هجوم المستوطنين الواسع على القرى الفلسطينية: السياقات والدلالات

كريم قرط[1]

شن المستوطنون هجومًا عنيفاً وواسعاً على قرية المغير عقب اختفاء آثار أحد المستوطنين صباح يوم الجمعة 12أبريل/نيسان، بينما كان يرعى أغنامه في أراضي الفلسطينيين قرب قرية المغير الواقعة شمال محافظة رام الله، ليتوسع الهجوم ويشمل قرى أخرى، مثل خربة أبو فلاح المجاورة، ثم يتمدد أكثر ويشمل عددًا من القرى الفلسطينية في محافظات أخرى، إلّا أنّ هجمات المستوطنين تركزت في القرى الواقعة بين محافظتي رام الله والبيرة ونابلس، عقب الإعلان عن العثور على جثة الراعي مقتولًا، وقد استمر الهجوم لقرابة ثلاثة أيام متواصلة، وشمل مناطق أخرى في الضفة من شمالها إلى جنوبها، وارتقى على إثر هذه الاعتداءات 3 شهداء برصاص المستوطنين.

يعتبر هذا الهجوم الأعنف والأوسع مدى وزمانًا، وبمشاركة أعداد كبيرة من المستوطنين، إذ دار الحديث عن مشاركة قرابة 1500 مستوطن على قرية المغير وحدها تحت حماية وأعين جنود الاحتلال، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان حوادث مماثلة جرت في العام الماضي على قرية حوارة في آواخر فبراير/شباط 2023، والهجوم على قرية ترمسعيا في شهر يونيو/حزيران2023، فضلًا عن هجمات أُخرى على قرى مختلفة مثل قرية أم صفا وعصيره القبلية وغيرهما من بلدات وقرى وفلسطينية.

أخذت هجمات المستوطنين تتصاعد كمًا ونوعًا منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول2023، في استمرار للمنحى التصاعدي الذي تشهده هجماتهم في الأعوام الأخيرة، غير أنّ الهجوم الذي أعقب اختفاء المستوطن قرب المغير شكّل ذروة تصاعد عنف المستوطنين، ما يطرح تساؤلات حول أسباب هذا التصاعد غير المسبوق، مع أنه كان متوقعًا بعد انتشار خبر اختفاء آثار المستوطن، والانعكاسات والمآلات التي سيخلفها على الضفة الغربية في قادم الأيام.

تراكم عنف المستوطنين

لا تُعَد ظاهرة عنف المستوطنين جديدة على الضفة، فتتبع تطور هذا العنف يشير إلى أنه في تصاعد مستمر منذ سنوات طويلة، إذ يمكن ملاحظة خط تطوري لنوعية اعتداءاتهم وكمها، وكأنّ هذا العنف يسير وفق مخطط مدروس ينتهج سياسة الخطوة بخطوة، إذ إنّ ما نشهده حاليًا هو تراكم لكل أحداث العنف التي ينفذها المستوطنون باعتماد سياسة النفس الطويل، واعتماد درجة معينة من العنف في مرحلة، ثم العمل على تثبيتها وتحويلها إلى روتين معتاد لا يستدعي أي ردّات فعل لا فلسطينية ولا دولية، وعندها يمكن الانتقال إلى درجة أعلى، وبطبيعة الحال فإنّ تراكم التغيرات الكمية يؤدي إلى تغيير نوعي.

ظاهرة عنف المستوطنين ليست جديدة على المشروع الصهيوني، لا سيما بعد إكمال احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967، ولكنها أخذت تتحول إلى ظاهرة ملحوظة منذ عام 2008، تحت شعار مجموعات “تدفيع الثمن“، التي كانت تهاجم عادة  القرى الفلسطينية النائية نسبيًا في جنح الظلام ، وتخط شعارات على الجدران وتحرق المساجد وتدنس المقابر وتهاجم الحقول، وما إلى ذلك، والملاحَظ أنّ تصاعد عنف المستوطنين ترافق مع تولي “بنيامين نتنياهو” رئاسة الحكومة “الإسرائيلية” عام 2009.

كانت هذه الظاهرة في بداياتها محدودة تقتصر على مجموعات صغيرة من المستوطنين، واعتداءاتها أيضًا محدودة وتقتصر على التخريب، لكنّ السنوات اللاحقة شهدت انخراط أعداد أكبر من المستوطنين في الأعمال العدائية، وأخذوا يمارسون أشكالًا أُخرى من العنف، مثل استهداف السيارات الفلسطينية على الطرقات بالحجارة والزجاجات الحارقة، ومهاجمة أراضي القرى الفلسطينية وتخريبها.

اتخذ عنف المستوطنين المندرج تحت إطار “تاغ محير” أو تدفيع الثمن منحنى جديدًا في السنوات اللاحقة، سواء في نوعيته وأسبابه، إذ أصبح المستوطنون يشنون هجمات على القرى الفلسطينية في حال قُتل أحد المستوطنين أو اختفت آثاره، أو في حال قررت حكومة الاحتلال إخلاء بؤرة استيطانية لأنها مقامة على أراض فلسطينية خاصة، مع أنّ هذه من الحالات النادرة، وأبرز حالات العنف التي ترافقت مع هذه الأحداث هي جريمة اختطاف الفتى محمد أبو خضير وتعذيبه وقتله في القدس على أيدي المستوطنين، عقب اختطاف ثلاثة مستوطنين “إسرائيليين” في الخليل عام 2014، ثم تلتها عام 2015 جريمة إحراق عائلة دوابشة في قرية دوما جنوب نابلس، ما أدى إلى استشهاد العائلة ونجاة طفل وحيد مصاب بحروق بليغة، وقد ترافقت هذه الجريمة مع تصاعد الهبة الشعبية في الضفة حينها.

الملاحظ هنا هو أنّ المستوطنين أصبحوا يأخذون على عاتقهم مسؤولية “الانتقام” من الفلسطينيين، ولا يكتفون بكل الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين، وقد استمر هذا العنف بالتصاعد كمًا ونوعًا إلى أن وصلنا إلى أرقام غير مسبوقة في أعداد اعتداءات المستوطنين، ففي حين كانت اعتداءاتهم تبلغ عشرات أو مئات الحالات في بدايات العقد المنصرم، تصاعدت لتبلغ قرابة 1200 اعتداء خلال عام 2022، وقد ترافق تزايد اعتداءات المستوطنين مع تصاعد التطرف في المجتمع “الإسرائيلي” والحكومات “الإسرائيلية” المختلفة، التي كان “نتنياهو” في معظم الأوقات وهو رئيسها.

 أخذت اعتداءات المستوطنين تتصاعد كمًا ونوعًا عام 2023، إذ بلغ عددها خلال هذا العام قرابة 2616 اعتداء، وقد مثّل هذا العدد ذروة عنف المستوطنين، وشمل أيضًا تطورات خطيرة في نوعيته، مثل الهجوم الجماعي الكثيف على القرى الفلسطينية، وارتكاب الجرائم فيها من حرق وتدمير وتخريب وقتل وجرح للفلسطينيين وممتلكاتهم، فضلًا عن استشهاد 22 فلسطينًا برصاص المستوطنين، وكان من المتوقع أن يكون عام 2023 العام الأعنف للمستوطنين، نظرًا إلى التطور الخطي لهذا العنف ووجود حكومة المستوطنين المتطرفة، ولكنه فاق كل التوقعات عقب اندلاع حرب الإبادة على قطاع غزة، إذ استحوذت الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام وحدها على قرابة نصف الاعتداءات والعنف الذي شهده كل العام.

إن التطور النوعي الأبرز الذي بدأنا نشهده منذ عام 2022 هو ما يمكن التعبير عنه بأنه مرحلة “جني الثمار” للعنف المتصاعد، و المتمثل في تهجير عدد من التجمعات البدوية الفلسطينية على امتداد الضفة، إذ جرى تهجير 6 تجمعات بدوية فلسطينية خلال عام 2022 نتيجة عنف المستوطنين، ليتصاعد العدد تدريجيًا عام 2023، ويتضاعف بعد السابع من أكتوبر، حيت جرى تهجير ما مجموعه 28 تجمعًا بدويًا كليًا أو جزئيًا منذ عام 2022.

تشير هذه التطورات المتسارعة إلى أنّ الهجوم على القرى الفلسطينية في 12 أبريل/نيسان وما تلاه، إنما هي خطوة جديدة في مسار العنف الاستيطاني المتصاعدة، سواء أكان من ناحية فظاعة العنف ومداه الزمني والجغرافي، أم من ناحية الأهداف، فهو قد مثّل ذروة تصاعد عنف المستوطنين الذي نتج عن عدة تغيرات وتحولات مهمة، من أهمها:

  • تصاعد التطرف والتوجهات اليمينية في المجتمع “الإسرائيلي”، مع هيمنة “الليكود” بزعامة “نتانياهو” على الحكم في “إسرائيل” لأكثر من 15 عامًا.
  • عودة “نتنياهو” إلى الحكم عام 2023 باتلاف متطرف ضم قادة من المستوطنين، مثل “بتسلإيل سموتريتش” و”إيتمار بن غفير”، وهم يضعون مسألة ضم الضفة الغربية على رأس أولوياتهم.
  • استغلال السلطات الاستعمارية “الإسرائيلية” انشغال العالم في حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة لتسريع تنفيذ مخططاتها في الضفة، إذ تصاعدت عمليات مصادرة الأراضي وعنف المستوطنين وتهجير الفلسطينيين، وتحديدًا في التجمعات البدوية، فخبر استشهاد فلسطيني أو عدة فلسطينيين، أو تدمير ممتلكات وإحراقها وتهجير السكان، أصبح خبرًا لا يحظى بأهمية بالغة، في ظل أنّ هناك أكثر من 33 ألف شهيد في قطاع غزة، وقرابة مليون ونصف الميلون مهجر في غزة أيضًا، فضلًا عن التدمير الشامل فيها، ولذلك، فمهما تمادى الاحتلال في عدوانه على الضفة، لن يكون لهذا الأمر وقع عالمي ملحوظ مثل موجة الاحتجاجات العالمية التي ثارت عقب هجوم المستوطنين على قرية حوارة أول مرة في فبراير/شباط 2023.
  • استغلال الاحتلال حالة الحرب لزيادة تسليح المستوطنين، إذ تولى وزير الأمن القومي “إيتمار بن غفير” عملية تسليح المستوطنين، وقد ذهبت قرابة 7 آلاف قطعة سلاح  إلى المستوطنات في الضفة، وحتى إلى البؤر الاستيطانية التي تعدها دولة الاحتلال “غير شرعية” حسب قوانينها، وقد شملت هذه الأسحلة أنوعًا هجومية ثقيلة، منها حوالي 140 رشاشاً من نوع “ماغ”، فضلًا عن فتح مخازن الذخيرة للمستوطنين، ولعل هذا الأمر يفسر عدد الإصابات الكبير بالرصاص الحي في صفوف الفلسطينيين خلال هجوم المستوطنين على القرى الفلسطينية، وإلى ذلك، فإن هذا السلاح الكثيف المنتشر في أيدي المستوطنين سيمكنهم من تصعيد اعتداءاتهم، إذ سيجد الفلسطيني الأعزل نفسه أمام ميلشيات مسلحة لا يستطيع مواجهتها إلا بالحجارة.
  • استغلال موظفي الإدارة المدنية حالة الحرب ووجود حكومة المستوطنين في تسريع عمليات المصادرة والهدم وإنشاء البؤر الاستيطانية، لأنهم يدركون أنّ الحرب لن تستمر إلى الأبد، وأنّ الحكومة ستذهب عاجلًا أم آجلًا، ولذلك يستغلون هذه الفرصة في فرض مزيد من الوقائع على الأرض.

الانتقال خطوة إلى الأمام:

يُعتبر هجوم المستوطنين على قرية المغير عقب اختفاء المستوطن، خطوة جديدة خطيرة في مسار عنف المستوطنين، ويطهر ذلك في عدة نواحٍ:

  1. عدد المستوطنين الضخم الذي هاجمها، إذ يدور الحديث عن 1500 مستوطن.
  2. استمرار الهجوم لعدة أيام، وإن كان ذلك بشكل متقطع.
  3. التنظيم والتخطيط للهجوم، إذ إنّ سكان القرية لاحظوا أنّ المستوطنين هاجموا القرية من عدة محاور، وهم يتلقون إرشادات وتوجيهات من قادتهم، محددين المنازل والأحياء التي يسعون لاستهدافها، وقتل أهلها، لولا انتباه المواطنين وإخلاء الأهالي قبل اقتحام المستوطنين.
  4. امتداد الهجوم ليشمل عدة قرى، لا سيما قرى شمال رام الله وجنوب نابلس، فضلًا عن قرى وطرقات أخرى في مختلف أنحاء الضفة الغربية.
  5. حجم الخسائر البشرية والمادية الكبير الذي تعرض له الفلسطينيون، ففي المغير وحدها استشهد الشاب جهاد أبو عليا، وأصيب 45 آخرون بالرصاص الحي، بينهم 5 في حالة الخطر، إضافة إلى إحراق 16 منزلًا، و60 مركبة، و15 حظيرة أغنام، وذبح قرابة 30 رأس غنم، إضافة إلى سرقة قرابة 150 رأس غنم أخرى، فضلًا عن الخسائر وعشرات الإصابات في بقية القرى، مثل دوما وقصرة وبتين التي استشهد فيها الفتى عمر حامد.

إنّ لهذه الخطوة دلالات حول مستقبل الأوضاع في الضفة الغربية وتطور المشروع الاستيطاني الاستعماري فيها، ومن هذه الدلالات:

  • ·         انتقال المستوطنين خطوة أخرى في مساعي التهجير الذي ترعاه حكومة الاحتلال، فهذا الهجوم العنيف وإن كان يبدو وكأنه ردة فعل انتقامية على اختفاء المستوطن، ثم العثور على جثته مقتولًا، إلّا أنه ينسجم مع الأهداف الصهيونية الساعية إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم ومنع إقامة دولة فلسطينية، من خلال منع وجود تواصل جغرافي ديمغرافي بين أجزاء هذه الدولة، إذ لا يخفي المستوطنون من مجموعات “فتيان التلال” أهدافهم الحقيقية في نشر بؤرهم الاستيطانية وتزايد عنفهم تجاه القرى المحيطة، إذ إنهم يعلنون صراحة أنّ هدفهم هو منع وجود تواصل جغرافي ديمغرافي بين المناطق الفلسطينية، وخلق هذا التواصل بين المستوطنات، لمنع إقامة دولة فلسطينية وتهيئة الأرض لضم الضفة الغربية، وهذا ما عبّر عنه صراحة المستوطن المتطرف “إليشع ييرد”، الداعي إلى حرق حوارة، إذ إنه يقيم في بؤرة استيطانية تُدعى “رمات مغرون”، التي تتوسط قرية برقا ومخماس شرق رام الله، وقد بادر عدد من مستوطني بؤرته إلى إنشاء بؤرة أخرى على الجهة المقابلة ل”رمات مغرون”، أطلقوا عليها اسم “سديه يونتان”، وأعلنوا أنّ هدفهم هو منع التواصل بين قريتي دير دبوان ومخماس على الطرف الآخر من شارع “أيلون” الاستيطاني.
  • نستنتج من خلال النظر إلى المنطقة التي تركز فيها هجوم المستوطنين، وهي قرى شمال رام الله وجنوب نابلس الواقعة ضمن مثلث يربط جنوب الضفة بشمالها من جهة، وبمنطقة الأغوار من جهة أخرى، إلى تصاعد مساعي المستوطنين في إفراغ هذه المنطقة من الفلسطينيين لفصل شمال الضفة عن جنوبها، وفصل الغور أيضًا عن بقية الضفة. كان المستوطنون قد نجحوا في تهجير عدد كبير من التجمعات البدوية الموجودة في هذه المنطقة، وما زالوا مستمرين في مجهود إفراغ كل هذه المنطقة من أي تجمع بدوي، وبالعادة يقيم البدو مضاربهم في المناطق المصنفة (ج) حسب أوسلو، لأنها مناطق مفتوحة تشكل مراعي طبيعية لمواشيهم، وهذا يشير إلى أنّ أحد أهداف هجوم المستوطنين الكثيف على القرى الفلسطينية هو الانتقال من إفراغ مناطق (ج) إلى العمل على إفراغ المناطق المصنفة (ب)، إذ تُصنَف غالبية القرى في هذه المنطقة مناطق (ب).
  • يأتي هذا الهجوم المستمر بالتزامن مع مساعي الإدارة المدنية التي يسيطر عليها “سموتريتش” كونه وزيرًا ثانيًا في وزارة الحرب “الإسرائيلية”، ومسؤولًا عن شؤون الإدارة المدنية، إلى زيادة مصادرة الأراضي في الضفة الغربية، وتحديدا في المنطقة التي تتوسط محافظتي رام الله ونابلس والأغوار، ففي 20 مارس/آذار أعلنت الإدارة المدنية عن مصادرة 8160 دونمًا من أراضي قرية عقربا، وتصنيفها أراضي دولة، حيث تقع هذه المساحة في الشطر الشرقي من القرية الممتد نحو منطقة الغور، وقد كانت مصادرة فعليًا بحجة أنها منطقة عسكرية مغلقة، وهذا الأمر يعني إنشاء بؤر استيطانية أو مستوطنات جديدة على هذه الأراضي المصادرة ضمن مسعى خلق تواصل مع مستوطني “مسؤاه ويفيت” المعزولتين في الأغوار.
  • من المتوقع أن يكون هذا الهجوم فاتحة لهجمات عنيفة مماثلة، أو تفوقه عنفًا واتساعًا، فخلال الحرب أنشأ المستوطنون صفحات على “فيسبوك”، وألقوا منشورات في بعض القرى تدعو الناس إلى الرحيل والهجرة إلى الأردن قبل فوات الأوان، ولم يباشر المستوطنون بهجمات غير معتادة بعد هذه الدعوات، ولكن الهجوم الحالي على القرى الفلسطينية يمكن أن يُنظر إليه على أنه تنفيذ أولي لتلك التهديدات، وأنه سيُتلى بهجمات مماثلة في مناطق أخرى وبطرق أعنف، في ظل أنهم الآن قد رفعوا جرعة العنف كمًا ونوعًا دون أي ردات فعل محلية أو دولية، وهذا ما يعطيهم دفعة لرفع درجة العنف وتوسيعها جغرافيًا وزمنيًا.

الخاتمة:

يحمل هجوم المستوطنين الأعنف والمستمر دلالات مهمة حول المخططات الصهيونية المعروفة أصلًا، وطبيعة المرحلة القادمة، فمن ناحية يتماشى هذا العنف الخطير مع المساعي الصهيونية الهادفة إلى تهجير الفلسطينيين والسيطرة على كل الأرض الفلسطينية، كما يتماشى مع المبدأ الصهيوني “أرض أكثر، عرب أقل”،  إذ إنّ هذه السياسة تقوم على فكرة “الهجرة الطوعية”، ومع أنّ حكومات الاحتلال المتلاحقة لم تعلن تبنيها صراحة لهذه السياسة، إلّا أنّ عددًا من السياسيين والقادة “الإسرائيليين” طرحوا هذه الفكرة على أنها برنامج عمل فيما يتعلق بمستقبل الضفة، كان آخرهم  “سموتريتش”، وذلك في خطته المشهورة المعروفة بـ”خطة الحسم”، على أية حال، ليس من الضروري أن تعلن المنظومة السياسية صراحة عن أهدافها، خاصة فيما يتعلق بتهجير الفلسطينيين، إذ إنّ الممارسات على الأرض كفيلة وحدها بإيضاح ماهية السياسة “الإسرائيلية” المتّبعة.

أدى العنف الاستيطاني المترافق مع جملة من السياسات الاستعمارية الاستيطانية، الذي يجري بحماية كاملة من قوات الاحتلال، إلى تهجير عدد من التجمعات البدوية، كما أسلفنا، ويبدو أنّ المرحلة الحالية تستهدف تهجير قرى فلسطينية كاملة.

من ناحية أخرى، فإنّ هذه الحدث يحمل دلالات حول طبيعة المرحلة المقبلة، إذ إنّ عنف المستوطنين من المتوقع أنّ يتصاعد كمًا ونوعًا ومكانًا، ومن غير المستبعد أن ينفذ المستوطنون مجازر جماعية في إحدى القرى تحت ذريعة الانتقام أو تدفيع الثمن، وعليه فالهجوم الحالي لا يتعدى كونه “بروفة” أو اختبارًا لما قد يحدث لاحقًا، وهذا على قاعدة أنّ المشروع الاستيطاني الذي يستخدم عنف المستوطنين أداة فعالة لتنفيذ مخططاته، يسير بنظام الخطوة خطوة، ويكمن القول أنّ مستقبل الضفة يُرسم حاليًا بأيدي المستوطنين الذين لا يخفون نيتهم بتهجير الفلسطينيين وضم الضفة.


[1] – باحث في مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، رام الله

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى