محمد الضيف

وُلد محمد ذَياب إبراهيم المصري المعروف بـ “محمد الضيف” في مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة في الثاني عشر من آب/ أغسطس عام 1965 لعائلة فلسطينية لاجئة، هُجِّرت من قرية كوكبا المهجَّرة قضاء غزة المحتل، وهو متزوج وله أربعة أولاد وثلاث بنات. درس المرحلة الأساسية في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وحصل على الثانوية العامة في الفرع العلمي، ونال درجة البكالوريوس في علم الأحياء من الجامعة الإسلامية في مدينة غزة عام 1984.
نشط في صفوف الكتلة الإسلامية في الجامعة الإسلامية، وساهم في تأسيس فرقة “العائدون” الفنية، التي استَخدمت التمثيل أداة للتعبير عن معاناة الفلسطينيين التاريخية والدعوة لمقاومة الاحتلال، وانضم إلى حركة حماس فور تأسيسها، وشارك في تخطيط وتنفيذ فعالياتها الميدانية في الانتفاضة الأولى، وانضم لخلاياها المسلحة منذ عام 1988، وكان من الكوادر الأساسية في كتائب القسام حين تأسيسها، وشارك في تخطيط وتنفيذ عدد من العمليات الرئيسة التي تبنَّتها الكتائب منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، بالاشتراك مع كوادر من قطاع غزة والضفة الغربية، منهم الشهيد يحيى عياش، مثل عملية أسر الرقيب الصهيوني نحشون فاكسمان في الحادي عشر من تشرين أول/ أكتوبر عام 1994، وكان الهدف منها إجراء عملية تبادل للأسرى، وقد تلا الضيف بيان الكتائب حول العملية ومطالب المقاومة وكان ملثمًا بالكوفية الفلسطينية.
تولى الضيف مسؤولية العديد من العمليات النوعية في الداخل المحتل منها عمليات “الثأر المقدس” ردًا على اغتيال الشهيد يحيى عياش، وقد أدت هذه العمليات إلى مقتل 46 صهيونيًا وإصابة 163 آخرين، وقاد عمليات أخرى داخل القطاع.
اعتمد الضيف استراتيجية التخفي، ما جعله لغزًا استخباراتيًا مُحيِّرًا لجيش الاحتلال ومخابراته، وأطلق عليه جيش الاحتلال لقب “رجل الظل” نظرًا لقدراته الاستثنائية على التخفي وإدارة العمليات العسكرية من مواقع غير معروفة، واضطرت زوجته وأولاده للتنقل من مكان لآخر بأسماء مستعارة. تولى قيادة القسام بعد اغتيال القائد صلاح شحادة في الثالث والعشرين من تموز/ يوليو عام 2002. انهمك في إعداد وتدريب عناصر الكتائب، وعمل على بناء وتطوير منظومة التصنيع العسكري للمقاومة، وتطوير صواريخ القسام التي تجاوز مداها 250 كيلومترًا، مما عزز قدرة المقاومة على استهداف الاحتلال داخل أراضي عام 1948، وركَّز على استراتيجية الأنفاق القتالية، التي تصاعدت أهميتها في المواجهة مع الاحتلال ابتداءً من الانتفاضة الثانية، وتمكَّن من تحويل الكتائب منخلايا صغيرة إلى جيش مقاومة منظّم، يمتلك وحدات قتالية مدرَّبة تعمل وفق استراتيجيات عسكرية متكاملة، وفي عهده تم تأسيس وحدة الظل التي تخصَّصت بحماية وإخفاء أسرى الاحتلال، ما أفشل محاولات الاحتلال استعادتهم عبر العمليات الاستخبارية، فنجحت حركة حماس في عقد صفقة وفاء الأحرار في تشرين أول/ أكتوبر عام 2011، والصفقات التي تلت اندلاع حرب طوفان الأقصى فيما أطلقت عليه المقاومة بـ “طوفان الأحرار”. نجح الضيف في نسج علاقات مع قوى إقليمية معادية للاحتلال، الأمر الذي ساهم في إنجاح استراتيجيات القسام في التدريب والتخطيط والتصنيع.
قاد الضيف كتائب القسام في ظل الحروب الطاحنة التي شنَّها الاحتلال على قطاع غزة منها معركة الفرقان (2008-2009)، ومعركة حجارة السجيل (2012) في أعقاب اغتيال الشهيد أحمد الجعبري، وقد استهدفت الكتائب “تل أبيب” لأول مرة بصاروخ M75، مما أغلق المجال الجوي للاحتلال الإسرائيلي، ومعركة “العصف المأكول” (2014) والتي أَسَرت فيها المقاومة الجنديين الصهيونيين “شاؤول آرون” و”هدار غولدن”، واستهدفت “تل أبيب” مجددًا بصواريخ أكثر تطورًا، ووصلت الصواريخ إلى مناطق أبعد، مثل حيفا وديمونا، كما نُفِّذت عمليات بحرية وبرية، ومعركة سيف القدس (2021)، حيث استُهدفت تل أبيب بوابل صاروخي كثيف، كما استُخدمت طائرات مسيّرة هجومية، واستُهدف مطار رامون.
أطلق الضيف عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين أول/ أكتوبر عام 2023، والتي تعد أكبر خداع استراتيجي واختراق أمني وعسكري للاحتلال الإسرائيلي منذ عقود، وقاد حربًا طاحنة شنها الاحتلال على قطاع غزة حتى استشهاده.
عانى الضيف من الاحتلال، إذ أنَّه كان على قائمة المطلوبين لديه منذ عام 1988، واعتقل لمدة ستة عشر شهرًا في سجون الاحتلال، واحتجزته أجهزة أمن السلطة عام 2000. غاب الضيف عن حضور لحظات ولادة أولاده جميعهم بسبب ملاحقته من الاحتلال ومن السلطة. تعرَّض الضيف لسبع محاولات اغتيال إسرائيلية منذ عام 1992، منها محاولة اغتياله عبر استهداف سيارته بشكل مباشر في شارع الجلاء وسط مدينة غزة في سبتمبر/أيلول عام 2002 حيث أصيب في عينه اليمنى، ومنها استهداف منزل في عام 2006 أسفر عن إصابته بحروق شديدة وإصابته في الفقرات السفلية من العمود الفقري، واستشهد ابنه عليّ وابنته سارة، مع والدتهما وداد عصفورة في استهداف منزلهم عام 2014، وأضافته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى قوائم الإرهاب الخاصة بهما في عامي 2015 و2023، وتقدم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بطلب لإصدار أوامر اعتقال بحقه وعدد من قادة حركة حماس في شهر أيار/ مايو 2024.
أعلنت كتائب القسام على لسان الناطق باسمها “أبو عبيدة” في الثلاثين من كانون الثاني/ يناير (2025)، بُعيد إعلان وقف إطلاق النار بين المقاومة والاحتلال، عن استشهاد محمد الضيف مع مجموعة من أعضاء المجلس العسكري لكتائب القسام منهم مروان عيسى نائب قائد هيئة الأركان، وغازي أبو طماعة قائد ركن الأسلحة والخدمات القتالية، ورائد ثابت قائد ركن القوى البشرية، ورافع سلامة قائد لواء خانيونس، ولم يشر أبو عبيدة في إعلانه إلى تاريخ الاستشهاد، وكان الاحتلال أعلن أنَّه تمكن من اغتيال الضيف في شهر تموز/ يوليو عام 2024.