كتاب عميقاً في غزة- تجربة ذاتية لـ”مُستعرِب”
العنوان : عميقاً في غزة- تجربة ذاتية لـ”مُستعرِب” | |
المؤلف: تومار تسيفان | |
عرض: د. عـدنان أبو عـامر | |
الناشر: زمورا دافير | |
سنة النشر : 2022 | |
اللغة: العـبرية |
- المقدمة:
يكشف هذا الكتاب الجديد عن تجربة شخصية لواحد من “المستعربين الإسرائيليين”، المقاتل في الوحدة السرية “شمشون”، وهو حسب مؤلفه أكثر بكثير من مجرد فيلم تشويقي من إنتاج نيتفليكس، أو مسلسل تلفزيوني مثل “فوضى”، بل كتاب حقيقي يؤرخ لعمل الوحدات “الإسرائيلية” الخاصة خلال انتفاضة الحجارة التي اندلعت في أواخر الثمانينيات، وتحديدا في 1987، التي شكلت فترة حساسة لعمليات “المستعربين” الدامية.
يروي الكتاب في فصل من فصوله قصة قناص “إسرائيلي” على سطح مبنى مهجور فوق السوق المركزي في مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، اختبأ فيه بمفرده خمسة أيام بسبب عملية كان المفترض ألا تتجاوز مدتها 24 ساعة في الميدان فقط، لا يخرج إلا مرة كل ليلة للقاء ضابط جهاز الأمن العام- الشاباك، لتهدئة روعه، وتزويده بالطعام والماء، وفي حادثة أخرى في رفح، يتحدث المؤلف عن مطاردته وجنود “المستعربين” لاثنين من الفلسطينيين تواجدا في متجر، أُلقي القبض عليهما، ووضِعا في صندوق السيارة، وغادروا المكان في غضون ثوانٍ..
اليوم فقط، بعد 30 عامًا وأكثر من هذه الأحداث الدراماتيكية، قرر “تسيفان” إخراجها إلى حيز الوجود، عبر كتابه الأول من خلال سرد العديد من الأحداث الموثقة بالصور، وهو يصف خدمة عسكرية غير تقليدية تتطلب الكثير من المغامرة والاستعداد لها، لما تحمله من أثمان مكلفة وصولًا لفقدان الحياة برمّتها، حيث يتحدث الكتاب عن العمليات الخطيرة التي شارك فيها المؤلف، وعن الأثر الذي تركته الخدمة العسكرية عليه.
- العمليات الدامية:
يسلط الكتاب الضوء على ظاهرة “المستعربين” وهم “القتلة الإسرائيليون بالزي العربي”، باعتبارهم السلاح الخفي لجيش الاحتلال، ويعود عملهم إلى حقبة الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين، ثم تصاعد تورطهم في جرائم الجيش مع انطلاق انتفاضتي الحجارة 1987 والأقصى 2000، وتركزت مهامهم على تنفيذ اغتيالات النشطاء الفلسطينيين، وعرفوا لاحقا بأسماء “الوحدات الخاصة، فرق الموت، المخبرون السريون، دوفدفان، شمشون”.
يكشف الكتاب عن بدايات استخدام جيش الاحتلال لهذه الوحدات في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث يرتدي أفرادها ملابس مدنية، ويسعون إلى تصفية المقاومين، من خلال انتحال شخصيات عربية، والاختلاط بالمتظاهرين لإلقاء القبض على أشخاص معينين، وأحيانا ينتحلون شخصية صحفيين لاعتقال أشخاص، أو التقاط صور للمطلوبين، وجاء عملهم ردّاً على المشكلات التي واجهها الجيش في محاربة الانتفاضة، ومن أهمها معنويات الجنود المتدنية نتيجة الفشل بإنهاء المقاومة، وصورتهم السلبية في الصحافة الدولية؛ بسبب وحشية معاملة المدنيين الفلسطينيين.
