كيف ينظر الكتاب الإسرائيليون إلى المساعي الغربية للاعتراف بالدولة الفلسطينية

أثارت موجةُ الاعترافات الأوروبية المرتقبة بالدولة الفلسطينية –التي تتزعمها باريس– جدلا إسرائيليا داخليا حول الاستراتيجيات الممكنة لاحتواء تداعياتها. وتتشابك الأبعاد السياسية والدبلوماسية والقانونية في خضم النقاشات بما يعبر عن مشهد خطابي يميل أكثر الى التنافر والتناقض بين الكتاب البارزين والذين تناولوا المسألة من أبعاد متعددة. يقدم هذا التقرير مسحا لأبرز المقالات المنشورة باللغة العبرية حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقد شمل هذا التحليل المسحي 23 مقالا تحليليا منشورا في أهم مراكز الأبحاث ومواقع الإعلام الإسرائيلية. وقد تركزت النقاشات حول محاور جوهرية ومتشابكة مثل: الاستراتيجيات الإسرائيلية للتعامل مع الاعترافات، الكلفة الدبلوماسية، والأطر القانونية والدولية المحيطة.
يقدِّم أودي ديكل من معهد دراسات الأمن القومي مقاربة أقل صدامية حول الاعترافات الغربية بالدولة الفلسطينية، مستنداً إلى منطق أنّ معظم الأضرار الدبلوماسية التي ستلحق بإسرائيل قائمة سلفاً، وأنّ الردّ المتزن هو وحده القادر على كبح تصعيدها، مثل تبني ما تتضمنه الأطروحة الفرنسية-السعودية حول الدولة الفلسطينية وخريطة الطريق التي تتضمن نزع سلاح حماس، ونشر قوة دولية، وربط الإعمار بما يضمن ما لا يشكل تهديدا مستقبليا على إسرائيل.
يقترح ديكل أن تبادر تل أبيب إلى إقرار مبدئي بحق الفلسطينيين في تقرير المصير مقابل حزمة شروط، وفي مقدمتها التفكيك الكامل لقدرات المقاومة العسكرية وقيام دولة منزوعة السلاح. في الوقت نفسه يحذّر من أنّ إجراءات عقابية من قبيل الضمّ أو تشجيع الهجرة الطوعية ستنعكس تجميداً لاتفاقات أبراهام، وعقوبات أوروبية متسلسلة قد تمتد إلى تعليق اتفاق الشراكة وإقصاء إسرائيل من برنامج تعاون مشتركة.
هذا الخط الداعي إلى “تبني مقاربة متوازنة” يجد صدى في أوراق مركز “ميتاڤيم”، حيث ترى إنهاء الحرب في غزة وإطلاق جميع الرهائن على الفور شرطا لتحسين أو استعادة المكانة الإقليمية والدولية، لأن استمرار الحرب يجهض أي رافعة دبلوماسية ويُبقي إسرائيل في خانة الاتهام. كما تُظهر المؤشرات السنوية للمعهد ذاته تراجع في النظرة الشعبية الإسرائيلية نحو مكانة إسرائيل الدولية، إذ إن 70٪ من المستطلعين يصفون المكانة الدولية لإسرائيل بأنها “غير جيّدة” ويخشون تحولها إلى دولة منبوذة.
يتبنى مركز “مولَاد للتجديد الديمقراطي” في ذات الوقت ما يمكن تسميته العقلانية النقدية. ففي تحليله لتكلفة التوسع الاستيطاني، يوكد أنّ قرار مجلس الأمن 2334 الداعي إلى وضع حد للاستيطان في فلسطين والذي اعتمد في عام 2016 مجرد نقطة في منحى تصاعدي في تحديد السياسيات الإسرائيلية؛ ويحث الحكومة على فهم أنّ السيطرة على الأراضي الفلسطينية باتت التهديد الأكبر لشبكة علاقاتها الغربية خاصة مع اوروبا. ويذكر بأن أوروبا رسّخت خط 1967 كمرجعية لأي حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأن إصرار الحكومات اليمينية على ترسيخ «حق تاريخي» في الضفة الغربية يغذي عزلة طويلة المدى ستتفجر حين ينتهي العهد الأمريكي المتبني للسياسات الإسرائيلية.
التناغم مع هذا المنطق يظهر أيضاً في تحليل من منظور إقليمي يقدمه ماتي شتاينبرغ في مقالته “لغز التطبيع” المنشور في “مولاد: مركز تجديد الديمقراطية، حيث يكشف أن الاتفاق مع الإمارات بني على تجميد الضم بكل أشكاله، ما يعني أنّ أي ضم لاحق سيُقرأ تراجعاً عن التفاهم الأصلي مع أبو ظبي والمنامة.
في المقابل، تتبنى بعض الآراء مثل المادة المنشورة في موقع ميدا تحت عنوان “الرد على الاعتراف بالدولة الفلسطينية: سيادة إسرائيلية” موقفا مغايرا وترى في الاعتراف الأوروبي فرصة ذهبية لإغلاق ملف أوسلو نهائياً من خلال إعلان السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة، مع منح السكان العرب إدارةً بلدية موسّعة دون سيادة. وتعتبر أيضا أن من شأن هذا المسار توجيه ضربة استراتيجية لحماس لأنّ الدولة الفلسطينية–في حال قيامها–ستُقرأ عربياً كانتصار لنهج 7 أكتوبر، بينما التحرك المضاد نحو فرض السيادة يجرّد الحركة من سردية النصر. ويعزون الاعتراف بدولة فلسطينية إلى نتاج بنية معادية لليهود في فرنسا ويدعون إلى العمل على التأثير على “التحالف الخيالي” بين الإسلام واليسار في أوروبا، وأن يعمل القادة الأوربيون على التأثير في شعوبهم بدلا من التأثر بهم.
في هذا السياق، تبرز أصوات إسرائيلية رافضة لعزو موجة الاعتراف الغربي بالدولة الفلسطينية إلى صور المجازر والجوع في غزة أو الاستيطان في الضفة الغربية، بل إلى تركيبة انتخابية أوروبية-يسارية “تستبدل دم اليهود بأصوات المسلمين”، بحسب موقع “سروغيم”. فهو يفكك الخريطة الديموغرافية الفرنسية مذكّراً بأن كل ناخب عاشر هو مسلم، ليستنتج أنّ اليسار الغربي تحالف مع كتلة مهاجرة إسلامية على حساب إسرائيل. هذه الأطروحة تلتقي مع عناوين تسرد مساراً متواصلاً من “التحالف الأخضر-الأحمر” في جامعات بريطانيا وكندا.
ويعتبر هذا التوجه أن هناك جذور تاريخية لا-سامية ناعمة في الدبلوماسية الفرنسية. كما يحول بعض الكتّاب هذه المخاوف إلى نداء تعبئة، مثل الدعوة إلى خطة طوارئ قومية لاستيعاب هجرة يهودية جماعية من أوروبا بعد انهيار المناعة الحضارية في القارة، لكن تواجه هذه الآراء في المقابل نقداً صريحاً من التوجهات التي تُصرّ على أن الاستيطان والوضع في غزة، لا الصورة الهوياتية للحزب الاشتراكي الفرنسي، هي التي تسببت العوامل التي تؤدي إلى التحول في المواقف الغربية.
وفي السياق ذاته، يصف مقال تحت عنوان “انتصار حماس الهادئ” المنشور في وكالة الأخبار الوطنية الاسرائيلية بأن أي خطوة أوروبية نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية هي إخفاق أخلاقي، بينما لا يزال الرهائن في قبضة حماس، فالضغط من وجهة نظرهم ينبغي أن يعاد توجيهه ضد حماس لا ضد إسرائيل. وتتبنى هذه الآراء موقفا مفاده أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية رسالة واضحة على أن “الإرهاب” مُجدٍ، وفي نفس السياق فإن إقامة دولة فلسطينية ستساهم في تغذية “الإرهاب”.
أخيرا يعترف، بعض مناصري التوجه الداعي إلى الضم والتهجير، ضمناً بالحاجة إلى غطاء أمريكي، لكنهم يراهنون على أمر قابل للتغير وفقا لمزاج المنتخبين الأميركيين في أي انتخابات قادمة. بينما يرى التيار المقابل أنّ الرهان على شيك أمريكي على بياض مقامرة مكلفة قد تعجّل في نقل المعركة إلى أروقة المحكمة الجنائية الدولية. فعلى الرغم من الدور المركزي للإدارة الأمريكية، يشير أكثر من مصدر إلى محدودة هذا الدور كغطاء يمنح الشرعية الكاملة لإسرائيل. كما يشار إلى أن إدارة أمريكية مؤيدة لإسرائيل –حتى لو كانت إدارة ترامب– لن تقوى على الوقوف ضد إجماع دولي صلب إذا اختارت إسرائيل ردودا متطرفة إزاء تصاعد المواقف الدبلوماسية المناوئة للسياسات الإسرائيلية على المستوى الدولي.