المشهد الإسرائيلي مارس/آذار 2022

د. عدنان أبو عامر

لتحميل الملف اضغط هنا

مقدمة:

شهدت دولة الاحتلال خلال شهر مارس العديد من التفاعلات السياسية والأمنية والعسكرية، داخليا وخارجيا، بما جعله شهرا مزدحما بهذه التطورات، التي انعكست بدورها على “الإسرائيليين” أنفسهم من جهة، وعلى محيطهم العربي والإقليمي من جهة أخرى، لا سيما الهجمات الفدائية التي وقعت في قلب المدن الفلسطينية المحتلة عام 48، وما تبعها من تحركات أمنية وعسكرية متلاحقة في الثلث الأخير من الشهر الذي شكل بدوره ذروة أحداث الشهر في دولة الاحتلال.

في الوقت ذاته، ما زالت الحرب الأوكرانية الروسية تلقي بتأثيرها المختلف على المشهد “الإسرائيلي”، سواء ما تعلق منها باستمرار الوساطة “الإسرائيلية” بين الطرفين المتحاربين، أو الجهود “الإسرائيلية” الجارية؛ لاستيعاب آلاف المهاجرين الأوكرانيين، فضلا عن الانحياز “الإسرائيلي” التدريجي للموقف الغربي عمومًا.

شهدت العلاقات التطببعية العربية “الإسرائيلية” قفزة نوعية في مارس من خلال انعقاد قمة النقب، بدعوة “إسرائيلية” لعدد من وزراء الخارجية العرب، الذين تداولوا مع مضيفهم مسألة إقامة حلف إقليمي لمواجهة ما أسموها “التهديدات المشتركة”، وسط غياب كامل للقضية الفلسطينية عن بساط البحث.

 

  • الهجمات الفدائية

سيطر المشهد الأمني على الساحة “الإسرائيلية” في مارس المنصرم، في ضوء اندلاع جملة عمليات فدائية فلسطينية نوعية ومتزامنة، أعادت بدورها مارس الأسود” 2002 و1996″ إلى أذهان “الإسرائيليين”؛ بسبب الهجمات العشرة الأخيرة، التي سقط فيها 11 قتيلا، وعدد من الإصابات، وتبعها استنفار أمني غير مسبوق منذ سنوات طويلة، واستدعاء للاحتياط، واعتقالات مكثفة.

حملت هذه الهجمات جملة من الحيثيات التي لم تكن حاضرة لدى صانع القرار “الإسرائيلي” بمختلف مستوياته السياسية والأمنية والعسكرية، لعل أهمها عنصر المفاجأة الجغرافي، ففي حين توجهت أنظار “الإسرائيليين” نحو الضفة الغربية والقدس المحتلة لكونهما وجهة الأحداث الأمنية المتوقعة وبؤرتها، من خلال استمرار عمليات الطعن والدعس وإطلاق النار، جاء انفجار هذه الأحداث داخل فلسطين المحتلة 1948؛ ليشكل مفاجأة مذهلة من العيار الثقيل لدولة الاحتلال.

تعد الأريحية الزمنية التي واكبت تنفيذ هذه العمليات، حيثية أخرى لا تقل أهمية عن المفاجأة الجغرافية، فالحديث يدور عن 3 هجمات دامية، أوقعت عشرة قتلى “إسرائيليين”، خلال أسبوع واحد في الثلث الأخير من مارس، رغم أن دولة الاحتلال عاشت استنفارًا أمنيًا قل نظيره في السنوات الأخيرة، مما خلق تساؤلات  لم يحل بعضها عن سبب هذه السلاسة في انتقال العمليات من بئر السبع جنوبا إلى الخضيرة شمالا إلى تل أبيب في الوسط!، هذه الحيثية بالذات طرحت أسئلة قاسية، لم يجد “الإسرائيليون” إجابات شافية لها: فهل تلقى المنفذون مساعدة من أحد، ومن هو، ولماذا لم ينجح الجيش وقوات الأمن في إحباط العمليات قبل وقوعها، وما هو السبب في تركيز العمليات على الجبهة الداخلية “الإسرائيلية”، وليس الضفة والقدس، أم أننا أمام توزيع أدوار جغرافية لهذه العمليات، وهل الأمر محض صدفة أم أن هناك أحد ما، في مكان ما، يوجه ويخطط ويمول، ولماذا يقع الرادار “الإسرائيلي” عليه؟

واكبت هذه العمليات مسألة ثالثة تمثلت في استعادة مفردات، ظنت أجهزة الأمن “الإسرائيلية” أنها غادرتها منذ زمن، وهي: الإخفاق والفشل والانتكاس، وهي مصطلحات غالبا ما دأب على تكرارها “الإسرائيليون” في توجيه انتقاداتهم إلى مؤسستهم الأمنية والعسكرية، حين تحولت جبهتهم الداخلية التي يفترض أن تكون آمنة إلى ساحة مستباحة للمقاومة الفلسطينية، وقد تمثل ذلك بارتفاع الطلبات “الإسرائيلية”؛ لاقتناء الأسلحة بـنسبة 700%، بواقع 430 طلبًا، مقارنة بـ60 طلبًا الذي يعد المتوسط اليومي لطلبات الحصول عليها، ولعل هذه العمليات شكلت انتكاسة خاصة لرئيس جهاز الأمن العام-الشاباك الجديد “رونين بار”، الذي لم يمض على تعيينه سوى ستة أشهر، حتى باغتته هذه العمليات ببداية محبطة!

ارتبط عامل رابع بهذه العمليات ذات البعد الأمني البحت، ما تزامن من انعقاد قمة النقب التطبيعية، ومفاده أن كل هذه الحراكات التطبيعية لن تلغي حقيقة الصراع القائم على الأرض، ولن يكون بإمكانها تغيير حقائق المواجهة القائمة بين الاحتلال والشعب الفلسطيني، حيث شكلت العمليات ردًا فلسطينيًا حقيقيًا عليها، ممهورا  بتوقيع دماء الشهداء الفلسطينيين والقتلى “الإسرائيليين”، ، مع العلم أن هذه القمة أظهرت تهميشًا لا تخطئه العين للقضية الفلسطينية، سواء من حيث عدم مشاركة السلطة الفلسطينية بها، أو عدم التطرق إليها في البيان الختامي للقمة.

هناك نقطة بدت لافتة في التعامل “الإسرائيلي” مع العمليات الأخيرة، على غير مثيلاتها السابقة، فقد تعمدت أجهزة أمن الاحتلال أن تربط هذه الهجمات بتنظيم الدولة- داعش وبصورة مبكرة، وقبل انتهاء التحقيقات التي تأخذ بالعادة وقتًا لا يقل عن أيام معدودات على الأقل، صحيح أن هناك بعض الإشارات الخاصة ببعض المنفذين التي ربطتهم بالتنظيم في سنوات سابقة، خاصة على صعيد اعتناق أفكاره، دون الالتحاق بصفوفه تنظيمياً، لكن التنظيم اليوم ليس له وجود عملياتي داخل فلسطين المحتلة، باعتراف عدد من الخبراء الأمنيين “الإسرائيليين” أنفسهم، ويدفع هذا الأمر للاعتقاد بأن مسارعة “إسرائيل” لتحميل التنظيم مسؤولية بعض العمليات، أريد به تحريض دول المنطقة، المشارك بعضها في قمة النقب، على هذه العمليات، وربطها بداعش، التي اكتوت بنيران هجماته الدامية، ولعل ذلك بدا لافتا من صدور إدانات سياسية عالية المستوى من بعض دول المنطقة للعمليات، على غير العادة!

 

  • قمة النقب

عاشت الآلة الدبلوماسية “الإسرائيلية” شهرا مزدحمًا في مارس، في ظل تسارع الأحداث السياسية المتلاحقة، داخليا في “إسرائيل”، أو إقليميا مع الدول العربية ودول المنطقة، وصولًا للساحة الدولية، مما يعطي إشارة عن حراك “إسرائيلي” مكثف يتجاوز حدود الدولة، ومساحتها المتواضعة، في ضوء تشعبات علاقاتها السياسية الإقليمية والدولية.

شكلت قمة النقب التطبيعية المنعقدة يوم 28 مارس، قمة جبل الجليد التي كشفت النقاب عما يدور في الخفاء من اتصالات سياسية ودبلوماسية وأمنية وعسكرية بين دولة الاحتلال من جهة، والدول العربية التي حضرت قمة النقب من جهة أخرى، خاصة مصر والمغرب والإمارات والبحرين، فضلا عن الضيف الأمريكي، وقد صدرت تصريحات فضفاضة قبل وخلال وبعد انعقاد القمة المذكورة، ربما لسرية ما بحثه الوزراء المجتمعون، لكنها في الوقت ذاته تركت جملة ملاحظات لابد من التطرق إليها، رغم النزر اليسير الذي تسرب منها، لعل أولها نقطة مهمة جدًا، لا تكاد تجد اهتمامًا عند القارئ العربي، وربما صانع القرار أيضا؛ عقدت قمة النقب ضمن عوامل أخرى؛ لتلبية حاجة “إسرائيلية” داخلية ترتبط أساسًا بالمضيف صاحب الدعوة، وهو “يائير لابيد” وزير الخارجية ورئيس الحكومة بالإنابة، خاصة وأن الحراك “الإسرائيلي” مع الجانبين الفلسطيني والعربي لم يكن حاضرا فيه بقدر ما حضر رئيسه “نفتالي بينيت” وشريكه وزير الحرب “بيني غانتس”، اللذان واظبا خلال الفترة الماضية على التحليق في العواصم العربية، باستثنائه، رغم أنه رئيس الدبلوماسية “الإسرائيلية”، أو هكذا يفترض أن يكون.

بدا واضحا أن القمة عقدت على عجل، دون أن تأخذ نصيبها من التحضيرات الدبلوماسية واللوجستية، وهذا باعتراف موظفين كبار بوزارة الخارجية “الإسرائيلية” أنفسهم، وهو ما تجلى بلحاق الوزير المصري في اللحظات الأخيرة، وعدم قدرة “إسرائيل” على إقناع الأردن بالانضمام إلى القمة؛ الأمر الذي يمنح الفرضية القائلة أنها كانت قمة بروتوكولية ذات بعد رمزي، يحمل كثيرًا من الوجاهة والمصداقية، خاصة وأن الحديث يدور عن وزراء خارجية، أي ليسوا رؤساء حكومات أو دول، ولا وزراء دفاع أو قادة أجهزة أمنية، ولعل ما يؤكد ذلك أن القمة لم يخرج عنها بيان ختامي يجمل ما ورد فيها، مما فسرته بعض الأوساط “الإسرائيلية” بأنه تعبير قاسي عن عدم توافق المؤتمرين عن النقاط التي سيتضمنها البيان المذكور.

هذه الاستدراكات لا يجب أن تقلل من أهمية انعقاد القمة التي كان يفترض أن تتم في القدس المحتلة، وفقا لنص الدعوة الأول الذي تداولته وسائل الإعلام “الإسرائيلية”، لكن رفض الدول العربية المشاركة لذلك، خشية أن تريق ما تبقى لديها من ماء الوجه، اضطر المضيف لأن يغير المكان من القدس المحتلة، ذات الأبعاد الدينية الحساسة، ونقلها إلى مكان ليس أقل منها خطورة وأهمية، ولكن بأبعاد تاريخية وهي النقب المحتل، الذي مثل أهم تطلعات مؤسس دولة الاحتلال “ديفيد بن غوريون”، باعتباره العمق الجغرافي للدولة، ويشهد مؤخرا سلوكا احتلاليا لا تخطئه العين يستهدف الفلسطينيين البدو المقيمين فيه، بزعم عدم قانونية مساكنهم، وهدمها على رؤوس أصحابها.

أخذت القمة البعد البروتوكولي الشكلي، لكن غياب القضية الفلسطينية عنها، سواء لعدم حضور وزير الخارجية الفلسطيني عنها، أو عدم الإتيان على ذكرها في تصريحات الوزراء المشاركين، جعل الأنظار تتجه نحو أجندتها التي ركزت على ما يبدو على جملة تطورات تشهدها المنطقة والعالم، لعل أهمها قرب التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني، وتبعات الحرب الأوكرانية الروسية على صعيد أزمة النفط والطاقة حول العالم، فضلا عن الحديث الأولي عن إنشاء حلف أمني عسكري أسماه البعض “ناتو مصغر”، لمواجهة ما تراه الدول المشاركة تهديدات تواجهها مجتمعة من قبل القوى المعادية للاحتلال “الإسرائيلي” بصورة أساسية.

