كورونا المستجد: تحدي الوباء والاستجابة الرسمية والمجتمعية الفلسطينية

لتحميل الملف هنا

الكاتب : عرفات الحاج

تقديم

في 5 آذار/ مارس 2020، أعلنت السلطة الفلسطينية عن 7 حالات اشتباه بالإصابة بفيروس كورونا المستجد، وذلك في محافظة بيت لحم، مما اضطر السلطة الفلسطينية إلى الإعلان عن سلسلة من الإجراءات، شملت إعلان حالة الطوارئ، وفرض إجراءات الحجر الصحي، ومنع خروج الناس من منازلهم، إلا للضرورة القصوى.

ورغم أن هذه الإجراءات ليست الأولى من نوعها في عهد السلطة الفلسطينية، التي تتخذها لمواجهة حالة من الأوبئة والأمراض المعدية[1]، إلا أن طبيعة هذه الإجراءات كانت استثنائية؛ وذلك بسبب خطورة الحدث، وانتشاره العالمي، مما عكس انتباهًا مبكرًا لخطورة الأمر من ناحية، واعترافًا بالقدرات المحدودة للسلطة الفلسطينية من ناحية ثانية.

كما أن التفاعل المجتمعي مع هذه الإجراءات، اكتسب سماته الخاصة. وعلى العكس من حالة عدم الرضا الجماهيري، المعهودة بخصوص توجهات السلطة السياسية، فقد حظيت الإجراءات الحكومية المقرة حاليًا، بالكثير من التقدير والدعم من شرائح اجتماعية رئيسة، ونخب وهيئات ووسائل إعلامية.

في البداية، واجهت السلطة الفلسطينية انتقاداتٍ متفاوتة، وذلك على خلفية التقاعس عن اتخاذ إجراءات معينة، تجاه وفود وسياح أجانب، دخلوا البلاد، وقاموا بجولات خالطوا فيها الكثير من المواطنين، واتضح لاحقا إصابة بعض هؤلاء الزوار بالفيروس، فبدا الأمر وكأن السلطة الفلسطينية مرت بنقطة تحول حقيقي، بدأت بالبيان الذي تلاه رئيس الحكومة د. محمد اشتية، عند إعلان حالة الطوارئ.

وصل عدد الإصابات بعدوى الفيروس على مستوى العالم، إلى حوالي نصف مليون إصابة، وتجاوز عدد الوفيات أكثر من 24 ألف ضحية[2]، ورفعت كل من الأردن ودولة الاحتلال، وتيرة إجراءاتها وتدابيرها ضد الفيروس، وهو ما أظهر قيمة خاصة للإجراءات المبكرة التي اتخذتها السلطة الفلسطينية.

وفي ضوء الأخبار المأساوية حول أعداد الضحايا في عدد من الدول الأوروبية، لا سيما إيطاليا وإسبانيا، تظهر الحاجة الحقيقية لفحص قدرة المجتمعات على مواجهة هذا التحدي، وبشكل أشمل، وتحديدًا قدرة المجتمع والسلطة الفلسطينية، على اتخاذ ما يلزم من تدابير للنجاة.

يسلط هذا التقرير الضوء على تفاعل المجتمع الفلسطيني مع إجراءات السلطة الفلسطينية لمنع انتشار فايروس كورونا. وأبرز التحديات التي تواجه السلطة الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني لتقليل تأثير الجائحة.

نظرة في طبيعة التحدي

حققت السلطة الفلسطينية نجاحًا ملحوظًا حتى الآن، على مستوى مواجهة انتشار العدوى، وذلك بفضل إجراءات احترازية مبكرة وقوية نسبيًا، مخصصة لمكافحة انتشار الفيروس، شملت إعلان حالة الطوارئ، وتقييد الحركة وكل أشكال التجمع، وتعطيل المؤسسات التعليمية، والمرافق الترفيهية والمجتمعية، التي قد تشكل بيئة لانتشار العدوى، وكذلك إجراءات متعددة من أشكال الحجر الصحي، وهو ما حافظ على معدل منخفض حتى الآن من الإصابات.[3]

وبالرغم من أهمية مكافحة انتشار العدوى، يبقى هذا الإجراء، كما أثبتت التجارب في عدد من دول العالم التي حاق بها الوباء، جزءًا من المواجهة معه، وليس كلها. فقد تنبأت العديد من الحكومات على مستوى العالم، بإصابة غالبية مواطنيها بعدوى الفيروس[4]، وركزت خططها في مواجهته، على ضرورة إبطاء انتشار المرض؛ كي لا يقع القطاع الصحي تحت ضغط هائل يؤدي لانهياره، لا سيما على مستوى وحدات العناية الفائقة، وأجهزة التنفس الصناعي، الضرورية لمواجهة تدهور حالات المصابين. فما سيحدث في قادم الأيام، هو محصلة ما راكمته الدول والحكومات على مستوى سياساتها، واستثمارها في القطاع الصحي وقدراته.

ومع عدم وجود لقاح لمواجهة الفيروس، لا يبدو استمرار إجراءات الطوارئ، وتقييد الحركة، أمرًا يسيرًا، أو يمكن تمريره دون عواقب اجتماعية. كما أن هذه الإجراءات، لم تمنع انتشار الفيروس إلى حدود صفرية، ولكن نجحت في خفضها، مما قد يدفع إلى تبنّي المقولة المتشائمة، التي ترددها معظم الجهات الصحية في البلدان المصابة، ومفادها أن لحظة الذروة لم تأتِ بعد. وفي الحالة الفلسطينية، فإنه من الواضح أن المواجهة الفعلية بين قدرات القطاع الصحي الفلسطيني الضعيفة، وبين عدوى الفيروس، لم تحدث بعد، رغم نجاح إجراءات السلطة في كسب الوقت، وتأجيل مرحلة الخطورة.

وحسب المعلومات الرسمية المنشورة، يبلغ عدد الأسرّة الطبية المتاحة في مستشفيات وزارة الصحة، 3002 سريرًا، موزعة على 25 مستشفى تابعًا للوزارة، وتمثل 58% من إجمالي عدد الأسرّة لدى القطاع الصحي الفلسطيني، بشقيه العام والخاص[5]. فيما تبلغ عدد وحدات العناية المركزة، المتاحة لدى القطاع الصحي في الضفة الغربية المحتلة، 120 وحدة، ومثلها تقريبًا في قطاع غزة، كما أفادت وزيرة الصحة الفلسطينية.[6]

ومما يزيد الوضع حرجًا، الضغط الواقع على القطاع الصحي الفلسطيني، ومواجهته لصعوبات حقيقية في التعامل مع الاحتياجات الطبية والعلاجية، حتى قبل الأعباء المرتبطة بانتشار فيروس كورونا المستجد. فحسب ما أشارت إليه تقارير صادرة عن وزارة الصحة في قطاع غزة، فإن 88% من أسرّة المستشفيات في القطاع، هي أصلا مأهولة خلال أيام السنة[7]، إضافة إلى أن القطاع الصحي في قطاع غزة، يعاني من انهيار كبير، بفعل تراكمات الحصار والعقوبات. أما في الضفة الغربية، فلا تتوفر إحصاءات حول درجة انشغال المستشفيات فيها حاليا.

مفاعيل الأزمة وممكنات التماسك

يبدو أن إدراك المجتمع الفلسطيني لأخطار الفيروس، والإجراءات الاستثنائية التي قامت بها السلطة الفلسطينية، سمحت لها بتجاوز مجموعة من العقبات، التي كانت تواجهها في هذا المضمار، وأبرزها إضراب الأطباء، الذي بدأ قبل أزمة كورونا، والذي لم يقدم مطالب نقابية خاصة بالأطباء فقط، وإنما كان جزء من دوافعه احتجاج الأطباء على سوء وضع القطاع الصحي الفلسطيني، ونواظم عمله[8]. هذا إلى جانب حالة عدم الثقة المتراكمة بين الجمهور الفلسطيني من جهة، والسلطة الفلسطينية، فيما يتعلق بقدراتها وإرادتها، من جهة ثانية.

كما استفادت السلطة الفلسطينية من وضعها الاقتصادي الاستثنائي. فمنذ نشأتها، لم تعتمد الدورة الاقتصادية الفلسطينية على الإنتاج المحلي، بقدر اعتمادها على المساعدات الدولية، وهِبات المانحين، كركن أساسي في تمويل رواتب موظفي السلطة الفلسطينية وموازنتها. ورغم تراجع هذا الاعتماد نسبيا في السنوات الأخيرة، إلا أنه لم تنتج دورة اقتصادية تقليدية، تتأثر بوقف الإنتاج المحلي، وهذا ما مكّن السلطة الفلسطينية من الشروع مبكرًا في اتخاذ الإجراءات الطارئة، دون مخاوف كبيرة من تأثيرها على الاقتصاد والأعمال والاحتياجات الحيوية، لا سيما أنها حظيت بحُزم مساعدة خارجية، لمواجهة الأزمة الخاصة بالفيروس.[9]

مع ذلك، تبدو التحديات الاقتصادية غير سهلة، في ضوء عدم وجود أفق محدد لنهاية الأزمة، واحتمال استمرار حالة الطوارئ، بل وإمكانية تصعيد إجراءاتها، بما يشمل حظرًا شاملًا للتجول، وهو ما يعني ضرورة الدخول في ترتيبات حكومية ومجتمعية، لتأمين الاحتياجات الأساسية لقطاع واسع من الجمهور الفلسطيني.

في الجانب الاقتصادي أيضا، كانت قضية العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، عنوانًا لنقطة جدل رئيسة، شغلت الشارع الفلسطيني في الأيام الماضية من عمر الأزمة، وذلك في ضوء استمرار تنقلهم اليومي عبر الحواجز الاحتلالية، في ظروف غير إنسانية، وغير صحية، الأمر الذي يؤدي إلى تضاعف احتمالات انتقال العدوى وانتشارها بينهم، وهو ما تم تسويته بإجراء احتلالي، نص على تخيير العمال، بين البقاء داخل الأرض المحتلة عام 1948 لمدة شهرين، أو تعليق أعمالهم والمكوث في بيوتهم، وهو خيار صعب، أَظهَرَ محدودية قدرة السلطة على توفير أي غطاء لحقوق العمال الفلسطينيين، الذين سيمكثون في الداخل في ظروف غير معلومة، ثم الدخول في أزمة جديدة تتعلق بمحاولات إعادتهم إلى الضفة، والصعوبات المرتبطة بتوفير حجر صحي ملائم لهذه الأعداد الكبيرة من العمال.[10]

وعلى الصعيد الاجتماعي، قدمت وسائل الإعلام، والقوى والمؤسسات المجتمعية، وبشكل واضح، دعمًا وتغطية لإجراءات السلطة الفلسطينية، وحثت الجمهور على التعاون مع هذه الإجراءات. وعلى الصعيد الشعبي، كان الالتزام عاليًا جدا، حتى فيما يتعلق بقضايا حساسة، مثل قرار منع أداء الصلوات في المساجد.[11]

تحمل المسؤولية في ظل الاحتلال والانقسام

في جانب آخر من الأزمة، يبدو أن الجهد الفلسطيني، بشقيه الرسمي والشعبي، لم يحقق الكثير من التقدم، وخاصة فيما يتعلق بمسؤولية الاحتلال تجاه الضفة الغربية المحتلة، وقطاع غزة المحاصر، وهي المسؤولية التي أعادت وكالة الغوث “أنروا” التأكيد عليها[12]. فرغم وجود بعض الأنشطة الدعائية الفلسطينية، التي قارنت خطر الاحتلال بخطر الفيروس، وقارنت العزل الحالي في العالم بحصار قطاع غزة، إلا أنه يمكن ملاحظة غياب رؤية تُحمّل الاحتلال مسؤولياته بشأن هذا التهديد المميت.

فمن حيث المسؤوليات، لا يمكن إعفاء الاحتلال من مسؤوليته عن حرمان الفلسطينيين من تطوير قدراتهم، وبناء مؤسساتهم اللازمة للتعامل مع مثل هذه الأحداث، سواء من خلال المنع المباشر، أو من خلال إضعاف الاحتلال لقدرات الفلسطينيين عموما. كذلك لا يمكن القفز عن مسؤولية الاحتلال عن ضمان وصول السكان الواقعين تحت سيطرته، للخدمات الطبية الملائمة.

هذا إضافة إلى التعقيد الخاص بوجود السلطة الفلسطينية فعليًا تحت الاحتلال، الذي يتحكم بإجراءات الدخول إلى الضفة الغربية المحتلة، والخروج منها، وهو ما سبّب تعقيداتٍ إضافية، سواء فيما يتعلق بإشكالية العمال الفلسطينيين، وحركتهم من وإلى داخل الخط الأخضر، أو ما ارتبط ببعض الحالات التي دخلت الضفة الغربية، دون فحوصات أو حجر طبي، بعد عودتها من الخارج من خلال مطارات الاحتلال.

فضّلت السلطة الفلسطينية التعامل مع هذا الأمر، من خلال مناشدات وقرارات موجهة للجمهور والعمال الفلسطينيين، أو من خلال قنوات التنسيق مع الاحتلال، دون الاستعداد للذهاب نحو التصعيد معه، ولا حتى العمل على الصعيد الدولي لتحميل الاحتلال هذه المسؤولية، لا سيما في ظل انشغال المؤسسات الدولية المعنية.

أما وكالة الغوث “أنروا”،  فعليها مسؤولية توفير دعم استثنائي وعاجل في المجال الصحي للفلسطينيين؛ من أجل مواجهة هذه الأزمة، وكذلك مسؤولياتها المتعلقة بالأوضاع الصحية والمعيشية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، خارج فلسطين المحتلة وداخلها. ورغم أن وكالة الغوث قامت ببعض الإجراءات الجزئية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، إلا أن ذلك ليس كافيًا، بل يطرح تساؤلات إضافية بشأن دور “أنروا” والمؤسسات الدولية، في ظل توقع تزايد مخاطر أزمة كورونا، في الأيام القادمة.

أما تعقيدات الوضع السياسي الفلسطيني الداخلي، فليست بعيدة عن حيز المسؤولية بشأن الأوضاع الحالية، ومخاطر تفاقمها المحتمل. فالأزمة الحالية تتم إدارتها في الضفة، على نحو منفصل عن القطاع، وهو ما ظهر واضحًا في الجدل الذي أعقب قرار السلطة المبكر، بشأن إجراءات الطوارئ وتعطيل المؤسسات، مقابل رؤية  الجهات الحكومية في قطاع غزة، بعدم الحاجة لاستعجال إنفاذ هذه القرارات في القطاع، حيث أكدت من طرفها على خلو القطاع من أي إصابات بالفيروس في تلك المرحلة[13]، وهو موقف قاد لمزيد من التجاذب والاتهامات، وتعاملت معه المؤسسات المقربة من السلطة الفلسطينية، كما لو كان استفتاء على الموقف من شرعية الرئيس محمود عباس.

وإلى جانب الانقسام السياسي، يمكن ملاحظة وجود فوارق ظرفية، وأخرى في المسار الزمني للوباء، تتعلق بثنائية حصار قطاع غزة، والسيطرة الأعلى نسبيًا على معابره، وحركة الدخول إليه والخروج منه، مقابل الاكتشاف المبكر نسبيًا للحالات المرضية في بيت لحم، وانفتاح الضفة الغربية المحتلة على دولة الاحتلال. وهو ما قد يعني أن مسار الإجراءات، وخطها الزمني المختلف بين الضفة والقطاع، يرتبط إلى حد ما، باختلاف الظروف التي خلقها الاحتلال، بشكل ربما يوازي ارتباطه بمناكفات الانقسام.

ومع ذلك، أدت هذه الوقائع إلى نوع من التجاذب بين الطرفين، زاد من تبعاته عدم وجود تغيير ملموس من قبل السلطة الفلسطينية، في إجراءاتها تجاه قطاع غزة، الذي يعاني قطاعه الصحي من ظروف صعبة، وهو ما كان محل انتقادات موجهة للسلطة الفلسطينية سابقًا.

في المقابل، واجهت حركة حماس والجهات الحكومية التابعة لها في قطاع غزة، انتقادات خاصة حول تباطؤ إجراءاتها الاحترازية بشأن منع العدوى، أُضيف إليها انتقادات أخرى بشأن أماكن الحجر الصحي، وصورها المتداولة، التي أضافت المزيد من التشاؤم بشأن أوضاع القطاع.[14]

إجراءات الطوارئ: محاذير ومخاوف

يرى بعض المراقبين، أن سلوك السلطة الفلسطينية، في بعض جوانبه، يأتي استثمارًا لهذه اللحظة الحرجة، واستغلالا لضرورات التكاتف الوطني والمجتمعي في مواجهة الكارثة، وذلك من أجل ترميم صورة السلطة، والحصول على رصيد سياسي لمشروعها، ولقياداتها. يستند هذا الموقف إلى الكثير من المظاهر الاستعراضية، التي قامت بها شخصيات من السلطة، والتي اتخذ بعضها طابعًا تنافسيًا[15]. واعتبر آخرون، أن السلطة تتخذ من الحدث ممرًا لشرعنة علاقتها بالاحتلال، وتنسيقها الأمني معه، تحت غطاء التنسيق لأسباب إنسانية تتعلق بمواجهة تداعيات انتشار الفيروس، لا سيما في ضوء الدعوات والمخاطبات المتبادلة، مع قيادات دولة الاحتلال بهذا الاتجاه.[16]

إلى جانب ذلك، يُضيف هذا الفريق، الخشية من استخدام الغطاء المجتمعي الداعم لإجراءات مواجهة الوباء، واحتمالات تفشيه، كأداة لمواصلة حجب المعلومات عن الشارع الفلسطيني، ورفض المساءلة الجماهيرية بشأن جاهزية القطاع الصحي، وسلامة الإجراءات المتخذة، بل وممارسة اعتقالات وعمليات توقيف، على خلفية اتهامات بشأن نشر المعلومات حول الوباء، بعيدًا عن المصادر الرسمية المعتمدة من طرفها، وهو ما تعتبره السلطة نشرًا للشائعات[17]، لكنه يبدو في نظر البعض، كجزء من سياق طويل من استخدامات السلطة لحالات الطوارئ، في سعيها للهيمنة على مساحة الرأي العام.

ما يعزز هذه المخاوف، حالة الغموض بشأن الخطط الاحتياطية والطارئة، لمواجهة أي ارتفاع في أعداد المصابين. فمن ناحية فعلية، لم تتطرق الجهات المختصة بهذا الأمر، لخططها العلاجية والإسعافية، وإنما حمل خطابها للجمهور الفلسطيني، الكثير مما يوحي بعمر قصير للأزمة. ثم جاءت المصارحة على نحو متأخر، حين تحدثت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة، عن الأرقام الخاصة بواقع القطاع الصحي، وجاهزيته لاستقبال المرضى، وذلك في إجابتها على أسئلة الصحفيين خلال مؤتمر صحفي، وأشارت إلى أن شفاء عدد من الحالات المصابة، لا يعني نهاية الأزمة[18].

ومما فاقم المخاوف أيضا، التزايد المستمر في أعداد الضحايا في عدد من الدول الأوروبية، ومنها إيطاليا وإسبانيا، التي وصل نظامها الصحي إلى حافة الانهيار، بفعل الضغط الكبير الناتج عن أعداد الإصابات والوفيات.[19]

خلاصة

نجحت الإجراءات المبكرة التي اتخذتها السلطة الفلسطينية، في احتواء خطر انتشار العدوى إلى حد كبير، وشكلت نموذجًا متقدمًا عن العديد من دول المنطقة والعالم، في الانتباه المبكر للمخاطر المرتبطة بتفشي الوباء على أراضيها، وربما عكس ذلك إدراكًا واضحًا من السلطة، لضعف إمكانيات القطاع الصحي الفلسطيني، في ظل افتقاره للموازنات المطلوبة طيلة السنوات الماضية، وإمكانية انهياره في حالة حدوث زيادة في أعداد الإصابات.

ورغم وجود انتقادات ملموسة للشق السياسي، ولجوانب أخرى من تعامل السلطة مع الأزمة، إلا أن المجتمع الفلسطيني بمعظم شرائحه، قدم موقفًا متكاتفًا، وداعمًا للإجراءات المتخذة لمنع تفشي الوباء، ولا زال يبدي درجة كبيرة من الدعم لهذه الإجراءات، رغم إمكانية امتدادها لفترة أطول، واتخاذها أشكالًا أقسى.

إجمالًا، تبقى معضلة الفلسطينيين في استحالة استمرارهم في حالة تقييد الحركة، إذا ما طالت فترة البحث عن لقاحاتٍ وعلاجاتٍ ملائمة. وكذلك عدم قدرتهم على إزالة هذه القيود على الحركة، والمخاطرة بالتعرض لتبعات كارثية على مستوى أعداد المصابين.

الخيار الذي قد يمثل مخرجًا للفلسطينيين، هو إمكانية توفير عددٍ كافٍ من أجهزة الفحص، يتيح إجراء فحوصاتٍ للسكان كافة، والشروع في تخفيف الإجراءات حسب تقدم مسار الفحص، وهو أمر يبدو مستبعدًا في ضوء عدم وجود أي إشارات معلنة من السلطة بهذا الاتجاه.

أخيرًا.. إن الحفاظ على تماسك المجتمع، ودعمه للإجراءات المتخذة في هذه الأزمة، يتطلب مزيدًا من الشفافية من قبل السلطة الفلسطينية، فيما يتعلق بإجراءاتها وخططها، وإتاحة هذه الخطط أمام النقاش والنقد المجتمعي، بما يمنح فرصة لدعم المجتمع لهذه الإجراءات.

  • لا تعبر المقالات المنشورة بالضرورة عن رأي مركز رؤية.

—————–

[1] الأمراض المعدية 2018، موقع وكالة الأنباء الفلسطينية وفا، تموز 2019، http://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=JNgb6wa27667459710aJNgb6w

[2] حصيلة جديدة: إصابات كورونا تتجاوز نصف مليون عالميا، موقع الحرة، 26 آذار/ مارس 2020،  shorturl.at/wAMW5

[3]  ملحم: دخلنا مرحلة تلامس مربع الخطر، وندعو الجميع للالتزام في بيوتهم، وكالة وفا، 26 آذار/ مارس 2020،

http://wafa.ps/ar_page.aspx?id=NHhczFa872770825542aNHhczF

[4] ميركل: 70% من الألمان قد يطالهم كورونا.. والتشيك تعلق، موقع العربية، 11 آذار/ مارس 2020، shorturl.at/ewzBZ

[5] المستشفيات في فلسطين، 2018، موقع وفا، تموز 2019، http://www.wafainfo.ps/ar_page.aspx?id=14977

[6]  “نقص الأجهزة تقصير حكومي متراكم منذ سنوات”، موقع وكالة وطن للأنباء، 20 آذار/ مارس 2020ـ https://www.wattan.net/ar/news/304797.html

[7] تقرير خاص، العدوان الصهيوني وإدارة القطاع الصحي، موقع وزارة الصحة الفلسطينية، آب/ أغسطس 2014، shorturl.at/hnq02

[8] أطباء الضفة يتحدون عباس: الإضراب مستمر، موقع صحيفة الأخبار اللبنانية، 4 آذار/ مارس 2020. shorturl.at/fKOUW

[9] الشيخ تميم بن حمد يقدم 10 ملايين دولار للسلطة الفلسطينية لمواجهة كورونا، موقع الراية القطرية، 9 آذار/ مارس 2020،  shorturl.at/osFO0

[10] العمال الفلسطينيون يضطرون للمبيت بإسرائيل رغم مخاطر “كورونا”، موقع وكالة الأناضول الإخبارية، 19 آذار/ مارس 2020، shorturl.at/alOX3

[11] “حارب كورونا”.. مبادرة لمحاربة الشائعات حول فيروس كورونا، موقع دنيا الوطن، 7 آذار/ مارس 2020،  https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2020/03/07/1320176.html

[12] فيروس كورونا: خبير أممي يقول إن على إسرائيل “واجب قانوني” لضمان حصول الفلسطينيين في الأراضي المحتلة على الخدمات الصحية الأساسية، موقع أخبار الأمم المتحدة ،19 آذار/ مارس 2020،  https://news.un.org/ar/story/2020/03/1051642

[13] وزارة الصحة: قطاع غزة خالي من كورونا.. وإجراءات احترازية مشددة، موقع الغد، 10 آذار/ مارس، shorturl.at/fiopJ

[14] “كورونا”.. الحجر الصحي يكشف عورة “الاستعداد والجهوزية” في غزة، موقع بوابة الهدف الإخبارية، ١٨ آذار/ مارس 2020، shorturl.at/oux12

[15] المخابرات تسلم معدات طبية لمديرية صحة بيت لحم لمواجهة كورونا، موقع شبكة أجيال الإذاعية، 11 آذار/ مارس، http://www.arn.ps/archives/236983

[16] “كورونا” يجبر إسرائيل على التنسيق مع السلطة الفلسطينية، موقع العين الإخبارية، 18 آذار/ مارس 2020، https://al-ain.com/article/abbas-rivlin-discuss-corona

[17] نيابة الخليل توقف متهما 15 يوما بتهمة إثارة الشائعات بخصوص كورونا، موقع شبكة فلسطين الإخبارية، http://pnn.ps/news/498024/amp

[18]  نقص الأجهزة تقصير حكومي متراكم منذ سنوات”، موقع وكالة وطن للأنباء، 20 آذار/ مارس 2020،  https://www.wattan.net/ar/news/304797.html

[19] إسبانيا تلاحق إيطاليا.. 235 وفاة جديدة بفيروس كورونا في يوم واحد، موقع سي إن إن بالعربي، 20 آذار/ مارس 2020.   shorturl.at/auxEP

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى