هل يوجد خطر حقيقي على الصحافة في “إسرائيل”؟

 

الكاتب هو أبراهام فختر، محام متخصص في القضاء الجنائي، العسكري والجماهيري، شغل في السابق منصب مدع عام عسكري، وهو مستشار قانوني وقاض عسكري بدرجة عقيد. يشغل الآن منصب المستشار القانوني لمجلس الصحافة، ويعمل محللاً للشؤون القضائية.
 
قانون القذف والتشهير في "إسرائيل"
 
يمكن للجمهور في "إسرائيل" أن يهدأ، فلا يوجد خطر حالي على حرية الصحافة، ولا على وسائل الإعلام بالمفهوم الواسع، وبالتأكيد ليس على الديمقراطية في "إسرائيل". فهل حقًا يخشى الصحافيون من أن يتم المساس بشكل خطير بالديمقراطية، نتيجة للحماس الذي انتاب الكتّاب حول القانون الجديد (قانون القذف والتشهير)؟ فهؤلاء الكتاب لم يتناولوا الموضوع بشكل موضوعي، ولم يعتمدوا على الحقائق، وتم ذلك من باب التنافس بين القنوات.
 
ويبدو بشكل واضح ان القانون المقدَّم ينقصه التعمق، حيث لم يتم استثمار جهد كاف لمعرفة التأثيرات الإعلامية والقضائية، لكن التعديلات لم تجر بعد. وبشكل عام، لا يوجد خلاف بين الأطراف، حيث إن مبدأ حرية التعبير والإنتاج والصحافة الحرة هو حجر الأساس للديمقراطية الحديثة المستنيرة. ولا يوجد أيضًا خلاف بأن الصحافة في "إسرائيل" هي صحافة حرة، منتجة، تجري التحقيقات، جاذبة لاهتمام الجمهور، وبالتالي هي صحافة تنافسية دون جدال.
 
إذن، ما الذي حدث لعدد من القوانين التي تم تناولها في الآونة الأخيرة، مثل قانون تحديد التبرعات للجمعيات المناهضة للصهيونية، والذي أدى إلى إغضاب منظمات اليسار، التي تخشى من كشف مصادر التمويل الأجنبية؟ لقد أثار الباحثون في الموضوع عاصفة مخيفة.
 
لقد جاء اقتراح هذا القانون ليقسم التمثيل بين الأغلبية والأقلية في النقابة، مما أدى إلى إثارة الخشية والتحفظ لدى وسائل الإعلام التابعة للمعارضة، بادعاءات مسّ وتدمير المعاني الديمقراطية، ومنها الادعاء "فاقد المسؤولية"، الذي يشير إلى تجربة سيطرة اليمين على المحكمة العليا. تظهر هنا الادعاءات والعناوين "فاقدة التأصيل القانوني والواقعي". الآن وقد أُجريت الانتخابات في نقابة المحامين، وفاز اثنان معارضان لرئيس النقابة، إذن أين سيطرة اليمين؟ ربما العكس!
 
جاء القانون المقترح ليوازن التمثيل بصورة ديمقراطية أفضل، فقد حان الوقت لإحداث التغيير المقترح في النقابة، والتي انقلبت إلى نقابة سياسية، وأصبحت بعيدة عن هدفها المهني.
 
بلا شك، إذا أُقرت التعديلات بشأن قانون منع القذف والتشهير، كليًّا أو جزئيًّا، فسوف تؤدي إلى تغيير الوضع الحالي، وفرْض صعوبات على الصحافيين، وعلى منظومة الصحافة والقنوات التلفزيونية ومواقع الإنترنت.
وحسب التعديلات المقترحة، فإن الغرامة المالية على نشر خبر مغلوط ويمسّ بكرامة شخص ما، تتضاعف ستة أضعاف، دون الحاجة لإثبات الضرر، حيث تصل إلى 300000 شيكل، وعند توفر الشروط الموضحة في القانون المقترح، قد تصل إلى 600000 شيكل، وربما أكثر.
 
ويلاحظ ان القانون  يعتريه  نواقص كبيرة، فهو ليس سريع التطبيق كحالات قوانين "تعويض آخرين"، ويشكل تهديدًا أكثر لحرية الصحافة، ولم يتم إعمال العقل فيه بشكل كاف لمعرفة التأثيرات العملية على الناحية الإعلامية والقضائية. وبالرغم من أن القانون قد أُقرّ بالقراءة الأولى في الكنيست، إلا أنه سيتم إدخال تعديلات عليه بالقراءتين الثانية والثالثة، مما يجعله أكثر قبولاً على المنتقدين له.
 
إذن، يوجد هنا تهديد ما لحرية الصحافة، لكن، وبقدر كبير، ارتضى الصحافيون ذلك لأنفسهم، لطبيعة عملهم، وباحترام كبير لشرف المهنة.
 
الأسباب التي أدت إلى اقتراح القانون
 
في السنوات الأخيرة، وبعد انتشار القنوات، وخلق حالة جارفة من التنافس بينها وبين الصحف، والرغبة في الحصول على نسبة المشاهدة الأعلى، أدى ذلك إلى الاستعجال في النشر قبل التحقق من المصدر أو الاعتماد على حقائق، وذلك من أجل تحقيق السبق.
 
النتائج كانت مدمِّرة، وتمسّ بالكرامة والسمعة، فقد تم المسّ بأشخاص حوكموا على يد وسائل الإعلام بدل أن يحاكموا في المحاكم، فقد تم المسّ بأسمائهم وممتلكاتهم وأماكن عملهم، دون إمكانية للتعديل أو التراجع.
 
لقد تحولت المحاكمة على يد الصحافة إلى علامة فارقة للصحافة المكتوبة والإلكترونية، دون أن تحصل ردة فعل مناسبة من القضاء. والأمثلة على ذلك مريرة ومؤلمة، ومنها قضية أولمرت، وقضية كتساف، وقضية نتنياهو، وقضية الحارس الشخصي لرئيس الأركان، وغيرها. وهي أمثلة لمشاهير وسياسيين ورجال أعمال وشخصيات عامة، وهناك عشرات الشخصيات الصغيرة التي دُمِّرت تحت الآلة الإعلامية، جراء نشر أخبار ملفقة تتضمن القذف والتشهير، ولم يكن باستطاعتهم فعل شيء، لأنهم لا يمتلكون المال ليتوجهوا إلى القضاء أو الإعلام.
 
من حق الجمهور أن يعرف أيضًا أن قوانين اللائحة الداخلية لمجلس الصحافة تُلزِم النشر بعد التحقق، والإتيان بالدلائل من أكثر من مصدر، وضمن المسؤولية المهنية العالية، وذلك لتحقيق شعار "من حق الجمهور أن يعرف، وأن يحصل على خبر مهني".
 
يأتي قانون "منع القذف والتشهير" في إطار عدة قوانين، سيتم في المستقبل ضمها للدستور إذا تمت كتابته، هدفها حماية المواطن البسيط، أي أنه يَخُصُّ المواطن الذي يفتقد القدرة على الدفاع عن نفسه، في حالة تم الإضرار به جراء نشر أخبار مغلوطة عنه في وسائل الإعلام.
 
لذلك، يجب أن تضم هذه المجموعة من القوانين كلاً من قانون الخصوصية، وقانون حماية المستهلك، وقانون منع التحرش الجنسي، وقانون منع التنصت، والقانون الأساس: احترام الإنسان وحريته.
 
قانون منع القذف والتشهير قبل التعديل 
 
يتحدث القانون عن نشر القذف بحق شخص ما يمكن أن يؤدي إلى الإضرار به، وبعائلته وأبنائه، ودخله، ومكانته الشخصية، ويمكن أن يؤثّر على مستقبله السياسي أو التجاري. ومن البنود المهمة في القانون: 
 
بند 2-3 
القذف هو كل نشر أو قول ضد أي شخص يُنسب له عمل ما، وسلوك ما، وتصريحات ما، ويمكن أن يؤدي إلى إهانته، وإلى أسى شخصي، وأن يتسبب بضرر اقتصادي.
 
بند 6-7
نشر القذف والتشهير هو مخالفة جنائية وظلم اجتماعي، عقوبته السجن لسنة واحدة.
 
يستطيع المتضرر رفع دعوى مدنية للمطالبة بتعويض مالي.
 
التعويض المالي حسب التعديل يصل إلى 50000 شيكل، دون الحاجة لإثبات الضرر. وإذا أَثبت المتضرر أن النشر قد تم عن عمد للإضرار به، فإن الغرامة المالية تصل إلى 100000 شيكل.
 
ادعى معظم الصحفيين في مؤتمر الطوارئ، أن قصد السياسيين، وبالذات في الكنيست اليمينية، هو إسكات الصحافة. وأكثر من ذلك، اتهمت هذه الادعاءات السياسيين بأنهم يخشون من تحقيقات صحفية في المستقبل، لذلك فهم يريدون إسكات الصحافة التي تجري التحقيقات. لكن الصحفيين لم يتطرقوا، ولو بكلمة واحدة، إلى إمكانية ارتكاب الأخطاء والأضرار، التي يمكن أن يتم التسبب بها جراء النشر المغلوط. 
 
الحقيقة أنه عندما يتم النشر بشكل أمين ومدروس ويحتوي على الحقائق، فإنه لا يوجد خطر لرفع الدعوى، ولا يوجد مكان للتعويض. هنا لا توجد إمكانية للحديث عن "إسكات" أو المسّ بحرية الصحافة، أو إجراء التحقيقات الصحفية.
 
ومع ذلك، وكما قلت، تحتاج التعديلات المقترحة إلى تعميق الفكر من جديد، من أجل الموازنة بين متطلبات الصحافة وبين حماية الجمهور، لنكون أكثر دقةً في مسألة الغرامات المالية.
وأخيرًا، يجب أن نذكر الصحفية "إيلينا ديان" وبرنامج "عوفداه"، فقد تم تغريمهم بمبلغ 300000 شيكل، بعد إدانتهم بالقذف والتشهير ضد الضابط الذي خدم في غزة. القاضي كان "نوعم سولبرغ"، المرشح ليصبح قاضيًا في المحكمة العليا، فهل توجد علاقة لذلك؟ أنتم قرروا.
 
ملاحظات وتأملات
 
وسائل الإعلام يسودها الغليان جراء نية إغلاق القناة العاشرة، بسبب الديون المتراكمة التي لم يتم دفعها. إذن، نحن مع زيادة القنوات وتحقيق التنافس الشريف، لكن نحن مع إعادة الديون، كما يُطلب منا من قبل البنوك والسلطات الحكومية والأوامر القضائية. مع أن الصحفيين منزعجون من نية إغلاق القناة العاشرة، إلا أنهم يهاجمون شركات الهواتف النقالة، مثل شركة "تشوباه" و"بن دوف"، بسبب عدم دفعها الديون للجمهور، لذا، ومن أجل تغطية الديون، يجب بيع عقارات وربما الدفع من الأرصدة الشخصية. إذن ما وجه الاختلاف بين القضيتين؟
 
عندما أرى وأسمع ردة فعل الصحفيين، وأطلع على تعديلات القانون، أعتقد أن الأمر يدعو إلى البكاء. كم هم ضعفاء وصغار ومساكين. انظروا ماذا يحدث في بريطانيا. بعد سنوات من الإهمال وعدم الرقابة، سيطرت الصحافة الصفراء على حياة الناس: فالشخصيات العامة والممثلون ولاعبو كرة القدم قلبوا حياة الناس إلى جهنم، ثم الآن استيقظوا واستجابوا. فلماذا ننتظر حتى يحدث ذلك عندنا؟ إنها خسارة.
 
تعقيب 
 
يشار إلى أن الصحافة في "إسرائيل" حرة إلى حد ما في القضايا الداخلية، لكن الرقابة العسكرية تمنع نشر القضايا التي تمسّ الأمن. عدا ذلك، يتنافس الصحافيون في نشر الأخبار والمحاكمة العلنية حتى قبل فتح تحقيق شرطي. ولا شك أن هذا المقال يعبر عن تخوفات الصحفيين الإسرائيليين من تراكم القوانين التي تعيق عمل الصحافة والتي هي بالأساس تسعى إلى حماية من هم في السلطة والحكم.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى