ليبرمان وزيرًا للجيش… مؤشر حرب أم مناورة سياسية؟
في سيناريو لم يكن متوقعًا، سينضم أفيجدور ليبرمان، زعيم حزب إسرائيل بيتنا "إسرائيل بيتينو"، إلى حكومة بنيامين نتنياهو. ويبدو أن الكابوس -كما وصفه العديد من الألوية في الجيش الإسرائيلي- قد تحقق. رجل عديم الخبرة الأمنية على رأس وزارة الجيش الإسرائيلي بديلاً لبوجي يعلون، الذي ابتدأ حياته في الجيش، من أدنى السلم الوظيفي وصولاً إلى ترؤس وزارته، فقد استطاع -وبإقرار الكثير من المراقبين- أن يقود الجيش بعقلانية كبيرة، وأن يعيد الصوت الغائب له منذ عقد على الأقل. وما لبثت الأخبار تتوالى حتى تبعتها موجة كبيرة من النقد السياسي على مستوى الليكود وأعضائه، وعدم رضى جماهيري، أظهره استطلاع قام به البروفيسور كميل فيكس لموقع "واللا" العبري، والذي أظهر أن 50% من الجمهور الإسرائيلي يفضلون بقاء يعلون في وزارة الجيش، مقابل 29% فقط لليبرمان.
أثار هذا الاتفاق بين نتنياهو وليبرمان تساؤلات كثيرة، فبعد أن كانت وجهة الحكومة الإسرائيلية تسير باتجاه التوسع لتضم المعسكر الصهيوني "همخنيه هتسيوني" بزعامة يتسحاق هرتسوغ، حدثت دراما سياسية، أصبح فيها اللاعب الثانوي أفيجدور ليبرمان نجمًا في اللحظات الأخيرة، مختطفًا الأضواء من هرتسوغ زعيم المعارضة، ويعلون وزير الجيش. ولعلّ أبرز التساؤلات المطروحة، التي تتعلق بالشأن الإسرائيلي الداخلي، تدور حول أسباب تفضيل نتنياهو لليبرمان في اللحظات الأخيرة، وتأثير هذا القرار على الوضع الداخلي لليكود، وانعكاساته المحتملة على وزارة الجيش، وذلك في ظل الأصوات التي تعارض هذا التعيين، وتعتبره انزلاقًا نحو الأسوأ، كما قال يوفال ديسكن رئيس الشاباك الأسبق.
علاوة على ذلك، تُثار التساؤلات المتعلقة بطبيعة التعامل الإسرائيلي مع الملف الفلسطيني، في ظل تصدر ليبرمان المشهد السياسي مرة أخرى، وعودته إلى الحكومة من أوسع أبوابها. فمن المعلوم أن أفيجدور ليبرمان بالغ في تطرفه خلال العام ونصف العام الأخيرة، من خلال عدة تصريحات ومطالبات تشير إلى رغبة جامحة في تشديد القبضة الحديدية تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، علاوة على انتقاداته المستمرة لطبيعة التعامل الحكومي، وتحديدًا رئيس الحكومة ووزير الجيش، مُتهمًا كلا الرجلين بقيادة إسرائيل نحو الهاوية، بسبب إهمالهم لملف المقاومة في غزة، وعدم انتهاج سياسة واضحة ضد تنظيمات المقاومة هناك، من خلال تفعيل أقسى درجات القوة، على حد تعبيره.
من هو أفيجدور ليبرمان؟
وُلد أفيجدور ليبرمان في مولدافيا عام 1958، والتي كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي آنذاك. درس في الجامعة الزراعية في كيشيناو، وعمل حارسا في أحد الملاهي الليلية في موسكو، ثم هاجر إلى إسرائيل عام 1978، وبدأ بتعلم اللغة العبرية، وخدم لمدة عام في الجيش الإسرائيلي في مدينة الخليل، وكاحتياط في سلاح الدبابات. استقر بعدها في القدس، وعمل ممثلاً للفرع المقدسي للعمال في الهستدروت (نقابة العمال الإسرائيلية)، ثم حصل على بكالوريوس في العلاقات الدولية من الجامعة العبرية.
بدأ حياته السياسية عام 1988، حيث تعرف على بنيامين نتنياهو، الذي كان وقتها عائدًا إلى إسرائيل، بعد أن أنهى عمله ممثلاً لها في الأمم المتحدة. أصبح ليبرمان بعدها مديرًا لمركز حزب الليكود. وبعد انتخاب نتنياهو عام 1996 لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، أصبح مديرًا لمكتب رئيس الحكومة، لكنه لم يلبث أن استقال عام 1997 على خلفية فتح تحقيق ضده في الشرطة الإسرائيلية، إلا أن الملف أُغلق نهائيًّا.
في الثالث من كانون ثاني عام 1999، أعلن ليبرمان عن تأسيس حزب جديد سماه حزب "إسرائيل بيتينو"، أي إسرائيل بيتنا، وقد حصل الحزب في الانتخابات التي أجريت في نفس العام على 4 مقاعد في الكنيست. وفي عام 2000، اندمج حزب إسرائيل بيتنا مع حزبين آخرين في الكنيست، هما حزب "موليدت"، أي وطن، وحزب "تكفا"، أي أمل، وأصبح اسم الائتلاف الجديد (الاتحاد القومي – إسرائيل بيتنا). انضم وقتها ليبرمان إلى حكومة شارون عام 2001 وزيرًا للبنى التحتية القومية، وما لبث أن استقال عام 2002 بسبب خلافات مع شارون، تتعلق باتهام ليبرمان لشارون بعدم استخدامه القوة الكافية ضد الفلسطينيين.
في الانتخابات العامة للكنيست عام 2003، حصل الاتحاد القومي على 7 مقاعد، وعاد ليبرمان إلى حكومة شارون كوزير للمواصلات، وسرعان ما قام شارون بإقالته عام 2004 بسبب رفضه خطة شارون للانسحاب من غزة، والتي نُفّذت عام 2005. وفي انتخابات عام 2006، حصل حزب إسرائيل بيتنا على 11 مقعدًا، وانضم للحكومة الإسرائيلية برئاسة إيهود أولمرت وزيرًا للشؤون الإستراتيجية، ونائبًا لرئيس الوزراء، لكنه استقال عام 2008 احتجاجًا على تقدم المفاوضات مع الفلسطينيين.
تمكن ليبرمان في الانتخابات العامة للكنيست الثامنة عشرة عام 2009، بسبب تطرفه المتصاعد، من الحصول على 15 مقعدًا، وتولّي حقيبة الخارجية في حكومة بنيامين نتنياهو، ونائبًا لرئيس الحكومة، ثم استقال على خلفية شبهات وتحقيقات ضده، إلا أن التحقيقات انتهت دون لوائح اتهام. في عام 2013، خاض حزبا الليكود وإسرائيل بيتنا الانتخابات في قائمة واحدة تحت اسم الليكود بيتنا، وحصلت هذه القائمة على 31 مقعدًا، وأصبح ليبرمان وزيرًا للخارجية مرة أخرى. ولكن في عام 2015، خاض حزبه الانتخابات بمفرده، وحصل على 5 مقاعد فقط، وبقي في صفوف المعارضة لمدة عام، قبل أن ينضم للحكومة برئاسة نتنياهو وزيرًا للجيش هذه المرة.
فكر ليبرمان ومواقفه
يُعرف أفيجدور ليبرمان بتطرفه نحو أقصى اليمين الإسرائيلي، فقد استقال من عدة حكومات على خلفية عدم تشديدها القبضة ضد الفلسطينيين، أو احتجاجًا على حدوث تقدم في المفاوضات، وذلك كما حصل عام 2008 عندما ترك حكومة إيهود أولمرت. كما صدرت عن ليبرمان الكثير من التصريحات التي تحوي بطيّاتها قدرًا كبيرًا من التطرف، وفي أحيان أخرى رؤى وخرائط سياسية غير معهودة. وحتى اليسار الإسرائيلي لم يسلم من اتهامات ليبرمان له بالخيانة وانعدام الوطنية، وبأنه يشكل خطرًا على الدولة، كالخطر الذي يشكله أعداء إسرائيل.
يقف ليبرمان على يمين اليمين الإسرائيلي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لكنه أظهر وفْق العديد من الخطط والاقتراحات، أنه مستعد للاعتراف بدولة فلسطينية، بشروط محددة، كتهجير فلسطينيي الداخل كجزء من الحل. وبعدها قدم اقتراحًا آخر لحل الصراع من خلال تبادل مناطق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، على أن تتنازل إسرائيل عن المناطق العربية ذات الكثافة السكانية العالية في الداخل المحتل، ويهدف ليبرمان من ذلك إلى ما يلي:
- تأكيد الأغلبية اليهودية، حيث يشكل العرب في الداخل خطرًا ديمغرافيًّا كبيرًا، في ظل تضامن جزء كبير منهم مع بقية الفلسطينيين في الضفة وغزة، واعتبارهم إسرائيل دولة عدو.
- التخلص من العرب الذين لا يتبنون قيم دولة إسرائيل.
- تجنب المشاكل التي يمكن أن تنجم عن وجود قوميتين في إسرائيل.
- ضمان دولة للفلسطينيين دون يهود.
وفي سياق عنصريته، طالب ليبرمان أكثر من مرة بمحاكمة النواب العرب في الكنيست على خلفية التقائهم بعائلات الشهداء الفلسطينيين. وفيما يتعلق بالرد على الأحداث الأمنية في الضفة الغربية، طالب ليبرمان بما يلي:
- إيقاع أقسى درجات العقوبة ضد الشعب الفلسطيني.
- تنفيذ عقوبة الإعدام ضد الأسرى الفلسطينيين، وعدم تسليم جثث الشهداء.
- طرد عائلات منفذي العمليات إلى غزة أو الخارج، وهدْم بيوتهم، وسحب هوياتهم إن كانت مقدسية أو إسرائيلية.
- قطع الماء والكهرباء عن المدن الفلسطينية كرد على عمليات الانتفاضة.
- سحب تصاريح العمال الفلسطينيين.
- وقْف تحويل أموال الضرائب إلى السلطة الفلسطينية.
- إطلاق يد الجيش بشكل كامل للتعامل مع تلك الأحداث.
وفيما يتعلق بملف قطاع غزة، يرى ليبرمان ضرورة ما يلي:
- عودة الاغتيالات المركّزة ضد قيادات المقاومة.
- قطع الماء والكهرباء بشكل كامل عن قطاع غزة.
- احتلال محاور مركزية داخل القطاع، من أجل تفكيك سلاح حماس وإسقاط حكمها.
- استخدام سياسة الأرض المحروقة بشكل كامل عند مواجهة حماس في غزة، لدفع السكان إلى التخلص منها.
ليبرمان كوزير للجيش ودوره في اتخاذ القرار
ما زالت ردود الفعل المعارضة لتعيين ليبرمان وزيرًا للدفاع مستمرة، فقد اعتبر يوفال ديسكن، رئيس جهاز الشاباك السابق، ذلك بمثابة بداية النهاية، فيما رأى روني دانييل، كبير المراسلين العسكريين الإسرائيليين، ومؤسس الرقابة العسكرية على العالم، بأنه "بات يشعر أن أبناءه قد لا يستمرون هنا". فيما أشارت العديد من الألوية الوازنة في الجيش إلى أن الجيش لن يغير فكره، وأن رئيس هيئة الأركان آيزنكوت لن يقوم بتغيير خطط الجيش وإستراتيجياته. وهناك من رجح من القيادات الأمنية أن يقوم آيزنكوت بانتهاج سياسة التصريحات العلنية، من أجل ضمان استمرار الجيش وفق الروح التي بناها موشيه يعلون. وقد وصف رئيس الحكومة ووزير الدفاع الأسبق إيهود باراك القرار بمثابة نشر بذور فاشية في حكومة نتنياهو.
هاجم ليبرمان في الآونة الأخيرة رئيس هيئة الأركان آيزنكوت، الذي انتقد بعض تصرفات الجيش في قتل الفلسطينيين، وهاجم يائير غولان الذي شبّه وجه المجتمع الإسرائيلي بالروح التي ميزت الحركة النازية عند نشأتها. وبناء على ذلك يمكن إثارة التساؤلات التالية: هل سيتمكن ليبرمان من فتح المواضيع الخلافية مع قادة الجيش الذين هاجمهم؟ أم أن ليبرمان، كوزير عديم الخبرة العسكرية، لن يفضل المواجهة وإجراء التغييرات في الجيش، قبل أن يتعمق في المسائل العسكرية الإستراتيجية؟ هذا ما يرجحه الكثير من المراقبين، رغم ادعائه أن خبرته العسكرية الأمنية كافية، بسبب ماضيه الطويل في عضوية المجلس الوزاري الأمني المصغر، والذي كان ليبرمان عضوًا فيه خلال الحرب الأخيرة على غزة.
في الغالب، يصبح وزير الجيش تلقائيًّا الشخصية الأكثر أهمية بعد رئيس الحكومة، سواء في الحكومة أو في المجلس الأمني المصغر، حيث يملك الكثير من الصلاحيات التي تتطلب أن يكون خبيرًا عسكريًّا، وأبرز تلك الصلاحيات:
- الرقابة والتمثيل، إذ يُعتبر وزير الجيش المسؤول عن الجيش ورقابته من قبل الجهات التنفيذية، وممثلاً للجيش أمام الحكومة، مع أن إدارة الجيش تبقى بيد رئيس هيئة الأركان.
- اتخاذ قرارات تتعلق بالمواضيع الأمنية القومية على المستوى الإستراتيجي.
- اتخاذ قرارات تتعلق بتوزيع الميزانية العسكرية، والتعيينات في الجيش.
- اتخاذ قرارات تتعلق ببناء القوة العسكرية وآلية تفعيلها.
دأب ديفيد بن جوريون، ومنذ تأسيس الدولة العبرية، على إبقاء منصب وزير الجيش بيد رئيس الحكومة، لما له من أهمية رمزية كبيرة. من هنا فإن الأحزاب الإسرائيلية الكبرى، تسعى بشكل مستمر، للإبقاء على ذلك المنصب بيدها، وتحديدًا بعد تهميش دور وزارة الخارجية. ولعلّ الحزب الذي يسيطر على وزارة الجيش، يملك نفوذًا أكبر داخل أروقة الحكومة، ويصبح وزيره مرشحًا ليكون رئيسًا للحكومة في المستقبل، فقد مرّ الكثيرون عبْر وزارة الجيش قبل وصولهم إلى رئاسة الحكومة، كإسحق رابين وأرئيل شارون وإيهود باراك. ولعلّ هذا الطموح هو الذي دفع ليبرمان لقبول وزارة يعي تمامًا أنه من الممكن أن لا يستطيع السيطرة عليها، في ظل انعدام خبرته.
انعكاس تعيين ليبرمان على القضية الفلسطينية
من الواضح، وباعتراف الإسرائيليين أنفسهم، أن انضمام ليبرمان إلى هذه الحكومة الإسرائيلية، يجعل منها الحكومة الأكثر يمينية منذ نشأت الدولة العبرية، حيث، ولأول مرة، تجتمع كل الأطراف اليمينية وحدها في حكومة واحدة، دون وجود أحزاب من الوسط على الأقل، وهذا يهيّئ لها البيئة للعمل على تطبيق الأفكار اليمينية، التي تُجمع تلك الأحزاب على غالبيتها.
مع ذلك، هناك العديد من العقبات التي قد تجعل من هذه الحكومة مرتبكة ومترددة في اتخاذ قرارات حقيقية على الأرض، ومنها:
- عدم خبرة ليبرمان العسكرية، مما يُشعر الجميع بضرورة التروي في اتخاذ أي قرار.
- الصبغة اليمينية للحكومة، مما يبعث على المزيد من الشعور الدولي بعدم الارتياح، وقد تواجه المزيد من الضغوط الخارجية.
- تخوف الحكومة من ردود الفعل الداخلية، التي قد تفضي إلى حركة شعبية ضدها، مما قد يسهم في نزول شعبيتها إلى حد كبير.
- تخوف نتنياهو من المزيد من المشاكل مع الجيش، مما قد يسهم في توريطه شخصيًّا بمستنقع قد يكون له تداعيات على مستقبله السياسي، لذا سيضع الكثير من الكوابح ليمينية الحكومة.
- يمينية الحكومة ستدفعها لتكون أكثر استماعًا للنصائح الأمنية، خوفًا من السقوط الذي سيدفع ثمنه اليمين ككل.
- وعْيُ ليبرمان أن وزارة الجيش إمّا أن تكون رافعة أو مقبرة، لذا سيكون حريصًا على التشاور بشكل كبير قبل اتخاذ أي من القرارات المصيرية.
ولكن في المقابل، وفي ظل وجود شخصيات يمينية متطرفة، وعدم وجود ردود فعل فلسطينية، لن تمنع تلك العراقيل إسرائيل من اتخاذ العديد من القرارات، التي ستزيد من معاناة الفلسطينيين، ولعلّ أبرزها:
- المزيد من تشديد القبضة على حياة الفلسطينيين، كرد فعل على أي حدث أمني، أو عمل مقاوم صادر من الضفة الغربية.
- توسيع المشاريع الاستيطانية، إذ إن وجود ليبرمان ونفتالي بنت زعيم البيت اليهودي، في حكومة يرأسها نتنياهو، سيُعجلّ من تنفيذ القرارات المتعلقة ببناء المستوطنات.
- العمل على تحويل السلطة الفلسطينية إلى مجرد إدارة بلدية ومؤسسة أمنية، يرتبط تمويلها بمدى التعاون الذي ستبديه في مختلف القضايا.
- الإسراع في تنفيذ الخطط التي تهدف الحكومة الإسرائيلية من خلالها إلى تقسيم المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية إلى مناطق معزولة تمامًا، يتطلب التنقل بينها الدخول من معابر إسرائيلية، وليس مجرد حواجز أمنية.
- محاولة ليبرمان تفعيل القوانين المتعلقة بتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، وذلك في حال قيام أحد أبناء العائلة بتنفيذ عملية ضد إسرائيل.
- محاولة ليبرمان، وفْق الاتفاق المعلن بينه وبين نتنياهو، تمرير قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين، رغم أن مشروع القانون لا يُتوقع له المرور في الكنيست.
- توسيع دائرة الاعتقال الإداري ضد الفلسطينيين، وهو اعتقال دون تهمة ودون محاكمة.
- العمل بشكل واضح وسريع على سحب الهويات من المواطنين المقدسيين، وتحت أبسط الذرائع القانونية أو الأمنية.
- تفعيل المزيد من القوانين العنصرية ضد فلسطينيي الداخل، فمن المُتوقع أن يؤدي انضمام ليبرمان للحكومة إلى تمرير قانون إقصاء النواب العرب.
- اجتياح محتمل للضفة الغربية على غرار اجتياح عام 2002، وذلك في حال تطور أحداث الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية.
- 1تفعيل بناء جدار عنصري ثانٍ، وضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وسحب هويات سكان التجمعات الفلسطينية المحيطة، والبعيدة نسبيًّا عن القدس.
انعكاس تعيين ليبرمان على التصعيد مع غزة
تعي إسرائيل تمامًا أن الحرب على غزة ستكلفها الكثير. ورغم أن إسرائيل تستطيع أن تُفعّل قوة جوية ضخمة تمكنها من امتلاك قوة ردع كبيرة، إلا أن إسرائيل قد لا تستطيع ضبط الأمور كما تشاء، لذا فإن القرار في الملف الغزي تحديدًا سيكون صعبًا، ولن يُجازف نتنياهو ومجلسه المصغر في وضع رقابهم بقبضة ليبرمان، وترْك القرار له في التصعيد.
يستطيع ليبرمان إطلاق المزيد من التهديد ضد غزة وسكانها، وتقليل عدد الشاحنات الداخلة إليها، ومنْع العدد القليل أصلاً من الغزيين من التوجه إلى القدس للصلاة في المسجد الأقصى. وأكثر من ذلك، قد تؤدي همجية ليبرمان وعدم خبرته، إلى انزلاق الأمور باتجاهين:
أولاً: حرب خاطفة، فمن الممكن أن يغامر ليبرمان في اغتيال شخصيات سياسية وازنة، وبالتالي تنزلق الأمور إلى حرب خاطفة، تهيء الأجواء لعقد اتفاق يقود إلى تهدئة طويلة مع غزة، وطيّ ملفها لفترة ليست قليلة، وهذا ما ترنو إليه إسرائيل في ظل حكم نتنياهو.
ثانيًا: قيام ليبرمان بجرّ الحكومة الإسرائيلية إلى مواجهة واسعة مع غزة، بهدف توجيه ضربة قاصمة للمقاومة، والقضاء على قدراتها التي تطورت بشكل ملحوظ. قد لا تجازف إسرائيل بالاقتحامات البرية، لما تعلمه من خطورة التوغل في غزة، وتكتفي بالضربات الجوية، فقد قامت إسرائيل مؤخرًا بتطوير قبتها الحديدية المضادة للصواريخ، والتي قد لا تكون قادرة على حسم الحرب، ولكنها ستدفع الفلسطينيين إلى تسوية ما في الشأن الغزي.
قراءة في تعيين ليبرمان
ليس ليبرمان أول وزير عديم الخبرة العسكرية يقف على رأس وزارة الحرب الإسرائيلية، فقد سبقه إلى ذلك عمير بيرتس وموشيه آرنس، لكن المفارقة هنا تكمن في أمرين؛ الأول هو أن حزب إسرائيل بيتنا الذي يقوده ليبرمان لا يملك إلا 5 مقاعد في الكنيست، والثاني هو أن يمينية ليبرمان، وقراراته غير المسؤولة، وتصريحاته المتطرفة، دفعت الكثيرين إلى الاعتقاد بأن إسرائيل تنزلق نحو الهاوية.
لا يعني تولي ليبرمان وزارة الجيش الإسرائيلي مجرد توسيع للحكومة، بل ربما هي لعبة سياسية داخلية أتقنها نتنياهو إلى حد كبير، فقد استطاع التخلص من أقرب منافسيه وإبعاده، ولو بشكل مؤقت، عن منافساته الداخلية، وهو موشيه يعلون. ومن ناحية ثانية تمكن من وضع ليبرمان في وزارة قد تكون له محرقة، فنتنياهو يعي أن عدم خبرة ليبرمان ستقوده للكثير من المشاكل مع القيادة العسكرية، وبالتالي تراجع شعبيته، علاوة على إدراك نتنياهو أن الشعبية التي اكتسبها ليبرمان جرّاء تصريحاته الصقورية المتكررة، لن يكون من السهل تطبيقها، وبالتالي سيظهر ليبرمان كجزء من العجز، لا جزء من الحل.
لذلك كله، قد يعمل ليبرمان على تحسين علاقته مع الجيش في المرحلة الأولى، إذ يدرك أن الخطأ والتهور الأمني، سيتحمل نتائجهما هو شخصيًّا، مما يعني القضاء على مستقبله السياسي. لذلك سيتّبع ليبرمان خطوات مدروسة ومحسوبة، وقد تتصف قراراته بالتردد الكبير فيما يتعلق بالحرب على غزة، أو حتى في التعامل مع السلطة الفلسطينية وفلسطينيي القدس.
وأخيرًا، لن يسهم تولي ليبرمان وزارة الجيش كثيرًا في تغيير الواقع المعاش حاليًّا. قد تطغى التصريحات المتطرفة على المشهد السياسي، إلا أن العمل على الأرض لن يتغير كثيرًا، سوى باتجاه تشديد القبضة على الضفة الغربية، الطرف الأضعف في الصراع. وفي ظل فقدان ليبرمان لروح القائد أمام الجيش، سيصعّب من مهامه كثيرًا، وقد تكون وزارة الجيش مقبرة سياسية له، كما كانت لعمير بيرتس من قبله، فهو لا يملك خططًا عسكرية، ولم يرسل قبل ذلك جنديًّا إلى حرب.