منظمة التحرير.. مطالب الإصلاح المستمرة والخيارات المُتاحة
تبرز بين الفترة والأخرى مطالب بضرورة تفعيل وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، كأحد المنطلقات التي يمكن أن تعزز مبدأ الشراكة السياسية، ومؤخرا عَقد (المؤتمر الشعبي 14 مليون)، عددا من الفعاليات في بعض بلدان الشتات وفي قطاع غزة، تحت عنوان المطالبة بإصلاح منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فيما منعت السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية بالضفة الغربية إقامة هذه الفعاليات.
أعاد هذا الحراك المطلبي طرح مجموعة من الأسئلة التي حاول مركز رؤية للتنمية السياسية في اسطنبول، الحصول على إجابات عليها بمشاركة نخبة من الشخصيات السياسية والأكاديمية، بهدف الوصول إلى قراءة أكثر عمقا. وأبرز الأسئلة هي: هل يشكل مطلب تفعيل منظمة التحرير أولوية فلسطينية في ظل الظرف الحالي، لا سيما عقب تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، وبعد توقيع إعلان الجزائر للمصالحة؟ كيف نقرأ موقف السلطة الفلسطينية بعدم الاستجابة لمطالب الإصلاح؟ وهل هو رفض مطلق لإصلاح المنظمة وتشكيل مجلس وطني ومؤسسات جديدة؟ هل تمتلك القوى الشعبية والشخصيات المستقلة والمجتمع المدني القدرة على ممارسة الضغط من أجل إصلاح المنظمة؟ وما هو دور البيئة الإقليمية والدولية وتأثيرها على هذا المطلب؟ ما هي المقترحات أو البدائل التي يمكن طرحها حول إصلاح منظمة التحرير، وتفعيل دورها مستقبلا؟
يمكن تلخيص آراء الخبراء فيما يأتي:
- مطلب إصلاح وتفعيل منظمة التحرير هو مطلب ذو أولوية قصوى وعاجلة، ويمكن أن يكون بوابة لإصلاح كثير من القضايا التي تتعلق بالوحدة الوطنية.
- الحراك والدعوات الأخيرة تمثل خطوة متقدمة باعتبارها لم تكن مرهونة بمناسبة معينة، وتمثل فئات وشرائح فلسطينية بالداخل والشتات.
- رفض السلطة وحركة فتح تفعيل المنظمة، خشية من هيمنة أو منافسة برامج سياسية مخالفة لبرامجها من داخل منظمة التحرير.
- لم توضع أسس واضحة لإصلاح منظمة التحرير؛ فلا بدّ من تعميق النقاش بين جميع المكونات الشعبية والمجتمع المدني، والفصائل والتنظيمات.
- لا يكفي ضغط القوى الشعبية والمجتمع المدني لإصلاح المنظمة، إذ لا بد أن يكون ذلك من خلال تفعيل دور الأطر الفصائلية والتنظيمية من داخل المنظمة وخارجها.
- البيئة الإقليمية والدولية غير معنية بمنظمة التحرير أو تفعيلها، وتريد تجاوزها لصالح السلطة.
- تدعم بعض القوى الإقليمية تعزيز وتطوير النظام السياسي الفلسطيني من خلال تفعيل منظمة التحرير، وتعزيز الحالة الديمقراطية.
- البديل أمام رفض إصلاح منظمة التحرير أن يكون هناك نضال وتحرك لإجبار حركة فتح على تطبيق القانون الأساسي الفلسطيني فيما يتعلق بعقد الانتخابات، ابتداء بانتخابات الرئاسة، ثم المجلس التشريعي والمجلس الوطني، وهذا يمكن أن يكون من خلال الاحتجاجات والضغط بالطرق السلمية والقانونية.
وفيما يلي النص الكامل لمشاركات الخبراء:
د. أحمد جميل عزم، أستاذ مساعد في العلاقات الدولية، عضو مجلس إدارة مركز الأبحاث (م.ت.ف)، وعضو المجلس المركزي الفلسطيني
ما حدث مؤخرا خطوة إيجابية ونوعية مهمة، والإيجابي هو عدم انتظار المثقفين والناشطين السياسيين، انعقاد مجلس وطني أو مجلس مركزي من أجل إبداء الرأي، كما كان يحدث بالسابق، أي لم يتم نسيان منظمة التحرير وتذكرها في مناسبة، بل ما حدث كان مبادرة لإثارة الموضوع من قبل المجتمع الفلسطيني السياسي والمدني. وبالتالي فإن مطلب إصلاح (وربما الأدق تفعيل) منظمة التحرير هو أولوية قصوى وعاجلة، ويمكن أن تكون بوابة لحلّ كثير من القضايا التي تتعلق بالوحدة الوطنية.
موضوع المصالحة لم يعد يتعلق بالشق السياسي، ولا بالموقف السياسي، بقدر ما هو مصالح للسلطتين في الضفة الغربية وغزة، ولا أعتقد أن إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية بحد ذاته سيؤدي للمصالحة، وإنما سيغير من المعادلات السياسية.
وبالتالي فإن الرفض من قبل السلطة وحركة فتح لتفعيل المنظمة، هو خوف من وجود صوت بديل، أو مبادرة مختلفة. وردة الفعل الحادة حقيقةً فاجأتني، لأن مجرد عقد اللقاء في رام الله، هو نوع من الدّعوة للحوار، لكن هامش الحوار في السياسة الفلسطينية بات يتراجع وبشدة.
وحتى نتحدث عن البدائل، يجب الإشارة أولا إلى أنّ المطالبة بإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، لم تحظَ بنقاشٍ كافٍ، ولم توضع لها أسس واضحة. ومن أسباب تأخر إصلاح منظمة التحرير أيضا، إصرار فصائل إسلامية، الجهاد وحماس، على حسم الكثير من النقاط قبل الدخول في المنظمة. حتى أن الجهاد تقترب من التشكيك بوحدانية تمثيل المنظمة، وكانت هي وحماس في الماضي تشترطان تغيير البرنامج السياسي للمنظمة قبل دخولها. الآن حماس على الأقل تريد نظاما انتخابيا معينا، وأسسا جديدة لتشكيل المنظمة، وهذا لن يؤدي إلى اتفاق باعتقادي.
معارضة إصلاح المنظمة من قبل القيادة الفلسطينية التقليدية، يقابله شروط أقرب للمحاصصة، وإعادة التشكيل من قبل الفصائل الإسلامية. فالقيادة الحالية لا تريد للمنظمة استعادة دورها، والفصائل الإسلامية تريد منظمة تحرير جديدة قبل أن تدخلها، بحيث تضمن موقعها في قيادة المنظمة سلفا. وبالتالي أعتقد أن القوى الشعبية والشخصيات المستقلة والمجتمع المدني، في الشتات والداخل، مطالَبة بممارسة الضغط لتفعيل المنظمة، ومن بين الأمور التي يمكن أن تقوم بها:
- عمل حملات لتفعيل مؤسسات معينة في المنظمة، مثل اتحادات الطلاب والمرأة والمعلمين، كأن يتم التوضيح للرأي العام متى عقد آخر مؤتمر، ومتى أُجريت آخر انتخابات.
- فتح حوار مع قيادة المنظمة الحالية، ورئاسة مجلسها الوطني، على قاعدة المساءلة عن أسباب تعطيل مؤسسات المنظمة.
- التوقف عن الدعوة لانتخابات المجلس الوطني؛ لاستحالة ذلك، والعودة للنظام الأساسي الحالي، مع الدعوة لتفعيله.
- إرسال هيئات طلابية وشبابية ومهنية طلبات عضوية في المنظمة، وطلب عقد انتخابات.
أعتقد أن البيئة الإقليمية والدولية غير معنية بمنظمة التحرير، وتريد تجاوزها لصالح السلطة. من الجانب الآخر، هناك نقطة مهمة، وهي الاعتقاد بأن السلطة “أكلت” المنظمة أو أخذت مكانها، والصحيح أن ما يحدث في الأشهر الأخيرة، هو محاولة المنظمة السيطرة على السلطة، والحلول مكانها، فهناك مساعٍ ليحل المجلس المركزي بصيغته الحالية مكان المجلس التشريعي. ونلاحظ أن أمين سر اللجنة التنفيذية يركز في نشاطه على الشأن المحلي الفلسطيني، وعلى الشأن اليومي، دون اهتمام بالشتات الفلسطيني، أو باستراتيجية عمل وطني. فتجد أن نشاطاته أقرب للنشاطات الحكومية المطلوبة من السلطة. وبالتالي كأن هناك محاولة لإعادة صياغة دور وعلاقة المنظمة بالسلطة.
وفي الختام، أعتقد أن الدعوة لأي إطار بديل عن منظمة التحرير سيفشل، وأن الحل هو التركيز على تفعيل مؤسسات المنظمة.
ماجدة المصري، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، ووزيرة الشؤون الاجتماعية سابقا
يُعتبر إصلاح منظمة التحرير موضوعا أصيلا، بمعنى أنه غير مرتبط بموضع زماني ولا مكاني ولا احتياج سياسي، لأن إصلاح المنظمة يمثل منطلقا وطنيا، وبالتالي هو أولوية دائمة الحضور بهدف تحقيق مفهوم الشراكة والوحدة السياسية، وإنهاء حالة الانقسام السياسي. وباعتقادي أن (المؤتمر الشعبي 14 مليون)، يمثل حقا للأفراد القائمين عليه في التعبير عن رأيهم وموقفهم، وهذا الحق مكفول في القانون الأساسي الفلسطيني، وقمعهم في الضفة من قبل السلطة كان خاطئا، لكن في ذات الوقت، فإن إقامة مثل هذا التحرك كان يجب أن ينطلق من خلق حالة توافقية؛ حتى لا تؤسس لحالة اصطفافات.
باعتقادي أن عدم التزام قيادة السلطة، التي هي نفسها قيادة حركة فتح، بتوصيات المجلسين الوطني والمركزي، والتي من ضمنها دمقرطة منظمة التحرير من خلال الحوار وإنهاء الانقسام ومشاركة الكل الفلسطيني، يُفهم منه، ولو ظاهريا، أنها ضد عملية تفعيل أو إصلاح المنظمة.
وعلى صعيد قدرة القوى الشعبية والشخصيات المستقلة والمجتمع المدني على ممارسة الضغط لإصلاح المنظمة، فباعتقادي أن هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق ما لم يكن هناك دور ضاغط من داخل المنظمة نفسها، وأيضا مرتبط بفصائل العمل الوطني والإسلامي، وبالتالي فإن أي تحرك لا تنخرط به هذه الأطر الفصائلية، لن يكون مجديا.
الحالة الإقليمية والدولية ذات تأثير سلبي فيما يتعلق بتفعيل المنظمة، وربما التأثير الدولي له دور أكبر، مباشر أو غير مباشر، وهذا ما كشف عنه بشكل واضح شطب البند السابع من إعلان الجزائر لإعلان المصالحة، وبالتالي فإن التمسك بشروط الرباعية الدولية من قبل رئيس السلطة، يظهر مدى الدور الدولي فيما يتعلق بشكل المشاركة السياسية، وهذا بالتالي يضع عائقا أمام الذهاب إلى موضوع تفعيل المؤسسات وفق أسس وطنية تشاركية.
الخيار البديل أمام كل هذا الحراك، يكون فقط من خلال إيجاد حالة توافق فلسطينية، تجمع ما بين المجتمع المدني والنخب، مع الأطر السياسية والأحزاب والتنظيمات، بهدف الذهاب إلى خطوة توافقية موحدة يمكن من شأنها فعلا تفعيل منظمة التحرير.
عمر عساف، منسق (المؤتمر الشعبي الفلسطيني 14 مليون)، وعضو التجمع الوطني الديمقراطي
إعادة بناء المنظمة وليس إصلاحها، هو المصطلح الأكثر ملاءمة؛ لأن المنظمة بشكلها الراهن غير قابلة للإصلاح، ولذا خطتنا هي الدعوة لإعادة بناء المنظمة معتمدين على ثلاثة عناصر: وحدة الشعب، والتمسك بالمنظمة ممثلا شرعيا وحيدا، وإجراء انتخابات للمجلس الوطني. هذا التوجه ضروري في هذا التوقيت؛ لأن هناك أزمة عامة تمر بها الحالة الفلسطينية، وهناك احتقان في كل مجالات الحياة والمجتمع، سواء السياسية أو الاجتماعية، وسواء على صعيد الحريات، أو على صعيد الفساد، أو التفرد بالسلطة وغياب الشراكة، كلها عوامل دفعت باتجاه أن يكون هناك تحرك، وجاءت الظروف الموضوعية المحيطة مواتية، حيث التحرك الشعبي المقاوم بالضفة كظاهرة مقاومة شاملة، إضافة إلى أن هناك حاجة لأن تكون قيادة الشعب في مستوى التضحيات والتحديات، ولا أعتقد أن القيادة الحالية يمكن أن تكون بالمستوى المطلوب.
أما لماذا ترفض السلطة وفتح هذا التحرك؟ فلأن هناك مجموعة تتحكم بالقرار، وهي مجموعة محصورة بعدد أصابع اليد الواحدة، وستكون متضررة عمليا من أي تغيير يمكن أن يحصل، كما فعل الرئيس محمود عباس بإلغاء الانتخابات لأنها ستطيح به، وتغير المنظومة التي يتزعمها عمليا. بالتالي هناك خشية من الذهاب إلى انتخابات مجلس وطني يمكن أن تطيح بكثير من الأطراف، وتعريها وتفقدها مبرر وجودها، والامتيازات والمنافع التي حولت عملها إلى مرابحة، وكأنهم يعتاشون على معاناة الشعب، هذا ليس موقف حركة فتح بشكل عام، بل المتنفذين فيها الذين يرفضون أي تغيير.
ولهذا نحن ذاهبون باتجاه بناء الكتلة الشعبية الضاغطة، التي يتوقف عليها وعلى دورها إنجاز هذه المهمة، وذلك بالضغط في الشارع لإجبار السلطة على الامتثال لإرادة الشعب. لذا نحن لا نبحث عن بدائل؛ لأن البدائل تعني تزايد الاحتقان، وحدوث انفجار داخلي بين أبناء المجتمع، وهذا ما نرفضه. منظمة التحرير لا بديل عنها، فهي منظمتنا، وقد بنيت بالتضحيات وبدماء الشهداء.
كحراك شعبي ومجتمع مدني، نستطيع أن نفرض الضغط على السلطة لأننا لسنا أفرادا، أو مجموعات أو حركات فقط، وإنما هناك أعداد كبيرة في أوساط المجتمع الأهلي هي قوة فاعلة في الساحة الفلسطينية، وهناك قطاعات واسعة تلتف حول هذا الخيار، ونحن مؤمنون بقدرتنا على بناء الكتلة الشعبية الضاغطة، وهناك قوى شعبية كثيرة يهمها إحداث التغيير في الحالة الفلسطينية، بالتالي نحن واثقون أن هذه الأغلبية الصامتة من المجتمع سرعان ما ستنضم إلى هذا التحرك.
البيئة الإقليمية والدولية لا يمكن أن تكون بذات المستوى؛ لأن بعض الأوساط في الإقليم، والتي تطبّع مع الاحتلال، ليس لها مصلحة في إحداث أي تغيير في الحالة الفلسطينية، ولكن في المقابل هناك قوى ودول فاعلة في الإقليم، توفر حاضنة ودعما لهذه التوجهات، وما قامت به الجزائر مؤخرا، يمكن أن يشكل إطارا إقليميا إلى جانب الدول الأخرى في محور المقاومة، والتي تدعم وحدة الشعب الفلسطيني، وتدعم أيضا دمقرطة الحالة الفلسطينية، وانتخاب المجلس الوطني.
في الختام، مسألة الخيارات والبدائل الأخرى دون تفعيل منظمة التحرير، لن تنهي الأزمة، وربما تؤجل الانفجار، وبالتالي يمكن أن تشكل علاجا مؤقتا فقط.
عبد الجواد صالح، عضو المجلس المركزي الفلسطيني سابقا، ورئيس بلدية البيرة الأسبق
إصلاح منظمة التحرير منطقي ومهم وضروري، ولن تكون منظمة التحرير فاعلة، إلا من خلال تغيير كامل للقيادة، سواء قيادة المنظمة أو السلطة، فبدون تغييرها لا يمكن لنا أن نتصور أي عملية تغيير على الإطلاق؛ لأن القيادة الحالية منتفعة ماديا من الوضع الذي شكلته، لذلك لا أتوقع أن تستمع القيادة إلى مطالب أي جهة.
في المقابل، البدائل الأخرى غير متاحة فعليا، فلو حاول الفلسطينيون إنشاء منظمة بديلة عن هذه المنظمة، فسيتم اتهامهم بشق الصف الوطني وازدواجية التمثيل. ولذلك لا أرى أن هناك حلاً إلا بإجراء الانتخابات الشاملة، بداية من رئاسة السلطة وحتى باقي المستويات. فقيادة السلطة الفلسطينية خارجة عن القانون الأساسي الفلسطيني، الذي ينص على إجراء انتخابات كل أربع سنوات، ولذلك فإن المطالبة بإجراء الانتخابات هي مطالبة قانونية. وهذا الأمر غير مرتبط بدعوة الرئيس لعقد الانتخابات، وإنما يجب أن يكون هناك نضال لإجبار السلطة على تطبيق القانون الفلسطيني. وبدون الحراك الشعبي الجماهيري المطالب بإجراء الانتخابات، لن تسمح السلطة الفلسطينية بإجرائها، لأنها لن تقبل بالتخلي عن امتيازاتها ومناصبها إلا تحت الضغط الشعبي.
إن الشعب الفلسطيني قادر على القيام بهذه المهمة، ويحتاج فقط إلى قيادة توجهه، وتضع استراتيجية نضالية لتحقيقها. وهناك قوى دولية وشعبية صديقة للشعب الفلسطيني، ستكون داعمة لإصلاح المنظمة وتفعيل القضية، ولكن ما يضعف موقفها اليوم، هو تعاون السلطة الفلسطينية مع الاحتلال، فلن يكون أصدقاؤنا كاثوليكيين أكثر من البابا.
والحل الحالي هو خروج الشعب الفلسطيني للمطالبة بحقه في إجراء الانتخابات، ومرافقة ذلك بعصيان مدني شامل احتجاجا على سلب حقوقه القانونية.
د. أيمن دراغمة، عضو المجلس التشريعي السابق
إصلاح المنظمة يشكل أولوية في جميع الظروف والأحوال، فمن أهم ما تحتاجه الحالة الفلسطينية، هو وجود قيادة موحدة تتحمل مسؤوليتها في قيادة الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، وهذا الهدف أصبح أكثر إلحاحا، وأولوية بعد الانقسام، وما تبع ذلك من تفرد واحتكار للقرار الفلسطيني الرسمي من قبل الرئيس محمود عباس، كما أن ذلك يعد مطلبا شعبيا من قبل الجماهير الفلسطينية في الداخل وفي الشتات، يضاف إلى ذلك حالة الضعف والترهل والافتقار للتمثيل الفعلي من قبل قيادة المنظمة الحالية، ويبدو ذلك واضحا بشكل صارخ في استطلاعات الرأي، حيث تحظى قيادة المنظمة بدرجات متدنية من التأييد والثقة، وبالتالي يعد إصلاح المنظمة من أولويات الشارع الفلسطيني، بعد أن فشلت في تحقيق أهدافه الوطنية.
حركة فتح وقيادة المنظمة تتذرع بحجج غير حقيقية للتهرب من هذا الاستحقاق الوطني، والذي تم التوقيع عليه في كل الاتفاقيات من قبل الجميع، وسبب ذلك هو الخشية من أن يؤدي دخول حركتي حماس والجهاد، إلى خسارة حركة فتح الاستحواذ والهيمنة على قيادة المنظمة وبرنامجها، وكذلك رفض محاولات الإصلاح وإعادة البناء، خشية من تغيير الواقع والمعطيات الحالية، التي تضمن بقاء الحال على ما هو عليه، بطريقة تبقي المنظمة اسما وعنوانا بلا مضمون، وبلا دور ولا تأثير. وأتوقع أن السياق الحالي، فلسطينيا وعربيا ودوليا، يسمح لقيادة المنظمة بتحقيق أهدافها الشخصية والحزبية، بالهيمنة واحتكار القرار الرسمي، ورفض كل محاولات الإصلاح، بل أرى أن هذا يعتبر من الصناديق المغلقة التي تمنع قوى الاستعمار والاستبداد فتحها. لا بد من مواصلة الضغط بجميع الوسائل لتحقيق هذا الهدف، ولكن لا أرى أن أي طريقة أخرى، مثل تشكيل بديل، أو أي جسمٍ موازٍ، يمكن أن ينجح في تحقيق الهدف.
هاني المصري، مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية- مسارات
الانتخابات ليست هي الحل، وإنما هي جزء من الحل. وعليه لا يجب أن تكون الانتخابات جوهر أي برنامج، فنحن بحاجة لتصور متكامل يشمل السلطة والمنظمة والمؤسسات الأخرى.
لقد ترتبت مؤسسات منظمة التحرير على واقع الهيمنة والانفراد، وتحقيق المصالح لأفراد وشرائح معينة، بحيث يصبح أي تغيير مضرا بمصالحها، ولذلك هناك مقاومة لأي تغيير جدي وجوهري، وخاصة في ظل الانقسام والاختلاف في البرامج، وفي ظل تعدد مراكز القوى داخل حركة فتح، المختلفة بشأن قضايا متعددة، بما فيها قضية خلافة الرئيس محمود عباس. ولذلك لا يمكن لعملية الإصلاح أن تتم بشكل مباشر وسريع، وإنما هي بحاجة لتراكم نضالات سياسية وشعبية، حتى تكون قادرة على فرض التغيير، وإحياء منظمة التحرير كي تلعب دورها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
وهذا يتوقف على توفر الوعي والإرادة. فمن الناحية النظرية هناك قوى كثيرة ومجموعات ومؤسسات مجتمع مدني لو نسقت جهودها وعملت مع بعضها، فإنها تستطيع أن تؤثر. إلا أن حالة الشرذمة التي تعاني منها هذه القوى، تجعل قواها مبعثرة، وقدرتها على التغيير محدودة.
كذلك البيئة الإقليمية والدولية لا تساعد، وهناك أطراف عالمية مثل أمريكا وأوروبا وبعض الدول العربية، لا تريد إحياء منظمة التحرير، لأن ذلك يعني إحياء الحقوق والأهداف الوطنية الفلسطينية، في الوقت الذي أصبحنا فيه بعيدين جدا عنها، وعليه فهم يريدون استمرار الوضع كما هو عليه. والتطورات الإقليمية التي حدثت والتي ستحدث، تنبئ بأن القادم أسوأ على الصعيد الدولي، ولذلك فالانتظار ليس سياسة، ولا يمكن أن يجلب أي نتيجة نطمح لها.
البدائل هي أن تكون هناك مجموعات ضغط، وحراكات وقوى شعبية تساندها تعمل في نفس الاتجاه، ولكن من أسفل إلى أعلى في البداية، حتى يصل الأمر إلى تغيير من فوق. حتى لو اقتضى الأمر تشكيل جبهة وطنية عريضة تضم كل الحريصين على إحياء المنظمة وإعادة بناء مؤسساتها. وبدون نضال لا يمكن أن يتحقق هذا الهدف، فالمناشدة والمطالبات وحدها لا تكفي، وعلى الجميع الاضطلاع بمسؤولياته، وعدم تعليق الأمر بيد الرئيس وحركة فتح.
عبد الرحمن زيدان، عضو مجلس تشريعي سابق ووزير الأشغال العامة سابقا
أعتقد أن مفتاح الحل لكل أزماتنا الوطنية يمر من خلال إصلاح منظمة التحرير، بالرغم من كل المتغيرات المحيطة بقضيتنا، بل إن ذلك يشكل بداية تصحيح مسار القضية داخليا وخارجيا، وبالتالي يحتل هذا الأمر الأولوية القصوى على ما سواه. ولكن للأسف من الواضح أن موقف السلطة وحركة فتح سلبي جدا تجاه مطلب إصلاح المنظمة، أو إجراء انتخابات لتجديد الشرعيات على صعيد السلطة والمنظمة، ومن الواضح أن أي إصلاح سيسلب من المتنفذين استفرادهم بالسلطات.
البحث في البدائل عن الوضع الراهن مسألة معقدة، فالحالة ناتجة عن هيمنة طويلة الأمد من قبل فتح على مؤسسات المنظمة كافة، ومقدراتها، ومكانتها الدولية (الشرعية). كما أن القوى العالمية تحرص على استمرار الحالة الراهنة؛ خوفا من استقلال القرار والإرادة الفلسطينية إذا سيطرت على المنظمة أو السلطة قوى مختلفة بطريقة ديمقراطية، كما حصل في انتخابات عام 2006، لذلك يجب الانتباه إلى أن جزءا كبيرا من شرعية المنظمة والاعتراف الدولي بها، ليس مستمدا من تفويض وطني، بل من رعاية دولية من السهولة أن تُسحب إذا تغيرت توجهات المنظمة، ولم تعد تخضع لمعايير الشرعية الدولية.
ومن الواضح أن قدرة مؤسسات المجتمع المدني والمستقلين، ليست فعالة بشكل جوهري لإحداث تصحيح في مسار المنظمة والسلطة، ويساعد على ذلك أن كثيرا من هذه المؤسسات يخضع لشروط المانحين، وينفذ سياساتهم.
كما أن البيئة الإقليمية والدولية شكلت على الدوام، عنصر ضغط فعال جدا في إيصال المنظمة إلى الحالة الراهنة حمايةً لمشروع الاحتلال، بل وساهمت مباشرة في التآمر على القضية، ومنع الشعب الفلسطيني ومؤسساته من أي عمل جاد وفعال لمقاومة الاحتلال.
ولعل من نافلة القول إن البيئة الإقليمية والدولية تلعب دورا رئيسا في منع التوصل إلى مصالحة تجمع القوى الفلسطينية كافة.
البدائل المطروحة تتمثل في خيارين، إما الاستمرار في الضغط للتوصل إلى مصالحة، والصبر على المماطلة والتمنع، أو تشكيل جسم بديل عن منظمة التحرير. الخيار الأول لم ينجح حتى الآن، ويتطلب بيئة إقليمية ودولية مختلفة قد تتوفر لاحقا، وقد يتم التوصل إلى أجزاء منها تدريجيا، كما أنه يتطلب التمسك بوجود المنظمة كمؤسسة ممثلة للشعب والقضية، ورفض أي بدائل تنتقص من مكانتها، وذلك لصناعة جبهة عريضة تعزل المهيمنين، وتعيد للمنظمة مكانتها ودورها.
الخيار الثاني ممكن وتتوفر له عناصر تضمن إنجازه، ولكن مكوناته ليست جميعها فاعلة على الأرض، وسيُنظر للجسم الجديد على أنه انشقاق عميق الأثر في القضية الفلسطينية، وسيتحول الصراع إلى صراع داخلي مكشوف لا تحمد عواقبه، وسيتهم الطرف المنفصل على أنه يكرس الانقسام ويؤبده. وفي المقابل لن يحصل الجسم الجديد على مباركة واعتراف القوى الإقليمية والدولية؛ لأن هذا الاعتراف إما أن يفرض فرضا، أو يستجدى مقابل تنازلات، ولذلك لا أرى أن الظروف تسمح بغير الصبر والتحايل على الواقع المرير، واستمرار الضغط، واستخدام كل الوسائل الممكنة، واستغلال المتغيرات على الساحة الإقليمية والدولية من أجل المصالحة.
د. مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة
الحالة الفلسطينية بحاجة إلى تصحيح، والبيت الداخلي الفلسطيني بحاجة لإعادة ضبط بوصلته، فحتى اتفاق الجزائر الأخير الذي من المفترض أنه كان يسعى إلى توحيد الحالة الفلسطينية، لم يستطع تحقيق ذلك، وما لم يكن هنالك فعل شعبي على الأرض، فإن أطراف الانقسام الفلسطيني لن تذهب إلى المصالحة، وبالتالي ليس من الخطأ تنظيم مؤتمرات أو غيرها من الفعاليات، بل إن تصوير الموضوع على أنه التفاف على منظمة التحرير، ومحاولة لنزع الشرعية عنها، هو تصوير غير دقيق، وبالعكس هو حالة من حالات التصحيح.
ما جرى حول الحراك الجديد لإصلاح منظمة التحرير، باعتقادي تم تسييسه من قبل السلطة وفتح، حيث كان الفهم بأن المؤتمر وراءه أطراف خارجية ربما لها علاقة بتيار دحلان، وهذا أدى إلى رفضه، لكن السؤال الذي من المفترض أن يُطرح هنا: هل الحالة الفلسطينية جيدة؟ أعتقد أنها ليست كذلك، ولذلك من المهم البحث عن خيارات، وأن لا نبقى في إطار رد الفعل، بل نبادر إليه.
ومن وجهة نظري، فإن المجتمع، حتى بضغطه الشعبي، غير قادر على إحداث التغيير المطلوب، لأن فتح وحماس هما من يُسيطر، لكن بإمكان هذا الضغط أن يقرب المواقف.
على المستوى العربي والإقليمي هناك إشكاليات حقيقية. وصحيح أن موضوع المصالحة كان على أجندة الجامعة العربية، لكن حتى الآن لم يتم تشكيل لجنة لمتابعة ما تم الاتفاق عليه في الجزائر، بالتالي فإن البيئة الإقليمية تُقرأ في سياق كيف تستفيد هذه القوى من هذا الضغط، وتحديدا مصر والأردن.
أفضل الطرق وأقصرها لإصلاح منظمة التحرير، هي الانتخابات، أما إعلانات المصالحة وغيرها، فهي حتى اللحظة مضيعة للوقت، لكن يبدو أن موضوع الانتخابات لن يتم دون إقرار من قبل الطرفين.