نتنياهو وترامب وخيارات التسوية دون دولة للفلسطينيين
ما صدر عن لقاء ترامب بنتنياهو هو -وإن لم ينص كلامهما على هذا- أن حل الدولتين انتهى، وأنه ليس واقعيًا، وعليه فحدود الرابع من حزيران 1967 أيضًا لم تعد أساسًا صالحًا للحل.
لكن ما هو الحل الواقعي؟
الحقيقة التي يؤكدها نتنياهو كل يوم أنه يريد دولة يهودية خالصة لليهود فقط يعترف بها الفلسطينيون ويعيشون معها في سلام دائم.
السؤال هو كيف يمكن تحقيق هذه الدولة؟
الجواب: إما بطرد الفلسطينيين من كل فلسطين، أو بإعادة تقسيم فلسطين، وليس على حدود الرابع من حزيران ولا وفقًا لقرار التقسيم عام ،1947 لأن هذين الأساسين لا يفصلان بشكلٍ حقيقي وعملي بين اليهود من جهة والفلسطينيين من جهة أخرى، وتقسيم لا يفضي إلى دولتين بالضرورة.
المعقول والمنطقي والذي يجمع عليه قادة اليمين برئاسة نتنياهو، ولا سيما ليبرمان وزير الدفاع ورئيس حزب إسرائيل بيتنا، هو الفصل الديموغرافي بين اليهود والفلسطينيين من خلال إقامة دولة فلسطينية أو -بشكلٍ أدق- حكم ذاتي فلسطيني في التجمعات السكانية الكبيرة للفلسطينيين، باستثناء أجزاء من شرقي القدس وأجزاء من مدينة الخليل بين تل رميدة وكريات أربع.
أما التجمعات السكانية الفلسطينية الصغيرة مثل القرى والمضارب البدوية، سواء في مناطق (ج) في الضفة الغربية، أو في النقب المحتل عام 1948، أو في الجليل، فهي تخضع لعملية تهجير تجري على قدمٍ وساق منذ الاحتلال عام 1948، ثم يجري تجميعهم في تجمعات عربية كبيرة، وقد أصبح ذلك واقعًا.
وإلى أن يتم الاتفاق على هذه التسوية؛ سيكون القليل منهم فقط قد بقي موزعًا بحيث يبقى مثل ديكور للدولة اليهودية، يعيشون فيها مواطنين درجة ثانية متساوين في الواجبات دون الحقوق مثل الدروز الآن، كي تحتفظ "إسرائيل" بلقب (ديموقراطية).
ما الذي يمنع تحقيق مثل هذه التسوية؟
من الواضح أن الأجواء الإقليمية والدولية على حدٍ سواء تشجع اليمين الصهيوني على هذا الخيار والمضي فيه؛ فترامب وإدارته منسجمة تمامًا مع هذه التوجهات من جهة، والأنظمة العربية هذا حالها؛ ينشغل المقاوم منها بذبح شعبه وآخر ما يهمه الآن هو الموقف من "إسرائيل" وخططها، بينما الأنظمة العربية الأخرى "المعتدلة" ترتعب من معارضة شعوبها المطالبة بالديمقراطية ومن التهديد الإيراني التوسعي من جهة أخرى.
هذه الأطراف جميعًا شجعت نتنياهو واليمين الصهيوني على التمترس وراء مواقفهم الرافضة لحل الدولتين ووقف الاستيطان؛ فهذه تصريحات نتنياهو المتكررة تتحدث عن التغيير لصالحه في الإدارة الأمريكية الجديدة من جهة، وتصريحاته عن العلاقة الدافئة مع أنظمة "الاعتدال العربي" التي وفقًا لكلامه تستشعر نفس الخطر الإيراني ونفس الخطر من الحركات الإسلامية السنية، ولاسيما المعارضة مثل جماعة الإخوان المسلمين، وأن هذه الأنظمة مثله لا تعتقد أن التسوية مع الفلسطينيين شرط لتوثيق علاقتها وتعاونها مع "إسرائيل".
بل وأكد وزير الدفاع السابق بوغي يعلون أن القادة العرب في لقاءاتهم الثنائية مع القادة الإسرائيليين لا يتحدثون نهائيًّا عن القضية الفلسطينية، وهذا ما كان وما زال اليمين الصهيوني يعتقده خلافًا لليسار الصهيوني؛ وهو أن العلاقات مع العرب منفصلة تمامًا عن القضية الفلسطينية وتطوراتها،.
كما أشار نتنياهو في أكثر من مرة لأنظمة المقاومة والممانعة التي تقتل شعوبها كجهة أولى الالتفات لها من الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، أي "إسرائيل"، حسب اعتقاده، وخصوصًا وهو يرد على حملات المقاطعة في الغرب ضد "إسرائيل"، أو على قرار مجلس الأمن الذي أدان الاستيطان، واعتبره غير شرعي، أو في رده على كثير من الانتقادات الموجهة لـ "إسرائيل" من قبل الأوروبيين.
الخلاصة أن الأجواء المحلية على صعيد "إسرائيل" تبدو مهيأة لمثل هذه التسويات؛ فالحكومة والأغلبية البرلمانية في الكنيست الإسرائيلي لا ترى حلاً أكثر واقعية من دولة يهودية على كل فلسطين دون الفلسطينيين، والسلطة الفلسطينية بدورها قيدت نفسها بسقف التنسيق الأمني والمقاومة (الدبلوماسية)، واليسار الصهيوني المؤمن بحل الدولتين على أساس الرابع من حزيران أصبح أقليةً منبوذةً في المجتمع الصهيوني، بل ومتهماً بالخيانة في كثير من الأحيان.
أما على الصعيد الإقليمي؛ فأهم دولة عربية -وهي مصر- تعيش حالةً من الانفصام مع تاريخها وهويتها، ونظامها الحاكم اختلطت عليه الأمور حتى لم تعد القضية الفلسطينية قضيته، بل واتخذ الفلسطينيين في قطاع غزة عدوًّا له، واعتبر نتنياهو قائدًا سياسيًّا فذًّا، وأغدق عليه المديح واصفًا إياه بأنه يصلح لقيادة العالم، وإن أنكر انه اقترح دولةً فلسطينيةً في سيناء -كما كشف الإسرائيليون في أكثر من مناسبة- إلا أن واقعه يؤكد، فحصاره لغزة وتضييقه على الرئيس الفلسطيني في رام الله وتهجيره للمصريين المجاورين لغزة وهو ما يبدو إخلاء لمناطق في سيناء من المصريين تمهيدًا لهذا الحل، إضافة إلى ترحيبه وابتهاجه بفوز ترامب أسوة باليمين الصهيوني، كل هذا يشجع نتنياهو على خياراته والمضي فيها.
أما باقي العرب فحالهم يرثى له من بين خائفٍ من داعش أو قاتلٍ لشعبه أو منشغلٍ بحرب افتراضية مع إيران في اليمن أو في غيرها، وما يجمع بين جميعهم هو ألا أحد لديه من الرغبة أو الوقت أو الجهد لحمل الهم الفلسطيني، بل ويلجؤون لنتنياهو مخلصًا لهم من هواجسهم ومخاوفهم.
وأما الواقع الدولي فليس أقل قتامةً من الإقليمي، ففوز ترامب لم يكن العامل الوحيد، بل إن التغيرات وإعادة التمحور بادية، وهي لا تجد وقتًا للانشغال بالقضية الفلسطينية، فلكلٍ أجندته وقضاياه ومصالحه الإستراتيجية التي إن التقت مع الشرق الأوسط فتلتقي مع مصالح "إسرائيل" وحكومة اليمين المتطرفة الحاكمة فيها.
فالنظام الروسي المتورط في سوريا في حاجةٍ ماسة للتعاون الاستخباري مع "إسرائيل"، وإيران التي وقعت الاتفاق النووي مع الغرب منشغلة بحروبها التوسعية بعيدًا عن "إسرائيل"، وتركيا المهددة بالإرهاب والانقلابات والتقسيم تبدو أكثر حاجة للتعاون مع "إسرائيل" وحكومتها اليمينية.
وكل هذا يعني شيئًا واحدًا وهو أنه لا يوجد أي مبرر لحكومة نتنياهو لتقديم أي تنازل، بل لا يوجد يمنعه من المضي في إستراتيجيته وتطبيق رؤيته للتخلص من الفلسطينيين وإقامة دولة يهودية خالصة لليهود في كل فلسطين ودون تفكيك أي مستوطنة وبدون إقامة دولة للفلسطينيين ربما ولا حتى في سيناء.