هدف جيش الاحتلال من تكثيف استخدام وحدات “المستعربين” إلى تحقيق ثلاثة أمور: أولها تقليص مواجهات الفلسطينيين مع الجيش، والاشتباكات العلنية معهم إلى الحد الأدنى، والتخفيف من عدد المظاهرات ضد الاحتلال، وحلّ مشكلة التغطية الصحفية والدعاية التي يصفها الاحتلال بأنها “سيئة”، ولعله الأمر الأهم من وجهة نظره.
تشير صفحات الكتاب إلى أنَّ تصاعد حدة الانتفاضات الفلسطينية شكّل فرصة لجيش الاحتلال لتنظيم وحدات “المستعربين”، وتوسيع حجمها، وأصبح بإمكان من تبلغ أعمارهم 18عامًا من “الإسرائيليين” اختيار الالتحاق بها بذات طريقة الالتحاق بأي وحدة نخبوية مثل “المظليين وغولاني”.
يعدُّ الاهتمام “الإسرائيلي” بوحدات المستعربين إشارة واضحة بأنَّ ردّ الاحتلال على المقاومة لم يقتصر على الإجراءات السلبية أو الدفاعية، بل اتخذ طابعًا هجوميًا متزايدًا، على شكل تكثيف نشاطهم الدامي، وقد خاضوا تدريبات شاقة طويلة قبل إرسالهم إلى مهماتهم، ورغم أنَّ أفضلية التجنيد فيها تعطى لجنود ذوي ملامح شرق أوسطية، فإنَّ الانضمام إليها متاح للآخرين أيضا.
- المحاكاة الميدانية:
يؤكد ما ورد في الكتاب من معلومات متداولة في الصحافة “الإسرائيلية”، مثل إقامة “المستعربين” في تدريباتهم نموذجاً لقرية عربية، فيها دكاكين متراصة، ومسجد يتوسطها، وبجانبه مدرسة خطّت على جدرانها الشعارات الوطنية، وعدد من السيارات في أزقة ضيقة، وامرأة قروية، ومزارع يكدّ ويتعب، ولكن ما إن اقتربت أكثر من معالم القرية، ستكتشف أنها مصنوعة من الجبص، والرجال يغيرون شخصياتهم وبالعكس، بحيث يتعايش “المستعربون” مع نمط الحياة الفلسطينية، ويطلعون على عاداتها وتقاليدها، حتى لا يثيروا الشكوك في شخصياتهم عندما ينفذون مهامهم الدموية من اختطاف وقتل.
أمّا فيما يتعلق بوسائل النقل؛ فيصل المستعربون عند القيام بأعمالهم السرية بسيارات غير عسكرية، بل تحمل اللوحات الفلسطينية، ولهم أن يستخدموا سيارات مصادرة من أصحابها الفلسطينيين في المنطقة لأسباب عسكرية، لأنها مألوفة للسكان، كما أنهم يستعملون الشاحنات في كثير من الأحيان؛ لسهولة نقل أعداد كبيرة من أعضاء القوات السرية، ونقل القتلى والجرحى من الساحة إن اقتضت الضرورة.
جرت العادة لدى جنود الاحتلال أن يقيموا حواجز عسكرية طارئة، يقومون خلالها بإيقاف سيارات الفلسطينيين، حيث يؤمر أصحابها بتركها، ليقوم جندي “إسرائيلي” بقيادتها لمدة قصيرة، في تجربة لإمكاناتها، فإن كانت بلا مشاكل، أخذوها طالبين من مالكها المضي في طريقه دونها، ويتكرر المشهد كثيرًا، إذ يرى الفلسطينيون عددًا من هذه السيارات، وقد أصبحت داخل معسكرات جيش الاحتلال، مما يؤكد أنَّ الجنود يأخذونها كي يستخدمها المستعربون، الذين يُختارون من ذوي الوجوه السمراء، وكأنهم عرب، ليقوموا بتنفيذ عمليات المطاردة والقتل الفجائية.
يحاول “المستعربون” -في الحديث عن الأزياء التنكرية- طمس الفارق بين اليهودي والعربي عن طريق التماشي مع الأزياء والعادات المحلية بارتداء ملابس مدنية صنعت محلياً، أو ألبسة عربية تقليدية، وضمان أن يكون واحد منهم على الأقل يجيد التحدث بالعربية، كما يستخدمون أزياء مسرحية كالشعر الاصطناعي، والعكازات المزيفة، والثياب الفضفاضة لإخفاء الأسلحة، أو يتقمصون شخصيات صحفيين أجانب، وأحيانا سياحا، وفي عدة مناسبات تظاهروا بأنهم يحملون رضيعًا اكتشف لاحقًا أنه سلاح، لكن الحيلة الأكثر استخداما هي التنكر كنساء أو كهول.
- المعلومات الاستخبارية:
تظهر المعلومات الواردة في الكتاب أنّه يجري تنسيق عمليات “المستعربين” السرية مع وحدات أخرى من الجيش و”الشاباك” الذي يوفر معلومات الضحية المقصودة، ويتضمن التخطيط نصب كمين للأفراد الفلسطينيين أو المجموعات المستهدفة بسرعة، واستخدام عنصر المفاجأة، وتدل طبيعة الأهداف المقصودة في هذه الهجمات وطبيعة التنفيذ كالكمائن والتخطيط المسبق أنّها تستند إلى معلومات دقيقة ذات مصدر محلي، لا يمكن توفيرها إلا بواسطة عملاء مرتبطين بمخابرات الاحتلال.
يشارك “المستعربون” في تنفيذ مهامهم الدامية بإطلاق النار في عمليات اغتيال مدبرة، وأعمال قتل تعسفية دون الإحالة إلى القضاء، وبالتالي فإنَّ ما يقومون به، ليس فقط خرقًا لتعليمات الجيش الخاصة بإطلاق النار دون أن يعاقب المخالفون، بل يجري العمل على إيجاد غطاء لها، بدءًا من المستويات الأولى وحتى أعلى المستويات في المؤسسة العسكرية اعتمادًا على إذعان الحكومة، وهذا يعني أيضًا أنَّ غالبية الحالات التي قام بها “المستعربون” بالقبض على مطلوبين كان هدفها القتل المتعمّد، وليس محاولة القبض عليهم أحياء، لأنهم يطلقون النار دون تحذير مسبق على الشخص المستهدف، وهناك حوادث جرى إطلاق النار فيها دون تحذير، وفي كثير منها قتل فلسطينيون لم يكن بأيديهم أدوات قاتلة، ولم يشكلوا خطرًا على حياة الجنود.
يحصل “المستعربون” على دعم كامل من جيش الاحتلال، بما يسهل عليهم الوصول إلى معلومات حساسة من أجهزته الاستخبارية، مما يؤكد أنَّ عملهم لا يكون في دائرة منفصلة، بل في إطار سياسة عامة يتبناها الجيش، والأمر لا يعدو عن كونه تقاسم أدوار بين قطاعاته المختلفة، مما يعني أن ما يقوم به “المستعربون” لا يمكن تصنيفه بأنَّه سلوك جنود في ساحة ميدان، بل مجموعات من فرق القتل الدموي العنيف، تؤدي دورها المحكم حيث تقتل وتصيب الفلسطينيين بدم بارد، ثم تغادر المكان تاركة الهلع والخوف على وجوههم.
في الوقت ذاته، فقد تعرض “المستعربون” على مدى سنوات عملهم في الأراضي المحتلة لسلسلة إخفاقات، ونفذوا عمليات فاشلة جعلتهم مثار سخرية وانتقاد، مما أدى إلى تقليص نشاطهم عدة مرات، وإجراء تغييرات مستمرة لقياداتهم بعد كل عملية فاشلة.