عرض كتاب: حصار المخلفات.. حياة البنية التحتية في فلسطين
عرض: | ختام عجارمة[1] |
المؤلف: | صوفيا روبنز Sophia Stamatopoulou- Robbins |
عنوان الكتاب: | Waste Siege: The Life of Infrastructure in Palestine |
الناشر: | مطبعة جامعة ستانفورد Stanford University Press |
سنة النشر: | 2020 |
عدد الصفحات: | 342 |
المقدمة
يبحث كتاب صوفيا روبنز “حصار المخلفات: حياة البنية التحتية في فلسطين”، في مجالات دراسية متعددة، بما في ذلك دراسات البنية التحتية والمخلفات، والدراسات البيئية، والدراسات الفلسطينية. كما يسلط الكتاب الضوء على المنفعة السياسية الحيوية للبنية التحتية وإدارة المخلفات، كأدوات للاستعمار الاستيطاني، وإدارة السكان، وتنظيم المجتمع والأماكن العامة.
يأتي الكتاب امتدادًا لمشروع الكاتبة، الذي استند إلى العمل الميداني الذي بدأته صيف 2007، والذي يركز أساسًا على الإثنوغرافيا اليومية للعديد من العائلات الفلسطينية في رام الله وجنين، إذ أجرت الباحثة تحقيقًا أنثروبولوجيا عميقا من خلال العيش مع عائلات فلسطينية متعددة، لمراقبة ومتابعة مسارات المخلفات من إلقاء النفايات، ومخلفات الهدم والبناء وغيرها، وكذلك سياسات غمر الضفة الغربية بالنفايات التي يتم إلقاؤها من “إسرائيل” والمستوطنات الإسرائيلية والمدن الفلسطينية. كما أجرت الباحثة العديد من المقابلات مع مسؤولين حكوميين في سلطة المياه وسلطة البيئة الفلسطينيتين، ومقابلات مع ممثلين عن وكالات المساعدات الأجنبية التي تمول مشاريع النفايات الفلسطينية، إلى جانب مقابلات مع خبراء البيئة الإسرائيليين، والباحثين في المنظمات غير الحكومية المعنية بالبيئة وحقوق الإنسان والتخطيط.
ركزت الكاتبة على الممارسات البيروقراطية التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية لخنق الفلسطينيين وحصارهم في محيط هائل من المخلفات، وتصفها بأنها حصار غير مرئي، حيث قامت السلطات الإسرائيلية بمنع الفلسطينيين من إقامة البنى التحتية للنفايات منذ تسعينيات القرن الماضي، وحظرت نقل نفايات فلسطينيي الضفة الغربية إلى “إسرائيل”. وشرحت الباحثة كيف تم استخدام البنية التحتية والسموم التي تنتجها المخلفات كأدوات للاحتلال، مما يؤدي إلى استمرار العنف البطيء مع استمرار الاستيطان الإسرائيلي، حيث تترك هذه المخلفات السامة آثارها على الجسد الفلسطيني على المدى البعيد.
من جانب آخر، ناقشت الباحثة الدور الذي تلعبه الأحزاب السياسية الفلسطينية، والبيروقراطيون، والمنظمات الإنسانية غير الحكومية، والمجتمع الدولي، في التدهور البطيء لحياة الفلسطينيين، وذلك من خلال المخلفات المتروكة بِلا حلَّ، خاصة في فترة ما بعد أوسلو. عادة يتم تقديم الدراسات الفلسطينية كروايات عن العنف الجسدي، والجغرافيا السياسية، والصراع على الأرض من منظور الفلسطينيين، وغالبًا ما يتم إهمال الدراسات المتعلقة بالبنية التحتية، على الرغم من أنها تشكل البنية الأساسية لتشكل حياة الفلسطيني ضمن بيئة أكثر أمنًا وصحة، وصالحة للحياة. تتساءل روبنز عن المسؤول الأول عن خلق هذا الوضع، وترى أن العديد من التجارب المرهقة للحياة تحت الاحتلال في الضفة الغربية، تقدم إشارات أقل علانية لمن هو المسؤول عنها. بسبب العلاقة المعقدة بين عدد لا يحصى من الجهات الفاعلة، الإسرائيلية والفلسطينية والدولية، والتي تلعب جميعها دورًا في إدارة النفايات في الضفة الغربية.
ويسلط الكتاب الضوء على دور النفايات الإسرائيلية في إخضاع السكان وإذلالهم، حيث يتأقلمون مع الحياة وسط النفايات. وهذا ما يتم اعتباره العنف البطيء كبديل للعنف العسكري الإسرائيلي المباشر، وتركز الباحثة على المنطقة المصنفة “ج”، والتي تعتبر المكان الوحيد الذي يمكن فيه إقامة البنى التحتية للتخلص من النفايات على نطاق واسع؛ لأنها عادة ما تكون خارج المناطق المكتظة بالسكان.
كما يلقي الكتاب الضوء على كيفية استخدام النفايات كأداة سياسية، أو كتفسير للأحداث السياسية، وذلك من خلال تأريخ الدور الذي لعبته النفايات في التاريخ الفلسطيني، والنضال من أجل إقامة الدولة. على سبيل المثال، تصف الكاتبة كيف تم استخدام شرط اتفاق أوسلو الخاص بالاستعداد الفلسطيني للاضطلاع بحماية البيئة من خلال إدارة النفايات، لتبرير استمرار الاحتلال الإسرائيلي كمسؤول عن البيئة.
فصول الكتاب
يستكشف الفصل الأول “الضغط: كيف يصنع الزمن في مكب النفايات المحتل“، الإطار الزمني المؤقت والعمر القصير لمدافن النفايات في الضفة الغربية، والتي تعتبر ترتيبًا مؤقتًا إلى أن تخلق الدولة بدائل دائمة أكثر قابلية للتطبيق. فالعمر القصير لمكب النفايات يعني الحاجة إلى العثور على المزيد من الأراضي والتمويل والتصاريح الاستعمارية، وهذا يعني ملء الأرض بمزيد من القمامة. أمضت الكاتبة وقتًا طويلًا مع مديري مطامر إدارة النفايات الفلسطينيين، وهنا تسلط الضوء على رغبة مديري النفايات الفلسطينيين في تبني بدائل متطورة لإدارة النفايات، بدلًا من بناء مدافن لها، ولكن ما يعوقهم هو شروط المانحين والمستثمرين، وكذلك الجيش الإسرائيلي. يعتمد بناء مدافن النفايات على منطق التراكم، فبمجرد امتلاء مكب النفايات، يجب بناء المزيد، مما يعني نزع المزيد من أراضي الفلسطينيين.
يلقي الفصل الثاني “مبالغة الرغبة في البضائع الاستعمارية المستعملة“، نظرة على الظروف المادية والاقتصادية للضفة الغربية، التي أدت إلى إغراق السوق بسلع رخيصة الثمن وسريعة الزوال، ومستوردة من الصين، لا يمكن الاعتماد عليها وينتهي بها الأمر كنفايات. بالتوازي، يستكشف هذا الفصل أيضًا، اقتصاديات البضائع الإسرائيلية المستعملة، التي يتم تهريبها وتجديدها وإعادة تدويرها في أسواق “الرابش” (Rabish) داخل الضفة الغربية.
يلعب الفلسطينيون ذوو الدخل المحدود دورًا مركزيًا في رفع القيمة لـ “الرابش” (Rabish)، وذلك من خلال شراء البضائع الإسرائيلية المستعملة، وإعادة صنع القيمة لها، رغم أنها تمثل جزءًا آخر من المخلفات الإسرائيلية. و”الرابش” ظاهرة ولدت من رحم الاستعمار الاستيطاني في فلسطين، حيث أصبحت البضائع الإسرائيلية التي يتم تجديدها، ترمز إلى نمط الرغبة والاستهلاك لدى الفلسطينيين فيما يتعلق في الحصول على سلعهم الخاصة وأنماط حياتهم، والتي لا يمكن فصلها عن أساليب العيش والحكم الإسرائيلية.
في الفصل الثالث “التراكم: التسمم واللوم في الدولة الوهمية”، ترى الكاتبة بأن النفايات داخل دولة فلسطين غير السيادية والوهمية “شبه الدولة” حطمت مكانة الفلسطينيين، وذلك بسبب الآلية التي تتحكم في النفايات، حيث تتقاطع السيادة المنقوصة لدولة فلسطين بشكل عام والاحتلال العسكري بشكل خاص، مع تسمم البيئة، والتي تترك أثرها على أجساد المواطنين الفلسطينيين. ويشكل التقاء العوامل الاجتماعية والسياسية والمادية لدى سكان مواقع تراكم النفايات الفلسطينية تحديًا صحيًا، حيث يشتكي السكان من أعراض صحية مختلفة. وهنا تظهر الدولة الوهمية (السلطة الفلسطينية) لسد هذه الفجوة المؤقتة، ومعالجة التراكم السام للنفايات في المجتمعات الفلسطينية، إلا أنها تفشل. هذا الأمر يخلق منطقة رمادية، كما تقول الكاتبة، يتشكل الحكم داخلها من قبل تكتل مجموعة من المنظمات غير الحكومية، والشركات الخاصة، والهيئات الدولية، ووكالات الإغاثة الإنسانية.
يركز الفصل الرابع “النعمة: الخبز غير المرغوب فيه والتزاماته تجاه الغرباء”، فهذا الفصل يوفر دراسة إثنوغرافية لتداول وإهدار الخبز غير المرغوب فيه، من حيث كونه فعلًا اجتماعيًا يمكن للفلسطينيين قراءته عبر الانتماءات الدينية والسياسية، والعمر، والجنس، والوضع الاجتماعي والاقتصادي، إذ يمكن أن يكون الخبز غير المرغوب فيه شكلًا من أشكال النفايات المرتجعة في البنية التحتية الفلسطينية، ويعتبر إهدار الخبز خطيئة، إذ إن كلمة خبز هي رمز للحياة دينيًا واجتماعيًا.
أما الفصل الخامس “الصرف الصحي والتفكير المزدوج في بيئة مشتركة”، فيعيد التفكير في الإطار الخيالي للفلسطينيين، باعتبارهم ملوثين لجيرانهم الإسرائيليين، من خلال انسكاب مياه الصرف الصحي. وقد تُرجمت تسريبات الصرف الصحي الفلسطينية إلى عدة أمور، أولًا: تسريبات مالية لمؤسسات الدولة المحتلة؛ وعلى إثر ذلك اقتطعت “إسرائيل” أموال معالجة مياه الصرف الصحي من ميزانية السلطة. ثانيًا: أدت مياه الصرف الصحي إلى تلويث موارد المياه الحالية التي يعتمد عليها الفلسطينيون. ثالثًا: فقد الفلسطينيون القدرة على إيجاد حل لمياه الصرف الصحي لديهم بدون البنى التحتية، والتي تتحكم بها “إسرائيل” وفقًا لاتفاقيات أوسلو.
الخاتمة
يُعَدُّ هذا الكتاب محاولةً جيدةً وجديدةً لتسليط الضوء على دراسة قضية مُهمَّشة، فالبنية التحتية والمخلفات والنفايات تعتبر، إلى حد ما، قضايا مهملة وبعيدة عن الدراسة في سياق القضية الفلسطينية، ويتم قراءة أبعادها من زاوية المنظور البيئي والجمالي والصحي، بعيدًا عن أبعادها السياسية وتأثيرها على القضية الفلسطينية. يهدف الكتاب إلى ضرورة التفكير في المخلفات كجزء من “البيئة”، وكبيئة يصنع فيها الناس حياتهم. وفي السياق الاستعماري تشكل النفايات أداة هيمنة وسيطرة على فلسطين أرضًا وشعبًا.
[1] – باحثة في قضايا المجتمع والسياسة، رام الله