وينفق ربع الدخل الأسري على التنقل. الطرق السريعة مثل التي يُخطط لها ستُقلّص الزمن الضائع في الشوارع، وتوفّر مالًا، وقبل كل شيء ستحسّن جودة حياة المستوطنين. وهذا مهم لأنّ 60 % من القوى العاملة لدى المستوطنين في الضفة الغربية تعمل في إسرائيل. فالمستوطن يسكن في فيلا على مساحة دونم تطل على منظر رائع، ويحصل على خدمات من الدولة تفوق المعدل، والثمن الذي يدفعه للسفر إلى عمله يتناقص. فلا شكّ أنّ ذلك سيدفع مزيدًا من المستوطنين إلى الانتقال إلى هناك”.

توجهت شموريم إلى وزارة الاستيطان والمهمات الوطنية ووزارة المواصلات وإلى مكتب الوزير سموتريتش للاستفسار عن أهداف الخطة والتحولات الجارية على الشوارع وإنشائها في الضفة الغربية، فكان رد الوزارتين بأن الخطة وكل أعمال البنية التحتية تسير حسب القانون وتسير حسب معايير مهنية، فيما لم يرد أي رد عن مكتب سموتريتش.


[1]  الدبّاب هو الترجمة العربية لكلمة تركتورون.

[2] المقصود بذلك هو الأراضي التي يصادرها الاحتلال وينقل ملكيّتها لدولة الاحتلال، اعتمادًا على تحريف لقانون الأراضي العثماني لعام 1858، وبموجب ذلك القانون صادرت سلطات الاحتلال ملايين الدونمات من أراضي الضفة الغربية وسخّرتها لخدمة المشروع الاستيطاني.

[3]  هي منظمة مجتمع مدني إسرائيلي تعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.

[4] جمعية يمينية كان وزير المالية الإسرائيلي بتسلإيل سموتريتش أحد مؤسسيها، وتقوم وظيفتها على ملاحقة البناء الفلسطيني وإبلاغ سلطات الاحتلال عما تعده بناءً فلسطينيًا غير قانوني، خاصة في المناطق ج.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى