كتاب الإجتياح

اسم الكتاب: الاجتياح
المؤلف: دان ماغين
عرض: د. عدنان أبو عامر
الناشر: يديعوت للكتب
سنة النشر: 2023
اللغة: العبرية
  • المقدمة:

يصدر هذا الكتاب حول الاجتياح “الإسرائيلي” للبنان عام 1982، والمسمى “حرب لبنان الأولى” وسط تقديرات “إسرائيلية” متزايدة بشأن احتمالية اندلاع “حرب لبنان الثالثة”، أو ما تسميها الأوساط “الإسرائيلية” “حرب الشمال الأولى”.

ينطلق الكتاب من فكرة أنّ ذلك الاجتياح حصل بعد عشر سنوات مما تسمى “صدمة خريف 1973″، والمسماة “حرب الغفران”، مما دفع الاحتلال إلى محاولة تعويض تلك الانتكاسة التي اقتربت “غولدا مائير” رئيسة الحكومة آنذاك من استخدام السلاح النووي، ولعلها فكرت في الانتحار من خلال شنّ حرب لبنان الأولى المسماة “عملية سلام الجليل” التي لم تكن حربًا مثل الحروب “الإسرائيلية” الأخرى.

كثيرة هي السمات التي ميّزت هذه الحرب “الإسرائيلية” على لبنان، فهي المرة الأولى التي تندلع فيها الحرب على الجبهة اللبنانية، في الوقت الذي ظلت بقية الحدود هادئة، وكذلك المرة الأولى التي لم يكن العدو الرئيسي فيها جيشًا عربيًا نظاميًا مدرَّبًا ومسلحًا ومهدِدًا، بل منظمة داخل الدولة بذراع عسكري، وهي الحرب الأولى التي خاضها الاحتلال في ظل حكومة “الليكود”، بعد أربعة عقود من حكومات حزب العمل، التي خاضت أربعة حروب في الأعوام 48، 56، 67، 73، وهي كذلك الحرب الأولى التي لم يعد فيها الكثير من جنود الاحتلال إلى ديارهم بأمان، بل سقطوا بين قتيل وجريح، ولكن قبل كل شيء، فقد كانت الحرب الأولى التي بدأتها “إسرائيل” من أجل تغيير وجه الشرق الأوسط، وغزت لبنان بهدف تثبيت نظام موالٍ لها فيها، حتى لو لم يكن هذا هو المعلن، ولم يتم إبلاغ الجمهور به، فقد فعل الأمريكيون ذلك في فيتنام، وغزا السوفييت أفغانستان، وفي صيف 1982 غزا “الإسرائيليون” لبنان لنفس الهدف، وهو تصميم نظام صديق في البلد المحتل.

  • “شمشون” الخائف:

يؤكد المؤلف أنّه في صيف 1982، ظهرت “إسرائيل” مثل “شمشون المسكين الخائف الهش”، عبر شخصية رئيس الوزراء “مناحيم بيغن”، اليهودي ذي الأصول البولندية، والذي يحوي في جيبه جائزة نوبل للسلام، بفضل اتفاق السلام مع الرئيس المصري أنور السادات، حيث وقّع على إخلاء شبه جزيرة سيناء من المستوطنات “الإسرائيلية”، مما عرّضه لانتقادات شديدة داخل معسكره، وجاءت حرب لبنان لتتيح له الفرصة لتقوية مركزه بين ناخبيه، مع العلم أنّ حرب لبنان الأولى جاءت مختلفة، ومنفصلة تمامًا عن سلسلة الحروب التي سبقتها، رغم ما تخللته من مخازن الطوارئ والارتباك والاضطراب في الطريق إلى الجبهات والمعارك التي انتهت بكارثة، حيث صفوف الجثث الموضوعة على نقالات مغطاة بالبطانيات، والخوف من الموت الذي اختبأ وراء كل صخرة في الجولان. رغم ما سبقه في صيف 1982 من شعور ساد في جيش الاحتلال بأن الفرصة أتيحت له لمحو “العار” الذي لحق به من صدمة حرب يوم الغفران.

يرى الكتاب أنّه من الظلم الادعاء بأن حرب 1973 ودروسها كانت الدافع الوحيد للشروع في مغامرة عملية “سلامة الجليل”، بل إن هناك عوامل إضافية دفعت الاحتلال إلى اتخاذ القرار بدخولها، رغم أنّ تفسير سلوك العديد من الجهات الفاعلة في الحرب أعطى إشارات عن تأثير تلك الحرب الخاسرة على الحرب الجديدة، لاسيما ما قام به وزير الحرب “أريئيل شارون” بصفته “سيد الأمن”.

يسرد الكتاب أنّ الأشهر الثلاثة للحرب، بين غزو لبنان في 6 يونيو وطرد منظمة التحرير الفلسطينية والجيش السوري من بيروت في 1 سبتمبر، شهدت مقتل 345 جنديًا، وهو ما يقترب  من ربع العدد الإجمالي لقتلى جيش الاحتلال الذين سقطوا في لبنان منذ يوم الغزو وحتى 24 مايو 2000، عندما انسحبت آخر قواته من جنوب لبنان، بعد أن سجلت هذه الحرب أنها أول غزو “إسرائيلي” في الوحل اللبناني، ومع مرور الوقت ظهر الطين عميقاً، لدرجة أنّ الأمر استغرق 18 عامًا للخروج منه.

يتوقف المؤلف عند مفارقة لافتة، وهي أنّه بعد نجاح الاحتلال في طرد منظمة التحرير من لبنان، فإنها تركت وراءها حزب الله، وبحوزته مئات الآلاف من صواريخه الدقيقة التي تهدد الجبهة الداخلية “الإسرائيلية” أكثر من أي عدو آخر.

  • الحرب الحمقاء:

يضع المؤلف يده على ملاحظة هامة، وهي أنّه رغم ضراوة هذه الحرب، فمن المدهش قلّة الكتب “الإسرائيلية” التي كُتبت عنها، حيث ينضم هذا الكتاب إلى الرف الضئيل للحرب الأولى في لبنان، ولعل من أبرز مصادر الكتاب الحالي عنوانٌ شكّل مرجعًا لكثير من المؤلفات “الإسرائيلية”، وهو “الحرب الحمقاء” للصحافيين “إيهود يعاري” و”زئيف شيف”، وقد نشراه في وقت مبكر من عام 1984، وكشفا فيه عن المخطط الخفي الذي بدأ من وراء الكواليس في مسار الحرب.

عاد المؤلف في كتابه هذا إلى العديد من المذكرات والمقالات، وعقد عشرات المقابلات الشخصية مع من كان لهم دور في الحرب، مع العلم أنّ الصاعق الذي فجر هذه الحرب هو محاولة اغتيال السفير “الإسرائيلي” في بريطانيا “شلومو أرغوف”، حيث أصابته إحدى الطلقات في رأسه، وقبلها وقوع جملة أحداث أمنية جعلت من الحرب على لبنان مسألة وقت ليس أكثر، رغم ادعاء عدة وزراء أنّ الرأي العام في “إسرائيل” لم يكن مستعدًا لعملية واسعة النطاق في لبنان، لأنه في الأشهر العشرة التي سبقت محاولة الاغتيال، كانت الحدود الشمالية هادئة نسبيًا.

يبدي الكتاب قناعة مفادها أنّ إطلاق النار على السفير هو بالضبط ما احتاجته حكومة الاحتلال من أجل حشد الرأي العام في “إسرائيل” لدعم غزو واسع للبنان، وخططت له منذ فترة طويلة، ولعدة أشهر، حيث كان قادة الجيش يبحثون عن مبرر لإطلاقه، مع أنّ كل الدلائل أشارت إلى أنّ منظمة التحرير الفلسطينية ليست مسؤولة عن إطلاق النار، رغم وجود قناعة في الاتجاه المعاكس مفادها أنّ مثل هذه الحرب قد تتسبب بكارثة، إن لم تكن محرقة، وقد تسبب وقوع خسائر فادحة، وهو ما اعترف به “بيغن” شخصيا في محاضرة ألقاها في أغسطس 1982.

  • اعترافات بالفشل:

يسلط المؤلف الضوء على بعض تفاصيل مناقشات الحرب التي شهدتها الأروقة “الإسرائيلية” السياسية والعسكرية، حين طلب ​​”بيغن” من “شارون” أن يشرح للوزراء ببطء وبوضوح خطة العملية وأهدافها، وظهر أنهم يسمعون عنها للمرة الأولى، وفيما أكد الأخير أنّ النية تتجه إلى الاستيلاء على منطقة تبعد 40 كيلومترًا فقط عن الحدود “الإسرائيلية”، لأنّ المسلحين لديهم كاتيوشا بمدى 35 كيلومترًا، زاعما أنّ الغرض من العملية هو إبعاد النار عن الحدود الشمالية، فقد تعمّد على ما يبدو تجاهل الحديث عن احتلال بيروت، الأمر الذي كان يستعد له جيدًا مع رئيس أركانه الجنرال “رفائيل إيتان”، بل وأكثر من ذلك، فعندما سُئل “شارون” عن المدة التي يجب أن تستغرقها العملية، أجاب أنها ستتراوح بين 12-24 ساعة، وهو مقدار الوقت الذي سيستغرقه الجيش للوصول إلى خط 40 كيلومترًا، لكن النتيجة أنها استمرت 18 عامًا، وشكّلت مستنقعاً لقوات الاحتلال، سقط فيها مئات الجنود وأصيب الآلاف.

يصدر هذا الكتاب بينما يحيي الاحتلال الذكرى الحادية والأربعين لاندلاع هذه الحرب، التي تسببت في تورط “إسرائيلي” في المستنقع اللبناني قرابة عشرين عامًا، مع العلم أنّه قبيل اندلاعها دارت نقاشات داخل قيادة الجيش حول ما إذا كانت ضرورية، لاسيما أنّ القتال في لبنان جاء مختلفًا عن القتال في جبهات أخرى، بسبب اعتبارات طول المسافات، وتنقل الجيش داخل القرى اللبنانية.

لا يتردد المؤلف في نقل بعض شهادات المشاركين في تلك الحرب، وإطلاقهم جملة من الأوصاف على قادتها بأنهم “متغطرسون” ويخطئون بشكل أعمى، وصدور تقدير “إسرائيلي” خاطئ بأن يكون لبنان هو الدولة الثانية التي تدخل في اتفاقية سلام مع “إسرائيل” بعد طرد منظمة التحرير، لكن النتيجة هي أنّ حزب الله حل محلها، وأصبح هو صاحب القرار المفصلي في تلك الدولة، وأدخلها تحت النفوذ الإيراني، مما جعل من هذه الحرب على كل المستويات معقدة للغاية.

  • الخاتمة:

عديدة هي الفصول التي تناولها الكتاب بشأن اجتياح لبنان، ومن بينها ما شهدته تلك الحرب من مظاهرات عارمة في مختلف الساحات “الإسرائيلية” للمطالبة بسحب قوات الاحتلال من جنوب لبنان، وظهرت حركات احتجاجية أبرزها “أمهات بالسواد” و”الأمهات الأربع”، التي نشأت عقب تزايد عودة الجنود “الإسرائيليين” القتلى بالتوابيت السوداء، بسبب الاشتباكات المسلحة مع مقاتلي المقاومة اللبنانية، فضلًا عن تحول المستوطنات الشمالية إلى ساحة مستباحة لصواريخ الكاتيوشا والقذائف الصاروخية.

خلاصة الكتاب أنّه لم يكن سراً أنّ أحد أهداف حرب لبنان الأولى عام 1982 شملت إيجاد وقائع سياسية على الأرض، أهمها إيجاد نظام سياسي في لبنان متوافق مع الاحتلال، من خلال تنصيب بشير الجميّل القائد الماروني اللبناني رئيسا لهذا البلد العربي، عبر التوافق مع دولة الاحتلال والإدارة الأمريكية على ضم لبنان إلى اتفاقية التسوية، وبالتالي إخراجه من دائرة الصراع، لكن اغتيال الجميّل شكل انتكاسة للمخطط “الإسرائيلي”، وإفشالًا مبكرًا له.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى