“العامل الذاتي الفلسطيني رافعة الانتصار في مواجهة مشروع الضم وصفقة القرن والتطبيع العربي”
حلمي الأعرج
مدير مركز الدفاع عن الحريات
اتفاق التطبيع الإماراتي مع دولة الاحتلال برعاية أمريكية والذي أُعلن عنه في 13/8/2020، اعتبره الشعب الفلسطيني طعنة في الظهر وخيانة للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية ونسفاً لمبادرة السلام وقرارات القمم العربية والإسلامية والشرعية الدولية، وتدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية الفلسطينية، لما ينطوي عليه من نوايا لتغيير القيادة الفلسطينية وإيهام الرأي العام العربي والعالمي وتضليله بأن الاتفاق أبرم لصالح الشعب الفسطيني مقابل وقف تنفيذ مشروع الضم، الأمر الذي نفاه نتنياهو بعد ساعات قليلة من الإعلان عن الاتفاق المشؤوم، قائلاً أن قرار الضم ما زال على طاولة الحكومة الإسرائيلية.
الاتفاق وقرار إلغاء المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل يلحقان ضرراً كبيراً بالمصالح الوطنية والقومية لشعب الإمارات، كما الشعب الفلسطيني، ويصبان في مصلحة حكام الإمارات ومصلحة الإدارة الأمريكية وترامب في معركته الانتخابية في نوفمبر القادم، وفي مصلحة نتنياهو ومحاولة إنقاذه من مأزقه الداخلي، وتداعيات الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تعصف بدولة الاحتلال بفعل جائحة كورونا، ودخول الاقتصاد الإسرائيلي مرحلة ركود لم تشهدها دولة الاحتلال منذ أربعين عاماً كما أعلن عن ذلك الجهاز المركزي للإحصاء الإسرائيلي.
مخاطر الاتفاق بمضمونه وتوقيته أنه محاولة لزعزعة الموقف الفلسطيني الموحد، الذي أجبر نتنياهو وترامب على تأجيل تنفيذ القرار، وتفكيك الإجماع الدولي الذي تحقق في مواجهة مشروع الضم وبلغ حد التلويح باتخاذ إجراءات بحق دولة الاحتلال إذا هي أقدمت على هذه الخطوة، والأهم أنه يهدف إلى تشجيع دول عربية أخرى لتطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي كل الأحوال فإن ما أقدمت عليه دولة الإمارات يعد خطأ استراتيجياً فادحاً، ألحق ضرراً كبيراً بنضال الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وبالقدس عاصمة العرب والمسلمين وبالأقصى قبلتهم الأولى، وهو بمثابة إعلان صريح بالتسليم ببقاء الاحتلال جاثماً على الأرض الفلسطينية والتغطية على جرائمه وانتهاكاته الجسيمة للقانون الدولي والدولي الإنساني والشرعية الدولية.
وأبعد من ذلك فالاتفاق الذي جاء بإسرائيل ليوطّنها في الخليج العربي بكل ما يعني ذلك من خطر يهدد الأمن القومي العربي، وتسعى دولة الإمارات في خطوة مكشوفة ومدانة لاستبدال العدو الإسرائيلي بالعدو الوهمي إيران، مقابل وعود بشراء أسلحة أمريكية متطورة وإطلاق يدها في ليبيا واليمن ومناطق أخرى، حتى لو كان ذلك عل حساب القضية الفلسطينية، وهو ما يقوّض ادعاء الإمارات بأن قرارها بالتطبيع هو قرار سيادي، لأن السيادة تعني في جوهرها الوطنية والقومية والأممية، والاتفاق يطعن في كلها ويلحق الضرر بجميعها، وأي من هذه العناوين الثلاث لا يقبل المساس بحقوق ومصالح الآخرين، فكيف عندما يمس في الجوهر وفي الصميم بحقوق شعب تربطه علاقة الأخوة والانتماء القومي والديني بشعب الإمارات، ويناضل منذ أكثر من قرن من الزمن ضد الاستعمار والاحتلال، وضحّى بحياته من أجل حريته المقدسة ودفاعاً عن الأمة العربية وأوطانها ضد الغزو الصهيوني.
وبهذا المعنى، فإن القرار السيادي الذي يكون على حساب الحقوق والتطلعات الوطنية للشعب الفلسطيني، ويناقض قرارات القمم العربية والإسلامية والشرعية الدولية ليس قراراً سيادياً، إنما هو تدخلاً سافراً لحكام الإمارات في شؤون الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية وتطاولا على حقوقه ومقدساته، وهو مرفوض ومدان ولن ينطلي على أحد. ولا بد من الإشارة بأن الضرر الذي سيلحق بالقضية الفلسطينية جراء هذا الاتفاق ما لم يتم التصدي له وإفشاله ووقف تداعياته، يتجاوز الضرر الذي لحق بها منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 “ويدّعون أنه قرار سيادي”.
في ضوء انهيار النظام العربي الرسمي والوهن الذي حلّ بالجامعة العربية، والتخلي عن القضية الفلسطينية إذعاناً للسياسة الأمريكية المتصاعدة في عدوانها على الشعب الفلسطيني، وتحالفه العلني مع الإدارة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي، لإرغام شعبنا وقيادته منظمة التحرير الفلسطينية على الرضوخ والتسليم بمخططات الضم وصفقة القرن، فإن شعبنا لن يقف مكتوف الأيدي وسيتصدى بجدارة لهذه المشاريع التصفوية وينهض من جديد ليفاجئ أعداءه ويبهر أصدقاءه والعالم، باستعداده النضالي العالي في الدفاع عن حقوقه وتطلعاته الوطنية المشروعة.
وهو يدرك أن الرهان على النظام العربي الرسمي أصبح من الماضي، وأن رهانه كان وما زال على الشعوب العربية والإسلامية التي تحمل القضية الفلسطينية بين ضلوعها وفي وجدانها وتتحد معه في المصلحة القومية ضد السياسة الأمريكية في المنطقة، وأن التطورات المتلاحقة والمخاطر الكبيرة التي تهدد قضيته، تدفعه لإعادة حساباته وتقييم علاقاته مع هذا النظام واستخلاص الدروس من مسار أوسلو، والاعتماد على نفسه وقدراته في صراعه مع الاحتلال، وفي معركته الشاملة معه متسلحاً بعدالة قضيته وحقه التاريخي في وطنه وبالشرعية الدولية.
والمطلوب في هذا السياق، الإسراع في ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وحيث أمكن المجلس الوطني، وإنهاء الانقسام وبناء الوحدة الوطنية، وتطوير الشراكة السياسية، وتعزيز دور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا ببرنامجها الوطني الإجماعي، لتعزيز العامل الذاتي وتطويره وتفعيل عناصر قوته إلى أقصى مدى باعتباره الرافعة النضالية لشعبنا، وصمام الأمان لقضيتنا، والضمان لحماية حقوقه الوطنية، وتبني استراتيجية وطنية شاملة ترتكز في جوهرها على تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي، وتعزيز صمود شعبنا في مواجهة الاحتلال. ودون التقليل من أهمية القرار الذي اتخذته القيادة الفلسطينية في 19/5/2020 بوقف التنسيق الأمني، والتحلل من الاتفاقيات الموقعة مع دولة الاحتلال، فإن هذه الخطوة لم ترقَ إلى هذه الاستراتيجية التي تستدعي قطع العلاقة مع الاحتلال، والتحلل الكامل والفعلي من الالتزامات والاتفاقات الموقعة معه، وإطلاق العنان للحركة الجماهيرية وتفعيل المقاومة الشعبية، ولكنها خطوة إلى الأمام في سياق تطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي، وتزيد من مساحة القواسم المشتركة لإعادة بناء الإجماع الوطني على أساس سياسي قد تمتد إلى المواجهة الشاملة مع الاحتلال وصفقة القرن، ويجب البناء عليها بخطوات جدية تضفي المصداقية على هذه القرارات في سياق المعركة الوطنية الشاملة مع الاحتلال، وليس بخطوات تكتيكية يمكن التراجع عنها عند تحقيق الغرض منها، لما لهذا التراجع من تأثيرات سلبية على الشارع الفلسطيني وارتدادات على الصعيدين الوطني والدولي، ومن أهمها سحب الاعتراف، ومقاطعة البضائع الإسرائيلية، وبناء الوحدة الوطنية لاستنهاض الحركة الجماهيرية، وتعزيز دورها في تصعيد المقاومة الشعبية على طريق الانتفاضة والعصيان الوطني الشامل، لإسقاط صفقة القرن ومخططات الضم والتطبيع العربي.
وقد هيأت هذه القرارات الأرضية السياسية لإعادة بناء الإجماع الوطني، ومهدت الطريق لانعقاد اجتماع الأمناء العامين الذي التأم على حلقتين في رام الله وبيروت، ليعكس وحدة شعبنا الراسخة، ووحدة موقفه في مواجهة صفقة القرن ومخططات الضم والتطبيع، ووجه رسالة قوية لأعداء شعبنا مفادها أن كل محاولات تصفية قضيته لن تمر وستتحطم على صخرة صموده ووحدته الوطنية والميدانية في الوطن والشتات، وجاءت مداخلات الأمناء العامين والرئيس أبو مازن متقاربة في العناوين الرئيسية كافة، وآليات الخروج من مأزق الحالة الفلسطينية الراهنة. وساد الاجتماع أجواءً إيجابية عكست مساحة من التفاؤل الحذر في الشارع الفلسطيني لما تضمنه البيان الختامي من قرارات تدعو لتشكيل لجنة متابعة ذات صلاحيات تضم جميع الفصائل وشخصيات وطنية تقدم رؤيتها الشاملة لإنهاء الانقسام، وترتيب البيت الفلسطيني، والالتفاف على استراتيجية النهوض بطاقات شعبنا وزجها في مجابهة المشاريع التصفوية، وتشكيل قيادة وطنية موحدة تتولى قيادة فعاليات المقاومة الشعبية ضمن سقف زمني محدد.
وبما أن العبرة في التطبيق، فإن الأيام والأسبابيع القليلة القادمة ستحمل معها إجابات على التساؤلات الأساسية والجوهرية التي ينتظرها شعبنا بفارغ الصبر، للخروج من الأزمة الراهنة والرد على المخاطر المحدقة بالقضية الوطنية، ومواجهة صفقة القرن ومشاريع الضم والتطبيع العربي.
إن الإجماع الوطني الفلسطيني على أهمية العامل الذاتي وضرورة إنضاجه، باعتباره العامل الحاسم في المعركة الفاصلة في تحقيق الانتصار التي يخوضها شعبنا في هذه المرحلة المصيرية على الأرض، وفي الميدان لإسقاط مشروع الضم وصفقة القرن، والقادر على إحداث التغيير في موازين القوى، وتحشيد التأييد الدولي الرافض لهذه المشاريع واستنهاض طاقات الشعوب العربية وأحزابها وانخراطها في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وحماية أمنها القومي من العبث والفوضى، والتصدي للسياسة الأمريكية التي تسعى لإحكام هيمنتها وسيطرتها على المنطقة لنهب ثروات شعوبها والنيل من استقلالها وسيادتها الوطنية، وفرض دولة الاحتلال الإسرائيلي كقوة اقليمية في منطقة الشرق الأوسط من خلال تمرير صفقة القرن والحل الإقليمي والتطبيع العربي، الأمر الذي يعزز أرضية النضال المشترك الفلسطيني والعربي في مواجهة الأخطار، والتحديات التي تهدد القضية الفلسطينية، ومصير الأمة العربية وشعوبها.
لا تعبر المقالات المنشورة بالضرورة عن رأي مركز رؤية.