التوجّهات الإقليميّة في ظلّ حرب استنزاف متعدّدة الجبهات مع الاحتلال الإسرائيلي

بعد انقضاء أكثر من عام على الحرب التي تشنها “إسرائيل” على قطاع غزة، وامتدادها بشكل واسع نحو لبنان. وفي ظل تراجع إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وفي الوقت الذي يسعى فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى توسيع نطاق هذه الحرب، فإن المنطقة بأكملها تجد نفسها أمام لحظة مفصليّة. خصوصًا مع تصاعد وتيرة الهجمات المتبادلة بين “إسرائيل” وإيران، فهل تتحرّك الأطراف الإقليمية والدولية لمنع الخطوات التي قد تجر المنطقة نحو الكارثة؟

يناقش مركز رؤية للتنمية السياسية إمكانية تحول الحرب في غزة إلى نزاع إقليمي أوسع، مستعينًا بآراء عدد من الخبراء والأكاديميين، ويطرح المركز أسئلة محددة كما يلي:

  • ما هي توجهات دول المنطقة؟ وهل ثمة جهود تُبذل لاحتواء التصعيد وتجنب حربٍ شاملة؟ وهل توجد مبادرات أو سياسات تسعى لحماية المنطقة من اندلاع نزاع أكبر؟
  • وما هو الدور الذي تلعبه دولٌ مثل تركيا، أو مؤسسات إقليمية كمنظمة التعاون الإسلامي، في الحد من العدوان الإسرائيلي؟
  •  ما هو التأثير المحتمل لنتائج الانتخابات الأمريكية بعد فوز ترامب؟
  • ما هي السيناريوهات المحتملة لتصعيد حركات المقاومة في العراق أو أنصار الله في اليمن هجماتهم ضد الاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا بعد التصعيد الكبير بين إيران و”إسرائيل” في أكتوبر الماضي؟

وفيما يلي ملخص موجز لآراء الخبراء:

  • غياب إرادة إقليمية فعّالة لمنع اندلاع حرب كبرى في المنطقة. ويعود ذلك لافتقار دول المنطقة إلى تحالف إقليمي يعزز حماية مصالحها الجيوسياسية، ويظل أمل هذه الدول في تدخل من الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار.
  • تبدو التباينات واضحة بين دول الإقليم في تعاملها مع المشهد وقراءته، ويذهب الخبراء إلى تقسيم الدول في ثلاث مجموعات، الأولى اتخذت توجهات إيجابية إزاء مناصرة القضية الفلسطينية، والثانية نأت بنفسها وصمتت تجاه حرب الإبادة، والثالثة أخذت موقفًا سلبيًا.
  • شعار حل الدولتين يبدو أنه لم يعد صالحًا للتطبيق، ولا يمكن أن يستمر حصار غزة كما كان الحال قبل السابع من أكتوبر، وأصبح تحقيق السلام الدائم في المنطقة مرهونًا بحلّ أعمق، قد لا يتحقق إلا من خلال تصعيد عسكري كبير يؤدي إلى إعادة هيكلة شاملة للوضع الحالي.
  • لقد تأثرت كل من لبنان وسوريا بالعنف المكثف، ولا يبدو أن الأردن ومصر بعيدتان عن التوتر المحتمل، فالأولى خرج من حدودها هجمات ضد “إسرائيل”، أما الثانية وبعد فشلها بوقف الإبادة التي تجري على بعد أمتار من حدودها، يبدو أنها ستضطر في القريب لاتخاذ مواقف أكثر صرامة. القوة الحقيقية التي قد تكون قادرة على كبح جماح “إسرائيل” هي المجتمع الغربي والرأي العام الداخلي في “إسرائيل”. فإذا ما زادت تكلفة توسع الحرب على الولايات المتحدة تحديدًا، يمكن عندها أن تمارس ضغطًا حقيقيًا على “إسرائيل” لوقف إطلاق النار. كذلك، فإن عبء التكاليف المالية لحرب طويلة قد لا يتحمله الشعب الإسرائيلي على المدى الطويل.
  • إن تخوفات حكومة الاحتلال من العواقب القانونية، إلى جانب البعد الديني والسياسي لليمين الحاكم في “إسرائيل”، يعطي انطباعًا بأن إنهاء الحرب لن يكون سهلًا، على الأقل في المدى القصير.
  • يُتوقع أن يستمر الدعم الأميركي لـ “إسرائيل” بذات الوتيرة بعد انتخاب دونالد ترامب، فمواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، تُبنى على قراءة إستراتيجية مشتركة بين وزارات الخارجية والدفاع ودوائر الاستخبارات. مع الاعتقاد أن فترة رئاسة ترامب ستكون خالية من الحروب الكبرى.
  • يبدو سيناريو التورط المباشر لإيران في حرب إقليمية غير مرجح، في الوقت الحالي، إذ تهتم طهران بالحفاظ على مصالحها الإستراتيجية دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة.

يوسف صاين

 أستاذ دكتور مساعد في جامعة نجم الدين أربكان بقسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية

من الواضح أن دول المنطقة في ظل التطورات الإقليمية، تتبنى مبدأ عدم التصعيد بما يتماشى مع مصالحها الوطنية. وتُظهر الدول في الشرق الأوسط ردود فعل دفاعية وأمنية أمام مناخ الحرب المتصاعد، بينما تتبع غالبيتها سياسات مؤيدة للغرب، خاصة تلك الدول المنضوية تحت التحالف الأميركي-الغربي، فيما تنتهج الدول خارج هذا التحالف سياسات أقرب إلى روسيا والصين. أمّا تركيا، فتتعامل مع القضية الفلسطينية من منطلقات إنسانية وإسلامية، وتفضل اتباع نهج في إطار القانون الدولي والدبلوماسية.

وقد بادرت تركيا عبر العديد من التحركات الدبلوماسية مع الدول الإسلامية، خاصة دول الجوار، بهدف إيجاد حلول سلمية، فيما تواصل دول مثل قطر ومصر جهود الوساطة لوقف إطلاق النار، رغم صعوبة تحقيق نتائج ملموسة. بالإضافة إلى ذلك، اتخذت دول المنطقة خطوات احترازية من خلال اتفاقيات دفاعية وأمنية ثنائية ومتعددة الأطراف لمواجهة مخاطر الحرب.

وتواجه منظمة التعاون الإسلامي تحديات كبيرة تُعقّد قدرتها على لعب دور فعّال في وقف العدوان الإسرائيلي، حيث تعاني من تباينات سياسية داخلية، ومشاكل هيكلية وإدارية، وأزمات مالية، فضلًا عن تأثير النفوذ السعودي الذي يفضل عدم التصعيد مع الولايات المتحدة و”إسرائيل”. في ذات السياق، تبرز جهود تركيا في إدارة الدبلوماسية المكوكية مع القوى الإقليمية والدولية لتقديم حلول دبلوماسية.

أما فيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة تجاه “إسرائيل” بعد فوز ترامب بالانتخابات، فالمتوقع هو استمرار الدعم غير المشروط لـ “إسرائيل”؛ فالعلاقات الأميركية الإسرائيلية تستند إلى أسس ثابتة تتجاوز الاختلافات الحزبية. ويُتوقع استمرار هذا الدعم لـ “إسرائيل” مع استمرار تأثير اللوبي الصهيوني في الكونغرس والشركات الكبرى. ورغم الخلافات السياسية بين المرشحين الرئاسيين، إلا أنه من الواضح أنهم يتبعون موقفًا في السياسة الخارجية منطلقًا من قراءة إستراتيجية مشتركة صادرة عن وزارة الخارجية ومديريات المخابرات ووزارة الدفاع (البنتاغون). إلى جانب ذلك، فإن نفوذ اللوبي الصهيوني في الكونجرس الأمريكي ودور الشركات العالمية يعزز من استمرارية الدعم غير المشروط لـ “إسرائيل”، بغض النظر عن تغيير الرئيس. ومع ذلك، قد تؤدي الاختلافات الإقليمية والعالمية في الفكر والسياسة بين الإدارات الأمريكية إلى تباينات في تحديد مخرجات الأزمات الإقليمية. ومن الممكن بعد فوز ترامب، أن تتجه السياسة الخارجية الأمريكية نحو مزيد من التركيز على القضايا السياسية المتقاطعة مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية، مع احتمال حدوث وقف مؤقت لإطلاق النار وفترة من الهدوء النسبي في أوكرانيا وفلسطين. على عكس توجهات الديمقراطيين التي ربما كانت ستدفع المنطقة نحو خطر توسع الحرب وتعقيد الأزمة الإقليمية.

أحمد يوسف أوزدمير

دكتور في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة ابن خلدون، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية

يمكن تقسيم موقف دول المنطقة إزاء الإبادة الجماعية في غزة إلى قسمين: دول مجاورة مباشرة لفلسطين، ودول بعيدة. وتُعتبر كل من لبنان وسوريا من الدول المجاورة المباشرة التي كانت الأكثر تأثرًا بالعنف المكثف، إذ تعرضت كلا الدولتين لهجمات من الاحتلال الإسرائيلي خلال هذه الأزمة. وتعرقل الأزمات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي يعاني منها البلدان قدرتهما على الرد بفعالية على هذه الهجمات. ورغم أن حزب الله في لبنان كان الجهة الوحيدة التي ردت على مساعي “إسرائيل” لنشر الصراع في المنطقة، فإن الجيش اللبناني لم يشارك بعد. أما في سوريا، فبالرغم الضربات الجوية الإسرائيلية، تظل سياسة الانتظار والترقب سيّدة الموقف. وعلى الرغم من أن الوضع يبدو أكثر هدوءًا في الدولتين المجاورتين الأخريين وهما الأردن ومصر مقارنةً بلبنان وسوريا، إلا أن التوتر المحتمل في الأردن قد يكون مسألة وقت فقط، لا سيما في ظل الهجمات على الحدود الأردنية الإسرائيلية التي تحظى بتأييد فصائل المقاومة الفلسطينية وتشجيعها. وفي حين تحاول مصر الحفاظ على دورها كوسيط، كما اعتادت في الماضي، ولكن يبقى من غير الواضح كيف ستبرر فشلها في وقف الإبادة الجماعية المستمرة على بُعد أمتار قليلة من حدودها. وستجد الحكومة المصرية نفسها مضطرة لاتخاذ خطوات أكثر حسمًا في المستقبل.

تركيا من جانبها، كانت قد توقعت تصاعد الأزمة منذ البداية ووصولها إلى هذا المستوى، وشددت على أهمية تأسيس إطار سلام جديد. وطالبت مؤسسات مثل منظمة التعاون الإسلامي أن تبادر بتحركات دبلوماسية لحشد الرأي العام الدولي؛ بهدف إنهاء الإبادة الجماعية ومحاسبة مرتكبيها.

ومنذ السابع من أكتوبر عام 2023، بات واضحًا أن “حل الدولتين”، الذي ظلّ شعارًا منذ الستينيات، لم يعد قابلًا للتطبيق في 2023، فالفصل الجغرافي بين غزة والضفة الغربية، وتشجيع “إسرائيل” على التوسع الاستيطاني المتزايد في الضفة، يؤكد ذلك. كما لا يمكن استمرار حصار غزة كما كان الحال قبل السابع من أكتوبر 2023 وكأن الإبادة الجماعية لم تحدث. وبالتالي، لا بد من إيجاد إطار سلام حقيقي يتفق عليه الجميع. في هذا السياق، يبرز سؤال ماذا تريد “إسرائيل”؟ ومن الصعب القول في هذه المرحلة إن الأحزاب الأميركية لديها رؤى متباينة حول دعم “إسرائيل”. وهذا يعني أن كلا الحزبين سيواصلان محاولاتهما لإرضاء “إسرائيل” بدلًا من البحث عن حل عادل للفلسطينيين.

عبد الغني بوزكورت

أستاذ دكتور مساعد بجامعة رجب طيب أردوغان، قسم العلاقات الدولية

لا يبدو أن منظمة التعاون الإسلامي و/أو الدول الأعضاء فيها ستتخذ إجراءات فعالة ضد العدوان الإسرائيلي المستمر في المنطقة. إذ إن لكل دولة داخل المنظمة أجندتها وتقديراتها الخاصة بمصالحها. ورغم أن بعض الدول الأعضاء تتخذ موقفًا مناهضًا لعدوان “إسرائيل”، إلا أن هذا الموقف يظل محدودًا بسبب الدعم غير المشروط الذي تقدمه القوى الغربية لـ “إسرائيل”. ولهذا، فإن الطريقة المثلى لكبح العدوان الإسرائيلي تتمثل في إبرام اتفاقية دفاع خاصة بين الدول المتضررة من هذا العدوان. ويمكن أن تتأسس وحدة عسكرية تحت اسم “القدس” أو “المسجد الأقصى” لإظهار الجدية، مع إعلان استعدادها للتدخل إذا لم يتوقف العدوان. فالأحداث الأخيرة بعد عملية “طوفان الأقصى” أظهرت بوضوح أن “إسرائيل” تستجيب فقط للقوة، وليس للكلمات.

وفي الواقع، لا تبدو هناك قوة حاليًا قادرة على منع “إسرائيل” من الانخراط في حرب إقليمية واسعة. فالدول الإسلامية، ومنظمة التعاون الإسلامي تحديدًا، ليست لديها هذه القوة. والقوة الحقيقية التي قد تكون قادرة على كبح جماح “إسرائيل” هي المجتمع الغربي والرأي العام الداخلي في “إسرائيل”. فإذا ما زادت تكلفة توسع الحرب على الولايات المتحدة تحديدًا، يمكن عندها أن تمارس ضغطًا حقيقيًا على “إسرائيل” لوقف إطلاق النار. كذلك، فإن عبء التكاليف المالية لحرب طويلة قد لا يتحمله المجتمع الإسرائيلي على المدى الطويل. رغم كل هذه الاعتبارات، يبدو أن حكومة نتنياهو ترى في استمرار الحرب ضمانة لبقائها في السلطة. فوقف إطلاق النار من شأنه أن يفتح الباب أمام ملاحقات قانونية دولية أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، مما سيضع المسؤولين الإسرائيليين في موقف صعب للغاية. إن تخوفات إدارة تل أبيب من العواقب القانونية، إلى جانب البعد الديني والسياسي لليمين الحاكم في “إسرائيل”، يعطي انطباعًا بأن إنهاء الحرب لن يكون سهلًا، على الأقل في المدى القصير.

في الولايات المتحدة، سواء كان المرشحون ديمقراطيين أو جمهوريين، فإن سياساتهم تدعم الأهداف الصهيونية، رغم اختلاف الأساليب. وعلى الرغم من هذا التنوع في الأسلوب، إلا أن الغايات النهائية تظل متشابهة، خاصة فيما يتعلق بتقديم الدعم لـ “إسرائيل”.

يشهد الصراع الحالي في المنطقة بروزًا لجوانبه الدينية والسياسية، حيث يتبنى كلا الحزبين الأمريكيين نهجًا دينيًا-سياسيًا يضع مصالح “إسرائيل” في صميم السياسات الأمريكية. مع تزايد التوترات، يبدو أن مبادرات حل الدولتين قد انهارت تمامًا، وأصبح تحقيق السلام الدائم في المنطقة مرهونًا بحلّ أعمق، قد لا يتحقق إلا من خلال تصعيد عسكري كبير يؤدي إلى إعادة هيكلة شاملة للوضع الحالي.

سرهان أفجان

أستاذ دكتور مساعد في معهد أبحاث الشرق الأوسط والدول الإسلامية بجامعة مرمرة؛ نائب رئيس مركز الدراسات الإيرانية

يمكن تقسيم ردود فعل دول المنطقة في ظل الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، إلى ثلاثة أقسام: ردود فعل إيجابية (كما فعلت تركيا وقطر وإيران)، ردود فعل سلبية أو محايدة (مثل المملكة العربية السعودية ومصر)، والصمت (كما هو الحال في الأردن والإمارات العربية المتحدة). ومع أن قطر، وبعدها بمدّة مصر، قد انخرطتا في جهود الوساطة لوقف إطلاق النار، فإن ذلك لم يرقَ إلى ممارسة فعّالة تحد من التصعيد. وقد ارتفعت حدة الإدانة الدولية لـ “إسرائيل”، خاصة مع استهدافها لإيران في ال 26 من أكتوبر الماضي، مما رفع قلق دول المنطقة بشأن مخاطر تصعيد أكبر يهدد أمنها القومي، فلم يعُد الموقف مجرد تضامن مع أبرياء يقتلون في غزة أو لبنان. ومع ذلك، يبدو أن احتمال نشوب حرب كبرى لا يزال ضعيفًا في ظل الظروف الراهنة. وينبغي التوصل إلى وقف لإطلاق النار على الجبهات، لتقليص احتمالات التصعيد. وفي حال ازدادت احتمالية نشوب حرب إقليمية، فمن المرجح أن تلجأ دول المنطقة إلى مجلس الأمن، الذي لم يتمكن حتى الآن من إلزام “إسرائيل” بوقف إطلاق النار، على الرغم من مشروع قانون وقف إطلاق النار الذي اقترحته الولايات المتحدة في 10 يونيو الماضي. ولذلك، ستظل الولايات المتحدة هي وحدها القادرة على إيقاف “إسرائيل” من خلال اتخاذها قرارًا أحاديًا، وليس أي مبادرة أخرى.

يبدو أن غياب مظلة أمنية إقليمية قوية وموحدة في الشرق الأوسط يمثل عائقًا كبيرًا أمام تشكيل ردع فعال ضد “إسرائيل”. على الرغم من انعقاد القمة المشتركة بين الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في الرياض في 11 نوفمبر 2023، إلا أن البيان الصادر لم يكن واضحًا أو حازمًا بما يكفي للضغط على “إسرائيل”. ومع انعقاد القمة الأخرى التي عقدت في 11 نوفمبر الماضي، كان يُتوقع أن يصدر بيانا ذو لغة أكثر وضوحًا وحزمًا تجاه دعوة الاحتلال لوقف حلاب الإبادة. من اللافت أن أي دولة في المنطقة، بمفردها، غير قادرة على إيقاف “إسرائيل”. ويرجع هذا بشكل رئيس إلى الدعم غير المشروط الذي تقدمه الولايات المتحدة لـ “إسرائيل”، مما يمنحها حماية دبلوماسية وعسكرية قوية، فضلًا عن غياب قوة عالمية أخرى قادرة على موازنة النفوذ الأمريكي في المنطقة.

بخصوص الموقف الأمريكي، ورغم التوافق الإستراتيجي الكبير بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”، إلا أن هناك اختلافات تكتيكية بينها وبين حكومة نتنياهو. ويُلاحظ أن هناك توجهًا في واشنطن بأن استمرار “إسرائيل” في عدوانها لن يحقق نتائج جديدة مقارنة بالسنة الماضية. ويبدو أن الرأي السائد في الأوساط الأمريكية هو أن الحرب الإقليمية لا تتماشى مع المصالح الأمريكية.

أما ما يُعرف في إيران بـ “محور المقاومة”، وهو إيران ومعها الحركات المدعومة منها في المنطقة، فإنها تفضل تجنب مواجهة مباشرة مع “إسرائيل”، سواء بشكل فردي أو جماعي، وهو الموقف ذاته الذي تتبناه إيران نفسها. ويُمكن تفسير هذا التوجه بأن هذه الأطراف، التي تلتقي مصالحها مع إيران في مناطق مثل العراق ولبنان واليمن، تركز أساسًا على تعزيز نفوذها وتأثيرها المحلي. وبالتالي، فإنها لا ترغب في فقدان قدراتها نتيجة الدخول في صراع موسع مع “إسرائيل”. كما تتجنب إيران الدخول في حرب مفتوحة مع “إسرائيل” تحت أي ظرف، حيث إن هذا السيناريو يعني مواجهة قوى مثل الولايات المتحدة وأوروبا، بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال دعمها المتوقع لـ “إسرائيل” عسكريًا، وفرضها ضغوطًا اقتصادية على إيران.

محمد رقيب أوغلو

دكتور محاضر عضو بجامعة ماردين أرتوكلو، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية؛ منسق الدراسات الأكاديمية في مؤسسة أبعاد للدراسات الإستراتيجية

تخوض “إسرائيل” حرب استنزاف طويلة الأمد في غزة تمتد تأثيراتها إلى الساحة اللبنانية مع حزب الله، وتزيد من احتمالات التصعيد مع إيران. وتؤثر هذه الصراعات متعددة الجبهات على تموضع دول المنطقة وفق أولوياتها الأمنية. وتميل دول مثل السعودية ومصر والإمارات إلى اتباع سياسة توازن حذرة، ولا تعتبر “إسرائيل” تهديدًا مباشرًا لها، بل ترى في ضعف القوى المدعومة من إيران – التي تهدد استقرار هذه الدول– مصلحة لها.

أما تركيا، فمن جانبها تعتبر حركات مثل حماس وحزب الله وسائل لتحدي الهيمنة الغربية. وتحاول أنقرة اتخاذ مبادرات عبر المؤسسات الدبلوماسية والدولية للحد من مخاطر حرب موسعة. لكن منظمة التعاون الإسلامي، وغيرها من المؤسسات، لم تحقق تقدمًا ملموسًا للحد من التصعيد. وكان لدعوة تركيا في الأمم المتحدة، والتي تضمنت حث 50 دولة على وقف مبيعات الأسلحة إلى “إسرائيل”، صدى دبلوماسي واضح، إلا أن التأثير العملي لهذا الإجراء قد يكون محدودًا.

على الصعيد الأمريكي، فإن الدعم لـ “إسرائيل” يبقى قويًا من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، مما يشير إلى عدم وجود تغيير جذري في السياسات المؤيدة لـ “إسرائيل”. وبعد فوز ترامب، يمكن أن نرى نهاية للحرب، حيث يتمتع بقدرة أكبر على الضغط على الجهات الفاعلة. بينما فوز هاريس كان سيساهم في استمرار النهج الحالي، إذ قد تفتقر لوسائل الضغط الكافية على “إسرائيل”.

داخليًا في “إسرائيل”، فإن توسع الجبهات قد يؤدي إلى تفاقم الانقسام بين الجمهور والحكومة. حيث تزداد الانتقادات ضد حكومة نتنياهو خصوصًا بسبب مسألة الرهائن، حيث يدعم بعض الجمهور استمرار الحرب مع وضع شرط تحرير الرهائن كأولوية.

أما إيران، فمن المستبعد تورطها المباشر في الحرب. إذ تهتم طهران بالحفاظ على مصالحها الإستراتيجية دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى