مستقبل العلاقات الإسرائيلية التركية بعد ست سنوات من التوتر
الملخص:
شهدت العلاقات الإسرائيلية التركية ست سنوات من التوتر الذي ما زال مستمرًا في أغلب المجالات، بعد الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية الذي كان متوجهًا الى قطاع غزة وقتل فيه تسعة أتراك في أيار 2010. ودار الحديث خلال الأساببيع الأخيرة عن إمكانية التوصل إلى اتفاق تصالح بين البلدين يعيد العلاقات إلى سابق عهدها، وجاء الحديث عن الاتفاق بعد توتر العلاقات الروسية التركية عقب إسقاط الأخيرة طائرة حربية روسية على الحدود مع سوريا أواخر العام 2015، وإعلان روسيا عن حزمة من العقوبات الاقتصادية ضد تركيا.
في ظل التطورات الإقليمية المتلاحقة والتي تشكل خطرًا حقيقيًا على الأمن القومي التركي، يزداد الاهتمام بموضوع تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل، وتبدو المصالحة الكاملة مع تركيا، وعودة العلاقات إلى سابق عهدها، بحاجة إلى فترة زمنية طويلة لتتحقق. كما أن انهيار المحادثات بين الجانبين وعدم التوصل إلى أي اتفاق واستمرار التوتر في العلاقات يظل احتمالاً قائمًا وممكنًا، في حال تعنت أي من الأطراف. لكن الأرجح هو نجاح المحادثات في إحداث تطور على العلاقة، حيث ما تزال المباحثات السرية بين البلدين جارية وقد أنجزت الكثير من نقاط الاتفاق ولم يبق سوى ملف رفع الحصار عن غزة وهو ما يمكن حله بشكل أو بآخر، ولكن هذا الاتفاق لن يعيد العلاقات كما كانت تمامًا وإنما يلتزم كل طرف بتطبيق البنود المتعلقة بالاتفاق لضمان مصالحه.
أولاً: العلاقة الإسرائيلية التركية
سادت أجواء التوتر على العلاقة بين تركيا وإسرائيل خلال السنوات الست الأخيرة، ولم تثمر قوة علاقاتهما سابقًا في المجالات التجارية والاقتصادية، والعسكرية، والسياسية، في إنهاء هذا التوتر. ولكن تسارعت في الأسابيع الأخيرة تسريبات حول مباحثات تركية إسرائيلية، والتي ما زالت مستمرة سرًا بين البلدين وينتابها بعض الغموض، علمًا أنها تهدف للوصول إلى اتفاق ينهي التوتر بين البلدين، في حين أنه لم تخرج تصريحات رسمية من مسؤولين أتراك أو إسرائيليين تؤكد إنجاز الاتفاق، وإنما بقيت الصورة ضبابية.
بالعودة إلى أسباب التوتر، فقد بدأت بين البلدين عندما هاجمت إسرائيل سفينة مرمرة التركية في سواحل البحر الأبيض المتوسط، والتي كانت متوجهة إلى قطاع غزة للمشاركة في فك الحصار عنه في أيار 2010، وقتلت إسرائيل خلال الهجوم تسعة متضامنين أتراك، وهو الأمر الذي زاد من صورة وحشية إسرائيل في العقل التركي، وخاصة فيما يتعلق بحصار غزة، الذي ما زال مستمرًا حتى اليوم، وهو ما تحاول تركيا فكّه حسب تصريحات زعمائها.
أما بالنسبة لإسرائيل، فقد حاولت وضع حد في ذلك الوقت للتدخل والنفوذ التركي في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية ودعم أحزاب فلسطينية بعينها، ودعم غزة بالمال والمشاريع، كما أرادت إيصال رسالة لتركيا بضرورة وقف محاولات التأثير والتموضع في منطقة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي يهدد المصالح الإسرائيلية في المنطقة، لاعتقادها الكامل أن القيادة التركية "حزب العدالة والتنمية" ذات خلفية إسلامية وستكون ندًا لإسرائيل يومًا ما.
وتكاد إسرائيل تكون مقتنعة بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية يحملون في داخلهم توجهات عثمانية، وترى أيضًا بأن خلافها جذري مع تركيا في كل ما يتعلق بالتعاطي مع الثورة السورية والقضية الفلسطينية وعدد آخر من القضايا السياسية في المنطقة. حيث ترفض أنقرة الانقلاب على إرادة الشعوب في دول الربيع العربي، ومحاولة إقامة كيانات سياسية للأكراد في أكثر من دولة، كما أنها تساند عددًا من حركات الإسلام السياسي في نضالها من أجل المشاركة السياسية ومواجهة الدولة الشمولية.
حاولت إسرائيل مرارًا استغلال إستراتيجية "صفر مشاكل" التركية الخارجية، في ترميم العلاقة خلال السنوات الست الأخيرة، وكان الاعتذار الإسرائيلي لتركيا تحت هذا العنوان، إلا أن تركيا لم تجد وقتها المصلحة الكاملة في عودة العلاقات، بل وكانت في غنى عنها، ولكن تغير الظروف في الشرق الأوسط، زاد من التقاء المصالح التركية الإسرائيلية، فإسرائيل في نهاية الأمر تعتمد في سياستها الخارجية وضع مصالحها نصب عينيها، وتتصرف على قاعدة أن الخلافات السياسية وإن اشتدت في بعض الأحيان قد لا تؤثر على جوانب التعاون الأخرى.
ثانيًا: المصالح التركية
مرّت منطقة الشرق الأوسط بالكثير من التغيرات السياسية خلال سنوات توتر العلاقة بين إسرائيل وتركيا، وخرجت خلال هذه الفترة كيانات جديدة ومؤثرة، ومازالت الثورات تشتعل في بعض بلدان المنطقة كسوريا، والتي تكمن فيها مصلحة لإسرائيل وتركيا رغم الاختلاف في طبيعة هذه المصالح، إضافة إلى التغيرات الحاصلة في باقي دول الربيع العربي وتدخل تركيا فيها أحيانًا.
وأصبحت الظروف الإقليمية تشكل دافعًا نحو التقارب الإسرائيلي التركي، في المجالات الاقتصادية والأمنية والسياسية، كما أن التطورات على الساحة السورية مؤخرًا والتدخل الروسي، وتوتر العلاقة الروسية التركية، زاد من احتمالية التقارب وزيادة المصالح المشتركة.
ويمكن إجمال المصالح التركية من تحقيق اتفاق مع إسرائيل في النقاط الآتية:
يعتبر التوتر الروسي التركي عقب إسقاط الأخيرة لطائرة روسية فوق أجوائها، الحدث الذي فتح الباب واسعًا أمام دخول علاقات الطرفين في تسارع نحو المصالحة، في ظل التدخل العسكري الروسي في سوريا أوائل سبتمبر الماضي، وبعد إعلان روسيا تجميد غالبية علاقاتها مع تركيا الاقتصادية والسياسية تحديدًا، واحتمال وقف إمدادها بالغاز الذي يعتبر من أهم الملفات التي أقلقت تركيا، حيث بدأت بالبحث عن مورد جديد للغاز بأسعار مناسبة، فكانت إسرائيل إحدى الخيارات المطروحة، حيث عملت الأخيرة على استغلال الظرف التركي والتسريع في تقديم عروض الغاز والمصالحة عليها.
تسعى تركيا إلى المساهمة في فك الحصار عن قطاع غزة، وتضع ذلك كشرط من شروط تحقيق اتفاق مصالحة مع إسرائيل، حيث ترى بأن علاقات جيدة مع إسرائيل تؤدي إلى قوة تأثير على الملف الفلسطيني.
ستستفيد تركيا من إسرائيل في إمدادها بالغاز ونقل الغاز الإسرائيلي عبر أراضيها، وهو ما يوفر مردودًا اقتصاديًا لتركيا، في ظل التوتر الإقليمي، إضافة إلى الاستفادة التركية من المنتوجات الإسرائيلية وخاصة في المجال العسكري والتقني.
تضمن تركيا عدم إيجاد بديل لها في الشرق الأوسط فيما يتعلق بتصدير الغاز الإسرائيلي كقبرص واليونان من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، حيث تعتقد إسرائيل أن تطوير العلاقة مع اليونان وقبرص ومصر التي تخوض مواجهة محدودة مع تركيا، يجب أن لا يكون على حساب تحسين العلاقة مع تركيا التي ستظل لاعبًا مركزيًا في الساحة الدولية القريبة لإسرائيل وستظل تلعب دورًا في تشكيل النظام السوري.
من زاوية أخرى دخلت الأزمة السورية في عهد جديد بما يشبه فرض الوصاية الروسية الإيرانية على صانع القرار في دمشق، وما يتردد في الأوساط الدولية والإقليمية عن رجحان كفة هذا المحور على حساب الثورة السورية وداعميها، بفعل الثقل العسكري الذي وجد طريقه لدعم النظام السوري مقابل عدم تزويد المعارضين له بمعدات ثقيلة قادرة على إحداث توازن في القوة، وهو ما كبّل الطموح التركي وجلعه يبحث عن حلفاء جدد.
أضف إلى ذلك التوتر التركي العراقي، بسبب دخول عدد من الجنود الأتراك لمناطق داخل الحدود العراقية، ومطالبة العراق والجامعة العربية للأتراك بسحب جنودهم، مما فاقم من درجة الضغوط الإقليمية على أنقرة، التي تبدو حريصة على عدم الدخول في إشكاليات عربية، وتريد المحافظة على صورتها شريكًا للعرب في قضاياهم، رغم التباينات القائمة، وهو ما تراه تركيا إضعافًا لشوكتها.
هذه التطورات، التي تمس المصالح التركية بشكل مباشر، ربما تجعل من سياسة "صفر مشاكل" التي تبنتها تركيا مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم قبل قرابة 14 عامًا حبرًا على ورق، فالأتراك يمتلكون شبكة علاقات متوترة مع كل من: سوريا، مصر، العراق، روسيا، وأخيرًا إسرائيل، وبصورة أقل إيران لتدخلها في سوريا إلى جانب نظام بشار، وهو ما يجبر صانع القرار في أنقرة على البحث عن ثغرات هنا وهناك تكسر جدار التوتر الذي يحيط بها من جهاتها الأربع، وربما يعتبر هذا تفسيرًا لإقدام تركيا على خطوة المصالحة مع إسرائيل.
ثالثًا: المصالح الإسرائيلية في التصالح مع تركيا
قد يبدو الإسرائيليون الأكثر استفادة من حالة التشظي التي تعيشها الدول العربية، لاسيما على حدود فلسطين الشمالية مع سوريا، والجنوبية مع مصر، لكنهم في الوقت ذاته، يرون أن هناك مخاطر قد تلوح في الأفق، لذلك تحاول إسرائيل ترميم علاقاتها الإقليمية، ومع اعتقادها أن من بين هذه المخاطر التمدد والنفوذ التركي، فرغم المصالح المشتركة بين البلدين إلا أن إسرائيل تخشى ذلك، وخاصة في ظل وجود أردوغان الذي تعتبره منظرًا لأمجاد الخلافة العثمانية، تحاول اسرائيل تحييد هذا الخطر والسعي للحفاظ على مصالحها مع تركيا. وتكمن المصالح الإسرائيلية من المصالحة مع تركيا في الآتي:
في ذروة التوتر الإسرائيلي مع تركيا، لا تخفي إسرائيل أنها خسرت دولة مؤثرة في المنطقة، وعضوًا في حلف الناتو، ولديها ثاني أكبر جيش في الحلف، وتمتلك حدودًا جغرافية مع العديد من الدول، وترتبط بعلاقات إستراتيجية وثيقة مع الداعم الأول لإسرائيل في العالم وهي الولايات المتحدة، التي تمارس ضغوطًا على أنقرة وتل أبيب لإتمام هذه المصالحة، وهو ما سيساعدها في التخلص من داعش ونظام الأسد.
في طور إعادة رسم خارطة المنطقة على قاعدة حدود جغرافية ومذهبية وعرقية جديدة، ترى إسرائيل أنها لابد أن تكون جزء من هذه التغييرات المرتقبة، ويبدو من الصعب عليها أن تنخرط في هذا المشروع، ولو بصورة غير مباشرة، وهي تمر بأسوأ حالات العلاقة بين اثنتين من أكبر دول المنطقة، إيران وتركيا، فإن كان متعسرًا ترميم العلاقات مع الأولى لأسباب معروفة، فإن اعادة العلاقة مع الثانية تبدو أقل كلفة.
اكتشاف المزيد من حقول الغاز الإسرائيلية في سواحل البحر المتوسط، ورغبة تل أبيب بتصدير الكميات الفائضة لديها إلى الأسواق الأوروبية، وربما ليس لها من طريق ميسرة آمنة سوى الأراضي التركية، الأمر الذي يتطلب بالضرورة الاستعجال بهذه المصالحة، التي قد تراها إسرائيل ومعها تركيا، "اضطرارية".
استغلال إسرائيل للتوتر الروسي التركي ومحاولة توتير الأجواء، بهدف استقطاب السياحة الروسية، حيث أقامت حملات إعلانية لذلك، واستمرار التنسيق الأمني والعسكري مع روسيا في سوريا من جهة، وفي ذات الوقت تعرض على تركيا تزويدها بالغاز وتفعيل ملف المصالحة، فهي تحاول الاستفادة من طرفي الخلاف.
تسعى إسرائيل إلى تكبيل المنظمات التي تعتبرها عدوة لها، وإدراجها في قائمتها للإرهاب، مثل حركة حماس التي تحظى بتواجد في تركيا، وفي حال تمت المصالحة ربما تستيطع التأثير على صانع القرار التركي بشأنها، وربما أيضًا التأثير على قرارات حماس المستقبلية في التعامل مع إسرائيل، بمعنى ضمان هدوئها والضغط عليها، وكذلك الحركات الجهادية في سوريا التي يدخل أتباعها من الحدود التركية إلى سوريا في الغالب، ومن يصل إلى سوريا بعدها يمكنه الوصول إلى الاحتلال الإسرائيلي في الجولان.
ترى إسرائيل بأن تركيا قد تكون حليفًا مهما من المعسكر السني الوسطي ضد المعسكر الراديكالي السني وضد وصول أسلحة كيماوية إلى أيديهم، وضد المعسكر الشيعي الإيراني الذي لا ترى فيه إمكانية التعاون والتصالح بالنسبة لإسرائيل، وهو ما يساعد على إضعاف إيران وحزب الله في سوريا، أضف إلى ذلك شعور إسرائيل المحبط من الاتفاق الغربي مع إيران حول البرنامج النووي ورفع العقوبات الاقتصادية.
تسعى إسرائيل إلى زيادة مشاركتها في حلف شمال الأطلسي الناتو، حيث كانت تركيا أول من رفض انضمام اسرائيل إلى الناتو، وتوتر علاقتها مع تركيا يعيق التقدم في هذا الملف، وترى بأن إعادة العلاقات مع تركيا قد يساعدها في دخول الحلف.
تطمح إسرائيل إلى الاستفادة من عودة العلاقات مع تركيا في فتح أسواق جديدة أمام الإنتاج العسكري الإسرائيلي.
ضمان استمرار توريد النفط الذي تستورده إسرائيل من وسط آسيا إليها عبر تركيا، إضافة إلى قناعة إسرائيل بأن الخصائص الجيوسياسية والطبوغرافية (تضاريس وطبيعة الأرض) لتركيا أهم من البدائل في الدول الأخرى.
رابعًا: معيقات المصالحة
تعتقد تركيا أنها حققت مكاسب شعبية وجماهيرية لدى الرأي العام العربي والإسلامي من جملة المواقف التي أصدرتها عقب إعلان نيتها مقاطعة إسرائيل، وأي مصالحة تحصل مع الأخيرة، ساخنة أم باردة، طوعية أو اضطرارية، ستنتقص بالضرورة من هذا الرصيد الشعبي الذي حصلت عليه تركيا في السنوات الست الماضية، ولذلك تحرص تركيا على صورة لائقة للمصالحة.
صحيح أن تركيا قد حققت اثنين من شروطها الثلاثة لإتمام المصالحة مع إسرائيل، الاعتذار الإسرائيلي لها، والاتفاق على حجم التعويضات للضحايا الأتراك، لكن الشرط الثالث ربما لا يجد طريقه للتنفيذ وهو المتعلق برفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة.
في الوقت ذاته، هناك عوائق إسرائيلية قد لا تسرع بإتمام المصالحة مع تركيا، ويتمثل أهمها في البعد الشخصي، وهو حاضر بقوة لدى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يرى في الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شخصية عنيدة نالت منه ما لم ينله الرجل الأول في العالم الرئيس الأمريكي باراك أوباما حين قدم له الاعتذار بصريح العبارة.
في ذات السياق، لا تبدو الساحة الإسرائيلية متقبلة لمثل هذه المصالحة مع تركيا، لاسيما في أوساط اليمين الحاكم، الذي لا يعتقد بوجود جدوى كبيرة مقابل الثمن الذي ستدفعه إسرائيل، وهو ما قد يخضع نتنياهو لابتزاز شركائه في الائتلاف الحكومي أو خصومه في المعارضة، ولذلك نراه يقدم خطوة إلى الأمام، ويرجع عشرة إلى الوراء، كما أن رفع الحصار عن غزة سيزيد من قوة وبنية حماس العسكرية فيها.
لا تمتلك إسرائيل في ذروة مباحثاتها مع تركيا "بوليصة تأمين" حول قطع أو تقليص أو تراجع علاقة الأخيرة بحركة حماس، على العكس من ذلك، فإن الزيارات المكوكية بين الحركة وأنقرة التي ترقبها إسرائيل بعين الحذر والتشكيك قد تجعل إسرائيل متخوفة من جدوى المصالحة في هذا الملف.
يتمثل العائق، الذي قد يبدو مهمًا في عرقلة المصالحة التركية الإسرائيلية، في مصر، التي تمتلك شبكة علاقات في غاية الأهمية مع إسرائيل، لاسيما في الجانبين الأمني والعسكري، وتبدو الأخيرة حريصة على عدم خسارة هذه العلاقة "الإستراتيجية" مع مصالحة "تكتيكية" مع تركيا، أو هكذا تبدو، ولذلك ربما خرجت الدبلوماسية المصرية و أعلنت أنها تعارض أي تدخل تركي في قطاع غزة مقابل إتمام مصالحة أنقرة مع تل أبيب.
وجود علاقات جيدة بين إسرائيل والأكراد وهو ما قد يثير حفيظة القيادة التركية خاصة أنها تصنف بعضهم كإرهابيين.
خامسًا: السيناريوهات المتوقعة
المصالحة الكاملة: وتعني العودة بعلاقات الجانبين لما كانت عليه قبل عام 2010، حين وقعت أحداث سفينة مرمرة، وعودة السفراء والتطبيع العسكري والأمني والسياسي اللامحدود، وهو ما قد يكون طموحًا إسرائيليًا لا تخطئه العين، لكن الأثمان المطلوبة لهذه العودة المأمولة من العلاقات قد لا تقوى إسرائيل على دفعها. هذا السناريو إن تم سيؤثر ايجابًا على إسرائيل في ملفات الغاز والاقتصاد، والتعاون العسكري والسياسي، والملف السوري، وترميم علاقاتها في المنطقة، علمًا أن ذلك أيضًا سيحقق جملة مصالح تركية متبادلة في ذات المجالات، ولكن هذا السيناريو بحاجة إلى ظروف أكثر إيجابية ومدة زمنية أطول، وبالتالي فمن الصعب تحقيقه في الوقت الراهن.
انهيار المباحثات: وهو ما تهدد به بعض تصريحات الجانبين، سواء لأغراض تفاوضية أو تسريبات حقيقية، وقد يكون أبرزها المطلب التركي برفع الحصار الكلي عن غزة، وتوفير بديل عربي عن الخدمات التي يمكن أن تقدمها إسرائيل، مثل قطر، والسعودية، والفيتو الذي تضعه مصر على إسرائيل لتحقيق تلك المصالحة، أو تدخل تركيا في سوريا بشكل مقلق ودعم بعض الجهات فيها، إضافة الى إمكانية ترميم تركيا علاقتها مع إيران خلال الفترة المقبلة وخاصة بعد بدء العمل بالاتفاق النووي الايراني الغربي.
نجاح المباحثات والوصول إلى تطور محدود في العلاقة: في ضوء الاعتبارات سابقة الذكر، فإن مباحثات إتمام المصالحة بين أنقرة وتل أبيب قد تجد طريقها نحو النجاح، من خلال إيجاد صيغة متفق عليها، حيث ما تزال المباحثات السرية جارية بين الطرفين، إضافة إلى أن مصر قد لا تشكل عائقًا أمام إتمام اتفاق مع تركيا، وفيما يتعلق برفع الحصار عن غزة، فسيتم تدريجيًا أو نسبيًا بما يحقق رضا معظم الأطراف، وفي ذات الوقت تحقق تركيا مصالحها، وأهمها ضمان توريد الغاز بأسعار مناسبة، وتحقيق مردودات اقتصادية من نقله عبر أراضيها، إضافة الى التبادل الاقتصادي والتجاري الذي سيكون في تسارع.
السيناريو المرجح:
يعتبر السيناريو الثالث، وهو نجاح المباحثات في الوصول إلى تطور محدود في العلاقة هو السناريو المرجح ولديه الفرصة الأقوى للتحقق في ظل الظروف الراهنة في المنطقة، حيث أن ما سبق وذكر من عوامل محلية ودولية ومصالح متشابكة يدعم هذا السناريو، كما أن كثيرًا من التسريبات التي تحدثت عن الاتفاق الإسرائيلي التركي تعزز هذا الرأي.
سادسًا: التوصيات
تكثيف التواصل الفلسطيني مع القيادة التركية حتى لا يكون أي اتفاق مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين والقضية الفلسطينية.
يجب أن لا ترتهن الحركات الفلسطينية لأي من دول الشرق الأوسط بالكامل، بحيث تحافظ على تعاون وصداقة تراعى فيها المصالح الفلسطينية وخدمة القضية الوطنية، وأن تبقى الفصائل الفلسطينية هي صاحبة الكلمة في العلاقة مع إسرائيل.
على تركيا أن تحدد علاقاتها مع إسرائيل بناء على الخلفية التاريخية لتركيا، والمسؤوليات التي يتوجب عليها أن تتخذها كدولة إسلامية شرق أوسطية مناصرة للقضية الفلسطينية، حتى تكون مؤثرة وفاعلة لصالح الفلسطينيين وأن لا يترتب على مصالحتها مع إسرائيل أي تراجع عن مساندة الفلسطينيين في قضيتهم العادلة.