هيئة فلسطينية لمواجهة صفقة القرن.. إمكانية التطبيق والعقبات
في نهاية أبريل 2019 أعلنت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، على لسان عضو مكتبها السياسي صلاح البردويل، عن سعيها لتشكيل هيئة عُليا مكوّنة من قوى فلسطينية وعربية وإسلامية، لمواجهة الخطة الأمريكية للتسوية السياسية في فلسطين والشرق الأوسط المعروفة إعلاميا باسم "صفقة القرن".
خطوة لاقت ترحيبا من غالبية القوى والفصائل الفلسطينية، فيما رفضتها حركة فتح تحت إطار "الخوف" من ضرب المؤسسات الرسمية الفلسطينية، وتشكيل أجسام بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها.
وبين تأييد للخطوة ورفض لها، يبدو أن حركة حماس جمدت العمل على تفعيلها على الأرض، إلا أنه بقي مطروحا جملة من الأسئلة وأبرزها: ما مدى فاعلية هكذا هيئة فلسطينية جامعة للكل الفلسطيني في التصدي لمخطط صفقة القرن؟ وهل ممكن لمثل هذه المبادرات أن تلقى نجاحاً في ظل الانقسام الفلسطيني؟ وهل يمكن أن تساهم هذه الخطوة في تقريب وجهات النظر فلسطينيا تجاه صفقة القرن؟ وكيف يمكن لهذه الفكرة في حال سعت حركة حماس لتفعيلها في قطاع غزة أن تكون فاعلة في الضفة والقدس والشتات؟ وما التفسير لعدم قبول حركة فتح لمثل هكذا هيئة؟ وفي ظل ما رشح عن الخطر الذي قد ينال دولا عربية عدة من بينها الأردن من هذه الصفقة، هل يمكن أن يكون هناك تعاون إقليمي عربي مع فكرة إنشاء هكذا هيئة.
هذه الأسئلة طرحها "مركز رؤية للتنمية السياسية"، على عدد من الخبراء، لمعرفة رؤيتهم تجاهها، وليطرحوا العديد من الأفكار.
من أبرز إجابات الخبراء بهذا الشأن:
– فكرة إنشاء هيئة فلسطينية تمثل الكل الفلسطيني جديرة بالاهتمام كون صفقة القرن تستهدف المشروع الوطني الفلسطيني بكل جزئياته.
– الهيئة يجب أن تكون ممثلة من الأحزاب والفصائل كافة وفي مقدمتها حركتا فتح وحماس، على أن تكون تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية أو بالتنسيق معها.
– من أبرز التحديات أو الصعاب التي قد تحول دون تفعيل هذه الفكرة على الأرض هي حالة الانقسام السياسي وتبادل الاتهام بين حركتي فتح وحماس، إلا أن المخرج في هذه الحالة هو المبادرة من قبل هيئات وشخصيات نخبوية لتشكيل هذه الهيئة بالتشاور مع الكل الفلسطيني وبمشاركته.
– الهيئة يمكن أن تمهد إلى حالة تقارب فلسطيني داخلية في حال تم اجتياز مرحلة التأسيس خاصة إن كان هناك دور عربي أو إقليمي في تشكيلها وبالتحديد دور مصري.
– ما تم طرحه من إمكانية تشكيل الهيئة في قطاع غزة قد لا تلقى تفاعلا أو إمكانية في التطبيق بالضفة الغربية نتيجة حالة الانقسام السياسي أولا، ونتيجة المخاوف من قبل حركة فتح من أن تكون هذه الهيئة بديلا عن منظمة التحرير الفلسطينية وهذا السبب الرئيس وراء رفض فتح لتشكيلها أو الدخول بها.
– تشكيل الهيئة من شأنه أن يحدث حالة من التكامل ما بين الجهد السياسي الرسمي والجهود التنظيمية والجهد الشعبي في مواجهة صفقة القرن.
د. مجدي عيسى، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل سابقاً
الموضوع جدير بالاهتمام، فهكذا قضية تحتاج لهيئة فلسطينية تواجه هذا المخطط، وهو ليس بحاجة لهيئة فلسطينية فقط بل هيئة عربية وإسلامية، فالتحدي أكبر من الشعب الفلسطيني لمواجهته وحده في هذه المرحلة، لكن هذا لا يمنع أن يكون الفلسطينيون أول من يبدأ هذا التحرك لمواجهة هذه الخطة، وأن لا تبقى فئة معينه من القيادة أو الفصائل وحدها من تواجه الصفقة.
يجب أن نصل إلى مرحلة تكون فيها رؤية شاملة لدى القيادة الفلسطينية والفصائل في وجود هيئة أو إطار ما لمواجهة هذه الصفقة، رغم أن هذه الخطوة يمكن القول أنها متأخرة فالحديث عن الصفقة وطرحها كان منذ عدة شهور، ولكن يمكن القول أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي.
الشعب الفلسطيني ذو أغلبية صامتة لكنه لم يستطع حتى الآن أـخذ زمام المبادرة بأي موضوع له علاقة بالشأن الوطني، إنما الاهتمام الأكثر في القضايا الحياتية مثل قانون الضمان الاجتماعي والرواتب وغيره، وهذا قد يكون نتيجة لحالة الانقسام السياسي.
أما إن كان لهذه الفكرة تحقيق النجاح والقبول فلا أعتقد أن يتحقق ذلك دون أن يكون هناك مشاركة من قبل فتح وحماس، لذا باعتقادي أنه لن يكون هناك أي إطار فلسطيني فاعل تقوم بتشكيله حركة حماس وحدها، ولن يكون هناك أي إطار فلسطيني فاعل تشكله حركة فتح وحدها، لأن ما تشكله حماس بغزة لن يكون مقبولا لدى فتح بالضفة، وما تشكله فتح بالضفة لن يكون مقبولا لدى حماس بغزة، إذا المطلوب من الفئات الواعية والمبادرة والتي تحظى باحترام من حركتي حماس وفتح أن تقوم بالمبادرة في خلق تلك الأطر والتشاور مع الفصيلين الرئيسيين (فتح وحماس) ليكون لهما المشاركة والمساهمة الفاعلة، فإذا كان هناك برنامج واضح متفق عليه مع فتح وحماس من الممكن أن يكون هناك نجاح لتلك الهيئة وتكسب تأييد الغالبية الصامتة وهذا سيكون عاملا لنجاح الفكرة على الأرض.
وبالطبع أي مساهمة عربية في مثل هكذا هيئة سيكون عامل قوة لها، لكن باعتقادي أولا قبل الذهاب إلى أي خيارات أو دعم عربي أو إقليمي لا بد من اجتياز الحلقة الأولى وهي البيت الفلسطيني الداخلي، وبالتالي يمكن الانطلاق في حراك دبلوماسي وسياسي وجماهيري بشكل متواز والضغط على الإدارة الأمريكية.
كلمة السر في نجاح أي إطار قد يتم تشكيله أو الدعوة له بغض النظر عن مسماه هو أن تجمع بين حركتي فتح وحماس دون أن يبادر أي منهما للإعلان عن تلك الهيئة، بل يكون هناك طرف ثالث يعلن عن هذا الشيء بموافقة الطرفين الرئيسين فتح وحماس، ضمن برنامج واضح ومتفق عليه مسبقا لمهامها ودورها وآلية العمل لها بحيث تستطيع التحرك في الضفة وغزة وحتى في كل التواجد الفلسطيني.
د. مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة
لسنا بحاجة إلى هيئة أو لجنة لمواجهة صفقة القرن، لدينا العديد من المؤسسات والهيئات بمنظمة التحرير وغيرها، لأن ذلك سوف يدخلنا في الوقت الحالي في جدل ونقاش، والحديث عن هذه الأطر الجديدة والمصوغات والشكل والمسؤولية وغيرها الكثير من الأمور.
ولكن إن كان هناك توافق وطني فلسطيني على تشكيل لجنة أو هيئة لمواجهة الصفقة، على غرار هيئة مواجهة الاستيطان أو مواجهة الجدار، لا ضرر في ذلك، لكن إن كان لإنشاء أي هيئة أو لجنة سيؤدي لمزيد من التشتت والانقسام فلسنا بحاجتها الآن.
مسألة التشكيل في ظل الانقسام في غالبها لن تحظى بإجماع أو قبول فلسطيني لأن حالة الانقسام أسقطت نفسها على كل شيء، فما تريده حماس ترفضه فتح وما تريده فتح ترفضه حماس بغض النظر عن أهميته أو خطورته أو خطورة المرحلة، للأسف دخلنا مرحلة المناكفة السياسية بغض النظر عن النتائج.
وبالتالي إذ تشكلت الهيئة في ظل حالة توافق فلسطيني قد يكون لها إيجابيات على مستوى تقريب وجهات النظر، لكن وجهة نظري بدلا من الذهاب إلى إنشاء هيئات جديدة من أجل تقريب وجهات النظر، أنا أرى أنه لدينا من المؤسسات والهيئات واتفاقيات المصالحة التي جرت وبدلا من الخوض في التفاصيل الجديدة، فلماذا لم يتم العودة للمرجعيات السابقة كونها تمثل الكل الفلسطيني ويمكن الانطلاق من خلالها. وهذا ربما كان سبب حركة فتح في رفض حماس لإنشاء هيئة في غزة كونها تخشى أن تكون جسما بديلا لمؤسسات منظمة التحرير.
وحول إمكانية التنسيق بدور عربي، قد لا يكون لذلك دور فاعل على المستوى الرسمي كونه يوجد تواصل سياسي ما بين القيادات في هذه البلدان والقيادة الفلسطينية، لكن ربما يكون هناك الأثر إذا ما تم تشكيل الهيئة على المستوى الشعبي الجماهيري في فلسطين والأردن ومصر وأي من البلدان التي تدعم القضية الفلسطينية. وبالتالي قد تكون هذه الفكرة أكثر قبولا وفاعلية على المستوى الشعبي وليس على المستوى السياسي الرسمي.
أما العقبات أمام هذه الهيئة فيتمثل أولها بالانقسام السياسي وتداعياته من حالة تحريض ومناكفة وتشكيك .بالآخر. العقبة الثانية تتمثل في الجانب المالي، فأي جسم أو هيئة تحتاج لتمويل يعزز دورها ولا أعتقد في ظل الظرف الحالي هناك جهة على المستوى الفلسطيني يمكنها إنشاء مثل هكذا هيئة. الأمر الأخير يتمثل في حالة الغموض التي لا زالت تكتنفها صفقة القرن، فالعديد من الأطراف الفلسطينية تريد أن تنتظر حتى يتم الإعلان عنها، فإذا ما تضمنت الصفقة بعض الإيجابيات قد لا يتشجع البعض لمواجهتها.
د. عدنان أبو عامر، أستاذ العلوم السياسية والإعلام في جامعة الأمة بغزة.
مواجهة صفقة القرن كمشروع دولي وبهذا الحجم يتطلب فكرة أكبر من مجرد هيئة، فهو يتطلب بالأساس وجود موقف فلسطيني موحد تجاه هذه الصفقة، وموقف سياسي دبلوماسي وربما عسكري في لحظة ما، لذلك الحديث عن هيئة ربما يجعلنا نقلل من خطر هذه الصفقة. لكن في ظل وجود حالة التباين الفلسطينية قد يكون الحديث عن تشكيل هيئة أمر معقول مبدئيا على أن تكون ممثلة للأوساط كافة من نخب أكاديمية وسياسية ووطنية وموزعة جغرافيا على أماكن التواجد الفلسطيني، ضفة وغزة وشتات وأراضي محتلة عام48 حتى تستطيع أن تؤدي أهدافها على أكمل وجه.
وفي ظل حالة الانقسام، الكثير من المشاريع ذات البعد الوطني لم يكتب لها النجاح، والدليل أنه عندما أعلنت حماس عن نيتها تشكيل لجنة لمواجهة صفقة القرن بغزة هاجمتها فتح رغم أن أهدافها كانت وطنية مشروعة وشاركت فيها كل الفصائل باستثناء حركة فتح، وتم اتهامها أنها بديل لمنظمة التحرير وتضخيم الموضوع، لذلك فإن موضوع الانقسام للأسف سيبقى عقبة أمام المشاريع ذات البعد الوطني لأن كل طرف يقف للآخر ويخشى أن يسحب البساط من تحت قدم الآخر.
باعتقادي غزة كونها بعيدة عن أي ضغوط إسرائيلية مباشرة وملاحقات أمنية، أو حتى ضغوط سياسية وأمنية فلسطينية قد يكون لها أريحية في إنشاء هيئة وخياراتها مفتوحة والعمل بها بكامل طاقتها، في الضفة الغربية الظروف السياسية والأمنية صعبة جدا، أما في الشتات فهناك استقطابات إقليمية والبعض قد يراها تدخل في شؤون الدول، وقد يكون متاحا تفعيل ذلك في بعض الدول مثل لبنان والأردن لكن على شكل لجان وأنشطة نقابية وثقافية وبالتالي لن يكون لها الأثر الكبير.
وبالتالي إذا أردنا فعليا دورا فاعلا جغرافيا لأي هيئة لا بد أن يسبقه تنسيق سياسي حتى يكون لها مكاتب واضحة في كل منطقة سواء بالضفة أو غزة أو الشتات أو الداخل، وهذا ما يعيدنا للتأكيد على أهمية أن يكون هناك مشاركة من كل الفصائل الفلسطينية بما فيها فتح وحماس.
المطلوب هو هيئة فلسطينية تمثل الكل الفلسطيني ويوقع على بياناتها في النهاية فتح وحماس وجميع الفصائل، كما حدث في الهيئة الموحدة للانتفاضة وغيرها من هيئات شكلت في أوقات مختلفة.
أ. سليمان الوعري، باحث ومحلل سياسي، القدس المحتلة
في الوقت الحاضر أعتقد من الصعب جدا إنشاء هكذا هيئة نتيجة حالة الانقسام السياسي القائم، طبعا هذا لا يلغي التأكيد على أهمية وجودها، لكن يجب أن تكون تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية وتشارك فيها كل الفصائل الفلسطينية بما فيها حماس والجهاد الإسلامي، لأن الموضوع أكبر من فصيل واحد وهو بالأساس لضرب المشروع الوطني الفلسطيني.
لذا إن استطعنا أن نشكل هيئة كاملة تضم الكل الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير يكون إنجازا ممتازا.
من المفترض على الفصائل الرئيسية حماس وفتح والجهاد الإسلامي أن تنزل كل منهما عن الشجرة لأن الصفقة أكبر من الحسابات الحزبية وتمس المشروع الوطني، وبالتالي يجب أن يكون هناك وعي شمولي وتعاون من كل الأطراف، وإن كان هناك انقسام وخلاف إلا أنه يجب أن نتوحد، وإذا ما استطعنا أن نصل إلى هذه النقطة باعتقادي من السهل التفاهم على كثير من القضايا.
من الممكن أن يكون هناك خطتان للعمل، الأولى أن تكون هذه الهيئة برعاية عربية وبالتحديد مصرية، فيمكن لمصر أن تبادر بالدعوة لتشكيل هذه الهيئة بحكم علاقتها القوية مع الرئاسة الفلسطينية ومنظمة التحرير من جهة ومع حماس والجهاد الإسلامي من جهة أخرى، وبالتالي يمكن أن تلعب مصر الدور الموفق في إطلاقها لأن القضية تستحق ذلك.
الخيار الثاني، أو الخطة الثانية لتحقيق هذه خطوة يمكن أن تكون من خلال مبادرة المثقفين وأساتذة الجامعات وشخصيات اعتبارية والعمل على تشكيلها ومن خلال ذلك يمكن إظهار مدى أهميتها ودورها وبالتالي تنخرط الفصائل ضمنها.
وأنا باعتقادي أن الجهد الرسمي إذا ما عزز الموقف الشعبي الثابت والمتقدم دوما فإن هذه الخطوة وخاصة إذا ما حققت حالة المصالحة الداخلية، فإن هناك دعما شعبيا قويا وغير محدود سواء في الضفة أو غزة.
كما أن المحور العربي الإقليمي الأردن ومصر والسعودية ومن شأنه تعزيز الفكرة وتوحيد الجهود لمواجهة الصفقة.
أما العقبات أمامها فباعتقادي أولا الانقسام، والعقبة الثانية أن بعض الدول العربية قد تكون موافقة على طرح صفقة القرن بمواقف غير مواقفها المعلنة، كذلك قد تتراجع بعض الدول العربية في فترة معينة وترضخ لضغوط مالية أو سياسية أمريكية.