ميدان الضفة… هل تتعجل المواجهة أم تؤجل؟

سليمان بشارات[1]

يستمر الاحتلال بوتيرة الاستهداف والتصعيد في الضفة الغربية منذ بداية العام الجاري (2023)، حيث ارتقى أكثر من 60 شهيداً برصاص الاحتلال بينهم ٩ أطفال وسيدة، فضلا عن تنفيذ عمليات هدم طالت 43 مسكنًا  في الضفة والقدس المحتلة، من ضمنها منازل عائلات المقدسيين المتهمين بتنفيذ عمليات مقاومة، وإقرار قانون في الكنيست بسحب هوياتهم وطردهم إلى الضفة الغربية، يوازي ذلك تصاعد حالة الغليان داخل السجون “الإسرائيلية”  والإعلان عن بدء العصيان من قبل الأسرى الفلسطينيين رفضًا للإجراءات التي شرعت بها حكومة الاحتلال بحقهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم، حيث يطالب الأسرى بتحرك شعبي وجماهيري مع قضيتهم، ويهددون بتحويلها إلى معركة مباشرة.

أمّا على صعيد البناء الاستيطاني، فقد اتخذت حكومة الاحتلال “الإسرائيلي” الأسبوع الماضي عدداً من القرارات غير المسبوقة لتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية، تمثلت في مصادقة لجنة وزارية حكومية لشؤون التشريع على مشروع قانون لإلغاء قانون “فك الارتباط”[2] لعام 2005، إضافة إلى شرعنة 9 بؤر استيطانية، وتصاعد وتيرة الانتهاكات التي ينفذها المستوطنون بشكل شبه منظم. 

يأتي الحديث عن تفاهمات أمريكية “إسرائيلية” فلسطينية في خضم هذا التأزم المتصاعد، من أجل تعليق تصعيد الاحتلال لعدة شهور أخرى، وفي ذات السياق تبرز عدد من التساؤلات أهما: كيف يمكن أن يؤثر تصعيد الاحتلال الميداني على ملامح الظروف المقبلة في الضفة الغربية؟ وهل يمكن أن يؤدي التصعيد المتزايد إلى مواجهة شاملة؟ أم أنّ هناك ظروفا أخرى هي التي ستعيد رسم المعادلة من جديد؟

 سيناريو تصاعد الأحداث:

هناك عدد من العوامل التي يمكن أن تساهم في تصاعد الأحداث ميدانيًا، وصولاً إلى حالة شعبية ممتدة أو مواجهة أشبه بالشاملة، يمكن تلخيص هذه العوامل في النقاط التالية:

  • المجموعات المسلحة المقاومة: رغم قيام الاحتلال خلال الشهور الماضية باستهداف مجموعات عرين الأسود في نابلس وكتيبة جنين، من خلال الاغتيال والاعتقال ومحاولة تفكيك تشكيلاتها، إلّا أنه لم يستطع حتى اللحظة القضاء عليها، وبذلك باتت تمثل نماذج ستبقى حاضرة -حتى في حال تمكن الاحتلال من إنهائها- في استنهاض الشارع الفلسطيني وإلهام الروح الثورية لديه، والتي تمثلت في استعادة الحاضنة الشعبية للمقاومة في المناطق المختلفة.
  • الأزمة الداخلية “إسرائيلياً: هناك نمط مُلاحظ لسلوك الحكومات “الإسرائيلية” عند مواجهتها لضغوط داخلية، تتمثل في التركيز على بعض الاهتمامات/التحديات الخارجية، وخاصة الأمنية، في محاولة لإعادة توجيه الضغط الداخلي عليها، والتي تتمثل حالياً في الاحتجاجات المتصاعدة رفضًا لخطوات حكومة “نتنياهو” تجاه الجهاز القضائي “الإسرائيلي”، وهذا يعني أنّ التصعيد الميداني في الضفة، وربما في غزة سيكون مخرجاً للحكومة المتطرفة الحالية للخروج من مأزق الاحتجاجات الداخلية وإعادة توجيه البوصلة.
  • الأزمات الفلسطينية الداخلية: تمر الحالة الفلسطينية داخليًا بسلسلة من الأزمات وتصاعد في الاحتجاجات النقابية، وفي مقدمتها إضراب نقابة المحامين، وإضراب المعلمين، وأزمة الرواتب للموظفين الحكوميين، أضف إلى ذلك اتساع فجوة الثقة ما بين المستوى الشعبي والمستوي السياسي الرسمي، الأمر الذي يعزز فقدان الأمل بأيٍّ من الوعود السياسية أو توقع الانفراجات السياسية المستقبلية، وبالتالي يجعل من حالة الاحتقان الفلسطيني الداخلي قنبلة موقوته قد تنفجر في أيّ لحظة.
  • اقتراب شهر رمضان: تُبدي الأوساط الأمنية “الإسرائيلية” مخاوفها في كل عام مع اقتراب شهر رمضان من تصاعد الأحداث وتسارعها في الضفة ومدينة القدس المحتلة، وهذا العام بدأ الاحتلال يتأهب بشكل أكبر، سيما في ظل ما تشهده مدينة القدس المحتلة من تصاعد في الانتهاكات “الإسرائيلية”، ومن الوعود المتكررة من قبل قادة الاحتلال المتشددين ووزراء الحكومة، بما فيهم “بن غفير” من استمرار وتزايد حالة التصعيد في القدس، خاصة في شهر رمضان، الأمر الذي قد يؤدي إلى إشعال شرارة لحالة مواجهة عامة خلال شهر رمضان.
  • استمرارية انغلاق الأفق السياسي: وهذا الأمر ينطبق على البعد الداخلي في عدم وجود أفق لأي توافقات داخلية فلسطينية لإعادة الحياة الديمقراطية والانتخابية إلى المؤسسات بكافة مستوياتها، أو حتى تطبيق أيٍّ من التفاهمات السابقة، ما يبقى الحالة الفلسطينية الداخلية غير متزنة ومهيأة للدخول في أيّ انعطافة ميدانية قد تكون وجهتها الاحتلال “الإسرائيلي”.

سيناريو احتواء التصعيد:

على الرغم من وجود العوامل السابقة التي يمكن أن تعزز حالة المواجهة، ينطلق مسار البحث عن التفاهمات والحلول، أو التطمينات المرحلية التي يمكن أن تؤجل أو ترحل من حالة الانفجار إلى توقيت زماني آخر، ظهر ذلك في التفاهمات التي أُعلن عنها مؤخراًبين الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” والسلطة الفلسطينية، فقد عمدت الإدارة الأمريكية ممارسة الضغوط على الفلسطينيين للتراجع عن تقديم مشروع إدانة الاستيطان في مجلس الأمن، واستبداله ببيان لمجلس الأمن، جاء ذلك عقب جولة مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “CIA” وليام بيرنز” إلى المنطقة، وتحذيره من الأوضاع في الأراضي المحتلة، والتي قد تؤدي إلى “انتفاضة ثالثة“، وتتضمن هذه التفاهمات وفقا لموقع “واللا” العبري، التزام “إسرائيل” بتجميد خطط بناء إضافية في المستوطنات لعدة شهور، وتجميد هدم منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية وشرقي القدس المحتلة لعدة شهور ، وتجميد إخلاء الفلسطينيين من منازلهم في المناطق المصنفة “ج” لشهور، والتخفيف من عمليات الاقتحام “الإسرائيلية” للمدن الفلسطينية، إضافة إلى العديد من الإجراءات الأخرى.

من المرجح أن تكون هذه التفاهمات حبراً على ورق ليس إلّا، وأنها عنيت بالدرجة الأولى بمحاولة إقناع الفلسطينيين العدول عن تقديم مشروع إدانة الاستيطان، ومن العوامل التي تعزز هذه القناعة:

  • عدم توفر الضامن لوعود الاحتلال: فالاحتلال “الإسرائيلي” في كل مرة يتحدث فيها عن خطوات ميدانية أو سياسية نحو الهدوء لا يلتزم بها، وهذا ربما ينطلق من رؤيته ومصلحته الأمنية والسياسية، وبالتالي عدم وجود ضامن فعلي يلزم الاحتلال بالتوقف الفعلي في توتير الأجواء، وعدم الاستمرار في تنفيذ الخطط الاستيطانية وعمليات الاعتقال والاقتحام للمدن الفلسطينية، وهذا من شأنه أن يجعل الميدان مرشح لأي تطورات مفاجأة.
  • الضعف السياسي الفلسطيني: في ظل حالة الضعف السياسي الفلسطيني داخليًا يصعب أن يكون لدى الفلسطينيين أوراق قوة تجبر الاحتلال أو تضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لتكون ضامنًا لأيٍّ من التفاهمات، وهذا يعني التعامل مع عامل الزمن والمراهنة فقط على أيّ تغيرات قد تحدث مع الأيام تكون لصالح الفلسطينيين، وفي المقابل قد يدفع هذا الانتظار باتجاه الانفجار الجماهيري أو الشعبي للمواجهة مع الاحتلال.
  • انخراط الحالة العربية والإقليمية بقضايا متعددة: وبالتالي لم تعد القضية الفلسطينية أو مساندتها الأولوية لدى النظم السياسية العربية والاقليمية، بقدر أنها ورقة لكسب دور سياسي في المنطقة، وهذا ربما يعززه التوسع في ملف التطبيع العربي “الإسرائيلي”، والاهتمام أكثر في تعزيز العلاقات التي يمكن أن تحقق لهذه الدول مكاسب سياسية.

الخلاصة:

تبقى الحالة الفلسطينية رهينة عوامل عدة، وتطورات ميدانية، لكن ما لا يُختلف عليه أنّ هناك حالة من الغليان والضغط الداخلي، التي من الممكن أن تؤدي إلى مواجهة مفتوحة مع الاحتلال، حتى لو نجحت الأطراف في  تأجيله إلى فترة زمنية محدودة، ، وعند حدوث تلك المواجهة، سيكون من الصعب تقدير طبيعة التحولات التي قد تترتب عليها، سيما في ظل غياب دور القيادة السياسية الميدانية، وضعف أداء التنظيمات السياسية.  


[1] – باحث في مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، رام الله

[2] “فك الارتباط” خطة إسرائيلية أحادية الجانب نفذتها حكومة رئيس الوزراء الأسبق أرئيل شارون صيف عام 2005، وأخلت بموجبها المستوطنات ومعسكرات الجيش في قطاع غزة، إضافة إلى 4 مستوطنات شمالي الضفة الغربية. ومشروع القانون الجديد يدعو إلى إلغاء فك الارتباط وإعادة بناء المستوطنات في شمال  الضفة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى