ما بعد “سيف القدس”.. استمرارية المواجهة وإمكانيات الاستثمار
لقراءة وتحميل الملف اضغط هنا
في العاشر من أيار/مايو2021 الجاري، أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، توجيهها ضربة صاروخية تجاه مدينة القدس المحتلة ردا على جرائم الاحتلال بحق المقدسيين؛ التي تمثلت في محاولات تهجير أهالي حي الشيخ جراح من بيوتهم، واقتحام المسجد الأقصى، والاعتداء على المصلين المعتكفين فيه خلال شهر رمضان.
تطورات الحالة الميدانية، والزخم الجماهيري والشعبي الذي رافق هذه المواجهة التي أطلقت عليها المقاومة اسم “سيف القدس” فيما أطلق الاحتلال عليها مسمى “حارس الأسوار”، استطاعت أن تشكل مفاجآت متتالية وغير متوقعة للاحتلال. فالاشتعال المتوازي للجبهات، في مدينة القدس المحتلة، ثم امتدت إلى الأراضي المحتلة عام1948، والضفة الغربية والشتات الفلسطيني، والقدرة على التحكم بالتوقيت والرسالة الإعلامية، أظهر مدى التقدم للمقاومة وللجماهير الفلسطينية أمام إرباك آلة الاحتلال، وعدم قدرته على تحقيق أهدافه التي كان يحاول الترويج لها طيلة 11 يوماً من المواجهة.
تأسيساً على ذلك، تأتي هذه الورقة لتقدم قراءة أكثر عمقا، من خلال استقراء رأي نخبة من الشخصيات الأكاديمية والسياسية تضم 25 شخصية[1]، حاورهم مركز رؤية للتنمية السياسية، لفهم إن كانت الهبة الشعبية الحالية قد يخفت وميضها بعد الإعلان عن التهدئة ما بين الاحتلال والمقاومة، وما الذي يميزها عن غيرها؟ وقدرة القيادة السياسية الفلسطينية على استثمار نتائجها لصالح الفلسطينيين سياسياً؟ وهل يمكن أن تؤهل إدارة المقاومة، وبالتحديد حماس، للمعركة للحديث باسم الشعب الفلسطيني أمام القوى الإقليمية والدولية؟ وهل تدفع هذه المواجهة حماس وقوى المقاومة من تمثيل الفلسطينيين سياسيا والعمل منفردة مع الأطراف الإقليمية والدولية؟ وما هو تقييم أداء قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بهذه المعركة؟ وهل من يمكن لحماس استثمار نتائج هذه الحرب بدون حركة فتح؟ وما الذي كان ينبغي على الرئيس محمود عباس وقيادة م. ت. ف فعله خلال الهبة الأخيرة؟
أولا: مقومات استمرارية الهبة الجماهيرية
هناك شبه إجماع على أن مقومات استمرارية الهبة الجماهيرية في الضفة الغربية، ومدينة القدس المحتلة، والداخل الفلسطيني، لا تزال موجودة، وهي عوامل كامنة؛ إن خفت وميضها في مرحلة يعود للظهور مرة أخرى، وهو ما يعني أن الإعلان عن التهدئة ما بين فصائل المقاومة في قطاع غزة، والاحتلال الإسرائيلي، قد يكون تأثيرها موضعيا على شكل الهبة وطبيعتها، إلا أن ذلك لن يؤثر على استمراريتها، سواء أكان الأمر مرتبطاً بالحالة الزمانية الراهنة أو خلال الفترة المقبلة، ويبني أصحاب هذا الطرح رؤيتهم من خلال المقومات التالية:
– الضفة الغربية في السنوات الأخيرة تشهد مواجهات بين الفترة والأخرى، وأشكالاً متعددة من المقاومة ضد ممارسات الاحتلال، ابتداء بالعمليات الفدائية الفردية والدعس وإطلاق النار، وصولا للمسيرات والمواجهات، وهو ما يعني وجود الحد الأدنى من المواجهة وعدم الغياب الكلي.
– خفوت المواجهة أو تراجعها لا يعني توقفها نهائيا، لأن بقاء الاحتلال وسياساته على الأرض يبقي الشعب الفلسطيني في مواجهة قد تختلف أدواتها أو توقيت اشتعالها.
– الهبة الشعبية بدأت قبل العدوان على غزة، وشروط استمرارها غير مرتبطة بالقطاع تحديداً وإنما بعاملين آخرين؛ هما تسارع النضال الشعبي الفلسطيني في الضفة، بحيث يخرج من دائرة سيطرة الاحتلال، أو أي جهة تتجه نحو إعادة الأمور إلى حيث كانت قبل المواجهات. العامل الثاني، استمرارية جهود الفلسطينيين في الداخل المحتل بفعاليات مستمرة دون أن تكون بالضرورة يومية تضمن بقاءها لفترة أطول.
– بعض العوامل الحاضنة لاستمرار الهبة في الضفة والقدس والأراضي المحتلة عام48، ما زالت باقية وبالتالي الهبه ستكون موجودة. قد لا تكون بشكل منتظم، وقد تكون على شكل موجات متباعدة زمانيا، أو تختلف في أشكالها وأدواتها.
– هذه المرحلة كشفت هشاشة الاحتلال في كثير من المحطات، واكتشاف قوة تأثير الجمهور الفلسطيني، وبالتالي إمكانية ظهور قيادات شعبية خارج إطار ومنهج أوسلو وارد.
– في الأراضي المحتلة عام 48 لن تهدأ الأمور كثيرا؛ أولا لما تمثله مدينة القدس لهم من مكانة، والأمر الثاني محاولات تغييب هويتهم التي يحاول الاحتلال طمسها.
– التحرك الجماهيري لفلسطينيي الـ48، سيكون مرتبطاً باستمرار الممارسات الترهيبية بحقهم من قبل الاحتلال، وكذلك الإجراءات القمعية التي قد يتخذها الاحتلال لمعاقبتهم في المواجهة الأخيرة، وهذا يجعل من فلسطينيي ال48 قنبلة موقوته قد تعود للانفجار مرة أخرى.
– بقاء العوامل الأساسية لانطلاقة الهبة، وبالتحديد ما يتعلق بتهجير أهالي الشيخ جراح، واقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، من شأنه أن يبقي حالة المواجهة قائمة.
– جنوح المجتمع الصهيوني نحو اليمين وما يفرزه من تعزيز أعمال المتطرفين الإسرائيليين في أماكان متعددة في فلسطين، ومن قوانين وممارسات عنصرية معادية للفلسطينيين في الداخل، يبقى التوتر سيد الموقف داخل الأراضي المحتلة عام ال48.
– تهميش كوادر داخل حركة فتح بالضفة، ومحاولة صهر الحركة تحت عباءة السلطة وأجهزتها الأمنية، سيدفع لتشكيل حالة تململ متزايد داخلها باتجاه استعادة دورها الوطني، وهذه قد يشكل قلقا على قيادة فتح والسلطة.
– استمرارية الهبة يتطلب شروطا تحفيزية، منها تحقيق أهداف ملموسة بعد “المعركة” الحالية، وبالتالي تعزز ثقة المواطنين بالمواجهة والمقاومة، وتحفزهم أكثر على الاستمرارية.
– هناك توفر لبيئة تدعم وجود قيادة جماعية موحدة، أو ائتلاف شعبي موسع، يمثل القوى والأطر والفعاليات الشعبية والشبابية، يراعى فيها التمثيل المكاني في الضفة والقدس وال48 مع غزة .
– الشعب الفلسطيني وصل إلى قناعة راسخة بفشل نموذج التسوية السياسية السلمية كحل يضمن الحد الأدنى من الحقوق السياسية، وتنكر المجتمع الدولي لهذه الحقوق.
– تطبيع بعض الأنظمة العربية مع دولة الاحتلال، وتهالك المنظومة السياسية الرسمية العربية، تعزز حالة القهر السياسي من جانب، وتعزز الشعور بالمسؤولية الوطنية من الشعب الفلسطيني أكثر.
– الهبة الشعبية كانت على مستوى الوعي الجمعي في مناطق فلسطين كافة، ولأجل القدس، وهو ما يعني تجذراً بالفكر والوعي، وليس ردَّ فعل اعتيادياً.
– هذه المعركة أعطت أملا للشعب الفلسطيني، ومنح الجماهير أفقا للمستقبل، وأعادت المفاهيم الوطنية للمجتمع الفلسطيني والفلسطينيين.
– إشراك الكثير من القوى الشبابية والمجتمع المدني في أي حوارات وطنية داخلية، من شأنها تتحول إلى محرك أساس للفعل الجماهيري، وخلق حالة من التواصل والتنسيق ما بين القوى الشبابية والحراكيين، وما بين قوى المقاومة.
أما تخوفات البعض من تراجع الهبة الشعبية، فيأتي من منطلق:
- عدم توفر توافق وطني فصائلي في توفير غطاء لها قد يؤثر على زخم الهبة، ويؤدي إلى ضعفها وتوقفها في لحظات معينة.
- موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وحركة فتح الرسمي، عدم السماح للهبة بالتواصل؛ خشية من أن يشكل ذلك قوة شعبية لحركة حماس، وخوفا من فقد السيطرة على الميدان.
- الخشية من أن تشكل نتائج الحرب، من تحول في ميزان القوة داخليا لصالح المقاومة، مما يشكل تحدياً جديداً أمام تمثيل الشعب الفلسطيني، والقدرة على قيادة مؤسساته.
- تدخل أجهزة الأمن التابعة للسلطة، من خلال الاعتقالات والمضايقات، قد يساهم في إعاقة استمرار الحراك الشعبي.
- الخطاب السياسي الرسمي الفلسطيني، الصادر عن الرئيس واللجنة التنفيذية، أقل من طموحات الشارع. وعدم الإشادة بالمقاومة، وحقها في الرد والدفاع عن القدس، ومواجهة العدوان، يحدث حالة إحباط جماهيري، وبالتالي احتمالية ضعف التفاعل.
- الاحتلال الإسرائيلي قد يلجأ لحالة تكتيكية بمنطق عدم الصدام المباشر مع الفلسطينيين بالضفة، ومنح بعض الامتيازات أو التسهيلات لامتصاص الغضب الجماهيري، الذي تشكل خلال هذه المرحلة.
ثانياً: مميزات الهبة مايو/ رمضان 2021
اتسمت الهبة التي ابتدأت من القدس المحتلة لتصل إلى الأراضي المحتلة عام48 والضفة وقطاع غزة، والتضامن الدولي معها، بمجموعة من الخصائص لم تجتمع في أي من المواجهات السابقة، وأبرز هذه المميزات:
- شموليتها الجغرافية التي امتدت من النهر إلى البحر، رغم عدم وجود قيادة موحدة توجه وتنظم وتحرك.
- حاضنة شعبية للمقاومة غير مسبوقة، وظهر دعم من بعض قواعد فتح للمقاومة في غزة قائدها محمد الضيف.
- يوم إضراب شامل ينظم لأول مرة منذ العام 1936 وينضبط به الكل الفلسطيني.
- وعي شعبي فلسطيني واسع بأن دولة الاحتلال أعادت للواجهة حقيقة الصراع الوجودي بين الشعب الفلسطيني والحركة الصهيونية.
- تنوع وسائل المشاركة التي لم تكن موجودة سابقاً، عبر السوشال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي.
- البعد الإعلامي والقدرة على إدارتها باقتدارعالٍ، ومتناسق ما بين خطاب المقاومة والناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
- تجاوزت الحدود، فأثرت وتأثرت بمحيطها العربي والإسلامي، بل والعالمي.
- على صعيد المقاومة المسلحة كان هناك انضباط عسكري بشكل لافت جداً، ولم يكن هنالك أي اجتهادات، واستطاعت الغرفة المشتركة التحكم بسير الأمور تماماً.
- آثار مستقبلية أيضاً من المبكر الحكم عليها، مثل قضايا التطبيع التي قد تكون تأثرت جداً بفعل ما حصل مؤخراً، من إعادة إحياء للوعي والسردية الفلسطينية الحقيقية.
- استطاعت الهبة تحريك موقف عربي بالجوار بشكل جيد، وتحديداً مصر والأردن، اللتين تعرضتا لمواقف إسرائيلية متعارضة، وفعل ضد مصلحتهما، من حيث دعم إسرائيل لسد النهضة، ومحاولة سحب الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية، وهذا دفع باتجاه ممارسة الأردن ومصر لأدوار ضاغطة على الاحتلال.
- إعادة المسجد الأقصى لمكانته الطبيعية كمركزية في الصراع، وتحشيد الفلسطينيين في مواجهة العنصرية الإسرائيلية على امتداد فلسطين التاريخية.
- إعادة القضية الفلسطينية إلى الصدارة لدى الشعوب العربية، بعد انكفائها على مشاكلها الداخلية على حساب قضية فلسطين.
- فشل خطاب مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها التهويد، مشروع ترامب “صفقة القرن”، ومشاريع التخلي عن قضية فلسطين عربياً “موجة التطبيع”، ومشاريع نزع الهوية العربية من فلسطينيي الداخل المحتل، شكلاً ومضموناً “الأسرلة والعبرنة”.
- تمثل الهبة فرصة تاريخية للخروج من الأزمة الفلسطينية على الصعيدين الداخلي والخارجي؛ إذ يمكن أن تكون القاسم المشترك الذي ينهي الانقسام، ويحقق الوحدة الوطنية، ويوحد البيت الفلسطيني سياسياً بما ينعكس على الوضع الداخلي.
- جاءت بعد فترة من انسداد الأفق السياسي الفلسطيني وخاصة بعد تأجيل الانتخابات، وتراجع الأمل في إعادة تشكيل المؤسسات الفلسطينية.
- تميزت بالفعل الشعبي الذي يسبق قيادات المجتمع السياسية، وهو ما تم ملاحظته في حراك باب العمود، و ليلة 28 رمضان، وأيضا في الدعوة إلى إضراب الكرامة.
ثالثاً: القدرة على الاستثمار السياسي
عقب انتهاء جولة المواجهة ما بين قوى المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، يطرح على الطاولة سؤالاً مهماً حول قدرة القيادة السياسية الفلسطينية على استثمار النتائج، وتحويلها إلى فعل سياسي لصالح الفلسطينيين. في هذا الإطار يطرح النخبة محورين أساسيين:
الأول: قدرة القيادة السياسية الممثلة بالسلطة الفلسطينية، على استثمار النتائج، كونها الجهة السياسية الرسمية، وفي هذا الإطار يرى الخبراء:
- قيادة السلطة لن تكون معنية باستثمار نتائج المعركة، أو الهبة الشعبية سياسياً من الناحية الاستراتيجية، قد تستثمرها سياسياً لتحقيق بعض المكاسب المصلحية أو الآنية، لأن استثمارها استراتيجيا يتطلب إنتاج حالة نضالية فاعلة، قد تؤثر سلباً على مصالحها التي اكتسبتها بحكم الأمر الواقع بعد تعطيل الحياة الحزبية والسياسية والنضالية، وهذا نتاج رهانها بإدارة وظيفية سقفها الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال الإسرائيلي.
- القيادة السياسية بحاجة إلى تعديل نهجها صوب فعل نضالي شعبي عسكري، فإسرائيل وسياساتها المتعطشة للضم والسرقة والقتل لن تتوقف.
- القيادة السياسية لمنظمة التحرير عجزت حتى الآن عن استثمار قوة وانتصارات وفرص توفرت لها سابقا في الحروب على غزة، ومنها التضامن الشعبي والعالمي والفرص القانونية لإدانة ومحاسبة الاحتلال على جرائمه وبالتالي تنظر لهذه الفرص كمؤثرات زمانية لا استراتيجية.
- قيادة السلطة ومنظمة التحرير، جل ما ستقوم به محاولة استثمار ما يجري لتسويق السلطة ودعمها كأفضل ضامن لاستقرار الشارع، والعودة لمفاوضات حل الدولتين.
- بالنسبة للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، وقيادة فتح قد خسرت الكثير من مكانتها الجماهيرية والشعبية مقارنة بما حققته حماس وقوى المقاومة، وتعزز ذلك من خلال موقف السلطة الفلسطينية الذي لم يرتق لمستوى الحدث.
- الفرصة الأمثل لجني حصاد الهبة الأخيرة والاستثمار سياسيا، يكون ذلك نابعاً من الكل الوطني ولحساب الحالة الوطنية وعدا عن ذلك ستبقى القيادة السياسية الرسمية تدور في ذات الفلك القديم.
- من المهم جدا أن يتم استثمار نتائج العمل المقاوم، من خلال ضمان إجراء الانتخابات الفلسطينية بما في ذلك بمدينة القدس المحتلة، لتجديد الشرعيات، فالشعب لا يحتمل حدوث فراغ في حالة وفاة الرئيس وغيابه عن المشهد السياسي، وعدم دخول جميع الفصائل ضمن منظمة التحرير الفلسطينية.
الثاني: قدرة قوى المقاومة والفصائل على استثمار النتائج، كونها الجهة التي أدارت المعركة بشكل مباشر، وفي هذا الإطار يرى الخبراء:
– قيادة قوى المقاومة تستطيع استثمار النتائج بشكل أكبر إذا ما توافقت على رؤيا وطنية جامعة تتبنى فيها استراتيجية وطنية وقومية، تعبر فيها عن نبض وطموح الشعب الفلسطيني والشعوب العربية.
– إفساح المجال لإيجاد قيادة أو ائتلاف موسع للشباب في الميدان لقيادة العمل النضالي، وفق برامج توافقية، على أن يوفر لها الدعم والخبرات من قبل التنظيمات وقوى المقاومة.
– استثمار جميع الطاقات والتوجهات واللغات والعلاقات، لتحقيق أوسع انتشار ممكن على المستوى الإقليمي والدولي، بهدف رفع وعي شعوب العالم بحقيقة هذا الصراع وعدالته.
– فصائل المقاومة قد لا تستطيع أن تحقق الاستثمار الكافي لنتائج المعركة، خاصة في مناطق الضفة والقدس المحتلة وفلسطين48، نظرا لضعف الحضور التنظيمي بسبب سياسات الاحتلال من جانب والسلطة الفلسطينية من جانب آخر.
رابعاً: قدرة المقاومة على التمثيل الرسمي
إدارة حركة حماس، وقوى المقاومة للمعركة والمواجهة وقدرتها العالية في التحكم بمجرياتها، طرح تساؤلا إن كانت هذه التجربة تؤهلها للحديث باسم الشعب الفلسطيني والحوار مع القوى الإقليمية والدولية؟ وفي هذا الإطار يرى الخبراء:
- فيما يتعلق بقيادة الشعب الفلسطيني والتحدث باسمه والتواصل العالمي، فهناك محددات يجب التنبه لها، أولها عدم تكرار تجربة التفرد بالقرار السياسي، كما حدث مع حركة فتح ومنظمة التحرير، الثاني عدم اختيار طرق لا تحظى بالإجماع الفلسطيني.
- لا بد من صيغة لقيادة سياسية توافقية ترضي الجميع، وبمظلة قانونية وسياسية مقبولة إقليمياً ودولياً. وتمثل الكل الفلسطيني.
- المقاومة ودعم الجماهير لها يعطيها شرعية لتمثيل الشعوب، ولكن لا يمكن لحماس وفصائل المقاومة وكن هذا لن يمكنها منفردة في التعاطي مع الأطراف الإقليمية.
- حماس لم تعمل منفردة سابقا، لا في ساحة العمل المقاوم في غزة، ولا الساحة السياسية، لذلك هي تؤمن بالشراكة.
- هذه المواجهة أعطت حماس مكانتها للتحدث بقضايا وطنية أكثر شمولية، ففي السابق كان حديثها ينحصر أكثر في القضايا التي تتعلق بقطاع غزة، اليوم تدخل ملف القدس تحت إطار حديثها، وتتحدث عن الضفة والشيخ جراح، وهذا يمنحها دورا سياسيا أكثر قوة وشمولية.
- المقاومة في غزة فرضت حماس لاعبا أساسيا، وأصبحت جميع الأطراف إقليميا ودوليا، تدرك أنه لا يمكن تجاوزها، والمعركة الأخيرة أعطتها احتراماً واسعاً وشرعية شعبية في معظم مناطق فلسطين والشتات. القوى الإقليمية ومن ورائها الدول الغربية تعمل بكل قوتها لمنع حماس من أخذ دورها في إدارة الشأن الفلسطيني، أو التحدث باسم شعبها وتمثيله. ولكن في نفس الوقت يدرك الغرب من خلال الحرب الأخيرة أنه لا يمكن المضي بأي مشروع سياسي دون موافقة حماس، وربما تفتح أمريكا خطاً سياسياً معها بالتعاون مع قطر وتركيا، في محاولة لإدارة ما تعتبره أزمة الشرق الأوسط.
- حماس يمكنها التحدث باسم الشعب الفلسطيني في ظل بقاء حالة الانقسام. ولكن هذا الاعتراف له ثمن باهظ يرتبط بالاعتراف بإسرائيل، ونزع سلاح المقاومة، بالتالي المدخل الوحيد هو ضمان إجراء الانتخابات، ودخول حماس للمشهد السياسي من خلال المؤسسات المنتخبة.
- الشعب الفلسطيني يعيش حالة إحباط ويأس كبيرين من المشهد والواقع السياسي، بعد إلغاء الرئيس للانتخابات، التي كان من المفترض أن تُحدث تغييراً على المشهد، وهذه الهبة أظهرت تميزاً لحركة حماس، وخصوصا الأداء النوعي في إدارة المعركة، ما شكل قناعة جديد لدى الجماهير بإمكانية أن تتحدث حماس باسمهم.
- حماس لا تسعى إلى دور متفرد لتمثيل الفلسطينيين سياسيا، فما قدمته من تنازلات في الحوارات الوطنية، يدل على رغبة الحركة في الشراكة في إدارة الشأن الوطني.
- هناك صعوبات تواجه حركة حماس فيما يخص الحوار مع قوى دولية أو إقليمية، وفي مقدمتها أنها حركة مدرجة على قائمة الإرهاب لدى أمريكا، ومعظم الدول الأوروبية، وحتى في دول عربية.
- لن تقبل قيادة السلطة للمقاومة قيادة الشعب الفلسطيني، لأنه يتعارض مع ما تؤمن به من سياسات ، وهناك خوف جدي في أن يؤدي هذا التنافر إلى صدام جديد بين السلطة وقوى المقاومة.
- جانب التميز بإدارة المعركة. تحتاج قوى المقاومة لشرعية الصندوق التي ستعطيها دفعة قوية نحو تمثيل أكثر قبولا سياسيا، مع الأخذ في الحسبان أن تكون هذه الانتخابات لدخول حماس لمنظمة التحرير. وأيضا اذا لم تقدم حماس دعما لبرنامج سياسي يحظى قبولا دوليا، فإن القوى الدولية لا يمكن أن تسهم في شرعنة تمثيل حركات أو فصائل تعتبرها إسرائيل معادية لها، حتى وإن جاءت هذه القوى عن طريق انتخابات شرعية.
- لدى حماس علاقات مع بعض الدول لكن رغم ذلك ستتعزز قوتها وشعبيتها وجماهيريتها بعد هذه المرحلة، ولكنها لن تطرح نفسها كممثل منفرد عن الشعب، وهذا ربما يؤهلها مستقبلا لتكون العنصر الأكثر تأثيرا في الحالة الفلسطينية.
خامساً: أداء منظمة التحرير
باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا للكل الفلسطيني، وفي ظل الهبة الجماهيرية التي شارك بها الكل الفلسطيني، أثير تساؤل عن أداء منظمة التحرير وتقييمه أثناء المواجهة، وما المطلوب من منظمة التحرير في الأيام القادمة؟ وطرح الخبراء ما يلي:
- أداء منظمة التحرير خلال الحرب و الهبة الأخيرة ضعيف ولا يرقى لطبيعة المعركة ودماء الشهداء وأمانة القدس والأقصى، ولم تعبر عن الهم الوطني الجامع.
- التفرد بقيادة منظمة التحرير يعارض مبدأ الإيمان بالشراكة السياسية وهذا ربما منبعه الخوف من الشعبية القوية التي تتمتع بها المقاومة.
- المنظمة همشتها اتفاقيات أوسلو لصالح السلطة، ويتم استحضارها في المناسبات القليلة. وقد زاد هذا التهميش في السنوات الأخيرة إلى درجة أنك تشعر بأنها في حالة موت سريري.
- تركيبة منظمة التحرير وصنع السياسة داخلها تجعل من الصعب تميز لجنتها التنفيذية عن اللجنة المركزية لحركة فتح.
- تمثيل الفصائل بالمنظمة لا يعبر عن حجمها على أرض الواقع بالتالي هي شريك بالصمت مقابل بقاء تدفق المخصصات المالية لها، وبعض الامتيازات الوظيفية لأعضائها.
- لا بد من إعادة بناء واختيار لجنة تنفيذية جديدة، وتشكيل قيادة موحدة تمثل الفصائل العاملة، ويجب أن يحل المجلس الوطني ويستعاض عنه بتشكيل مجلس مركزي بناء على تفاهمات بيروت 2017.
- من الواجب على قيادة منظمة التحرير كبداية العمل على فك الحصار عن غزة، وإمداد القطاع بما يحتاجه من مواد غذائية ودوائية، والقيام بحملة إعلامية تنحاز فيها إلى أبناء شعبها تفضح من خلالها جرائم الاحتلال. والقيام بعمل دبلوماسي يحرص على جلب الدعم والتأييد للقضية الفلسطينية، وتوضيح حقيقة الأمور التي تجري.
- مطلوب من قيادة منظمة التحرير توسيع قاعدة المشاورات التي تخص الحالة الفلسطينية من النواحي كافة؛ سياسيا ودبلوماسيا على أن تشمل هذه المشاورات أيضا القوى من خارج المنظمة.
سادساً: الشراكة باستثمار النتائج
أهمية التنسيق ما بين قيادة حماس وفتح لما بعد الحرب أمر مهم لتحديد الأهداف المرجوة من هذه الحرب، وفي ذلك مصلحة وطنية عليا، وهذا ما يعززه الخبراء انطلاقا من:
- من المصلحة الوطنية أن تعمل قيادة حماس لإنجاز أهداف هذه الحرب بالتعاون مع قيادة حركة فتح. فحماس تؤمن بالشراكة، وتسعى لوجود أطراف قوية في الساحة الفلسطينية تتشارك معها القول والفعل.
- أهمية التنسيق ما بين قيادة حماس وفتح لما بعد الحرب أمر مهم؛ لتحديد الأهداف المرجوة من هذه الحرب، وفي ذلك مصلحة وطنية عليا، لأن حركة فتح تمثل النظام السياسي الرسمي، وبوصلة حماس بهذه الحرب حماية القدس والشيخ جراح، وهذا يحتاج تكاملية بين الأطراف.
- هناك إشكالية بمفهوم التعاون والشراكة؛ كون البرنامج الذي تقوم عليه وتعمل على تنفيذه حركة فتح لا يتوافق مع البرنامج الذي تعمل عليه حركة حماس، ولا يمكن للمنهجين التلاقي بأمر استراتيجي، ربما يكون هناك تعاون مرحلي.
- من الحكمة عدم استبعاد أي من الأطراف أو التفرد بالعمل السياسي، فالعمل السياسي يختلف عن العسكري.
- في العمل السياسي، لا سيما تحت الاحتلال، كلما كان هناك جهود مشتركة وتعاون بين القوى السياسية، تحققت إنجازات أفضل.
- اي تحرك نحو الشراكة يعتمد على حركة فتح. ومدى قدرتها التحرر من قيود السلطة والتزاماتها؛ لتستثمر إنجازات المعركة وتحقق أهداف المقاومة، ورغبة الجماهير، ومشاركة إنجاز ما حققته قوى المقاومة؟
- من الحكمة لحماس الآن أن تذهب إلى إشراك الجميع في نتائج هذه الجولة، وما بعدها والانفتاح على الآخرين خصوصا حركة فتح، لأن ذلك من شأنه أن يزيل الكثير من المخاوف ويبددها، بدل أن تستأثر على القرار والانفراد فيه.
سابعاً: ما المطلوب من الرئيس عباس؟
يتفق الخبراء على أنه كان يتوجب على الرئيس محمود عباس وقيادة منظمة التحرير دعم تحرك المجتمع الفلسطيني وهبتهم سياسياً وماليا وإعلاميا بدءاً من أحداث القدس، وما تلا ذلك من عدوان على قطاع غزة، وبالتالي يقترح الخبراء مجموعة مطالب يمكن العمل عليها تتمثل في:
- العمل على تشكيل قيادة تتبنى استراتيجية جديدة لإعادة صياغة المشروع الوطني على أسس وطنية جامعة، خياراته مفتوحة ومتنوعة، فحتى حركة فتح وصلت لقناعة أن نموذج التسوية السياسية السلمية لم يعد واقعياً بعد أن كان يمثل “الواقعية”.
- على “فتح” والرئيس عباس أن يصارح شعبه بفشل نموذج التسوية، بعد ما يقرب من ثلاثة عقود على تبنيه، فهذا النموذج لم يستطع الإجابة على أي تساؤل سياسي أو نضالي، ولم يعد قادراً على حل أي إشكال.
- الرئيس أبو مازن لديه حكومة ووزراء ومستشارون وسفراء، ويملك من الوسائل السياسية والإمكانيات والفعل الدبلوماسي ما لا يمكن حصره لمساندة شعبه ومواجهة العدوان، وبالتالي كان بالإمكان تشكيل خلية لإدارة الأزمة منذ اليوم الأول للعدوان، ويصدر تعليماته للسفراء الذين يمثلون شعبنا في الخارج بتكثيف التحرك الدبلوماسي والشعبي لشرح المظلومية الفلسطينية، وحقيقة العدوان على غزة والقدس وأسبابها وعدالة القضية.
- إطلاق حوار وطني شامل للعمل بأكثر من مسار: إنجاز الانتخابات التشريعية والرئاسية، ودخول جميع الفصائل في منظمة التحرير الفلسطينية، والأهم الاتفاق على استراتيجية عمل سياسية ونضالية مستقبلية تلقى دعم القوى والأحزاب الفلسطينية جميعا، ودون استثناء.
- منح شرعية للمقاومة في غزة والضفة، وهذه الشرعية تكون بالخطاب الإعلامي والسياسي، وفي اللقاءات مع السياسيين الدوليين.
- وقف التنسيق الأمني، ووقف أي عمليات ملاحقة على خلفية النضال ضد الاحتلال، وهذا بالضرورة لن يحدث دون ضمانات أكيدة بعدم استغلال السلاح في الشأن الداخلي.
- الدعوة لمؤتمر عاجل لإعمار قطاع غزة، مع الضغط على أميركا وإسرائيل لتحملا جزءا من تكاليف عملية الإعمار.
- زيارة قطاع غزة بأسرع وقت ممكن؛ للاطلاع على الأوضاع، ولرفع معنويات الشعب ضحية العدوان والقهر والحصار.
الخلاصة
بلا شك شكلت المواجهة الحالية مع الاحتلال خطوطا فاصلة عما سبقها من مواجهات، وهذا ربما سينعكس على الكثير من القضايا مستقبلا فيما يتعلق بالشأن السياسي والميداني فلسطينيا.
ويستذكر الخبراء كيف أن هذه المرحلة تتقاطع في بعض أوصافها بالمرحلة التي شهدتها معركة الكرامة في العام 1968، حيث برزت سيطرة فتح على منظمة التحرير وقيادة المشروع الوطني بعدما استمدت شرعيتها عبر فوهة البندقية، بعد معركة الكرامة، وبقيت متصدرة قيادة الشعب الفلسطيني، لكن انخراط فتح في خيار التسوية السلمية دفعها للتراجع عن قيادة نهج الكفاح المسلح، والذي تقدمت به فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى، على رأسها حركة حماس وجناحها العسكري، ما يعني أن المواجهة الأخيرة يمكن أن تشكل رافعة لحماس لدخول منظمة التحرير أو تشكيل قيادة جديدة تكون حماس عنصر أساسي فيها.
وعلى الرغم من أن إثبات قوى المقاومة وحركة حماس قدرتها العالية على إدارة المعركة، فإن المراقبين يتوافقون على ضرورة أن يكون هناك عنوان شمولي للمرحلة المقبلة، يتمثل في الشراكة السياسية من خلال قيادة فلسطينية موحدة، تشمل أيضا فلسطينيي الداخل، على الأقل لتوجيه الشعب، وللضغط باتجاه تحقيق أي مصلحة أو إنجاز سياسي. وأن لا تتولى قيادة المقاومة قيادة الشعب الفلسطيني في مرحلة شديدة الحساسية، ستكون فيها المقاومة تحت ضغوط المساومة على سلاحها، ولعدم الوقوع في مصيدة الحكم وتبعاته.
[1] – استطاع فريق الإعداد مناقشة المحاور مع قائمة من الشخصيات السياسية والأكاديمية والنشطاء، والتي تضم:
- أمجد بشكار، باحث في التنمية السياسية، وناشط سياسي
- ايمن دراغمة، باحث في الشأن السياسي، وعضو مجلس تشريعي سابق
- أيمن يوسف، أستاذ العلوم السياسية، الجامعة العربية الأمريكية
- بلال الشوبكي، رئيس قسم العلوم السياسية، جامعة الخليل
- زياد عمرو، رئيس قائمة حراك طفح الكيل
- عبد الرحمن زيدان، وزير وعضو بالمجلس التشريعي سابقا.
- عبد السلام عواد، باحث وإعلامي ومؤرخ
- عدنان أبو عامر، أستاذ العلوم السياسية، وباحث في الشأن الإسرائيلي
- عصمت منصور، قيادي في الجبهة الديمقراطية وعضو المجلس الوطني
- عيسى عمرو، ناشط حقوقي ومشارك في تأسيس شباب ضد الاستيطان
- سعيد أبو معلا، أستاذ الإعلام في الجامعة العربية الأمريكية
- صلاح الدين أبو حسن، أستاذ الإعلام في جامعة الخليل
- صهيب زاهدة، ناشط في الحراك العمالي الفلسطيني
- ماجدة فضة، باحثة وناشطة سياسية
- ماهر سمارو، أسير محرر وباحث في الشأن الفلسطيني
- مادلين حلبي، باحثة في الشأن السياسي/ غزة
- محمد حجاز، باحث بالشأن السياسي، طولكرم
- محمود خلوف، أستاذ الإعلام، الجامعة العربية الأمريكية
- مروان الأقرع، رئيس مركز التاريخ الفلسطيني للدراسات والأبحاث
- معمر الخولي، باحث في الشأن السياسي، فلسطيني مقيم في الأردن
- مؤمن بركة، باحث في العلاقات الدولية، غزة
- فارس أبو الحسن، محامٍ وناشط حقوقي
- فيصل صباح، باحث ومحاضر في الجامعة العربية الأمريكية
- نادر صوافطة، قيادي وناشط سياسي
- وديع عواودة، كاتب وإعلامي، الجليل، فلسطين المحتلة عام48