مراجعة كتاب: ”لا سلام لفلسطين: الحرب الطويلة على غزة والاحتلال والمقاومة“
المؤلفة: هيلغا بومغارتن | الناشر: بروميديا | اللغة: الألمانية | الطبعة الأولى: 2021 | عدد الصفحات: 192
مراجعة: د. فادي الزعتري، أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم
تزداد النقاشات ويُثار الجدل في الغرب حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لا سيما في أوقات التوتُّر والتصعيد. وتبقى الكثير من الكتابات الأكاديمية والصحفية والسياسية -وخاصةً باللغة الألمانية- تعبيرًا عن وجهة نظرٍ إسرائيلية، إن لم تكن وجهة نظرٍ متصهينة مُتطرفة في الأساس. في هذا الكتاب، تسعى هيلغا بومغارتن[1] لتقييم الصراع من منظور ما تسميه “منظور الضحية”، أي الفلسطينيين، حيث تؤكِّد أنه لفهم الوضع الحالي في فلسطين بشكل عام، والأحداث الأخيرة بالقدس في عام 2021 بشكل خاص، يجب على المرء أولًا فهمُ الخلفية التاريخية والسياسية لهذا الصراع. لذا قامت الكاتبة بإعادة النظر في الجانب السياسي والتاريخي للصراع، بدءًا من النكبة عام 1948، وانتهاءً بالحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة في أيار/ مايو 2021. ومن ثَمَّ يهدف هذا الكتاب إلى شرح الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال استكشاف الأحداث السياسية الرئيسة في فلسطين التاريخية، منذ نشأة “إسرائيل” حتى العام المنصرم.
يُقدِّم الكتاب تفاصيلَ تاريخيةً وسياسيةً حول سبب غياب السلام في فلسطين، بدءًا من النكبة في عام 1948 إلى الحرب الأخيرة على قطاع غزة في أيار/ مايو 2021. وبعكس وجهة النظر المؤيدة لإسرائيل، التي عادةً ما نجدها في اللغة الألمانية، تقول هيلغا بومغارتن إن هذا الكتاب هو ردُّ فعل على محاولة تقديم وتحليل هذا الصراع حول القدس وفلسطين، الذي يُعَدُّ محوريًّا جدًّا بالنسبة إلى المسلمين، من منظور الضحايا. يحتوي الكتاب على مقدمة وخمسة فصول وخاتمة.
ترى بومغارتن في مقدمة الكتاب أن النقاشات والخطابات التي تتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لا سيما في ألمانيا والنمسا، مُشوَّهةٌ من ناحية، ومغايرةٌ للوقائع والحقيقة من ناحية ثانية؛ حيث إن النقاشات والكتابات -وخاصةً باللغة الألمانية- تتجاهل الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان، وأسباب الصراع بشكل جليّ. وحتى في أوقات الأزمات والتصعيد، يتم تصوير جميع سكَّان قطاع غزة المُحاصَر على أنهم حركة “حماس”، أي بشكل أو بآخر “إرهابيون” و”إسلاميون مُتطرفون”.
يُقدِّم الفصل الأول مراجعةً سياسيةً تاريخيةً لما بين عامي 1948 و1967. وتؤكِّد المؤلفة أن المعنى المركزي للنكبة بالنسبة إلى الفلسطينيين هو تهجيرهم وتحويلهم إلى لاجئين، حيث استمرت عمليات التهجير مدَّة عام تقريبًا. فعلى سبيل المثال، دفعت هجمات الهاغاناه الكبرى في نيسان/ أبريل وأيار/ مايو 1948 سكَّانَ حيفا (حوالي 70.000 شخص) ويافا (80.000 شخص) إلى الفرار. وهنا تقترح بومغارتن ثلاثة مصطلحاتٍ جوهرية لتحديد الخطاب الأكاديمي والسياسي الحالي حول النكبة، وهي: الاستعمار الاستيطاني، والتطهير العِرقي، والفصل العنصري. فعلى سبيل المثال، يحاول الاستعمار الاستيطاني -حسب الظروف السياسية- القضاءَ على السكَّان الأصليين بأي وسيلة، سواءٌ من خلال المجازر أو الحروب. بعبارة أخرى، تقدِّم هذه المصطلحات فهمًا منهجيًّا ونظريًّا للممارسات الإسرائيلية العنصرية ضد الفلسطينيين.
ويُلقي الفصل الثاني نظرةً تحليليةً على واقع الاحتلال الإسرائيلي بين حرب حزيران/ يونيو 1967 والانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987. وتُذكِّر المؤلفة القُرَّاءَ أنه منذ حرب حزيران/ يونيو 1967، سيطرت “إسرائيل” على كل فلسطين التاريخية، من البحر الأبيض المتوسط إلى وادي الأردن، بالإضافة إلى مرتفعات الجولان السورية في الشمال، وسيناء المصرية في الجنوب. وكان هذا ممكنًا فقط من خلال استخدام العنف المكثَّف، حيث سيطر الجيش الإسرائيلي منذ حزيران/ يونيو 1967 على معظم جوانب حياة كل فلسطيني. كما تتطرق الكاتبة لمعركة الكرامة (1968)، حيث ترى أنها شكلت نجاحًا سياسيًّا تاريخيًّا للفلسطينيين، لا سيما أنها أدت إلى إنهاء أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر” في العالم العربي.
أما الفصل الثالث فيناقش الانتفاضة الأولى واتفاق أوسلو (1987-2004). ففي 9 كانون الأول/ ديسمبر 1987، اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في قطاع غزة بعد 20 عامًا من الاحتلال. وتؤكِّد بومغارتن مجددًا أنه في الانتفاضة الأولى، نشط المجتمع الفلسطيني -بمختلف طبقاته وشرائحه الاجتماعية- ضد الاحتلال الإسرائيلي. وظهرت حركة حماس في الأسابيع الأولى للانتفاضة، وأصبحت على الفور لاعبًا مُهيمنًا في المقاومة، ورفضت مؤتمر مدريد عام 1991 واتفاقات أوسلو عام 1993. وفي أيلول/ سبتمبر 2000، وفي حين كانت الانتفاضة الأولى سلمية بالكامل تقريبًا، سيطرت المقاومة المسلحة على الانتفاضة الثانية، بما في ذلك العمليات التفجيرية التي نفذتها حركة حماس بشكل أساسي.
وأما الفصل الرابع فيتناول بالتفصيل الانتخابات المحلية الفلسطينية (2004-2005)، والانتخابات الرئاسية (2005)، والانتخابات البرلمانية (2006). حيث تكشف بومغارتن أن ياسر عرفات حاول لسنوات طويلة تجنُّب الانتخابات المحلية خوفًا من فوز حركة حماس، كما قررت حركة حماس عدم تسمية مرشحها للانتخابات الرئاسية؛ لأنها أرادت التركيز على الانتخابات المحلية والنيابية. كما تُذكِّر الكاتبة القُرَّاءَ بأن حركة حماس قررت عدم المشاركة في عام 1996، عندما أُجريت أول انتخابات برلمانية في الأراضي المحتلة خلال عملية أوسلو؛ لأنها اعتقدت أنها ستضفي الشرعية على اتفاقيات أوسلو. لكن في عام 2006، حصلت حركة حماس على 74 مقعدًا من مقاعد المجلس التشريعي البالغ عددها 132 مقعدًا، ومن ثَمَّ كان لها أغلبية مطلقة في البرلمان. تُلاحظ بومغارتن أن عدَّة أسباب دفعت الفلسطينيين إلى التصويت لصالح حركة حماس، مثل فساد حركة فتح والسلطة الفلسطينية وغير ذلك.
رفضت اللجنة الرباعية المعنية بالشرق الأوسط (الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، وروسيا)، التي تشارك في تحكيم عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، التعاونَ مع حركة حماس، مما أدى إلى انقسامٍ بين حركتي حماس وفتح. تقول بومغارتن إنه في الدول الأوروبية، هناك ادعاء بأن الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة قد نتج عن الخلاف بين حركتي فتح وحماس. لكنها تؤكِّد أن سبب الفصل الأصلي كان نتيجة إقامة دولة “إسرائيل” عام 1948، حيث أصبح قطاع غزة يخضع لإدارة مصرية، والضفة الغربية تتبع للأردن. إلى جانب ذلك، توضِّح بومغارتن أوجه الشَّبه بين الحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث إن كليهما يخضعان لنظام احتلال قمعي وغير إنساني، واستعمار استيطاني، ولسياسة التطهير العِرقي المستمرة من قِبَل دولة فصل عنصري، حسب الكاتبة.
وتُقيّم المؤلفة في الفصل الخامس الحروب الإسرائيلية ضد قطاع غزة من عام 2006 إلى عام 2021. حيث في غضون 15 سنةً، هاجمت إسرائيل قطاع غزة أربع مرات (2008، 2012، 2014، 2021)، وكانت كل حرب أكثر تدميرًا وكارثيةً على سكَّان غزة من سابقتها. وعلاوة على ذلك، فقد أثَّر الحصار في كل جانبٍ من جوانب الحياة اليومية لسكَّان غزة منذ عام 2007. وتؤكِّد الكاتبة أنه بعد حرب أيار/ مايو 2021، أصبح الوضع في قطاع غزة أسوأ من ذي قبل. وإلى جانب ذلك، أصبحت حروب “إسرائيل” ضد قطاع غزة منذ عام 2008 وحشيةً ومدمرةً بشكل متزايد على الفلسطينيين الذين يعيشون هناك. لذا فقد عانى المجتمع -ولا يزال يعاني- الأضرارَ التي تُسببها الحروب، وخاصةً على الجانب النفسي.
في الختام، تشير المؤلفة إلى أن أيَّ انتقاد لمحمود عباس وسياسته يُعَدُّ من المحرمات في فلسطين، ويتم قمع أي شخص ينتقده أو ينتقد سياساته بعُنفٍ من خلال التدخل الوحشي لقوات الأمن الفلسطينية. ويمثِّل القتل الوحشي للناشط السياسي نزار بنات في الخليل في 24 حزيران/ يونيو 2021 مثالًا على حكم عباس الديكتاتوري، حسب المؤلفة. كما تدافع بومغارتن عن حركة BDS (حركة مقاطعة “إسرائيل” وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها)، التي تقول إنها لا علاقة لها بمعاداة السامية؛ لأن هدفها هو إنهاء الاستعمار لفلسطين بأساليب ووسائل سلمية.
وأخيرًا، يشكِّل هذا الكتاب إسهامًا مُميَّزًا. فعلى سبيل المثال، يتضمَّن الإطار المفاهيمي (الاستعمار الاستيطاني، والتطهير العِرقي، ونظام الفصل العنصري) مفاهيمَ أساسيةً لفهم هذا الصراع. لكن كان من الممكن التوسُّع في الكتاب من خلال الإشارة إلى دور الفلسطينيين الذين يعيشون في فلسطين التاريخية، فلعل القارئ يتوقَّع معرفة المزيد عنهم، حيث إنهم يشكلون ما يقارب مليوني فلسطيني.
يمكن القول إن كتاب بومغارتن غنيٌّ بالمعلومات والمناقشات المهمَّة حول سبب عدم وجود سلام في فلسطين. فالكتاب يقدِّم قراءةً سياسيةً تاريخيةً لفهم الوضع الحالي في فلسطين. ولذلك أوصي أيَّ شخصٍ مهتمٍّ بالدراسات الفلسطينية والصراع الإسرائيلي الفلسطييني بقراءة هذا الكتاب باهتمام.
[1] أكاديمية ألمانية مرموقة عملت لأكثر من خمسة وعشرين عاما في جامعة بيرزيت. لها العديد من الكتب والمقالات، وتتمحور أعمالها الأكاديمية حول فلسطين والشرق الأوسط، والتحولات السياسية في المنطقة العربية.