عرض كتاب:إنقاذ “إسرائيل”
المؤلف: آرييه شافيت
عرض: د. عدنان أبو عامر
الناشر: دار يديعوت
سنة النشر: 2023
اللغة: العبرية
- مقدمة:
يصدر هذا الكتاب في الوقت الذي تعيش دولة الاحتلال أزمة داخلية غير مسبوقة، وتتراكم أمامها جملة من المشكلات والصعوبات، تهدد ما يسميه “الإسرائيليون” “المشروع الصهيوني”، رغم ما تشهده الدولة من قوة تكنولوجية واقتصادية وعسكرية وسياسية، حتى باتت في القرن الحادي والعشرين من الدول الإقليمية والعالمية المعدودة، لكن أزمتها العميقة عام 2023 تعرض هذه التجربة للخطر.
أمّا المؤلف “شافيت”، فصاحب موقف مبدئي من حكومة اليمين الفاشي عمومًا، والانقلاب القضائي خصوصًا، بزعم أنّه يهدد بالقضاء على الدولة، ويترك “الإسرائيليين” بلا مأوى، في ظل ما تعيشه من شيوع مظاهر الخوف والكراهية واليأس، كما وتشهد أصعب المواقف والأوقات الأكثر تحديًا، ولعلها من المرات المعدودة التي يعلن فيها “الإسرائيليون” عدم قدرتهم على تخطي هذه الصعاب التي يواجهونها.
- تهديدات وجودية:
ينطلق الكتاب الصادر للتوّ من فرضية مفادها أنّ دولة الاحتلال تواجه من خلال الانقلاب القضائي تهديدات وجودية داخلية وخارجية تحوم فوقها، في ضوء الانحياز نحو التطّرف والانقسام الداخلي وتدمير الذات، في استعادة لافتة لأدبيات يهودية قديمة استُحضِرت في الآونة الأخيرة، ومفادها أنّ التهديدات الداخلية جلبت عليهم تدمير الهيكلين الأول والثاني، واليوم توشك هذه المخاطر الداخلية أن تأخذهم مجددًا إلى الهاوية، لأنهم لم يعرفوا بعد كيفية المحافظة على سرّ التوازن الذي حكم الحركة الصهيونية منذ أكثر من 120 عامًا.
يؤكد المؤلف أنّ “نتنياهو” لم ينجح في الحفاظ على أهم ركائز الوجود اليهودي في هذه المنطقة، كما فعل ذلك “هرتسل” و”غابوتنسكي” و”بن غوريون” و”بيغن” و”رابين” في الأوقات الصعبة التي واجهتها الدولة، لكن أزمة 2023 الحالية توشك أن تخرجها من التوازن، وتضعها في دوامة قاتلة، رغم أنها خاضت في سبعة عقود العديد من الحروب، وأسست مئات البؤر الاستيطانية، وأقامت عشرات المستشفيات والجامعات، لكن قيادتها الحالية ترتكب أخطاءً كبيرة قد تدفعها لخسارة كل هذه الانجازات، لأنها شهدت شرعنة للظواهر القبيحة من العنصرية والتمييز والإقصاء، تمهيدًا لوقوع الكارثة.
- “صديد الجروح”:
يمتلك المؤلف وجهة نظر مسبقة تقوم على أنّ “إسرائيل” تعيش في لحظة حرجة، وستبقى تواجه أزمة مستمرة، وصولًا إلى حافة الهاوية، وذلك استمرارًا لأزمات عديدة عاشتها الدولة، بدءًا باغتيال “اسحق رابين”، والانسحاب من قطاع غزة، لكنّ الأزمة الحالية دفعت “الإسرائيليين” إلى التأكد من حيازة جواز السفر الأجنبي، رمزًا للتهديد بالفرار من هنا، مع تصدّع الوحدة الوطنية بصورة غير مسبوقة، ففتحت كل الجروح الصغيرة المفاجئة التي دامت 75 عامًا، حتى “أخرجت منها كل الصديد”.
في الوقت ذاته، فقد شكّلت الأزمة الحالية في “إسرائيل” فرصة لصدور المزيد من نبوءات الغضب والتحذيرات من الكارثة التي تنتظرها، حتى إنّ الكاتب يستعير وصفاً لافتاً بقوله إنّ “هناك ذئبًا حقيقيًا عند باب المنزل، وآخر بداخله، والدولة مطالبة بالتعامل مع كليهما معًا”، ممّا يمثّل ردًّا مباشرًا على الأزمة التي تمر بها هذه الأيام، وتعكس الشعور بالذعر الذي أصبح رمزًا يخيم على الوجود الحالي للدولة، على أنّه تهديد حقيقي ووجودي، مع العلم بأن المؤلف لم يتردد في عنونة واحد من فصوله بعبارة: “هل نتنياهو خطر على إسرائيل؟”، على اعتبار أنه يدمّر الذخيرة الحية للدولة، وشيوع الأجواء المروعة في الخارج، مما قد يتسبب بـ”سحب الستائر وإغلاق النوافذ، وصافرات الإنذار التي ستدوي، وأصداء الاحتجاجات المنتشرة في شوارع وطرقات الدولة، والتحذير من سفك الدم على شبكات التواصل الاجتماعي، مما يستدعي انتشار شعور “إسرائيلي” بحاجتهم إلى الإنقاذ، لأنّ الانقسام الجاري حالياً يهدد الدولة بصورة غير مسبوقة، ولعلّ الجديد فيها أنّهم أمام لحظة أكثر دراماتيكية.
يستحضر المؤلف تحذيرًا صدر قبل خمس سنوات، عشية الذكرى السبعين لإعلان الدولة، من قِبَل ستة رؤساء سابقين لل”موساد” في مقابلة مشتركة، حين أعلنوا أنّ الدولة في وضع مزري، كما يتفق مع الجنرال “غادي آيزنكوت” القائد السابق لجيش الاحتلال، الذي أعلن أننا نواجه أخطر وضع أمني منذ عام 1973، بزعم أنّه في مواجهة التهديد الوجودي لإيران وحزب الله وحماس، ويجب أن تشعر “إسرائيل بالوحدة الداخلية، في ضوء أنّ الخلاف الذي تشهده غير مسبوق.
- تفكك الدولة:
يؤكّد الكتاب أنّ ما يجعل الأزمة الحالية في دولة الاحتلال غير عادية، هو أنها أكثر خطورة من سابقاتها، لأن “الإسرائيليين” فشلوا بشكل سيء في إنشاء إطار مفاهيمي مشترك لما توصف بأنها “إسرائيل الجديدة”، رغم ما يواجهونه من مشاكل وجودية في الأشهر القليلة الأولى من عودة “نتنياهو” إلى السلطة للمرة السادسة على التوالي، رغم ما تسبب به من استقرار استراتيجي واقتصادي وسياسي.
إن تفكك الدولة مما وضع المؤلف يده عليها، باعتبارها من المؤشرات الخطيرة للأزمة “الإسرائيلية” المتفاقمة التي تسببت بظهور مشاكل في العمق، نتج عنها إضعاف الدولة بشكل كبير، حتى أن الرأسمالية السائدة فيها أضعفت الحلقات التي تمسك بها، وخلقت فجوات اجتماعية لا تطاق، وبالتالي فإن جزءً من الدولة يطير في السماء، وجزء آخر لا يطير، والخشية أن يسفر تباطؤ العمل الجاري عن تفككها مع مرور الوقت، تمهيدا لإفساد العقد الاجتماعي.
على صعيد الاستقطاب الداخلي، توسع الكتاب في الإشارة إلى الصراع الكبير بين اليمين واليسار، في وقت بات الجدل السياسي عقيماً، وليس ذو جدوى، وصولًا إلى انتقال “الإسرائيليين” إلى السياسة القبلية التي “سمّمت” الدولة وقسّمت المجتمع الاقتصادي، والخشية من الانزلاق إلى مظاهر الفاشية والعنصرية بسبب عدم التسامح وعدم الحساسية تجاه الآخرين: “السفارديم” و”الحريديم” من قبل “الأشكناز” العلمانيين.
- قبو “نتنياهو”:
يأخذ المؤلف على “نتنياهو” إخفاقه فيما نجح فيه أسلافه، فقد أنجز “مناحيم بيغن” صيغة سحرية جمع الوطني والليبرالي والاشتراكي والرأسمالي، وأقام “هرتزل” توازنًا بين التنوير والقومية، ونفّذ “بن غوريون” توازنًا ديمقراطيًا اجتماعيًا، لكنّ ما حدث لل”إسرائيليين” في السنوات العشر الماضية أنهم افتقدوا إلى المشترك بينهم، وبالتالي أصبحت الدولة أضعف وأضعف، لأنها فقدت التضامن الداخلي، وأصبح “نتنياهو” زعيم نصف الشعب فقط، رغم أنه يحوز موهبة نادرة، لكن لديه جملة من نقاط الضعف العميقة، حيث قاد الدولة إلى مراحل من الجنون قرابة عقدين من الزمن.
يتوقف الكتاب عند عام 2015 بصورة خاصة، حين حدث أمر خاطئ لدى “نتنياهو”، ولم يعد هو ذاته المحافظ والحذر والمتوازن، الذي يبحث عن الحوار، فقد تم استبداله ببطء برغبته في أن يغلق على نفسه في قبوه، وبات يزيد من صفوف الذين يحملون شعار “إلا نتنياهو”، وصولًا إلى “الديكتاتورية القضائية” الجارية هذه الأيام، والتي كشفت عن مشاكل في سياسة الهوية التي خرجت عن التوازن، ثم اختلطت الأمور، وبات القوميون الشعبويون يبتكرون لغة غير مسؤولة، وفي غضون عدة أشهر فقط بات اليمين “الإسرائيلي” يرى ما يحصل هذه الأيام إنجازًا صارخًا للغاية.
يعتبر المؤلف أنّ هذا الموقف المتعصب المطلق الذي يحرك الائتلاف الحكومي الحالي يعمل أولاً وقبل كل شيء ضد الحمض النووي للجمهور “الإسرائيلي” التقليدي، وهذا هو سبب دفعهم إلى الزاوية، وكأنّ لسان حال اليهود الأشكناز يقول أنهم سيعودون إلى العواصم الأوروبية، أمّا الشرقيين “المزراحيم”، فقد يعودون إلى شمال أفريقيا وبغداد، وفي النهاية يشعر جميع “الإسرائيليون” أنهم في مرجل مشترك، وهذه معركة تستنزفهم، لأنها في النهاية تسمح للجماعات المتطرفة التي لا تمثل هؤلاء ولا هؤلاء بدفعهم إلى مرحلة الجنون.
- الخاتمة:
لا يتردد الكتاب في اتهام “نتنياهو” بأنه ارتكب كل خطًأ محتمل في الأشهر الماضية، خاصة حين أحنى رأسه لليمين الفاشي، مما يكاد أن يتسبب باندلاع “حرب الأشقاء”، لاسيما إن بقي الانقسام “الإسرائيلي” رأسيًّا وعموديًّا، من جهة، وتزايدت تهديدات القوى المعادية ل”إسرائيل” من جهة أخرى، مع العلم أنه من الصعوبة الاستنتاج بأنّ “إسرائيل” تذهب لهذا المآل بصورة طوعية، أي إنها تتحدث عن مخاوفها انطلاقًا من ترف فكري أو نقاش ثقافي بحت، بل إن الدافع لإثارة مثل هذه التساؤلات الوجودية نابع من مخاوف ذاتية حقيقية، تستشعر أنّ هناك خطرًا داهمًا على الدولة، قد يتسبب بانهيارها.
خلاصة الكتاب “الإسرائيلي” أنّه يعزز هذه المخاوف التي تدفع ب”إسرائيل” لأن تبقى في حالة استنفار عسكري دائم، سواء استعدادًا للمعركة المقبلة، أو خوض هذه المعركة، ومنح كل مواجهة منها صفة “المعركة الوجودية”، رغبة من الدولة في تحشيد جميع المكونات “الإسرائيلية” خلف الجيش من جهة، وتأجيل الخلافات الداخلية التي قد تربك الساحة “الإسرائيلية”، وتشتت انتباهها عن المعركة الخارجية من جهة أخرى.