محور فيلادلفيا ورفح.. معضلة خيارات الاحتلال “الإسرائيلي” في توسيع الحرب

أ. كريم قرط[1]

اتخذ الاحتلال منذ بدء عدوانه البري على قطاع غزة في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تكتيكًا جديدًا مختلفًا عمّا اعتاده في توغلاته المحدودة السابقة داخل القطاع، إذ إنّ قواته كانت تتوغل في أطراف من الشرق ومعظم الشريط الحدودي مع الأراضي المحتلة عام 48،  لكن الاحتلال هذه المرة اعتمد تكتيكًا يقوم على تقسيم القطاع إلى قطاعات أصغر، والاستفراد بها كل على حدى، وبطبيعة الحال، لجأ الاحتلال إلى هذا التكتيك لعدة اعتبارات، من أهمها تركيز معظم جهوده وقدراته العسكرية في منطقة صغيرة نسبيًا، للمحافظة على تفوقه كقوة مهاجمة، بحيث يجب أن تكون متفوقة في مواجهة القوة المدافعة بنسبة 3 إلى 1 في الحروب النظامية، وفي حالة الحروب غير المتناظرة يجب أن تكون القوة المهاجمة متفوقة بنسبة 20 إلى 1، حسب التقديرات العسكرية.

صحيح أنّ جيش الاحتلال حشد قرابة 350 ألف جندي احتياط قبل بدء العملية البرية، ليبلغ تعداد جيشه الكلي قرابة 600 ألف جندي، إلّا أنّه اضطر إلى توزيع هؤلاء الجنود على عدة جبهات، وتحديدًا جبهة الشمال مع لبنان، بمعدل 100 ألف جندي، فضلًا عن توجيه جزء كبير من الاحتياط إلى الضفة الغربية، وعلاوة على ذلك، فالقوة الأساسية لجيش الاحتلال لا تعتمد على جنود الاحتياط، وإنّما على الألوية النظامية والوحدات المحترفة التي لا يبلغ تعدادها قرابة من 176 ألف جندي وضابط، موزعة على مختلف قطاعات جيش الاحتلال وعلى مختلف الجبهات.

ساهم هذا التكتيك في عدم تشتيت قوات الاحتلال داخل القطاع، والحفاظ على نوع من التفوق العددي والعتادي إزاء قوات المقاومة التي لا يعرف الاحتلال عددها وقوتها الفعلية، على خلاف ادعاءاته وتقديراته التي ثبت أنها لا تمت للواقع بصلة.

من ناحية أخرى، فإنّ هذا التكتيك كان مهمًا في ضوء تعذر تهجير سكان القطاع إلى سيناء قبل الدخول البري، إذ إنّ الاحتلال كان يدرك أنّ الدخول البري إلى القطاع يتطلب اتباع سياسة الأرض المحروقة والقصف السجادي لـ”تطهير” كل متر قبل أن تدخله القوات البرية، لإدراكه قوة المقاومة الفلسطينية وصعوبة القتال في المناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية الأعلى في العالم، إذ عملت قوات الاحتلال على دفع الفلسطينيين إلى النزوح من أية منطقة قبل أن تتوغل فيها عبر ارتكاب المجازر بالقصف الجوي والمدفعي، ونتيجة لهذه السياسة فقد شهدت مناطق شمال غزة حركة نزوح كبيرة نحو جنوب القطاع، ثم تجددت حركة النزوح من خانيونس نحو رفح التي أصبحت المنطقة الأخيرة المتبقية ملجأً يدّعي الاحتلال أنه “آمن”، مع أنّ الغارات الجوية لا تتوقف عليه.

أعلن الاحتلال بشكل مستمر في ظل استمرار العدوان أنه سيوسع عملياته البرية نحو رفح للسيطرة على محور فيلادلفيا/صلاح الدين، الذي يقع على الحدود الفلسطينية المصرية بطول 14 كم، إلّا أنّ لهذه الخطوة تبعات، وأمامها عقبات جمة، إذ يثير هذا الموضوع حساسية لدى مصر جرّاء تخوفها من أن تكون هذه العملية مقدمة لتهجير الغزيين نحو صحراء سيناء المصرية، كما أن تحوُّل رفح لأكبر ملجأ في العالم يمكن أن يؤدي إلى مجازر أفظع مما شهده العالم حتى اللحظة في القطاع، في حين أنّ التأكيدات “الإسرائيلية” تتواتر وتتصاعد حول نية توسيع العملية البرية نحو رفح، ويترافق معها تحريض إعلامي لتبرير السيطرة على محور فيلادلفيا، بيد أنّ هناك الكثير من التقارير التي تفيد بأنّ الاحتلال لن يقدم على هذه الخطوة دون التنسيق مع مصر، في محاولة لإيجاد ترتيب يساهم في تهدئة مخاوف “الطرفين”.

ماذا يعني توسيع العملية البرية نحو رفح؟

يحاول الاحتلال خلق مبررات متعددة لإعطاء الشرعية لتوسيع عمليته البرية نحو رفح ومحور فيلادلفيا، ومع أنّ الاحتلال يزعم أنّ قوة المقاومة في رفح أضعف نسبيًا مما هي عليه في شمال القطاع وخانيونس، فإنه يدّعي أنّ عددًا كبيرًا من المقاومين قد نجحوا بالوصول من المناطق التي توغل فيها الاحتلال بريًا إلى منطقة رفح، وبطبيعة الحال، أثبت العدوان الحالي بشكل قاطع أنّ كلّ تقديرات الاحتلال فيما يتعلق بقوة المقاومة وانتشارها ومخططاتها بعيدة جدًا عن الواقع.

من ناحية أخرى، يزعم الاحتلال أنّ محور فيلادلفيا هو الشريان الذي استطاعت المقاومة من خلاله بناء قدراتها العسكرية، وأنّ الأنفاق من أسفله ما زالت تعمل منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة وحتى خلال العدوان الحالي، على الرغم من الجهود المصرية لإنهاء الأنفاق وإغراقها وإنشاء منطقة عازلة بين قطاع غزة والأراضي المصرية، بل إنّ المزاعم “الإسرائيلية” تذهب بعيدًا إلى الادّعاء بأنّ تهريب الأسحلة كان يجري عبر معبر رفح نفسه، من خلال تقديم المقاومة رشى للمسؤوليين المصريين ليغضوا الطرف ويساعدوا في تهريبها، وإلى ذلك، تستمر ادّعاءات الاحتلال بأنّ الأسرى “الإسرائيليين” ومراكز قيادة حركة حماس موجودة في رفح، واحتمالية أن يكون الأسرى قد أُخرجوا من قطاع غزة، عبر الأنفاق التي يزعم الاحتلال وجودها تحت معبر رفح، وتأتي هذه الادّعاءات بعد أن سقطت ادّعاءات سابقة للاحتلال بأنّ الأسرى وقيادة حماس موجودون تحت مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، وثم الانتقال للترويج بأنهم موجودون في خانيونس، وهذا ما سقط أيضًا بعد أن فشل الاحتلال في إيجاد أسراه وقيادة حماس في خانيونس بعد توغله بريًا فيها.

صدرت تصريحات في هذا الإطار عن عدة مسؤولين لدى الاحتلال تؤكد عزم الاحتلال السيطرة على محور فيلادلفيا وإغلاقه نهائيًا، إذ صرّح رئيس وزراء الاحتلال “بنيامين نتانياهو” عدة مرات على أنّ هذا المحور يجب أن يسيطر عليه الاحتلال ويغلقه نهائيًا، لضمان نزع سلاح المقاومة في غزة، مبررًا أنه بدون هذه الخطوة ستتمكن المقاومة من إعادة تسليح نفسها في غضون سنوات معدودة، حسب زعمه.

ستكون لتوسعة الاحتلال لعمليته البرية نحو رفح ومحور فيلادلفيا نتائج كارثية على النازحين في رفح، وقد تكون من ناحية أخرى مقدمة لتهجيرهم نحو الأراضي المصرية، إذ بلغ عدد سكان محافظة رفح قبل بدء العدوان قرابة 260 ألف نسمة، يتوزعون على مساحة 64 كم، أيّ بنسبة كثافة سكانية تفوق 4 آلاف نسمة لكل كم مربع ومع بدء التوغل البري بدأ عشرات الآلاف بالتدفق إلى رفح، ليبلغ عدد النازحين إليها مع عدد سكانها الأصلي أكثر من مليون ونصف المليون نسمة، فيما يستمر الآلاف بالنزوح إليها من خانيونس ووسط قطاع غزة يوميًا، أي أنّ كثافة السكان حاليا فيها بلغت قرابة 24 ألف نسمة لكل كم مربع، والنسبة في ازدياد دائم، مع استمرار العدوان وتوسيع الاحتلال لعملياته البرية، وإجبار الناس على النزوح وترك مناطقهم ومنع عودة أهالي شمال القطاع إلى مناطقهم.

بعيدًا عن الأوضاع المأساوية التي يعيشها النازحون في رفح، فهذه الأعداد المهولة من النازحين تقول أنه لا يوجد في رفح حاليًا شبر فارغ من السكان الذين يقيمون في خيام هشة جدًا لا تقي من البرد أو المطر، ولا تشكّل أيّ ملاذ لساكنيها في حال تقدمت الدبابات “الإسرائيلية” نحوهم، وقد وصلت هذه الخيام إلى الجدار الحدودي بين غزة ومصر، أي إنها فعليا قد انتشرت على طول محور فيلادلفيا، والوضع آخذ في التفاقم نحو الأسوأ.

إنّ توسيع الاحتلال لعمليته البرية نحو رفح في ظل هذه الظروف سيكون كارثيًا، وسيؤدي إلى استشهاد وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين بأضعاف ما شهدته كل أيام العدوان السابقة، إذ كما هو معروف، لا يتقدم الاحتلال مترًا واحدًا بدون تمهيد ناري عنيف جدًا، وعندما يتقدم نحو المناطق السكانية فإنه يتعمد استهداف المدنيين بشكل مباشر، إذ قال المحلل العسكري للقناة العبرية 14، “نوعم أمير” إنه التقى بضباط من جيش الاحتلال بالقطاع في ديسمبر/كانون الأول وأكدوا له بوضوح أنّ: “كل من يمشي على رجلين، وهو ليس جنديًا في جيش الاحتلال، فهو ميّت”، حسب تصريحه، وهذا ما يعني أنّ قوات الاحتلال لا تميز بين مدني ومقاوم، وأنها لن تتورع عن ارتكاب عشرات المجازر في حال تقدمها نحو رفح.

في هذه الحالة لن يكون أمام النازحين مكان آخر لينزحوا إليه هربًا من المجازر الصهيونية، وذلك لأنَّ الاحتلال ما زال يمنع عودة النازحين إلى مناطقهم في شمال القطاع ووسطه، ويعمل باستمرار على دفع المزيد من السكان على النزوح نحو رفح، ومن ناحية أخرى، فمصر قد أعلنت منذ اليوم الأول أنها لن تفتح أبوابها أمام هجرة جماعية للفلسطينيين، لما يعنيه ذلك من تكرار النكبة وتصفية القضية الفلسطينية، ما يعني أنّ النازحين في رفح سيكونون أمام خيارين لا ثالث لهما، فإمّا أن يظلوا في أماكنهم لتفتك بهم آلة القتل والتدمير الصهيونية، أو أن يتدافعوا نحو الحدود المصرية متسلقين الجدر العازلة ومقتحمين المعبر للنجاة بأرواحهم، وفي ذلك تتخوف مصر من حدوث سيناريو التدفق نحو حدودها واختراقها، وهو الأمر الذي عارضته منذ بداية العدوان، ولذلك صدرت عن مصر تهديدات للاحتلال بأنّ سيطرته على محور فيلادلفيا ستؤدي إلى تهديد جدي للعلاقات بينهما.

خيارات الاحتلال للتعامل مع محور فيلادلفيا:

تزايد الحديث عن مقترحات “إسرائيلية” مقدمة إلى مصر للوصول إلى تسوية فيما يتعلق بمصير محور فيلادلفيا، فمصير هذا المحور يتعلق فيما يُدعى “اليوم التالي” للعدوان، أي من سيحكم قطاع غزة في مرحلة ما بعد حماس، وكيف سيحكمه، إذ إنّ التصريحات “الإسرائيلية” المتكررة تشير إلى أهمية التحكم في هذا المحور لصوغ المستقبل السياسي لقطاع غزة، غير أنّ اللافت أنه لا يوجد تصريح رسمي من قِبَل الاحتلال حول هذه المقترحات، كما لا يوجد تصريح رسمي من مصر حول الردود على كل مقترح “إسرائيلي”، ويظل الأمر رهينة للتسريبات الصحفية التي تعلن عنها صحف عبرية أو غربية، فيما تتوالى التأكيدات “الإسرائيلية” على جدية مسعى السيطرة على رفح ومحور فيلادلفيا.

من المقترحات التي طُرحت حول مصير المحور بناء جدار تحت الأرض على الجانب المصري من الحدود، للتخلص من الأنفاق التي يدّعي الاحتلال أنها موجودة أسفله نحو الأراضي المصرية، وهذا المشروع ستموله الولايات المتحدة ودول أخرى، وفي مقترح آخر طالبت دولة الاحتلال بتركيب أنظمة إنذار ومجسات، وتسيير طائرات بدون طيار على طول محور فيلادلفيا لمراقبة محاولات حفر الأنفاق وتهريب الأسلحة أو الأشخاص على جانبي الحدود، بحيث ترسل أنظمة المراقبة بياناتها مباشرة إلى الاحتلال، وفي ذات الوقت تحافظ دولة الاحتلال على حق التدخل العسكري في المحور في حال نُقلت إشعارات عن وجود عملية تهريب أو حفر للأنفاق، غير أنّ مصر رفضت هذين المقترحين، لما اعتبرته انتهاكًا لسيادتها على حدودها وأراضيها، مع أنها لم تمانع من حيث المبدأ مسألة تركيب أجهزة المراقبة، ولكن في إطار أن تظل مصر وحدها هي المشرفة عليها.

من ضمن المقترحات أيضًا، نشر الاحتلال جنوده على طول المحور من الجانب الفلسطيني، والحفاظ على الوجود العسكري الدائم فيه، غير أنّ جيش الاحتلال نفسه يستبعد هذا الخيار، لما يعنيه من خطورة على جنوده في ظل العمليات المؤلمة التي نفذتها المقاومة ضد جنود الاحتلال على معبر رفح إبان سيطرة الاحتلال على قطاع غزة.

أصدرت مجموعة من الأحزاب والحركات والشخصيات المصرية في 30 يناير/كانون الثاني2024 بيانًا تحت عنوان “نعم لمعبر رفح… لا لعزل وتركيع غزة“، أدانت فيه مقترحًا أوروبيًا قالت أن النظام المصري يدرسه، يقضي بغلق معبر رفح نهائيًا، واستبداله بالمعابر بين قطاع غزة وأراضي 48، ولكن لم يصدر أيّ تعليق من الاحتلال أو الحكومة المصرية حول هذا المقترح، غير أنّ هذا المقترح قد يكون مقدمة لتوافق مصري “إسرائيلي” على تسوية مسألة محور فيلادلفيا في حال حدوثه.

على الرغم من توالي تسريب الأخبار حول هذه المقترحات، فإن قادة الاحتلال ما زالوا يؤكدون عزمهم السيطرة على المحور عسكريًا، إذ قال وزير حرب الاحتلال “يؤاف غلانت” في 2 فبراير/شباط، إنّ عمليات جيش الاحتلال مستمرة، وستصل إلى رفح للقضاء على المقاومة فيها.

أمام هذه المعطيات، هناك عدة سيناريوهات حول إمكانية توسيع العملية البرية نحو رفح:

  • عملية برية واسعة في رفح:  يعوّل الاحتلال على تدافع النازحين نحو الحدود ومعبر رفح واختراقها، وربما يساهم الاحتلال في تدمير مقاطع من الجدار الحدودي حتى يفرّ الناس عبرها من القصف والمجازر الصهيونية، غير أنّ الاحتلال بهذا الخيار يكون قد عرّض الاتفاقيات السياسية والأمنية مع مصر إلى خطر جدّي، كما ورد في بيان هيئة الاستعلامات المصرية في 22 يناير/كانون الثاني المنشور للرد على الاتهامات “الإسرائيلية” لمصر بأنها تساهم في تهريب الأسلحة لقطاع غزة من تحت محور فيلادلفيا وعبر معبر رفح أيضًا، “إن إمعان “إسرائيل” في تسويق هذه الأكاذيب هو محاولة منها لخلق شرعية لسعيها لاحتلال ممر فيلادلفيا أو ممر صلاح الدين في قطاع غزة على طول الحدود مع مصر، ومخالفة للاتفاقيات والبروتوكولات الأمنية الموقعة بينها وبين مصر”،  وقد أكّد البيان أنّ أيّ تحرك من قبل الاحتلال للسيطرة على محور فيلادلفيا “سيؤدي إلى تهديد خطير وجدي للعلاقات المصرية – “الإسرائيلية”؛ فمصر فضلًا عن أنها دولة تحترم التزاماتها الدولية، فهي قادرة على الدفاع عن مصالحها والسيادة على أرضها وحدودها، ولن ترهنها في أيدي مجموعة من القادة “الإسرائيليين” المتطرفين”، غير أنّ حدوث هذه العملية البرية دون إخلاء النازحين سيعني ارتكاب الاحتلال مجازر فظيعة غير مسبوقة.
  • عملية محدودة تستهدف السيطرة على محور فيلادليفا فقط هذا الخيار غير عملي أيضًا، إذ إنّ خيام النازحين أصبحت ملتصقة بالجدار الحدودي على طول محور فيلادلفيا وما زال عددها يتزايد يومًا بعد الآخر، وهذه العملية ستتطلب أن تجتاح الدبابات “الإسرائيلية” رفح نفسها قبل الوصول إلى المحور، وهذا الأمر سيؤدي إلى كوارث على الصعيد الإنساني، والأمر المهم الآخر هو المعارضة المصرية لسيطرة الاحتلال على المحور، كما أشرنا سابقًا.
  • السماح للسكان بالنزوح إلى شمال قطاع غزة أو إلى خانيونس: أوردت إذاعة جيش الاحتلال أنّ محادثات جرت بين مسؤولين “إسرائيليين” وآخرين مصريين تعهدت في إطارها دولة الاحتلال لمصر ألّا تعمل عسكريًا في منطقة رفح، قبل أن تسمح للنازحين بالخروج منها، وذلك من أجل خفض مخاطر نزوح موجات لاجئين فلسطينيين من غزة إلى الأراضي المصرية، وفي هذا الإطار يدور الحديث حول شمال غزة وخانيونس كمنطقتين محتملتين لإعادة توجيه النازحين نحوهما في حال إنهاء جيش الاحتلال لعملياته العسكرية فيهما.

يتناقض هذا الخبر مع التأكيد المصري الرافض لأي سيطرة أو عمل عسكري للاحتلال على معبر فيلادلفيا، ومن المستبعد في الظروف الحالية أن يُنفّذ جيش الاحتلال هذا السيناريو، نظرًا إلى أنه ما زال حتى اللحظة يرفض السماح للنازحين بالعودة إلى مناطقهم التي نزوحوا منها، وهو مستمر في إجبار من بقي في تلك المناطق على النزوح.

  • تخلي الاحتلال عن مآربه في السيطرة على محور فيلادلفيا: يقوم هذا السيناريو على حقائق مهمة، من بينها سعي الاحتلال إلى التوصل إلى صفقة تبادل أسرى مع المقاومة الفلسطينية، تترافق مع هدنة يمكن أن تفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب الاحتلال من قطاع غزة، وهذا ما يعني أنّ الاحتلال لن يوسع عمليته البرية، ومن ناحية أخرى، فإنّ الموقف المصري المعارض لهذه الخطوة التي يعُدّها تهديدًا للاتفاقات بين الطرفين من شأنه أن يمنع الاحتلال من توسيع عمليته، والاستعاضة عنها بإجراءات تتعهد مصر بتنفيذها لتشديد الرقابة على محور فيلادلفيا من فوق الأرض وتحتها.

الخاتمة:

يشكل توسيع الاحتلال لعمليته البرية نحو رفح والسيطرة على محور فيلادلفيا معضلة بالنسبة للاحتلال، إذ إنّ قادة الاحتلال السياسيين والعسكريين يزعمون أنه بدون توسيع العملية والسيطرة على المحور لن تكتمل إنجازات العدوان في تفكيك المقاومة والقضاء على قدراتها العسكرية، ومن ناحية أخرى، فإن هذه الخطوة يمكن أن تؤدي إلى تدهور العلاقات مع مصر، وحصول تصعيد لا يريده لا الاحتلال ولا مصر ولا أمريكا، بما يتماشى مع هدف عدم توسيع نطاق الحرب والحفاظ على علاقات التطبيع العربي “الإسرائيلي” وتعزيزها، غير أنّ ادّعاءات الاحتلال حول مبررات توسيع العملية البرية نحو رفح تترافق مع جملة من التصريحات بأن جيش الاحتلال قد تمكّن من القضاء على المقاومة في شمال قطاع غزة وخانيونس، وقد أضحى ثابتًا أنّ الاحتلال يبالغ في هذه التصريحات، فالمقاومة ما زالت موجودة بقوة في كل المناطق التي توغل فيها الاحتلال لدرجة اضطرت قوات الاحتلال إلى تنفيذ انسحابات من مناطق عديدة كان قد توغل فيها منذ بداية العدوان البري؛ وهذا ما يعني أن الاحتلال لم يستطع القضاء على المقاومة في شمال ووسط قطاع غزة، وإذا كان الوضع هكذا فما مغزى توسيع العملية البرية نحو رفح وهي محفوفة بالمخاطر؟

لعل هذا الأمر يعبر عن هدف الاحتلال الأساسي الذي أراد تحقيقه منذ بداية العدوان، وهو تهجير أهالي القطاع إلى سيناء أو إلى غيرها، إذ إن الاحتلال اتبع سياسة منذ البداية تقوم على التدمير الممنهج لكل مقومات الحياة في القطاع وإجبار الناس على النزوح نحو الجنوب وتكديسهم قرب الحدود المصرية، وهي سياسة يهدف منها إلى تهجير السكان من خلال ما يدعوه قادة الاحتلال “الهجرة الطوعية”، وفعليًا ظلت دير البلح وسط القطاع ورفح جنوبه المناطق التي لم تطالها بعد آلة التدمير، وكما هو معتاد فإن توغل الاحتلال نحو رفح يعني تدمير ما بقي في القطاع من بنية تحتية ومقومات حياة، وهكذا لا يترك الاحتلال للناس أي فرصة للبقاء في القطاع، وإن لم يتمكن الاحتلال من دفعهم للنزوح إلى سيناء بسبب المعارضة المصرية، فمن المرجح أن يجد بدائل أخرى للتهجير عبر البحر أو غيره، كما أن سيطرة الاحتلال على معبر رفح يعني فرض أقسى حصار ممكن لدفع الناس إلى القبول بفكرة “الهجرة الطوعية”.

على أيّ حال، وفي ظل فشل الاحتلال في تحقيق أي من أهداف الحرب والمعارضة المصرية لسيطرة الاحتلال على محور فيلادلفيا والجهود الأمريكية لعقد صفقة تبادل قد تفضي إلى وقف إطلاق النار، فإنَّ الاحتلال من الممكن أن يحجم عن توسيع عمليته البرية والسيطرة على محور فيلادلفيا في مقابل ترتبيات أمنية مع مصر حول المحور تحفظ له ماء وجهه.


[1] – باحث في مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، رام الله

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى