ما الذي يجري على الجبهة الشمالية للاحتلال “الإسرائيلي”؟
- كريم قرط[1]
تشهد الجبهة الشمالية للاحتلال “الإسرائيلي”، وتحديدا على الحدود مع لبنان، تزايدا في وتيرة التصعيد بين حزب الله والاحتلال منذ عدة أشهر، فقد حدثت منذ بداية العام الحالي عدة أحداث متسارعة ومتراكمة ومستمرة أعادت التركيز لدى الاحتلال على جبهته الشمالية، باعتبارها جبهة متوترة ومحتملة الاشتعال.
يطرح هذا التوتر المتصاعد عدة أسئلة، وأهمهما: هل ستندلع حرب بين حزب الله والاحتلال على غرار حرب تموز 2006؟ وما أسباب التصعيد من طرف حزب الله الذي بات يتخذ منحنى أكثر جرأة؟ وما الذي يمنع الاحتلال من المبادرة لشن عملية استباقية ضد حزب الله، أو حتى عمل عسكري لإخلاء خيام حزب الله من داخل الأراضي التي يسيطر عليها الاحتلال؟
تصاعد الأحداث
تشكل مسألة إقامة حزب الله خياما ونقطة مراقبة عسكرية داخل الأراضي التي يسيطر عليها الاحتلال، فيما يسميه الاحتلال (هار دوف)، القضية الأكثر توترا في المرحلة الحالية، غير أنها ليست هي القضية الوحيدة التي تخلق حالة التصعيد والترقب على الحدود اللبنانية، إذ إن الاحتلال يلاحظ أن جرأة حزب الله في تنفيذ ما يسميها “استفزازات” لجيش الاحتلال قد تزايدت بشدة في الآونة الأخيرة، وتتمحور هذه “الاستفزازات” حول ثلاث قضايا رئيسة هي: نقل حزب الله قواته الخاصة إلى مقربة من الحدود، وإقامة عشرات نقاط المراقبة الثابتة على طول الحدود، وتنفيذ “استفزازت” يومية تشمل دخول عناصر من حزب الله إلى داخل الأراضي التي يسيطر عليها الاحتلال.
في شهر مارس من العام الجاري، أعلن الاحتلال عن تسلل مقاوم من جنوب لبنان وزرعه عبوة على مفرق مجدو، وفي شهر أبريل أطلق أكثر 30 صاروخا تجاه الأراضي المحتلة من جنوب لبنان، ومع أن الاحتلال في الحالتين تجنب توجيه الاتهام المباشر لحزب الله بالوقوف خلفهما واكتفى بتوجيه الاتهام لفصائل فلسطينية، فهو يدرك أن هذه الأحداث لم تكن لتحدث لولا موافقة حزب الله. وتلت هذين الحدثين جملة من التطورات التي تحدث بشكل شبه يومي مؤخرا، حيث أطلق صاروخ مضاد للدروع من جنوب لبنان تجاه الأراضي المحتلة خلال شهر تموز عقب العدوان “الإسرائيلي” على جنين، وحدثت محاولات لتخريب الجدار الذي يقيمه الاحتلال على الحدود مع لبنان، كما تمكن عدد من الشبان اللبنانيين من إسقاط كاميرات مراقبة مع على الجدار العائق، ودخل عدد من المواطنين والصحافيين اللبنانيين برفقة أعضاء من مجلس النواب اللبناني إلى داخل المنطقة التي يسيطر عليها الاحتلال.
في الآونة الأخيرة بدأ حزب الله بتسيير دوريات مراقبة على طول الخط الأزرق، غير أن التصعيد حول الحدود مستمر منذ فترة أطول؛ فمنذ العام 2018 أقام حزب الله قرابة 30 برجا ونقطة مراقبة عسكرية قرب الخط الأزرق، عقب بدأ الاحتلال ببناء جدار عازل وعوائق على طول الخط الأزرق مع لبنان تحت مسمى عملية “إيفين مشتليفت” التي أتبعها لاحقا بعمليات تحصين داخل المستوطنات المحاذية للخط الأزرق تحت مسمى “درع الشمال”، كما لاحظ الاحتلال أن حزب الله نقل العديد من قواته، لا سيما وحدة الرضوان، من الداخل اللبناني إلى المنطقة الحدودية، وأجرى في 22 مايو مناورة عسكرية على بعد 20 كم فقط من الخط الأزرق، وشملت محاكاة لسيطرة قوة الرضوان على مستوطنات “إسرائيلية”.
نشر حزب الله مقطعا مصورا يحاكي اقتحام عناصر من قواته لموقع عسكري “إسرائيلي” والسيطرة عليه بتاريخ 16 يوليو، ويأخذ الاحتلال هذه المسألة على محمل الجد وعلى أن هذا سيناريو ممكن الحدوث، إذ بدأ حزب الله بالتلميح حول هذا السيناريو منذ عام 2011 وتصاعد هذا التهديد باستمرار مع الوقت، لا سيما بعد أن أصبحت قوة الرضوان وقوات أخرى تابعة لحزب الله موجودة على مقربة من الحدود، وتشكل هذه المسألة تطورا خطيرا بحد ذاتها، إذ ينظر لها الاحتلال على أنها انتهاك لقرار مجلس الأمن رقم 1701 بخصوص وقف الأعمال القتالية خلال حرب تموز 2006، وينص هذا القرار على إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي أفراد مسلحين أو معدات أو أسلحة بخلاف ما يخص حكومة لبنان وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، ما يعني إنشاء منطقة عازلة يمنع على حزب الله الوجود فيها.
إن ما يجعل الاحتلال يأخذ مسألة سيطرة قوات حزب الله على المستوطنات ممكنة، أن قوة الرضوان تحديدا أنشأت بشكل أساس كقوة هجومية مهمتها احتلال مواقع العدو، وقد شاركت هذه القوة في الحرب في سوريا وتمكنت من السيطرة على مواقع لقوى المعارضة وداعش، ما يعني أن هذه القوى لديها تدريب وخبرة حول المهمة التي ستناط بها، وبناء على ذلك، أجرى جيش الاحتلال مناروة في أواسط شهر يونيو حاكى فيها الانخراط في مواجهة مع قوة الرضوان داخل “الإراضي الإسرائيلية”.
عموما أصبحت، مثل هذه الأحداث أشبه بروتين يومي على الحدود، ولا يعني ذلك أن توصيف الاحتلال لهذه الأحداث بـ”الاستفزازات” هو توصيف صحيح، فالاحتلال من جانبه ينفذ العديد من الانتهاكات على الحدود اللبنانية، وفي المجال الجوي للبنان، ما يعني أن تصرفات حزب الله في جزء كبير منها تأتي في سياق رد الفعل على الانتهاكات “الإسرائيلية”، وهو ما لاحظه تامير هيمان مدير معهد أبحاث الأمن القومي “الإٍسرائيلي”.
خيام حزب الله وقرية الغجر
تجري الأحداث السابقة في ظل نصب حزب الله لخيمتين ونقطة مراقبة على عمق قرابة 30 مترا داخل الأراضي التي يسيطر عليها الاحتلال في منطقة مزارع شبعا المحتلة ووجود عناصر مسلحين من حزب الله فيهما، ومن خلال التصريحات المتكررة لحسن نصر الله حول سبب إقامة خيامه داخل الأراضي المحتلة يتضح أنه ربط إقامتها ببناء “إسرئيل” جدار عازل حول قرية الغجر الواقعة على حدود الجولان السوري المحتل، التي يتبع الجزء الشمالي منها للبنان، ما يعني ضمها جميعها للاحتلال، إذ قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في كلمة له في ذكرى حرب 2006، أن نصب الخيام “عمل لاستعادة الأراضي التي يحتلها العدو الإسرائيلي”. وبطبيعة الحال فهو يشير إلى قرية الغجر وغيرها من الأراضي اللبنانية التي يسيطر عليها الاحتلال، غير أن التركيز في المرحلة الحالية على قرية الغجر حتى لا يتحول الضم “الإسرائيلي” لشمالها أمرا واقعا.
تتضارب المعلومات حول تاريخ نصب هذه الخيام، فهناك حديث عن أنها نصبت في شهر أبريل أو أوائل شهر مايو، ولكن الاحتلال لم يعلن عنها إلا بعد أكثر من شهر على نصبها، حيث أعلن عنها في الإعلام “الإسرائيلي” لأول مرة في منتصف شهر يونيو، وهذا التريث في الإعلان جاء بناء على تقدير جيش الاحتلال بأن الخيام لا تشكل تهديدا حقيقيا، ورغبته بعدم تضخيم الحدث ومحاولة إقناع حزب الله بتفكيك خيامه بالطرق الدبلوماسية.
في المقابل، كانت هناك توصيات من معهد أبحاث الأمن القومي “الإسرائيلي” بمباشرة جيش الاحتلال بإزلة الخيام، حتى لو أدى ذلك إلى مواجهة محدودة مع حزب الله، وذلك لأن إقامة حزب الله لخيامه في الأراضي التي تسيطر عليها “إسرائيل” تشير إلى تآكل قوة الردع “الإسرائيلية”، وتعزز ثقة حزب الله بنفسه أمام “إسرائيل”، وتزايد جرأته واستعداده لتحمل مخاطر مواجهة مع الاحتلال. ومن ناحية أخرى فإن استمرار جيش الاحتلال في مقاربة تجنب التصادم مع حزب الله ستؤدي إلى وضع أكثر خطورة على المستوى الاستراتيجي.
آثر الاحتلال الاستمرار في العمل عبر القنوات الدبلوماسية، ولجأ إلى عدد من الدول والمنظمات للضغط على لبنان لإجبار حزب الله على تفكيك خيامه، ومن بينها الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، بالإضافة إلى قوات اليونيفل، وقد قرن توجهه ذلك مع تهديد بأنه إذا لم يفككها حزب الله بالطرق الدبلوماسية فإن جيش الاحتلال سيفعل ذلك. غير أن إسرائيل تراجعت عن تهديدها بعد أن وصلتها رسالة من حزب الله عبر الوسطاء بأن استخدام القوة العسكرية لإزالة الخيام سيؤدي إلى حرب، حسب ما نقلت جريدة الأخبار المقربة من حزب الله.
فكك حزب الله إحدى الخيمتين ونقلها لداخل الأراضي اللبنانية بجوار الخط الفاصل في بداية شهر تموز، فيما اعتقد أنه بداية انفراجة للأزمة، غير أن الحزب لم ينقل الخيمة الأخرى إلى داخل الحدود اللبنانية، وبدأ ومعه الحكومة اللبنانية، رسميا، بربط تفكيك الخيمة المتبقية بانسحاب الاحتلال من الجزء الشمالي من قرية الغجر، إذ قال عبد الله بو حبيب، وزير الخارجية اللبناني، أن قوات اليونيفل نقلت له مطالب “إسرائيل” بإزالة الخيمة المتبقية، ولكنه رد بأنهم يطالبون بأن تتراجع “إسرائيل” من شمال الغجر التي تُعتبر أرضا لبنانية.
يبدو أن حزب الله وضع الكرة في معلب “إسرائيل” الآن، فيما يتعلق بخيامه؛ ففي حال أزلت “إسرائيل” الجدار الذي أقامته حول قرية الغجر يمكن أن يزيل حزب الله خيمته، غير أن إزالة الخيمة وإزالة الجدار لن يكونا نهاية للتوترات على الحدود، في ضوء استمرار الانتهاكات “الإسرائيلية” للحدود اللبنانية وبقاء عدد من نقاط الخلاف عليها، واستمرار حزب الله في مراكمة قوته وتعزيز حضوره العسكري على الحدود.
توقيت التصعيد وأسبابه
يتفق عدد المحللين والباحثين “الإسرائيليين” على أن إسرائيل ليست معنية بالانخراط بحرب مع حزب الله وأن حزب الله هو الآخر غير معني بالحرب، ولكن أي خطأ صغير قد يؤدي إلى إشعال حرب تسبب دمارا للبنان وكذلك لإسرائيل، غير أنه ليس من الواضح بما فيه الكفاية، لدى الاحتلال على أقل تقدير، ماذا يريد حزب الله، وبطبيعة الحال، فحزب الله يربط كل تحركاته بالانتهاكات “الإسرائيلية” للحدود ومحاولة الاستيلاء على قرية الغجر وتثبيت الخط الأزرق على أنه خط حدودي دولي ثابت، في حين أن هذا الخط الوهمي الذي رسم بعد الانسحاب “الإسرائيلي” من جنوب لبنان هو تقريبا خط الهدنة الموضوع منذ عام 1949، وهناك أكثر 13 نقطة خلافية عليه من رأس الناقورة وحتى مزارع شبعا، تطالب بها لبنان.
حسب تصريحات حسن نصر الله، في ذكرى حرب 2006، فإن حزب الله أعطى فرصة طوال السنوات الماضية للدولة والجيش اللبناني وقوات اليونيفل لوقف الانتهاكات “الإسرائيلية” للحدود اللبنانية، غير أن الاحتلال استمر بانتهاكاته التي تعد بالآلاف وهو آخذ بالاستمرار فيها وتحويلها إلى أمر واقع، ولذلك كان لا بد من تدخل حزب الله. ولكن عند النظر لبعض الأحداث، مثل إطلاق الصواريخ من لبنان عقب الاعتداء على المعتكفين في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان الماضي، يبدو أنها غير متعلقة بمسألة الحدود والنزاعات حولها، وفي تصريح لنصر الله أعلن أن حزب الله كان على استعداد للتدخل خلال العدوان الأخيرة على غزة عندما تفرض المسؤولية ذلك، ما يعنيه ذلك أن تحركاته أبعد من النزاع على الحدود، وهو يؤكده إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان خلال شهر رمضان وبعد العدوان على جنين.
في ضوء ذلك، هناك تقديرات “إسرائيلية” ترى أن حزب الله انتقل في المرحلة الأخيرة من عملية بناء القوة، التي استمرت لسنوات طويلة، إلى مرحلة الاستعداد للحرب، وكل الحديث عن الانتهاكات الحدودية “الإسرائيلية” وفرض حزب الله نفسه كحامي للأراضي اللبنانية وسيادتها ليست سوى عملية بناء “مبرر” للحرب، وهذا الأمر مرتبط بتقديره أن قدرة الردع “الإسرائيلية” قد تآكلت، وهو ما أكده نصر الله خلال خطاباته المتكررة. وحسب دراسة لمعهد أبحاث الأمن القومي “الإسرائيلي”، فإن هذا الأمر نابع من رؤية حزب الله للأزمة الداخلية الحادة في “إسرائيل” لاسيما بعد تولي الحكومة الحالية وسعيها لإحداث “تعديلات” قضائية، وما تبع ذلك من علامات الضعف البادية على جيش الاحتلال، وأيضا التوتر الناتج عنها بين “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما يعزز القناعة لديه بأن “إسرائيل” غير معنية وغير قادرة على خوض معركة ضده في الوقت الحالي.
حدثت عدة تطورات ساهمت في تأكيد هذه الحقيقة لدى حزب الله، أهمها قدرته على التأثير على مسألة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والاحتلال، الأمر الذي عدّه حزب الله إنجازا له ودليلا على ضعف الاحتلال، وإضافة إلى ذلك، فإن العدوانات الإسرائيلية الأخيرة سواء على قطاع غزة أو جنين، مع أن أحد أهم أهدافها لدى الاحتلال هو استعادة الردع، فإنها أتت بنتيجة معاكسة على الردع الإسرائيلي، إذ إن إسرائيل أظهرت خلالها خشية من تصاعد الأحداث خارج حدود منطقة عدوانها، احتمالية تدخل أطراف أخرى في المعركة، ولم تستطع الخروج بأي إنجازات، وحتى أنها خرجت من جنين بالتحديد، بصورة هزيمة طاردتها خلال انسحاب قواتها منها.
أمام هذه المعطيات، بدأ يتضح لحزب الله، وغيره من قوى المقاومة، أن القوة الإسرائيلية لها حدود، وأن “إسرائيل” تحاول تجنب الانخراط في معارك كبيرة، وتخشى من سيناريوهات معركة متعددة الجبهات، وتحاول ضبط نفسها كي تتجنب تلك السيناريوهات، وهذا ما يشجع حزب الله على التصعيد من أفعاله وأقواله ضد إسرائيل. وفي تقديري كان من الممكن أن يزيل حزب الله خيمته المتبقية من الأراضي المحتلة، ولكن العدوان الإسرائيلي على جنين ونتائجه التي خرج بها جيش الاحتلال بصورة هزيمة، جعلت حزب الله يصر على إبقاء الخيمة ويصعد من تهديداته تجاه إسرائيل في حال أقدمت على إزالتها بالقوة.
خاتمة
لا يمكن القول أن حزب الله معني بمواجهة عسكرية واسعة مع “إسرائيل” في المرحلة الحالية، وذلك بناء على عدة اعتبارات، من بينها الأزمة السياسية التي تعيشها لبنان في المرحلة الحالية وعدم تمكن الأطراف اللبنانيين من اختيار رئيس للجمهورية منذ أكثر من 6 أشهر، وهذا إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية المتردية فيها، وبطبيعة الحال، فأن اندلاع حرب في هذه المرحلة سيؤدي إلى إلحاق ضرر كبير في البنية التحتية الموارد الاقتصادية في لبنان، ما سيفاقم الأزمة الاقتصادية.
من ناحية أخرى، فإن الأزمة السياسية والانقسام المجتمعي في “إسرائيل” وإن كانت علامة ضعف مغرية لحزب الله أو غيره على خوض معركة ضد الاحتلال، فإن هناك أنباء تتحدث عن أن مسؤولين بارزين من حزب الله وحماس والحرس الثوري الإيراني تباحثوا في الأوضاع في إسرائيل وخطواتهم تجاهها، وكان قرارهم تجنب التدخل المباشر في الموقف. ما يعني أن لدى حزب الله اهتماما بتصاعد الأزمة السياسية في إسرائيل، ولذلك لن يكون راغبا في إنتاج وضع أمني خطير لدى الاحتلال يعيد توحيد الصفوف ويوحد المجتمع الإسرائيلي، غير أن ذلك كله لا يلغي احتمالية اندلاع حرب، أو مواجهة محدودة، ولكن هذه إن حدثت يمكن أن تؤدي تطورات الميدان فيها إلى إطالة أمد الحرب ومداها، وما يجعل هذا الاحتمال واردا، هو أن حزب الله يتخذ خطوات مستمرة لتحسين وضعه الاستراتيجي على الحدود ويراكم قوته العسكرية، وقدرات الدفاع الجوي لديه التي يمكن أن تكون عاملا مهما في عدم خشيته من تبعات تلك الحرب أو المواجهة.
في ظل استمرار الأزمة السياسية والانقسام المجتمعي في “إسرائيل” وتأثيرها على فاعلية جيش الاحتلال وقدراته في ظل تنامي ظاهرة رفض الخدمة العسكرية، والخشية من سيناريو معركة ذات عدة جبهات؛ لا يبدو أن إسرائيل ستكون معنية بخوض تلك المعركة في التوقيت الحالي، ومن خلال تتبع العدوانات الإسرائيلية الأخيرة على غزة وجنين يظهر أن إسرائيل غير معنية، بمواجهة شاملة، وأن تحركاتها العسكرية تظل محدودة واستعراضية أكثر من كونها تحركات حاسمة.
في المحصلة، يبدو أن حزب الله معني بخلق واقع عسكري جديد على الحدود مع الاحتلال، بحيث تظل الجبهة الشمالية للاحتلال جبهة متوترة غير بعيدة عن مجريات الأحداث، وكذلك يسهم مع الوقت في تحسين الوضع الاتستراتيجي له استعدادا لأي معركة قادمة، في ظل أن حزب الله بات يربط نفسه بتطورات الأوضاع في الساحة الفلسطينية التي أعلن عدة مرات أنه مستعد للتدخل فيها في حال استدعى الأمر.
كما أن كل شيء مرتبط بتطورات الوضع على الأرض، فخطأ واحد أو سوء تقدير، كإقدام الاحتلال على إخلاء خيمة حزب الله أو سقوط قتلى لدى الاحتلال، سيكون كفيلا بإشعال مواجهة قد يتعذر السيطرة على مجرياتها. ولذلك تتعالى التهديدات والتأكيدات والاستعدادات لدى حزب الله والاحتلال في محاولة لردع بعضهما عن الإتيان بتحركات غير مسحوبة.
[1] – باحث في مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، رام الله