قمة القاهرة الثلاثية.. هل ينطلق مسار التسوية مجددًا؟
لقراءة وتحميل الملف اضغط هنا
في الثاني من أيلول/ سبتمبر 2021، عُقدت القمة الثلاثية، المصرية الأردنية الفلسطينية، في القاهرة، وذلك لـ “تكثيف مستوى التنسيق إزاء مستجدات القضية الفلسطينية، ولـ “إيجاد أفق سياسي حقيقي لإعادة الجهود الفاعلة لحل الصراع على أساس حل الدولتين”، حسب البيان الختامي للقمة.
تأتي هذه القمة بعد أيام قليلة من اجتماع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بوزير جيش الاحتلال الإسرائيلي بيني غانتس، وذلك في مقر الرئاسة برام الله يوم 30 آب/ أغسطس، وهو يعد أول لقاء مع مسؤول إسرائيلي كبير منذ عام 2014، وقبل أيام فقط من اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينت، في 13 أيلول/ سبتمبر في شرم الشيخ.
ربما تشير هذه الجهود واللقاءات إلى العديد من الدلالات السياسية، التي يحاول مركز رؤية للتنمية السياسية في اسطنبول، قراءتها من خلال خبراء وشخصيات تجيب على التساؤلات التالية: ما هي ظروف ودوافع انعقاد هذه القمة؟ وما هي دلالاتها؟ وهل هنالك مؤشرات على وجود ضغوط أمريكية دفعت باتجاه عقد القمة؟ أم مؤشرات على عودة الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية؟ وإلى أي مدى يُمكن أن تُشكل مخرجات هذه القمة مطالب واضحة في أي مباحثات مع الاحتلال الإسرائيلي مستقبلا؟ وهل يمكن أن تشكل منطلقا لمسار تفاوضي قادم مع “إسرائيل”؟
فيما يلي أبرز ما طرحه الخبراء:
أولا: يمكن قراءة دوافع انعقاد القمة ضمن مجموعة محددات:
- هبة القدس الأخيرة في الشيخ جراح، وتبعاتها الميدانية والسياسية، أوجدت تحديات أمام الأطراف الثلاثة، الفلسطينية والأردنية والمصرية، دفعت باتجاه ضرورة التحرك المشترك للعب دور سياسي رئيس تجاه القضية الفلسطينية.
- استئناف العلاقات الأمريكية الفلسطينية، والارتياح الفلسطيني للسياسة الأمريكية الجديدة، أعطى الأردن ومصر إشارة لتفعيل دورهما من جديد في المنطقة.
- التضامن الشعبي، العربي والإسلامي والدولي، شكل ضربة كبيرة للتطبيع، وساهم بعزل المطبعين، ودفع دولا عربية كمصر والأردن والسعودية، لإظهار مواقف أكثر وضوحا.
- نتائج المواجهة العسكرية الأخيرة في معركة “سيف القدس”، دفعت حماس لاستثمارها عبر المطالبة بدور أكبر في التمثيل السياسي والنظام الفلسطيني، مدعومة بحاضنتها الإقليمية، وبمؤشرات بعض التغيير في نظرة المجتمع الدولي حيالها، وذلك في ظل ضعف وهشاشة مؤسسات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير.
- التآكل في مكانة السلطة وحركة فتح، دون إجراء إصلاحات حقيقية، يجعلهما تجدان صعوبة بالغة في الاحتفاظ بتمثيل الشعب الفلسطيني، وبالتالي فإن إعادة تفعيل العملية السياسية، قد تشكل فرصة لإعادتها للمشهد السياسي بشكل أفضل.
ثانيا: وجود إدارة أمريكية جديدة معنية بترتيب الأوراق:
- تمارس الإدارة الأمريكية بشكل دائم ضغوطا على كل الأطراف، ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، معنية بتهدئة الأوضاع، وعدم تفاقم الصراع في المنطقة، فكان الضغط باتجاه هذا الاحتواء.
- عزز غياب رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو، رؤية إدارة بايدن تجاه المنطقة، بهدف ترتيب رؤية مشتركة لإدارة الأوضاع فيها، فالأطراف الثلاث، تُدرك عدم وجود رؤية لحل القضية الفلسطينية، وإنّما إدارة الصراع وترتيباته.
- الإدارة الأمريكية الجديدة لها أجندتها الخاصة، وقد انتخبت من أجل التغيير، وجزء من هذا التغيير لأجل فكفكة النزاعات في الشرق الأوسط.
ثالثا: تبني موقف عربي لدعم القضية الفلسطينية:
- القضية الفلسطينية ليست إنسانية بحتة، بل سياسية بامتياز، وحلها يتطلب إحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وبالتالي فهي تحتاج لموقف سياسي.
- القمة تُشكل ترجمةً للدور المصري وتفعيله، ولكن ضمن بقائه في إطار المفاوضات والهدنة، ودون الوصول لتبنٍ كامل لمتطلبات القضية الفلسطينية.
رابعا: إمكانية أن تشكل القمة انطلاقا لمسار سياسي جديد:
- القمة يمكن أن تهيئ الأجواء في المنطقة لمسار تفاوضي قادم مع “إسرائيل”، ولكن يبقى السؤال حول مدى نجاح ذلك.
- لن تشكل القمة أي ضغط على “إسرائيل”، بل إن الاتصالات واللقاءات لم يكن فيها تعهدٌ بتقديم أي شيء للفلسطينيين.
- يُمكن أن تمهد القمة لمسار تفاوضي قادم، وتفاوض غير مبني على أسس واضحة، لأن هنالك حكومة في “إسرائيل” غير قادرة ولا معنية باتخاذ قرار، وبالتالي سيكون هناك إدارة تفاوض وليس مفاوضات فعلية.
وفيما يلي مداخلات الخبراء:
د. عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية المصري السابق، القاهرة
جاءت هذه القمة في ظل العديد من الأحداث والتطورات الأخيرة، من بينها معركة سيف القدس، كما أن هناك مجموعة من المتغيرات، تتمثل في الجدل الذي ظهر مجددا بين قدرة حماس على الدخول للنظام السياسي، والتراجع في قدرة فتح، رغم أن حماس تدرك أن السلطة الفلسطينية تنفذ ما جاء في اتفاقيات أوسلو، التي لا تستطيع أن تخرج عن إطارها.
وأعتقد أن من بين الدوافع لهذه القمة، هو الرغبة المصرية الأردنية لتحريك عملية السلام، إضافة إلى عامل أساسي، هو الرغبة لدى الإدارة الأمريكية في تفعيل جهود العملية السلمية.
وباعتقادي أن هذه القمة لا تشكل تبنيا عربيا للقضية الفلسطينية، أو عودة الاهتمام بها، فهناك حالة من الترهل في السياسات العربية تحول دون ذلك.
والقمة الحالية لن تشكل أي ضغط على “إسرائيل”، لسبب رئيس هو أنها جاءت بتفاهم أمريكي وبرضى إسرائيلي، والدليل على ذلك أن رئيس حكومة الاحتلال التقى الرئيس السيسي في شرم الشيخ عقب هذه القمة، وبالتالي من الممكن أن تشكل هذه القمة محاولات لتفعيل المسار السياسي لعملية السلام ضمن حدود معينة.
دكتور نايف جراد، مدير معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي، البيرة/ رام الله
انعقاد القمة الثلاثية، المصرية الأردنية الفلسطينية، مرتبط بشكل وثيق بالأحداث التي سبقتها، وخلقت ظروفا محيطة رافقت انعقادها، والتي أوجدت تحديات أمام الأطراف الثلاثة، وأهم تلك الأحداث هي هبة القدس والحرب على غزة في أيار/ مايو الماضي، وتداعياتها، والتي حركت عواصم العالم، وخاصة واشنطن ولندن وبرلين وباريس، وجعلت واشنطن بشكل خاص، تعيد انخراطها مجددا في ملفات الشرق الأوسط، معبرة عن قلقها على أمن “إسرائيل” ومصالحها، ومصالح حلفائها في المنطقة، وأولويات إدارتها الجديدة، والتي لا يمكن توفيرها إلا عبر إعادة إحياء مبادئ السياسة الخارجية الأمريكية، ودبلوماسيتها التقليدية القائمة على رؤية حل الدولتين، والتي تعرضت لخراب بسبب سياسات ترامب، وهو ما أعاد الاعتبار للحديث عن ضرورة السعي من أجل هدنة طويلة الأمد، وحلول سياسية متوازنة للصراع، وهو ما يشير بشكل واضح إلى ازدياد الضغط الدولي على “إسرائيل”، والبحث عن آفاق لتسوية سياسية ما، أو على الأقل إعادة بث الحياة في عملية مفاوضات، ويترافق ذلك مع حكومة إسرائيلية جديدة تبنت ما يسمى بـ “تقليص الصراع” على أساس “خطة للتهدئة”، كما يترافق مع استئناف للعلاقات الأمريكية الفلسطينية، وارتياح فلسطيني للسياسة الأمريكية الجديدة، وهو ارتياح مشترك من قبل مصر والأردن أيضا؛ لأنه يعيد الاعتبار لدورهما في ضمان الأمن والسلم والاستقرار في المنطقة.
كما أن الحراك الفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي مؤخرا، شكل ضربة كبيرة للتطبيع، وساهم بعزل المطبعين، ودفع دولا عربية وازنة، كمصر والأردن والسعودية، لإظهار مواقف أكثر وضوحا تجاه السياسات الإسرائيلية، وضرورة الحل السياسي العادل للقضية الفلسطينية.
كما أن تصدر حماس المشهد في “سيف القدس” عبر المقاومة المسلحة، فسح لها امتلاك صورة النصر، الأمر الذي من شأنه إحداث خلخلة في موازين القوى في الساحة الفلسطينية، والتأسيس لمرحلة سياسية جديدة، دفعت حماس لاستثمارها عبر المطالبة بدور أكبر في التمثيل السياسي، مدعومة بحاضنتها الإقليمية (ايران وقطر وتركيا)، وبمؤشرات بعض التغيير في نظرة المجتمع الدولي حيالها، مقابل ضعف وهشاشة مؤسسات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، والحالة التي وصلت إليها بعد تأجيل الانتخابات، وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، وتفاقم الأمر بعد حادثة وفاة الناشط نزار بنات، الأمر الذي رُوج من قبل “إسرائيل” بزعم وجود مخاوف من انهيار السلطة، وما قد يحمله ذلك من انعكاسات سلبية على الأردن. كل ذلك وفر فرصة لإعادة نقاش سبل إحياء العملية السياسية، عبر استئناف العلاقات والمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع حدوث تدهور مستقبلي خطير، يعطل مساعي التسوية السياسية لاحقا.
وبشأن وجود ضغوط أمريكية لتفعيل هذا المسار، باعتقادي أن الإدارة الأمريكية تمارس ضغوطا بشكل دائم على كل الأطراف، في هذا الوقت أو غيره، وبشكل مباشر أو غير مباشر، والإدارة الأمريكية الجديدة معنية بتهدئة الأوضاع، وعدم تفاقم الصراع في المنطقة، كما أنها معنية باستئناف علاقاتها مع القيادة الفلسطينية، ومعالجة آثار سياسة إدارة ترامب، إلى جانب اهتمامها بترتيب أوراقها في المنطقة، في ظل التحديات مع الصين، وغيرها من الملفات، بهدف تركيز أولوياتها.
وباعتقادي أن الأنظمة العربية، وخاصة في الدول المحيطة بفلسطين، وتحديدا مصر والأردن، لا تستطيع إلا أن تواكب أي تطور، وتسعى لتوحيد الموقف العربي في ضوء التطورات الحاصلة، وخاصة بعد مجيء إدارة أمريكية جديدة، وتغير الحكومة الإسرائيلية. وقد أشارت كل الأحداث إلى أنه ليس من السهل القفز عن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
كما يمكن القول إن مخرجات القمة تؤكد على أن القضية الفلسطينية ليست إنسانية بحتة، بل سياسية بامتياز، وحلها يتطلب إحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ورفض الإجراءات الإسرائيلية اللاشرعية التي تقوض حل الدولتين، وأهمية الحفاظ على التهدئة على جبهة غزة، واحترام الدور المصري في هذا المجال، وفي إعمار غزة، والتخفيف من المعاناة الإنسانية فيها.
وبالتالي فإن مخرجات القمة يمكن أن تهيئ الأجواء في المنطقة لمسار تفاوضي قادم مع “إسرائيل”، ولكن يبقى السؤال حول مدى نجاح ذلك. وباعتقادي أيضا أن الطرف الإسرائيلي، بحكم طبيعة الحكومة الحالية، ومواقف رئيسها اليمينية المتطرفة، غير مهيأة للمضي قدما في هذا المجال، مما يعني أن هذا المسار سيكون بطيئا، وسيشهد تجاذبات قد تؤثر سلبا على استتبابه، مما يتطلب ممارسة ضغوط دولية على الحكومة الإسرائيلية، لا سيما من الولايات المتحدة.
د. جواد الحمد، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط، الأردن
لا شك أن القمة كانت بين ثلاثة أطراف لعملية المفاوضات واتفاقات السلام مع “إسرائيل”، وهي تؤمن بالسلام معها، وملتزمة باتفاقاتها، فأي لقاء بينهم يهدف بالتأكيد إلى تدعيم هذا الواقع.
وفي ظل طروحات إدارة بايدن غير الواضحة، واستمرار الحكومات الإسرائيلية بالاستيطان والمصادرة والتهويد، والقتل والإرهاب للشعب الفلسطيني، تحاول هذه القمة إعطاء بصيص أمل غير موجود لمسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، والضغط على الجانب الفلسطيني لتهيئة الأجواء، وتقديم تنسيقات أمنية عالية المستوى مع الاحتلال، والتخلي عن أي شروط للتفاوض.
والسلوك الأمني للسلطة الفلسطينية، وتراجعها عن المصالحة مع حركة حماس، يشيران إلى نتائج أولية لاتفاقات القمة، لذلك لن تشكل القمة أي ضغط على “إسرائيل”، لا بعقد المفاوضات، ولا حتى لتهيئة أجواء المفاوضات.
ولذلك لا يمكن التعويل فلسطينيا على هذه القمة ونتائجها لتحقيق أي أهداف حقيقية، حتى عبر التفاوض.
د. عماد البشتاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخليل
هناك متغيران لهما علاقة بعقد القمة الثلاثية، يتعلق المتغير الأول بأفول نتنياهو، ويتعلق الثاني بوجود إدارة أمريكية جديدة، ذات رؤية جديدة تجاه المنطقة. والأطراف الثلاثة المجتمعة، مصر والأردن وفلسطين، تُدرك جيدا عدم وجود رؤية قاطعة لحل القضية الفلسطينية جذريا، وإنّما يتعلق الموضوع بإدارة الصراع وترتيباته.
وباعتقادي أن الأمريكان لهم أجنداتهم الخاصة، وقد انتخبت الإدارة الجديدة من أجل تغيير السياسة الأمريكية عن سابق عهدها في إدارة ترامب، ومن مؤشرات هذا التغيير فكفكة النزاعات، ولذلك هناك بلا شك ضغوط أمريكية لعقد مثل هذه القمة. وبنفس الوقت، أمن “إسرائيل” مقدس بالنسبة لأمريكا بإداراتها المختلفة، ومطلوب في هذه الفترة تهدئة الساحة الفلسطينية، وتقليص الصراع وليس التصعيد.
وباعتقادي أيضا أن الدول العربية اليوم لها مشاغلها ومشاكلها بعيدا عن القضية الفلسطينية، فالأردن ومصر معنيان بالقضية الفلسطينية فقط بسبب القرب الجغرافي، ولكن بشكل عام هنالك تراجع بالاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية.
يُمكن أن تمهد هذه القمة لمسار تفاوضي قادم، وتفاوض غير مبني على أسس واضحة، لأن هنالك حكومة في “إسرائيل” غير قادرة ولا معنية باتخاذ قرار، وإنما يتعلق الموضوع بإدارة الوقت فقط.
د. حسام الدجني، أستاذ العلوم السياسة، غزة
أعتقد أن انعقاد القمة الثلاثية في ظل مجموعة من الأحداث السياسية، وبعد لقاء غانتس عباس، وتراجع شعبية السلطة الفلسطينية، والخطاب المرتقب للرئيس في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يأتي في ظل ترتيبات أمريكية في المنطقة من خلال عملية سياسية، وبرؤية أمريكية جديدة، أهمها تراجع الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط.
والمؤشرات تدل على أن هنالك ضغوطا أمريكية تمارس لوضع ترتيبات جديدة، فما يجري من مصالحة تركية أمريكية خليجية، لا يُمكن فصله عن التوجهات الأمريكية لعقد القمة، وخاصة بعد انسحابها من أفغانستان.
وانعقاد القمة الثلاثية يُشكل ترجمةً للدور المصري وتفعيله، ولكن ضمن بقائه في إطار المفاوضات والهدنة. وباعتقادي أن هذه القمة من الممكن أن تشكل بداية لإطلاق مفاوضات وعملية سلام سياسية.