مبادرات تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وتحريك المياه الراكدة
مركز رؤية/ الجزيرة نت
أدانت اللجنة المركزية لحركة فتح واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في يونيو/حزيران 2024، ومن خلال بيانين متطابقين، الدعوة والمبادرة التي أطلقتها مجموعة من الشخصيات الأكاديمية والسياسية الفلسطينية المتنوعة لعقد مؤتمر وطني فلسطيني لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، ووجهت لهذه الشخصيات حزمة متنوعة من التهم.
ولم تكن هذه المبادرة ولا الإدانة أو التهمة المتعلقة بالالتفاف على منظمة التحرير هي الأولى من نوعها، إذ أدانت حركة فتح عقد الدورة الـ20 من مؤتمر فلسطينيي أوروبا في مالمو في مايو/أيار 2023، وكذلك في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 استنكر المجلس الوطني الفلسطيني دعوة “المؤتمر الشعبي الفلسطيني” لعقد مؤتمرات في الوطن والشتات، والعديد من البيانات التي تشابهت في اتهام الأنشطة الفلسطينية في الداخل والشتات.
وبناء على ذلك، يسعى مركز رؤية للتنمية السياسية وموقع الجزيرة نت ، لاستقراء رأي عدد من الخبراء، حول النقاشات والمبادرات المطروحة لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وإصلاحها، وكيفية تعامل الفاعلين والمؤثرين الفلسطينيين كافة مع هذه المبادرات، وخاصة مَن يشغلون المناصب في منظمة التحرير.
وتم استعراض هذه الآراء من خلال المحاور والأسئلة التالية:
- لماذا تخشى قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية النقاش حول تفعيل مؤسسات منظمة التحرير؟
- وهل هي مخاوف مبررة؟ هل فعلا يمكن إصلاح منظمة التحرير؟
- أم أنّ الأمر مجرد نقاشات لا يمكن تطبيقها؟
- هل يمكن أن تساهم أطراف عربية أو إقليمية في احتضان النقاش الفلسطيني الداخلي لتطوير منظمة التحرير وباقي المؤسسات الفلسطينية؟
- هل الدعوة لتشكيل قيادة وطنية موحدة يمكن أن يمثل بديلا عن منظمة التحرير؟
- ما الخيارات المطروحة لتحقيق حوار فلسطيني داخلي يفضي إلى إعادة تفعيل المؤسسات الفلسطينية بمستوياتها المختلفة كافة تحت عنوان الشراكة السياسية؟
ويمكن تلخيص آراء الخبراء بما يلي:
- لا يمكن الاستغناء عن منظمة التحرير، ولكن أيضا لا يمكن الإبقاء عليها بدون تفعيل، وهذا ما يجب العمل عليه والضغط من أجله.
- المقترحات المقدمة لتطوير منظمة التحرير أو إصلاحها هي مقترحات واقعية، وأولها إعادة انتخاب مجلس وطني جديد يتولى عملية الإشراف على الإصلاح والبناء.
- لا تفسر ظاهرة رفض قيادة منظمة التحرير وحركة فتح لمحاولات الإصلاح سياسيا بقدر ما تفسر نفسيا ومنهجيا، أي منهجية سلوك ومنهجية حكم.
- على حركة فتح أن تبادر بالإصلاح، بدلا من إجبارها على ذلك، وأي مبادرة من هذا النوع ستزيد من شعبيتها.
- إعادة بناء أو إصلاح المنظمة سيعطيها حيوية أكبر من خلال انضمام أطر ووجوه جديدة، وهذا يعني نقصا من رصيد حركة فتح؛ لهذا السبب تخشى عملية الإصلاح.
- عظم الكارثة التي يواجهها الفلسطينيون تقول إنه لا بديل عن إصلاح المنظمة، خاصة أن هناك شبه إجماع فصائلي وشعبي على ذلك حتى من داخل حركة فتح، ولكن ضمن آليات تضمن عدم تصعيد الصدام والانشقاقات الداخلية.
- قابلية تطبيق مقترحات الإصلاح مرتبط بمدى نجاح القائمين على هذه المبادرات والمقترحات بتحقيق أوسع اصطفاف شعبي ووطني حولها لفرضها على الممسكين بالسلطة والمنظمة من خلال الضغط الشعبي الجماهيري.
- إقامة أطر قيادية وطنية أو حزبية للقيام بدور وطني معين في الشتات الفلسطيني أو في غزة لا يتعارض مع إصلاح منظمة التحرير، وليس بديلا عنه، وسيكون جزءا من عملها العمل المشترك لتفعيل المنظمة ضمن منهجية ديمقراطية ومدروسة.
- من المهم الحفاظ على فلسطينية أي مبادرة للإصلاح وإبقاؤها بعيدا عن أي محاور إقليمية.
لا يمكن القول إن حركة فتح كلها ترفض مقترحات إحياء دور المنظمة وتطويرها، فهناك جزء أصيل داخل الحركة يطالب، من وقت طويل، باستعادة الوحدة الوطنية بمشاركة القوى كافة.
وهذا التوجه ينتمي للفكرة الأصلية للمنظمة التي تقوم على جماعية التمثيل والقواسم المشتركة للشعب الفلسطيني، بمعنى أنها لا تتبنى موقف فصيل بعينه وإنما تتبنى موقفا جماعيا، وبرنامجا يشمل القواسم المشتركة بدون الإخلال بالبرامج الخاصة بكل فصيل على حدة بما يحافظ على التعددية الموجودة في المجتمع الفلسطيني.
وهذا ما كانت عليه الحال في مراحل سابقة، مثل مرحلة تبني خيار الدولة على حدود عام 1967 في السبعينيات، إذ كانت هناك قوى معارضة لهذا الخيار داخل المنظمة ومنها اتجاهات داخل حركة فتح نفسها، واستمر هذا الواقع حتى بعد اتفاق أوسلو.
ما يعزز الأزمة الفلسطينية الداخلية القائمة هو الخشية من عدم البقاء، ليس لدى الأفراد فقط وإنما أيضا لدى المؤسسات المُهيمن عليها سواء من قبل الرئيس أو المجموعة المستفيدة المحيطة به، ولذلك هناك خوف من أن أي تغيير سيمس بواقع هذه الهيمنة والتفرد.
من ناحية أخرى، هناك اعتقاد لدى قيادة المنظمة والسلطة أن المهادنة مع الاحتلال وداعميه هي ما يحمي رأسها ويعزز بقاء السلطة، فكلما اشتدت حدة المواجهة مع الاحتلال مالت القيادة إلى المزيد من المهادنة، ولكن هذه السياسة خاطئة، لأن المشروع الصهيوني لا يخفي أهدافه بالقضاء على السلطة، ونتنياهو يصرح علانية بأنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية.
وضمن سياسة المهادنة هذه، أصبحت قيادة السلطة تخشى التواصل مع حماس لأنه سيزيد الخطر على المنظمة والسلطة؛ حيث سينظر إليه على أنه “تواصل مع حركة مصنّفة إرهابية”، ولذلك تُفشل محاولات اللقاء والاجتماعات مثل لقاء بكين.
وهذا الموقف ليس جديدا، إذ كان هناك رأي لدى قيادة المنظمة بعدم انضمام حماس والجهاد الإسلامي للمنظمة خشية تصنيف المنظمة على أنها “جهة إرهابية”.
وربما تكون المبادرة الأوضح الآن المطروحة على الطاولة هي مبادرة “المؤتمر الوطني الفلسطيني” الحالية، وما يميزها هو أنها تجمع عدة حراكات داخلها، وشخصيات فلسطينية من خلفيات سياسية وأيديولوجية مختلفة، بما في ذلك شخصيات من داخل حركة فتح، لأن التجارب السابقة أثبتت أن حالة التشتت ووجود مبادرات وحراكات هنا وهناك لن تؤدي إلى أي نتيجة.
والعمل الآن جرى على أساس تجميع هذه الحراكات والمبادرات التي ترى جميعها أهمية منظمة التحرير، وإعادة تفعيل دورها وإصلاحها باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، ولكن على أساس برنامج سياسي يشمل القواسم المشتركة ويضم الجميع في إطارها.
وهذه الميزة تعطي بعض الأمل بأن هناك أفقا ولو كان بسيطا، ولو على مستوى تجميع أكبر عدد ممكن من الشخصيات والتوجهات في إطارها، في سبيل العمل على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية وإصلاح منظمة التحرير وإعادة تفعيل دورها.
والحراكات الموجودة داخل هذه المبادرة هي أيضا من توجهات مختلفة، وهذا يعد جانبا إيجابيا من ناحية لأنه يعزز العمل المشترك وعدم فرض تصور معين على الجميع، وأيضا يعزز الحوار والنقاش أملا في التوصل إلى قواسم مشتركة، ولكن هذا الأمر قد يكون لغما قابلا للانفجار في مراحل متقدمة، فحتى الآن ما شهدناه هو صدور بيان مقتضب يدعو إلى الوحدة الوطنية وتفعيل دور منظمة التحرير وإيجاد قيادة جماعية للشعب الفلسطيني، وهذا المطلب من الصعب على أي أحد رفضه.
ولكن هذا الهيكل العظمي بحاجة إلى لحم، أي نحن بحاجة إلى برامج وتفاصيل وخطط لكيفية تحقيق هذه الأمور، وهذا بتقديري ما قد يؤدي إلى خلافات في وجهات النظر في المراحل المتقدمة.
مأخذي على هذا الطرح هو أنه يغلّب التوافق حول الفكرة العامة على الانخراط في مناقشة القضايا الخلافية، ونحن لا نتحدث عن قضايا هامشية وإنما عن قضايا رئيسة هي صلب الخلافات الفلسطينية الداخلية.
والاتجاهات الموجودة لا تتفق جميعها على مبدأ إقامة دولة فلسطينية على أراضي عام 1967، بعضها يتبنى التحرير الكامل لفلسطين. كما لا يوجد توافق على شكل المقاومة، فهل نحن مع المقاومة المسلحة أم المقاومة الشعبية أم المقاومة السلمية أم مزيج بينها؟. وأيضا الموقف من السلطة الفلسطينية، فالجميع متفق على ضرورة إعادة النظر في دور ومهمات السلطة الفلسطينية، ولكن هناك من يطالب بحل السلطة وهناك من يطالب بإصلاحها.
ومن القضايا المهمة التي أثيرت في المداولات حول عقد المؤتمر الوطني هي إمكانية مشاركة الفصائل فيه، الآن هناك شخصيات من مختلف الفصائل تشارك في الاجتماعات التحضيرية، ولكن هذه الشخصيات تشارك ممثلة لنفسها لا لفصائلها، وقد طرحت مسألة انضمام الفصائل، ولكن حتى الآن يتم تجنب الحديث عن هذا الموضوع والمحافظة على مشاركة الشخصيات بصفاتهم الشخصية لا الفصائلية.
وإن عدم التوصل إلى التغيير بناء على برنامج قواسم مشتركة يحظى بإجماع القائمين على المبادرة وقبول منظمة التحرير لهذه المبادرة أو غيرها من مطالب التغيير قد يدفع القائمين عليها والمطالبين بالتغيير إلى أمر لا يريدونه وهو البحث عن أطر موازية، لا يعني ذلك بديلا عن منظمة التحرير؛ لأن الناس تبحث عن مساحة لممارسة العمل المشترك والتغيير المنشود، خاصة في ظل الواقع الذي نتج بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لأن الناس إن لم تجد هذه المساحة في منظمة التحرير فإنها قد تبحث عنها في أطر أخرى.
ومن المهم الحفاظ على فلسطينية المبادرة والتأكيد على هذا الأمر وإبقاؤه بعيدا عن أي محاور إقليمية، خاصة أن الحديث الآن في الإقليم وخارج الإقليم حول مسألة “اليوم التالي” في قطاع غزة، وقد تبدو أي علاقة مع أي طرف إقليمي وكأنها انسياق لهذا المحور أو ذاك.
وبطبيعة الحال أكد بيان المؤتمر على هذه المسألة بعد البيان الذي أصدرته اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة فتح، والذي كال الاتهامات جزافا للمبادرة، وقد جرت محاولة تصوير انعقاد إحدى الجلسات التحضيرية في الدوحة بأن هذا المؤتمر تابع لأجندات إقليمية، وهذا الأمر غير صحيح.
تتعلق عوامل الإصلاح بفتح والجهات الأخرى التي تطلب الدخول للمنظمة بشروط، صحيح أن فتح تسيطر على المنظمة وما زالت، وتستطيع أن تستمر بدون إدخال أطراف أخرى حاليا، لكن الإصلاح مهم.
وفي الوقت الحالي أعتقد أن المسألة ليست متعلقة برفض أو قبول حركة فتح لموضوع نقاش إصلاح المنظمة بمقدار ما هي متعلقة بالأحداث الجارية، وأتوقع أن الوقت غير مناسب الآن للحديث عن إصلاح المنظمة والأولوية هي لوقف الحرب. فمنظمة التحرير ليست مكانا للاشتراك فقط، فالقضية الفلسطينية قضية يتم التلاعب بها، وهنا الخطورة، والمطالبة بإصلاح المنظمة في الوقت الحالي يُمثل إشكالية، وقد يفقدنا المحافظة على الهوية. من يطالب بالإصلاح اليوم يستند إلى جهات إقليمية ودولية وهذا قد يُعيد خلط الأوراق.
أعتقد أن فتح عليها المبادرة بالإصلاح، بدلا من إجبارها على ذلك، ومن المهم أن تبدأ بالإصلاح وتفهم مواطن الخلل، وأي مبادرة من هذا النوع ستزيد من شعبيتها، ومهم أيضا أن يكون هنالك تغذية راجعة، وهو أمر ضروري لكل حركات التحرر، وهذا هو المنطق الطبيعي.
ليس بالضرورة أن تكون المطالبة بالإصلاح واقعية، فيجب فهم من هي الأطراف التي تريد الإصلاح، والشخصيات التي تعمل على ذلك، الخطورة في هذا الموضوع تكمن بأن هنالك دولا ربما تتدخل في مطالب الإصلاح ولكل دولة حساباتها، والدول المتنافسة على زعامة العالم العربي ستقيد القرار الفلسطيني بدلا من بقائه حرا، ولذا من المهم فهم توجهات النخب وارتباطاتها، وهل هنالك أجندات عربية أو إقليمية من وراء ذلك، ولذلك فإن هنالك خشية بهذه الطريقة من أن يكون نتائج أي إصلاح إنتاج ما هو أسوأ من الواقع الحالي.
عندما نتحدث عن منظمة التحرير أو حركة فتح، يجب أن نتحدث عن حزب السلطة أو المجموعة الحاكمة وهذا كله يتجسد في شخصية الرئيس محمود عباس، عندما تطرح فكرة إعادة بناء أو تمثيل منظمة التحرير ومؤسساتها أو إجراء الانتخابات بأي مستوى فإن ذلك يحدث حالة إرباك لديه، لأن ذلك يعني أمرين، الأول: هو الشراكة، وهو لا يريد الشراكة حتى مع مركزية فتح أو تنفيذية المنظمة، فهذه هيئات مغيبة ودورها مصادر، والشراكة تعني الرقابة وإنهاء الفساد الذي تغرق فيه المجموعة الحاكمة، وبالتالي فإن التمسك بالمصالح الشخصية تدفع باتجاه رفض أي تغيير.
أما السبب الثاني فهو سياسي، وهو يتعلق بالرئيس عباس وخياره هو خيار أوسلو والعداء للمقاومة، وبالتالي فهو لا يريد إعادة بناء المنظمة فحسب، بل أفشل كل المحاولات التي جرت لإنجاز مصالحة وآخرها لقاء العلمين في القاهرة وإلغاء الاجتماع الذي كان مقررا في الصين في الأيام القليلة الماضية، لأن المصالحة ستفرض قواسم مشتركة وتتعارض والنهج السياسي الذي ما زال يتمسك به رغم كل المآسي التي جلبها لشعبنا، وبالتالي الرئيس عباس هو الذي يرفض المصالحة.
وأمام المعطيات السابقة، فإن إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية يواجه عقبة تتمثل في التفرد والدكتاتورية، وهذا يعني أن الحديث عن إصلاح المنظمة، رغم أنه مصطلح غير محبب لي والمحبب هو إعادة بناء المنظمة عبر الانتخابات الديمقراطية.
هذا الحديث يتم نقاشه منذ 4 عقود ونصف بين القوى السياسية المشكلة لمنظمة التحرير وحتى الآن، وسيبقى يراوح نفسه ما لم يتوفر اصطفاف عالٍ من الحالة الشعبية والمكونات الرئيسة الفلسطينية لتشكيل أداة ضغط جماهيرية شعبية تنزل إلى الشارع، تجبر قيادة المنظمة على الامتثال للإرادة الشعبية والوطنية، فإن الحديث عن إصلاح المنظمة أو إعادة بنائها سيبقى بدون رصيد خصوصا أن استطلاعات الرأي العامة لا تعطي فريق السلطة أكثر من 15%، وبالتالي لن يستجيبوا إلا بالضغط.
أما فيما يتعلق بدور دول الإقليم في تفعيل ذلك، فإن التهمة الملتصقة بدور منظمة التحرير منذ تشكيلها أنها جزء من النظام الرسمي العربي، وتخضع له، وبالتالي فإن إعادة بناء المنظمة يجب أن تتم بأيدٍ فلسطينية من قوى مقاومة واتحادات شعبية ونخب فلسطينية ونقابات وحراكات وشخصيات وطنية كلها معنية بإعادة بناء المنظمة بعيدا، وبعيدا جدا، عن الدول الإقليمية والعربية التي تتدخل في الشأن الفلسطيني، وقليلة هي الدول العربية التي تتدخل بمعزل عن الضغوط الأجنبية لتحتضن الحوارات الفلسطينية أو الجهود الساعية لإعادة البناء.
وأعتقد أن المقترحات التي تقدمها المبادرات ستكون ذات فعالية إذا ركزت على القضايا الجوهرية التي تهم الشعب الفلسطيني:
- أولها إعادة الاعتبار للمنظمة كحركة تحرر وطني تمارس الكفاح والمقاومة بأشكالها كافة وفق القانون الدولي.
- وثانيها التمسك بالمنظمة وعدم البحث عن أي بدائل لها، بل استعادتها ممن سيطروا عليها وإعادتها للشعب الفلسطيني.
- وثالثها العودة للشعب لانتخاب قيادته على المستويات كافة بدءا من المجلس الوطني وصولا إلى أي اتحاد شعبي.
- ورابعها يأتي الإصلاح أو إعادة البناء انطلاقا من المحافظة على المقاومة وإنجازاتها، ومغادرة خيار أوسلو بشكل نهائي مع كل التزاماته ورموزه.
وفي هذا السياق لا بد من الانتباه لمسألة الانتخابات حيث لم تشهد المنظمة على امتداد تاريخها أي انتخابات ديمقراطية، وبالتالي هذا ما أوصلها لما هي عليه اليوم، وكلنا يرى كيف يتم التعامل مع الانتخابات وعلى أي أساس ستقوم وهل سيتم احترام نتائجها، باعتبارها المدخل للعودة إلى الشعب، وأن غيابها هو المشكلة أولا وأخيرا.
الحديث عن سيناريو التعثر، يعني الذهاب إلى اتجاهات أخرى وهي البحث عن كيان بديل أو منظمة بديلة، وفي تقديري أن هذا سيعمق الانقسام من جهة، وسيقود إلى تنازع الشرعيات أمام العالم مما يسهل دور الأعداء والمتربصين بتصفية القضية والحقوق الفلسطينية.
ومع ذلك ومن تجارب أخرى، وتجارب فلسطينية بشكل خاص، في التاريخ الفلسطيني حصل هناك تنازع في ستينيات القرن الماضي بين الهيئات العربية بقيادة الحاج الحسيني ومنظمة التحرير بقيادة أحمد الشقيري، وفي النهاية التف الشعب حول المنظمة، لأنها كانت فاعلة تمارس العمل على الأرض، فجيش التحرير الفلسطيني والمقاومة من الفصائل الأخرى تعاطفت مع منظمة التحرير في حين اكتفى الحاج أمين الحسيني بمكاتب في بيروت أو في عواصم أخرى وتساوق مع دول أخرى لاستخدامها في الصراع بين النظام الناصري القومي المعادي للاستعمار وبين الدول المحسوبة في حينه على الاستعمار، وبالتالي علينا أن نتمسك بخيار وحيد وهو إعادة بناء المنظمة والضغط الشعبي هو الوسيلة لذلك.
لا تفسر ظاهرة رفض منظمة التحرير وحركة فتح لمحاولات الإصلاح سياسيا بقدر ما تفسر نفسيا ومنهجيا، أي منهجية سلوك ومنهجية حكم، لذلك لا أرى أن هناك سببا سياسيا واضحا يتعلق بتقدير الموقف السياسي الوطني والمصلحة العامة يفترض عدم مناقشة مبادرات الحوار، وإنما هو منهجية حكم واتخاذ قرار.
وإذا نظرنا إلى مستويات أدنى نجد أنه على مستوى حركة فتح نفسها لا تجتمع لجنتها المركزية إلا في حالات محدودة. كما تأخر انعقاد المؤتمر العام لحركة فتح كثيرا، ما يعني أن هناك نهجا في التفرد، وبتقديري فإن غياب المجلس التشريعي والمجلس الوطني وغياب التجديد في هاتين المؤسستين يعني عدم وجود رقابة، وهناك من يستسهل اتخاذ قرارات لا تمر عبر هيئات جماعية واستشارية ورقابية وديمقراطية.
جزء من أسباب عدم إصلاح منظمة التحرير هو اشتراط المنظمة باعتراف حركة حماس ببرنامجها قبل الانضمام لها، وفي تقديري هذا الأمر بديهي فعندما تصبح حماس جزءا من المنظمة والحكومة والمجلس التشريعي فهي ستلتزم بهذا الموضوع لأنها تدرك متطلبات المرحلة ووثائقها تشير إلى ذلك.
وإن آلية إصلاح المنظمة موجودة وسهلة وتقوم على تفعيل النظام الأساسي لها، والمجلس الوطني الذي يعتبر الهيئة التي تنبثق منها بقية هيئات المنظمة مثل اللجنة التنفيذية يمكن إعادة تفعيله عبر إجراء انتخابات غير مباشرة من خلال الاتحادات المهنية والشعبية، وبتطبيق النظام الأساسي للمنظمة.
وبطبيعة الحال تحتاج المنظمة إلى بعض الإصلاحات القانونية والهيكلية؛ لأن ما هو موجود يعود لمراحل زمنية مختلفة عن المرحلة الحالية، ولكن هذه الأمور بسيطة وحلها ممكن في حال توفرت الإرادة السياسية.
وهذا يقودنا للقول إنه من الواضح عدم وجود إرادة سياسية لإعادة تفعيل دور المنظمة أو الانخراط في عملية ديمقراطية، ولكن ذلك لا يعني الاستسلام لهذا الواقع، فبتقديري أن الشعب الفلسطيني لديه طاقات شعبية وفكرية واجتماعية ونشطاء، لذلك يجب أن نجد طرقا ليس لإعادة تفعيل المنظمة فقط، وإنما لتفعيل العمل الفلسطيني العام.
فإذا كان الاتحاد العام لطلبة فلسطين غائبا فذلك لا يعني عدم وجود أطر طلابية، وهذه الأطر الطلابية والنقابية والمهنية والاتحادات وغيرها من المهم أن تنظم نفسها وتعمل لتفعيل العمل الفلسطيني العام. الحديث عنها ليس لإيجاد بديل عن منظمة التحرير، ولكن في حال غياب الإرادة السياسية لتفعيل دور المنظمة، فهذه الأطر بحاجة للعمل المشترك وتنظيم نفسها والضغط لتفعيل المنظمة ضمن منهجية ديمقراطية ومدروسة لإعادة تفعيل نفسها ضمن إطارها.
ولذلك فالسؤال هو هل يمكن الاستغناء عن منظمة التحرير؟ هل يمكن الاستغناء عن تفعيل منظمة التحرير؟ وبطبيعة الحال فالإجابة لا، ولكن أيضا لا يمكن الإبقاء على المنظمة بدون تفعيل، وهذا ما يجب العمل عليه، والضغط من أجله.
وكانت هناك مبادرات سابقة لإعادة تفعيل دور منظمة التحرير، وأنا شخصيا في السنوات الأخيرة اشتركت في قرابة 10 حوارات ولقاءات ومبادرات لإعادة تفعيل دور المنظمة، فالفصائل الفلسطينية وتحديدا حماس وفتح اتفقتا عدة مرات على إعادة تفعيل دور المنظمة، ولكن عظم الكارثة التي نواجهها في قطاع غزة حاليا تفرض أن يكون التحرك أكثر جدية ومختلفا عن سوابقه.
وباعتقادي لدينا بوادر طيبة هذه المرة، فالمؤتمر الوطني لإعادة تفعيل المنظمة المزمع عقده فيه شخصيات من مختلف التوجهات، فتح ويسار ووسط وإسلاميون، ويضم فلسطينيين ذوي شخصيات اعتبارية من 45 دولة، ومع أن العدد ليس معيارا ولكنه مؤشر، كان بالإمكان زيادة العدد ولكن لم يكن هذا المهم وإنما إيجاد الآلية.
وباعتقادي أن مبادرة إعادة التفعيل قد خطت خطوة متقدمة هذه المرة أكثر مما كان عليه الحال في المرات السابقة، وهي لا تتبع لشخص ولا لدولة ما، والشخصيات الموجودة في المبادرة الحالية فيها قيادات تاريخية، ولذلك أرى أنه يمكن أن تخطو هذه المبادرة بعض الخطوات الإيجابية إلى الأمام، والأمر يحتاج إلى مزيد من العمل والجهد والمثابرة.
وليس خيارا أن تتعثر محاولات الإصلاح وإعادة تفعيل دور المنظمة، فهذا مثل أن نقول إنه ممكن غياب الدولة أو الكيان الممثل لأي شعب، ومنظمة التحرير هي الكيان الرسمي الممثل للشعب الفلسطيني. ولذلك فالحل هو أن يبادر الشعب الفلسطيني والمجتمع المدني لتنسيق جهوده والعمل لتفعيل أطر منظمة التحرير، بعيدا عن الانقسامات الحزبية والفصائلية وبعيدا عن الأيديولوجيا، وبعيدا عن مأزق الانقسام وبعيدا عن مأزق تهميش منظمة التحرير وعدم تفعيل دورها.
وبالنسبة للقيادة الرسمية لحركة فتح فإنها تشعر بأن الأرض تتحرك من تحت أرجلها في حال تم الاتفاق على إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وتشعر بالخطر الشخصي خشية من فقد دورها في منظمة التحرير، ولذا فإن موضوع تفعيل المنظمة يعني إحياء مؤسساتها وأذرعها والالتزام بقانونها الذي ينص على إجراء الانتخابات لهذه المؤسسات، والالتزام بانعقاد هذه المؤسسات وفقا للوائح الداخلية والذي بالطبع سينتج عنه اتخاذ قرارات سياسية وتنظيمية وإدارية لا تتوافق والسياسة الحالية التي يتبعها من يحتكر المنظمة، ويمنع أي محاولات للنهوض أو التجديد، وهذا يتوافق مع رؤية الدول الاستعمارية والإقليمية المتحكمة في سياسات المنطقة.
وفيما يتعلق بالدور العربي الإقليمي لإصلاح المنظمة فهناك واقع فعلي فلسطيني عربي إقليمي دولي مفروض على تحييدها، وإفراغها من أن تكون ممثلا فعليا وحقيقيا وعمليا للشعب الفلسطيني، ولا يمكن تغيير هذا الواقع إلا من خلال الإصلاح الداخلي.
لا بد من أن يكون هناك إرادة وفعل فلسطيني جاد نحو الإصلاح سواء من خلال الضغط الناجح والقوي والمتواصل على قيادة المنظمة من أجل إنهاء سياسة الاحتكار. أما فيما يتعلق بالدور الإقليمي في هذا الشأن فالأمر يتعلق بتوفير الأمور اللوجستية من حيث المكان والظروف المتعلقة باحتضان اللقاءات والمؤتمرات والنقاشات، وهناك عدة عواصم عربية ودولية مؤهلة للقيام بهذا الدور.
مقترحات النخب والشخصيات الفلسطينية وكذلك القوى السياسية والنقابية والاجتماعية هو بمثابة تعبير طبيعي عن موقف الشارع الفلسطيني وترجمة لأفكاره، وغالبا ما تتوافق مع ما تم الاتفاق عليه بين الفصائل الفلسطينية في اجتماعاتها بهذا الخصوص في القاهرة وبيروت وموسكو وغيرها، وهي رؤى واقعية وصادقة وقابلة للتطبيق وفي حال تم العمل بها سيكون للمنظمة دور هام وشكل مختلف وأداء جديد.
وفي الظرف الحالي لا أرى أن هناك بديلا عن إصلاح المنظمة خاصة، وهناك شبه إجماع فصائلي وشعبي على ذلك، وهناك اتفاقيات فلسطينية تم التوقيع عليها ولا يوجد أي عائق أمام تطبيقها سوى تحرير المنظمة من قبضة الاستبداد والاحتكار، وهذه أسهل طريقة لتشكيل قيادة فلسطينية موحدة، ولكن هذا لا يمنع أن يكون هناك أطر قيادية وطنية أو حزبية للقيام بدور وطني معين في الشتات الفلسطيني أو في غزة، وهذا لا يتعارض مع إصلاح المنظمة، وليس بديلا عنها.
ويرجع رفض حركة فتح أو منظمة التحرير الخوض في نقاش بإصلاح المنظمة إلى سبب واحد ولا يحتاج الكثير من التحليل منا، وهو شعورهم بالضعف والخشية من فقدان الامتيازات والتسهيلات والنفوذ والتأثير من خلال المنظمة ومؤسساتها والتمثيل الرسمي، وإعادة بناء أو إصلاح المنظمة يعني إدخال عناصر شابة وعناصر جديدة وحركات وتنظيمات فاعلة، مثل حركتي حماس والجهاد، ومؤسسات مجتمع مدني باتت تعتبر هي الأقوى على الساحة الفلسطينية الآن.
وكل ذلك سيعطي حيوية أكبر للمنظمة، وهذا يعني نقصا من رصيد حركة فتح والمنظمة، وبالتالي رفض التفعيل هو التقليل من النفوذ، وهذا لا يعني استبعاد فتح لأنها حركة شعبية وذات حضور ولكن لن يعود لها التفرد الذي اعتادت عليه على مدار السنين الماضية.
وبالتالي فإن إمكانية إصلاح المنظمة من خلال الضغط هو أمر ممكن وليس طرحا في الهواء، لأن منظمة التحرير ليست ملكا لفصيل وإنما هي ملك للقضية الفلسطينية، وهي بيت لكل فلسطيني، ونتاج نضالات الشعب الفلسطيني، ومنتج فلسطيني مهم ومؤثر، ومؤسسات لها قيمة في البعد الوطني والعربي والإقليمي.
أما عن دور أطراف عربية وإقليمية ومساهمتها في عملية الإصلاح، باعتقادي أنه أمر مهم لأن المنظمة أُنشئت من داخل النظام العربي واستطاعوا أن يوجهوها للوصول إلى حالة التمثيل الفلسطيني، ولكن هذه التدخلات منها ما هو ايجابي ومنها ما هو سلبي، حسب منطلقات الدول وتجردها من مصالحها الذاتية.
وفي حال تعثر إصلاح المنظمة، فهناك سيناريوهان؛ الأول، هو الحالي المتمثل في إغلاق الباب أمام دخول الكل الفلسطيني لمنظمة التحرير، وهذا لن يمنع الشعب الفلسطيني وقواه الحية من العمل وخلق مساحاته الخاصة. أما الثاني فهو أن تنشأ كيانات أخرى، ولا يوجد أي مانع من إنشاء كيان آخر يضم الكل الفلسطيني وفقا للمتطلبات التي تستجد على الأرض.
وهنا يجب أن نذكر على الأقل أن علاقة فتح بالمنظمة مرت بمرحلتين، الأولى عندما أُعلن إنشاؤها، ووقتها لم تكن فتح معلنة أو رسمية حيث نشأت فتح في بداية 1965، وكانت تنظر إلى المنظمة أنها بنيت على رغبات أنظمة عربية ولم تقم وفقا لرغبات الشعب الفلسطيني، لذلك كانت تنقدها وطلبت من أول رئيس للمنظمة أحمد الشقيري أن يتبنى بشكل واضح وصريح برنامج الخط الثوري والعمل المسلح لنيل الحرية الفلسطينية، هذا الأمر لم يوافق عليه الشقيري في ذلك الوقت.
ولاحقا حظيت حركة فتح بعد انطلاق عملها العسكري وبروزها على الساحة الفلسطينية بالقبول الشعبي، واستطاعت أن تزيح الشقيري عن رئاسة المنظمة عام 1967، وتولى يحيى حمود ومن ثم ياسر عرفات رئاسة المنظمة في بدايات 1969، وفي عام 1974 اعتبرت جامعة الدول العربية أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهذا منح فتح السلطة الكاملة لتمثيل الشعب الفلسطيني أمام جميع المحافل العربية والعالمية.
والآن تدرك حركة فتح ضعف منظمة التحرير، ولكن لا تريد الاعتراف بهذا الضعف ولا بترهل دوائر المنظمة الاختصاصية التي وصل عددها إلى 20، وبالتالي الرفض من قبل فتح لعملية الإصلاح أو إعادة البناء ناجم عن اعتقاد أن أي عملية إصلاح هي إزاحة للحركة عن قيادة المنظمة بعدما تم تقزيمها لتصبح وكأنها دائرة من دوائر السلطة، بينما من المفترض أن يكون العكس، وبالتالي تخشى أن تعود المنظمة لما كانت سابقا وتتبنى ضمن إستراتيجيتها وسياستها الكفاح المسلح لتحرير كل فلسطين.
أما حول إمكانية إصلاح المنظمة، ففعليا المنظمة ليست بمبنى ولا غرفة، هي دوائر وأطر تخصصية، بالتالي فالمقصود بعملية الإصلاح هو إعادة تفعيل الدوائر التخصصية للمنظمة لتقوم بالدور المطلوب منها على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي أو العسكري المقاوم، وهناك ميثاق قومي للمنظمة تمت المصادقة عليه منذ نشأتها يضم 29 بندا، وضعت خطة عمل للمنظمة.
وبناء على ذلك، فإن المطلوب تشكيل قيادة فلسطينية منتخبة للمنظمة من قبل المجلس الوطني الذي يفترض أن يمثل كل فلسطيني، وبناء على ذلك يتم إعادة بناء وإصلاح المنظمة بأطرها ومؤسساتها كافة.
أما المقترحات المقدمة لتطويرها أو إصلاحها فهي مقترحات واقعية، وأبرزها إعادة انتخاب مجلس وطني جديد يتولى عملية الإشراف على الإصلاح والبناء، ويعتمد على أدوار داخلية أو حتى إقليمية ودولية، ويمكن عمل الانتخابات له بأي طريقة حتى وإن لم تكن تقليدية في حال وجود بعض من العراقيل أمام إجرائها.
فريق العمل:
الإعداد: مركز رؤية للتنمية السياسية بالتعاون مع الجزيرة نت
إشراف: حسن عبيد، سليمان بشارات، محمود العدم، أسماء الزيات