 

  • التمييز بين مهاجري أوكرانيا وأثيوبيا

في الوقت الذي استنفرت فيه الوكالة اليهودية ووزارة الهجرة والاستيعاب لاستغلال الحرب الأوكرانية الروسية من أجل الإتيان بآلاف اليهود الأوكرانيين، المقدرة أعدادهم بين 120-150 ألفًا، فقد أظهر ذلك تمايزًا سلبيًا عن تعامل هذه الجهات مع نظرائهم من اليهود الفلاشا القادمين من أثيوبيا، مما أعاد للأذهان من جديد سياسة التمييز العنصري التي تتبعها دولة الاحتلال، ليس فقط تجاه الفلسطينيين، وإنما بين اليهود أنفسهم، حين تفرق بين يهودي ويهودي، وبين دم ودم.

تسبب هذا التمييز الذي باتت تتداوله وسائل الإعلام، ولم يعد خفيًا، بدفع وزير الهجرة، وهي ذات الأصول الأثيوبية، للضغط على الحكومة من أجل المصادقة على رفع الحظر المفروض على جلب اليهود من أثيوبيا، بتفعيل قانون لم الشمل، ومن خلاله سيسمح بتقديم طلبات الهجرة لليهود الأثيوبيين ممن لهم أقارب من الدرجة الأولى، ويعيشون في دولة الاحتلال، وبموجب الخطة سيتم جلب 10 آلاف من يهود الفلاشا على عدة مراحل، ستكون الأولى بثلاثة آلاف مهاجر، مع أن قانون المواطنة لا ينطبق على يهود الفلاشا، كونهم مزدوجي الديانة، مع العلم أن مثل هذا السلوك يعطي من جديد إشارات يمكن التقاطها عن هشاشة البنية الاجتماعية والديموغرافية التي تتكون منها دولة الاحتلال، فالكل لا زال يذكر فضيحة بنك الدم “الإسرائيلي” الذي ألقى بالدماء التي تبرع بها يهود الفلاشا إلى شبكة الصرف الصحي، سواء لعدم الاعتقاد بأنهم يهود، أو لشعورهم بـ”القرف منهم”، ولا تفتأ الساحة الاجتماعية “الإسرائيلية” تبث مزيدًا من قصص التمييز تجاههم.

تضمّنت الهجرات اليهودية القادمة من أوكرانيا هذه المرة أمرًا جديداً تمثّل في محاولات عديدة من قبل شركات تجار الرقيق الأبيض لاستغلال اليهوديات المهاجرات من هناك للانخراط في الدعارة، ومن جهة ثانية اعتراض الحاخامية الكبرى على أعداد كبيرة من اليهود الوافدين من أوكرانيا، لأنه لم يُتأكد بعد من يهوديتهم، ومن جهة ثالثة تزامنت هذه الهجرات مع المخاوف “الإسرائيلية” من تأثرها سلبا من النواحي الاقتصادية؛ بسبب الحرب الدائرة، وعدم القدرة على استيعاب الآلاف الوافدة من هناك.

 

  • ذكرى السور الواقي

بدا لافتا أن يحيي الجيش “الإسرائيلي” مرور عشرين عامًا على تنفيذ عملية السور الواقي التي حصلت في الضفة الغربية في مارس/آذار 2002 وانتهت في 10 مايو 2002 وحشدت لها “إسرائيل” 30 ألف جندي عقب سلسلة العمليات الفدائية التي نفذتها قوى المقاومة الفلسطينية، لاسيما الاستشهادية منها، وأسفرت عن مقتل مئات “الإسرائيليين” من الجنود والمستوطنين، الأمر الذي حول حياة “الإسرائيليين” إلى جحيم لا يطاق، ومثل ضغوطا هائلة على رئيس الحكومة في حينه “أريئيل شارون” ووزير حربه “بنيامين بن أليعازر” وقائد الجيش “شاؤول موفاز”، واستمرت عدة أشهر، ومثلت من الناحية العملية انقلابًا على اتفاق أوسلو، بعد اجتياح كامل الضفة الغربية، واقتحام مقار السلطة الفلسطينية، ومحاصرة ياسر عرفات، وصولا إلى اغتياله.

أحيا “الإسرائيليون” مرور عقدين من الزمن على هذه العملية، وسط رؤية استشرافية لاحتمال الذهاب لما أسموها “السور الواقي 2″، سواء في غزة أو الضفة، في ضوء تنامي قدرات المقاومة العسكرية لدى الأولى، أو ارتفاع حدة العمليات في الثانية، رغم وجود تقدير “إسرائيلي” حساس يرى أن الفلسطينيين في 2002 ليسوا كما هم في 2022، في ضوء ما طرأ لديهم من إمكانيات وقدرات وخبرات في مواجهة الجيش “الإسرائيلي” الذي باتت لديه حسابات كثيرة تجعله يعد إلى العشرة قبيل الذهاب إلى عملية عسكرية برية في قلب المدن الفلسطينية المكتظة بالسكان، لأن ذلك يعني سقوط خسائر بشرية في صفوفه قد لا يحتملها المجتمع “الإسرائيلي” برمته.

لعل إجراء مسح دقيق عما نشرته وسائل الإعلام “الإسرائيلية” خلال شهر مارس، من تقارير ومقابلات ومقالات وبرامج تلفزيونية تحيي ذكرى السور الواقي، بما يقترب فقط من إحيائهم سنويا لحرب أكتوبر 1973، تعطي مؤشرًا لافتًا أن هذه العملية تركت في نفوس “الإسرائيليين” جروحًا تأبى أن تندمل، سواء بسبب الدوافع التي من أجلها غامر” شارون” بجنوده في قلب الضفة الغربية، وتحمّل أن يعود العشرات منهم بالتوابيت السوداء، أو ما أظهره الفلسطينيون من مقاومة شرسة لقوات الاحتلال وهي تغزو مدنهم، والأخطر بسبب حالة الاستدارة المفاجئة التي حدثت في السلطة الفلسطينية، حين تحولت من أقصى التنسيق الأمني والتعاون الاستخباري، إلى أقصى المقاومة الشرسة وانخراط عناصرها الأمنيين في صفوف أجنحة الفصائل المسلحة، والخشية “الإسرائيلية” من تكراره اليوم، رغم استبعاده مؤقتاَ.

تزامن إحياء “الإسرائيليين” للذكرى السنوية العشرين لعملية السور الواقي، مع اندلاع سلسلة الهجمات المسلحة في الثلث الأخير من مارس/آذار، وما أعادته من كوابيس اعتقد “الإسرائيليون” أنهم غادروها منذ تنفيذ تلك العملية في 2002، الأمر الذي دفع عددا من خبرائهم العسكريين لإجراء نقاشات ذات بعد عملياتي قتالي تدعو لتنفيذ “سور واقي مصغر” في الضفة الغربية، دون الحاجة لمشاهد الاقتحامات الواسعة، وإنما الاستفراد بكل مدينة فلسطينية على حدة، واستئناف ما تسمى بسياسة “جز العشب”، من جديد، سواء بصورة أحادية من قبل جيش الاحتلال، او التنسيق مع السلطة الفلسطينية، التي لا تريد نخبتها الحاكمة اليوم العودة إلى أيام انتفاضة الأقصى، ولم تعد تخفي خلافها مع عرفات حول إعادة التموضع التي أجراها عقب فشل مفاوضات كامب ديفيد 2000 مع “إيهود باراك” و”بيل كلينتون”.

 

الخاتمة

يتضح من خلال هذه الجرعة التحليلية التي تقدم لنا أهم الأحداث “الإسرائيلية” لشهر مارس، أننا أمام شهر مزدحم بالتطورات الداخلية والخارجية، وعلى مختلف الأصعدة: السياسية والأمنية والعسكرية والاجتماعية، مما يقدم صورة معقدة جدًا أمام صانع القرار “الإسرائيلي” عن طبيعة البيئة التي يتعامل معها، في ظل كثرة اللاعبين المنخرطين فيها، وخطورة وحساسية أي قرار قد يقدم عليه، ما لم يأخذ بالحسبان مختلف الجوانب المطلوبة، وتكمن أهمية ذلك في ضوء أن الجوانب سالفة الذكر تؤدي إلى بعضها ببعض، وفق نظرية “الأواني المستطرقة”، وهي فرصة قد تكون سانحة للقوى الأخرى بمدى قدرتها على اقتناص الفرصة المناسبة، وفرض مزيد من التحديات والتهديدات على دولة الاحتلال، التي تتكون لديها جملة من الفرص والمخاطر الماثلة لديها، وفق ما أوضحته السطور السابقة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى