إغلاق المعابر: أحد فصول الإبادة الجماعية على قطاع غزة

هداية محمد التتر

يواجه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة حصاراً مشدداً منذ العام 2006 وحتى يومنا الحالي، بفعل ممارسات الاحتلال الإسرائيلي التي ينتهجها ضد السكان، بقطع شريان الحياة عنهم وعزلهم عن العالم.

فقد انتهجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة العقاب الجماعي عقب إعلان فوز حركة حماس بالانتخابات التشــريعية في يناير/ كانون الثاني عـام 2006، وازدادت حدته في يونيو/ حزيران 2007، بإغلاق كافة المعابر الحدودية الثمانية ومنع دخول البضائع والمحروقات وحركة المواطنين من وإلى قطاع غزة، ليعاد فتح أربعة منها وبشكل متقطع، وهي: معبري رفح وبيت حانون لحركة الأفراد، ومعبري كرم أبو سالم وبوابة صلاح الدين للبضائع التجارية والوقود وفق شروط صارمة تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

وعقب إعلان الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أحكمت سلطات الاحتلال إغلاق المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، وقطعت الشريان الوحيد الذي يغذي 2 مليون و400 ألف نسمة من الفلسطينيين المقيمين فيه، حتى تم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الإسلامية “حماس” والاحتلال الإسرائيلي في التاسع عشر من يناير/ كانون الثاني 2025 بوساطة مصرية وقطرية وبدعم الولايات المتحدة الأمريكية، وبموجبه تم فتح معبر كرم أبو سالم لإدخال الوقود والبضائع ومعبر رفح لسفر المرضى والمصابين، ليعيد الاحتلال الإسرائيلي بعد 39 يوماً إغلاقه مرة أخرى مطلع شهر مارس/آذار من العام الحالي، بعدما تنصل من تنفيذ بنود وقف إطلاق النار، ليعيش سكان قطاع غزة ظروفاً مأساوية قاسية نتيجة النقص الحاد في المواد الغذائية والمستلزمات الطبية والوقود، فضلاً عن التراجع الحاد في الخدمات الإنسانية التي تقدمها الجهات المحلية.

انعدام الأمن الغذائي

عمد جيش الاحتلال الإسرائيلي في الثاني من مارس / آذار الماضي، إلى وقف جميع البضائع والإمدادات وإغلاق جميع المعابر المؤدية إلى قطاع غزة بقرار من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، والذي أدى إلى زيادة معاناة الفلسطينيين في القطاع وفاقم من أوضاعهم الإنسانية، ما دفع أبرز منظمات الأمم المتحدة الإنسانية، بما في ذلك اليونيسف ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية ومنظمة الصحة العالمية و”الأونروا”، إلى التحذير من انهيار شامل للوضع الإنساني في قطاع غزة، ووصف ما يجري بأنه استهتار تام بالحياة البشرية.

وإثر جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي منذ عام ونصف بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أصبح يعتمد الغزيين في غذائهم على المساعدات الإنسانية التي تقدم من قبل المؤسسات الإغاثية والتي تدخل عبر معبر رفح على الحدود المصرية مع قطاع غزة ومعبر كرم أبو سالم أقصى جنوب شرق القطاع، والتي تخضع لسيطرة الاحتلال “الإسرائيلي” بشكل كامل من حيث الكمية والنوع والزمان والمكان، ويُسمح بدخولها فقط بعد موافقة أمنية منه، وتفتيشها بدقة ومن ثم إدخالها بالتنسيق مع الأمم المتحدة، خصوصاً منظمات مثل الأونروا وبرنامج الأغذية العالمي (WFP) والصليب الأحمر، وتُوزع من خلال ثلاث مستويات تنظيمية رئيسية، وهي: المؤسسات الأممية والدولية بالشراكة مع المؤسسات الأهلية غير الحكومية وتغطي أكثر من 85% من حجم المساعدات التي تدخل قطاع غزة، كذلك وزارة التنمية الاجتماعية في غزة وتشرف على توزيع ما لا يزيد عن 15% من المساعدات وفق قاعدة بيانات موحدة ومحوسبة تغطي جميع مناطق القطاع.[1]

وقد أدى توقف توريد المساعدات الإنسانية إلى نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية بعدما قارب المخزون الذي لديهم على النفاد، وكذلك فراغ مخازن المواد الغذائية التابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين “أونروا” من المعونة، وما بقي في الأسواق لا يطلب إلا بأسعار خيالية، بسبب إغلاق المعابر وتحكم الاحتلال الإسرائيلي بأنواع وكميات البضائع والمحروقات التي يسمح بإدخالها، والذي أدى إلى ما يسمى بالتشوه الاقتصادي واختلال العرض والطلب، فإذا ما أغرقت الأسواق بأنواع معينة من البضائع تحدث الانهيارات السعرية، وإذا ما فقدت أنواع أخرى ترتفع أسعارها تدريجياً لتصل إلى الحد الذي لا يقوى معظم سكان القطاع على شراؤه، وليصبح قطاع غزة على حافة مجاعة بفعل شحّ الإمدادات وانعدام البدائل.[2]

كما أن انعدام الأمن الغذائي في قطاع غزة أدى إلى وفاة أكثر من 57 مواطنًا غالبيتهم العظمى من الأطفال بسبب الجفاف وسوء التغذية، بينما يتهدد خطر الموت أكثر من 3.500 طفل دون سن الخامسة، بالإضافة إلى نقل أكثر من 70.000 طفل إلى المستشفيات نتيجة الجوع، فيما يعاني نحو 1.100.000 طفل من عدم توفر الحد الأدنى من الغذاء اليومي اللازم للبقاء على قيد الحياة،[3] في ظل غياب الغذاء وتوقف المخابز عن العمل لعدم توافر الدقيق ومصادر التشغيل، فضلاً عن حرمان الغزيين من الحدّ الأدنى من مقومات الحياة. (المكتب الإعلامي الحكومي، (إبريل، 2025)، بيان صحفي رقم (789)).

وعمد الاحتلال الإسرائيلي إلى تجويع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وإدخال المواد الغذائية بكميات محددة لبقاء الفرد على قيد الحياة، ففي تصريحات سابقة لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إحدى القنوات التلفزيونية الفرنسية، قال إنه حريص على أن يحصل كل مواطن فلسطيني في قطاع غزة على 3200 سعرة حرارية في اليوم، بينما كشفت خطة الخطوط الحمراء التي أعدّتها وزارة أمن الاحتلال الإسرائيلية وعرضتها على مجلس الوزراء المصغّر للاحتلال، والتي تهدف إلى مراقبة دخول الغذاء إلى غزة وتمرير الحد الأدنى منه بما يمنع فقط حدوث مجاعة وحساب السعرات الحرارية اللازمة لبقاء سكان غزة على قيد الحياة وليس أكثر من ذلك. حيث قدّرت الخطة عدد السعرات الحرارية اللازمة يوميًا للفرد في القطاع بـ2279 سعرًا، وهو الرقم الأدنى من المعدل العالمي. فوفق هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية فإنّ متوسط ما يحتاجه الرجل للحفاظ على وزنه الطبيعي 2500 سعر حراري، مقابل 2000 سعر للمرأة يوميًا. وهو ما رفضته الأمم المتحدة على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريش والذي قال إن المنظمة لن تشارك في أي ترتيب للمساعدات لا يحترم ما وصفه بمبادئ الإنسانية والنزاهة والاستقلال والحياد، وأن آليات التفويض التي اقترحتها السلطات الإسرائيلية أخيرا لإيصال المساعدات تُنذر بمزيد من التحكم وتقييد المساعدات بلا رحمة حتى آخر سعر حراري وحبة دقيق.

ووفقا لتقرير “التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي” الصادر عن 17 وكالة إنسانية تابعة للأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية دولية، سيواجه 470 ألف شخص في غزة جوعاً كارثياً (المرحلة الخامسة والأشد من التصنيف) خلال الفترة بين أيار/مايو وأيلول/سبتمبر 2025، بزيادة قدرها 250 بالمائة عن تقديرات التصنيف السابقة.

ويحدد التقرير أن السكان بأكملهم يعانون من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. كما يتوقع أن 71 ألف طفل وأكثر من 17 ألف أُم سيحتاجون إلى علاج عاجل لسوء التغذية الحاد.

ويعد الإغلاق الكامل للمعابر الحدودية جريمة ضد الإنسانية وانتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية والقانون الدولي الإنساني الذي يحظر تجويع المدنيين، واتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين خاصة (الموادّ 16 – 20) والتي تنص على ضرورة تقديم الإغاثة، واللوازم الطبية، والملابس للسكان المدنيين، وهو ما يمارسه الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في قطاع غزة، والذي يعتبره نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أحد أفعال الإبادة الجماعية.

شلل القطاعات الحيوية

وبعد شهر ونصف من الحصار الخانق لقطاع غزة، تصاعدت الأزمات التي يعيشها السكان، وتراجعت الخدمات الإنسانية التي تقدمها البلديات، ودخل السكان في حالة من العطش الشديد بعد حرمانهم من الحد الأدنى من المياه اللازمة للبقاء على قيد الحياة وتحويلها إلى سلاح حرب وجريمة قتل جماعي بطيء، حيث أقدم الاحتلال الإسرائيلي على تدمير محطات وآبار المياه، كما حدث مع محطة غباين لتحلية المياه شرق حي التفاح بمدينة غزة، كذلك توقف محطات المياه عن الضخ بفعل شح الوقود وقطع الكهرباء عن محطة تحلية المياه الرئيسية في دير البلح وسط قطاع غزة، ما أدى إلى توقف توريد 20.000  كوب من المياه يوميا لمحافظتي الوسطى وخان يونس، فضلاً عن تعطيل الاحتلال الإسرائيلي خطي مياه “ميكروت” واللذين يعتبران المصدر الرئيسي للمياه في القطاع، مما فاقم من الأزمة وتسبب في عجز تجاوز 70% من احتياجات مدينة غزة للمياه.

كما أدى إغلاق المعابر إلى عدم قدرة محطات التحلية على تنقية المياه الجوفية التي يتم استخراجها من باطن الأرض، والتي تلوث جزء كبير منها بمادة النترات بفعل ضخ الاحتلال لمياه البحر الملوثة بالمياه العادمة داخل الأنفاق والتي تسربت إلى المياه الجوفية.

ووفقاً لفني إحدى محطات تحلية المياه في مدينة غزة إبراهيم سمور، فإن نقص الإمكانيات والمعدات ومواد التنقية أدى لشرب المواطنين للمياه الملوثة الغير منقية من مادة النترات لعدم توفر مادة الكلور ومادة نازع الكلور ومادة الأنتسكيرا كما أننا نفتقر لفلاتر (المبرند) لتنقية المياه من الأملاح والتي يتم استخدامها حالياً رغم فقدان صلاحيتها، وبالتالي معظم القطاع يشرب مياه غير صالحة للشرب كونها منقية من بعض الأملاح فقط بينما تبقى الميكروبات والنترات العالية مصاحبة للمياه.[4] وهو ما أدى إلى تسجيل أكثر من 1.7 مليون حالة مرضية مرتبطة بالمياه، بينها حالات إسهال، والمرض المعوي الالتهابي الحاد الذي يطلق عليه “الزُّحار”، والتهاب الكبد الوبائي أ (المكتب الإعلامي الحكومي (إبريل، 2025)، بيان صحفي رقم (789)).

ووصفت منظمة العفو الدولية تلك الممارسات باللاإنسانية وغير المشروعة وأنها مؤشر على أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل سياسته في تعمّد إخضاع الفلسطينيين لظروف معيشية يُراد بها تدميرهم المادي، واعتبرته انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني ودليل إضافي على الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين في قطاع غزة المحتل.

وفي جريمة أخرى تضاف إلى سلسلة الجرائم المنظمة التي يرتكبها الاحتلال “الإسرائيلي” ضد الشعب الفلسطيني في القطاع، لازال يمنع إدخال المعدات اللازمة لصيانة المرافق الحيوية وإمدادات الطاقة والوقود وغاز الطهي اللازمة لتشغيل الخدمات والمرافق الأساسية، مما يزيد من حجم الكارثة الإنسانية والصحية والبيئية، بفعل تراكم آلاف الأطنان من النفايات في الشوارع والساحات وبجوار المنازل ومراكز الإيواء، بالإضافة إلى استمرار تدفق مياه الصرف الصحي في الشوارع والطرقات بسبب توقف محطات الضخ التي يعتمد تشغيلها على إمدادات الوقود والكهرباء، فضلاً عن الجثامين المتحللة تحت الأنقاض مما يهدد صحة المواطنين وينذر بتفشي الأمراض والأوبئة.

فقد وصلت كمية النفايات المتراكمة في مدينة غزة إلى 175.000 طن، بينما وصل طول شبكات الصرف الصحي التي دمرها جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى 175.000 متر طولي وهو ما يزيد من معاناة المواطنين في ظل الظروف البيئية المتدهورة.[5]

كما أن آلاف الجثامين لازالت تجثم تحت أنقاض المنازل المدمرة، وهو ما يهدد البيئة وما حولها جراء احتمال أن تكون الجثث حاضنة لأمراض سارية ومعدية، وتحللها يهدد بانتشار أوبئة مثل الكوليرا، وهو ما أكده المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل، حيث تعمل طواقم الدفاع المدني على انتشال جثامين الشهداء من تحت الأنقاض إلا أن عدم توفر أجهزة ومعدات يمكن من خلالها إزالة الركام واستخراج الجثامين هو ما يعيق عملها، ويمنع استخراج ما يزيد عن 10.000 شهيد من تحت أنقاض المنازل في قطاع غزة.[6]

وقد دمر جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب الإبادة على القطاع، معظم مقدرات وأدوات جهاز الدفاع المدني حتى وصلت نسبة العجز فيها إلى 100%، كما دمر قبل أسبوعين الجرافات التي تم إدخالها إلى قطاع غزة ضمن اتفاق وقف إطلاق النار، ليتم استخراج الشهداء والجرحى في الجدد بالأيدي والأدوات البدائية ويبقى آخرون تحت طبقات خرسانية لا تقوى الطواقم على رفعها.

انهيار المنظومة الصحية

لم تتوقف تداعيات إغلاق المعابر المحيطة بقطاع غزة عند ذلك الحد، بل ألقت بظلالها على القطاع الصحي الذي يشهد انهيارًا شاملًا، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي، واستهداف المستشفيات والمراكز الطبية، ومنع إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية، مما فاقم من الأزمة الصحية والإنسانية المتدهورة لدى السكان وزاد من معاناتهم اليومية، كما أضاف تحديات كارثية أمام تقديم الرعاية الصحية للمرضى والجرحى.

ووفقاً لمدير المستشفيات الميدانية في قطاع غزة الدكتور مروان الهمص، فإن استمرار إغلاق المعابر سيتسبب في مأساة كبيرة، نتيجة تعنت الاحتلال الإسرائيلي ومنعه إدخال الدواء والمستلزمات الطبية، فما يقدم الآن من خدمات في المستشفيات هو 25%-30% من مقدورها، خاصة وأن أقسام العمليات والعناية المركزة والطوارئ تعمل ضمن أرصدة مستنزفة من الأدوية والمهام الطبية المنقذة للحياة مع استمرار حرب الإبادة الجماعية.[7]

وبحسب نداء عاجل وجهته وزارة الصحة لتعزيز الأرصدة الدوائية في المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية، فإن نسبة العجز في الأرصدة الدوائية والمستهلكات الطبية وصلت إلى مستويات خطيرة وغير مسبوقة، حيث أن 37% من قائمة الأدوية الأساسية رصيدها صفر و59% من قائمة المستهلكات الطبية رصيدها صفر، كذلك 54% من أدوية السرطان وأمراض الدم رصيدها صفر الأمر الذي يهدد حياة المرضى وتوقف بروتوكولات علاجهم، بالإضافة إلى ذلك، فإن 40% من أدوية الرعاية الأولية و51% من أدوية خدمات صحة الأم والطفل رصيدها صفر، بينما 42% من التطعيمات الخاصة بالأطفال غير متوفرة في قطاع غزة، فضلاً عن ذلك، فإن الاحتلال يمنع إدخال لقاحات شلل الأطفال، ما يعني انهيار الجهود التي استمرت طيلة الأشهر السبعة الماضية لمكافحة الوباء. (وزارة الصحة، (7/إبريل/2025) تصريح صحفي).

ومما يزيد من انهيار المنظومة الصحية، نقص الوقود وقطع الغيار للأجهزة الطبية، والذي يتهدد الأقسام الحيوية في المستشفيات بالتوقف كونها تستمد الطاقة من المولدات الكهربائية التي تعمل على الوقود، كذلك يحرم مرضى وجرحى قطاع غزة من خدمات التصوير التشخيصي بسبب تدمير الاحتلال لأجهزة التصوير الطبقي والرنين المغناطيسي ولا يمكن صيانتها بسبب منع الاحتلال إدخال أي من قطع الغيار الخاصة بها وصيانتها ومن ثم إعادة استخدامها.

لم يكتف الاحتلال الإسرائيلي بإصابة الغزيين بصواريخه المحرمة دولياً، ومنع توريد علاجاتهم ومسكنات آلامهم، بل يمعن في تعذيبهم عبر حرمان ما يقرب من 13.000 من المرضى والجرحى من فرص العلاج التخصصي خارج القطاع (وزارة الصحة، (إبريل،2025 )، تصريح صحفي) بعدما أعاد إغلاق معبر رفح البري في الثامن عشر من شهر مارس/ آذار 2025.

ورغم حاجة الكوادر الطبية التي استنزفت من جراء العمل المتواصل على علاج المصابين والجرحى منذ ما يقرب من العام ونصف إلى من يساندها، إلا الاحتلال الإسرائيلي منع وصول مئات الجراحين والوفود الطبية، وهو ما زاد من معاناة القطاع الصحي الذي يعاني بالفعل من ضغوط غير مسبوقة. (المكتب الإعلامي الحكومي، (مارس، 2025) بيان صحفي رقم (768).

انهيار القطاع الاقتصادي

تعتبر المعابر بمثابة سلاسل الإمداد لأي مشروع اقتصادي ومعيار نجاح أي حركة تجارية في أي بلد، وبموجب بروتوكول اتفاقية باريس الاقتصادية الذي وقعت عليه السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي في 29/4/1994، فإن (إسرائيل) تتحكم في أدق تفاصيل الحياة الاقتصادية الفلسطينية من خلال سيطرتها المطلقة على الموانئ والمعابر، ولذلك نجد أن قطاع غزة يعيش شللاً اقتصادياً شاملاً مذ بدأت حرب الإبادة الجماعية قبل عام ونصف العام وحتى الآن بسبب إغلاق الاحتلال لتلك المعابر وبشكل كلي.

وبحسب الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر، فإن إغلاق المعابر الحدودية لقطاع غزة أدى إلى منع إدخال الشاحنات التي وصل متوسط عددها خلال فترة الهدنة من 200 – 400 شاحنة يومياً، بينما يحتاج القطاع من 800 إلى 1000 شاحنة يومياً.

وأدى إغلاق المعابر إلى ارتفاع معدلات البطالة لتصل إلى ما نسبته 85%، وذلك لتوقف عجلة الاقتصاد وتسريح آلاف العمال من المصانع والمزارع النباتية والحيوانية، بعدما منع الاحتلال الإسرائيلي دخول أي من مواد الخام التي يحتاجها قطاع غزة.

كما ارتفعت معدلات الفقر في القطاع، ليصبح ما نسبته 90-95% من المواطنين يعتمدون على المساعدات الإنسانية التي كانت تصل من خارج قطاع غزة وبقدر محدود، وتوقفت منذ إغلاق الاحتلال الإسرائيلي للمعابر في الثاني من مارس 2025.[8]

ومما زاد من صعوبة الحياة المعيشية لدى المواطنين في قطاع غزة، ارتفاع أسعار السلع الأساسية لتصل إلى أرقام فلكية كما يصفها في شهادته، شريف سمور من حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، فقد أصبح سعر كيس الدقيق يزيد عن 100$، ليصبح سعره الحالي 12 ضعف سعره في السابق، كذلك كيلو الباذنجان 50 شيكل في حين كان سعره قبل الحرب 2 شيكل، وذلك في ظل انعدام الدخل لعدم توفر رواتب أو أي مصدر رزق ليفاقم ذلك من معاناة السكان ويدخلهم في حالة من المجاعة المخيفة التي يخشاها كل إنسان في قطاع غزة.[9]

ختاماً

فاقم استمرار إغلاق الاحتلال الإسرائيلي للمعابر ووقف تدفق المساعدات الإنسانية والمستلزمات الطبية الوضع الإنساني في قطاع غزة، وزاد من معاناة الغزيين اليومية بفعل الأزمات المختلفة التي أثرت على حياتهم ومستقبلهم، حيث المجاعة التي تفتك بالأطفال والمسنين بعدما فقدوا مصادر الغذاء الأساسية والمياه النقية، فضلاً عن شلل القطاعات الحيوية والتي أدت لانتشار النفايات ومياه الصرف الصحي في الشوارع والطرقات لتنتشر الأوبئة والأمراض بين السكان دون أن يجدوا أي علاج أو دواء.

كما أدى إغلاق المعابر لفقدان العشرات من المرضى والمصابين حياتهم نتيجة حرمانهم من العلاج بالخارج، ومَنع دخول الوفود والجراحين المتخصصين إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى منع إدخال الأدوية والعلاجات والمستلزمات الطبية، فضلاً عن ذلك، فإن الإغلاق للمعابر أدى إلى انهيار الخدمات البيئية والصحية وانهيار قطاع الاقتصاد والنقل والمواصلات وغيرها من القطاعات لتمثل انتهاكاً صارخاً لكل المواثيق والقوانين الدولية التي يجب على المجتمع الدولي تطبيقها بوقف الإبادة الجماعية وفتح المعابر وإدخال كل ما يلزم الفلسطيني حتى يحيى حياة كريمة في أرضه ووطنه.


[1] مقابلة أجرتها الباحثة مع مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي د.إسماعيل الثوابتة (4/5/2025).

[2] مقابلة أجرتها الباحثة مع الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر (20/4/2025)

[3] مقابلة إسماعيل الثوابتة، سبق ذكرها.

[4] مقابلة أجرتها الباحثة مع فني إحدى محطات تحلية المياه إبراهيم سمور (4/5/2025)

[5] مقابلة أجرتها الباحثة مع المتحدث باسم بلدية غزة م.عصام النبيه (4/5/2025)

[6] مقابلة أجرتها الباحثة مع المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل (4/5/2025)

[7] مقابلة أجرتها الباحثة مع مدير عام المستشفيات الميدانية في قطاع غزة د. مروان الهمص (10/4/2025)

[8] مقابلة أجرتها الباحثة مع الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر (20/4/2025)

[9] مقابلة أجرتها الباحثة مع المواطن شريف سمور (20/4/2025)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى