“قوّة “تسبيكا”: فضيحة لأسطورة الجيش الإسرائيلي

"قوة تسبيكا"، اسم يطلق على فرقة في سلاح المدرعات كانت بقيادة تسبيكا جرينجولد، وهو قائد احدى الدبابات في سلاح المدرعات على الجبهة الشمالية خلال حرب تشرين أول عام 1973، تم تصويره بالبطل الأسطورة، ومؤخرا تم الكشف عن زيف قصته.

وتعتبر إحدى الأساطير الكبيرة لحرب تشرين أول عام 1973، هي قصة قوة ”تسبيكا“ في هضبة الجولان. والتي تدعي بأن دبابة واحدة فقط، استطاعت القتال أمام ستين دبابة سورية، والأبعد من ذلك أنها خرجت سليمة بعد أن دمرت غالبية دبابات "الأعداء"، ودفعت البقية للهرب. السؤال هو: هل هناك مبالغة في الرواية؟ بعد أكثر من 40 عامًا تم كشف الحقائق.

على أرض هضبة الجولان، وُلدت إحدى قصص البطولة الكبيرة للجيش الإسرائيلي، القصة كانت عن قوة "تسبيكا". دبابة إسرائيلية واحدة، مقابل ستين دبابة سورية في الليلة الأولى لحرب عام 1973. اليوم بعد 43 عامًا، شعرت الشخصيات التي شاركت في المعركة بأن من واجبها كشف الرواية، وتوضيح الحقيقة، حيث ينتابهم الشعور بتأنيب الضمير، جرّاء رواية بطولات نُسِجَت من وحي الخيال.

في الذكرى الأخيرة للحرب، وفي ذكرى الحرب من كل عام، وبالتحديد في السادس من تشرين أول، يقول العقيد أمنون شارون: "رأيت الكثير من التقارير التي تحدثت عن قصة "تسبيكا"، هذا يستفزني. يجب أن يعرف الجمهور الحقيقة، وممنوع أن يجري تعليم مثل هذه القصص" في إشارة واضحة منه إلى حجم الكذب الموجود فيها.

بقراءة منطقية للقصة -التي ستُذكَرُ لاحقًا- نجد أنها أشبه بفيلم هوليوودي، كتب قصته أبرز الكتاب، وأخرجه كبير المخرجين، ليخرج بحلّة تجذب المشاهدين، لكن من الصعب أن يقنعهم، فهو مجرد فيلم من نسج الخيال.

المفارقة هنا هي أن قصة "تسبيكا" لا تُصدق، ومن المعيب أن يُصدِّقها أحد، إلا في الحالة اليهودية فقط، والتي ترى في اليهودي قمة القدرة والقوة، وابن شعب الله المختار، وفي العربي قمة الجبن والضعف، وربطت ذلك بانتصارات حققتها "إسرائيل" في عامي 1948 و1967، على الجيوش العربية.

نذهب الآن إلى قصة “تسبيكا” جرينجولد، الكابتن الشاب الذي نال سمة البطل، والذي انقلب ليصبح إحدى الأساطير الكبرى في تاريخ الجيش الإسرائيلي، والتي يتناولها الجيل الصغير الشاب على أنها القدوة الحسنة التي يسعى ليكون مثلها، ويحقق النصر بمفرده. بل والأبعد من ذلك أن مثل هذه الروايات، رسّخت لدى شريحة واسعة من الجيل الشاب اليهودي، بأنهم الأكثر شجاعة وقدرة وقوّة، الأمر الذي يُشعرهم بأنهم ذاهبون لنزهة خلال الحروب، قبل أن ينكشف الواقع لهم.

لا يوجد جندي إسرائيلي لا يعرف قصة "تسبيكا". في الجيش يقومون بتدريس بطولته، والصحف تعود دائمًا لقصته، ويوجد تتبع دائم له، فهو يكاد يكون صاحب البطولة الوحيد في الحرب التي قلبت موازين الدولة، وأفقدتها هيبة الردع المطلقة.

تقول القصة إن "تسبيكا" كان وحده في نفس الليلة، أي 6/10/1973، مقابل عشرات الدبابات السورية، التي كان يستطيع –وحده- تدمير غالبيتها، بينما يهرب ما تبقى منها!! هذه قصة البطولة المعروفة. لكن أمنون شارون، الذي انضم إلى "تسبيكا" في ذلك الوقت وفي تلك المنطقة، يقول: "لم تكن هناك آثار لدبابات أو قتال، ولم يكن هناك عشرات الدبابات السورية، بل لم يكن هناك حتى دبابة واحدة". لكن أمنون شارون وقع في الأسر السوري، ويبدو أن ذلك سهّل من حياكة رواية أسطورية كهذه.

بعد هذه القصة اقتيد أمنون إلى دمشق، حيث الأسر السوري، واستمر "تسبيكا" في القتال. وبعد نهاية الحرب كان الجرح عميقًا، فقد قُتل 112 من (الكتيبة 188)، وهو أمر لم تعهده القوات الإسرائيلية في الحربين السابقتين (1948، 1967)، لكن كيف بُنِيَت الأسطورة؟ 

رنان شور، والذي كان مراسلاً في ذلك الوقت، بدأ يتجول في الجولان ويبحث عن قصص وروايات لتُعرض للجمهور الإسرائيلي. في الطريق التقى مع القائد يائير نيفش، والذي كُلِّفَ بمهمة قيادة الكتيبة، فقام بتوجيه المراسل إلى الكابتن "تسبيكا"، ولم يكن ذلك صدفة، حيث من الواضح أن هناك تفسيرين للموضوع، الأول أن نيفش قد بلور القصة مع "تسبيكا"، والآخر أن "تسبيكا" قد كذب، وأراد نيفش أن يركب موجة الكذب هذه، لتضميد عمق الجراح.

يقول رنان شور: "كان لقائي مع «تسبيكا» في الشتاء، ولم يكن لدينا ما نجلس من أجله، والحقيقة أن «تسبيكا» فهمني دون أن يقصد. وجدت العديد من القصص الطبيعية التي لم تنل صفة البطولة، رغم أن أصحابها أبطال". ولكن يبدو أن المراسل لم يكن يبحث عن مثل هذه القصص، وإنما يريد قصصًا تنال بعدًا، وتأخذ صدى إعلاميًّا كبيرًا، تزيد عدد القراء، وترفع من هيبة الجيش، وقوّة المراسل.

في بداية تشرين ثاني عام 1973، نُشِرت القصة التي قلبت "تسبيكا" إلى بطل وأسطورة، وشخص يطلبه الإعلام بشكل مستمر، وعنوان بارز في الصُحف التي كتبت وعنونت: "ستون دبابة سورية دُمّرت مقابل صفر دبابة إسرائيلية".

يقول شور: "رأيت هذا العنوان، وقُلت حينها يا ويلي، ماذا لو وصلوا إلى غرفة أمنون شارون في الأسر السوري". ولسان حال شور يقول: "سنكشف الكذب دون أدنى شك".

بعد أن أُفْرِجَ عن أمنون من الأسر، استدعى فورًا "تسبيكا"، الذي شرح كيف وُلِدت القصة بالتحديد. يائير نيفش الذي أصبح نائبًا لقائد للوحدة، أراد أن تكون هناك قصص بطولية تمثّل الوحدة، وقد سمع عن وجود "تسبيكا" وحده في منطقة المعركة، وأشار إلى المراسل "شور" لكتابة القصة، وتم التوافق بينه وبين "تسبيكا" على التالي: "تسبيكا" يكتم سر البطولة واللقاء، وأمنون لا يقوم بنشر المقابلة.

لكن رغم الاتفاق يستمر "تسبيكا" بنشر القصة، ورغم رفضه عمل مقابلات، إلا أنه أكد وجود لقاء، دون الحديث عن محتواه.

يائير نيفش، وحسب ما يقول أمنون، قام بتخيل كل القصة، وفجأة أصبح مستعدًا للحديث، فقد شرح تسلسل الأحداث. يقول: "قصة «تسبيكا» غير حقيقية، لكننا قمنا بصياغتها من أجل بناء الوحدة المدمرة من جديد، وكانت هناك حاجة لقصة من أجل ذلك".

هنا على القارئ أن يدرك، كيف أن الجيش الإسرائيلي من هزيمة واحدة، انهارت معنوياته، وبدأ يبحث عن قصص خيالية، ليضمد جراحه، وليعيد لنفسه الهيبة ولو عن طريق الكذب.

عندما حاولنا أن نفهم هل حدث أي شيء من الأسطورة، قال نيفش: "لم يحدث ذلك، كان في الدبابة فقط 71 قذيفة، كيف ستدمر 60 دبابة؟".

في عام 2011، أشار "تسبيكا" إلى أنه أصاب ثلاث أو أربع دبابات، وخلال كل اليوم أصاب عشرة أهداف. اليوم وبعد 43 عامًا، كُشِفَ أن كل القصة من وحي الخيال، وأنها نُسِجت من أجل رفع المعنويات، والتغلب على الجرح الأعمق في تاريخ (الكتيبة 188)، والتي فقدت 112 مقاتلاً.

واليوم أيضًا، يُحدث كشف كذب الأسطورة خلافًا كبيرًا في الأروقة العسكرية. ففي الوقت الذي يُصرّ فيه أبيرام باركاي، المؤرخ العسكري على وجود أسطورة، ويؤكد جزءًا منها "تسبيكا" نفسه، فإن الشركاء في المعركة، لا يرون أن شيئًا من ذلك قد حدث، ويشعرون بتأنيب الضمير جرّاء الكذب طوال هذه الفترة، وتعليم الأجيال قصصًا من واقع الخيال من الصعب حدوثها.

وهكذا، يظهر الجيل الحالي عاجزًا في ظل التراجع المستمر في قوّة الردع، وعدم تحقيقهم النصر خلال الحروب الأربعة على غزة ولبنان في العقد الأخير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى