قرار إجراء الانتخابات المحلية الفلسطينية 2021.. قراءة في المسار والدوافع
لقراءة وتحميل الملف اضغط هنا
أعلنت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية في 14 أيلول/ سبتمبر 2021، عن تسلمها رسميا قرار مجلس الوزراء، الذي حدد يوم 11 كانون أول/ ديسمبر المقبل، موعدا لعقد المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية، والتي تشمل المجالس البلدية والقروية المصنفة “ج” في الضفة الغربية وقطاع غزة، والبالغ عددها 387 هيئة محلية.
يأتي إعلان إجراء الانتخابات المحلية بمرحلة أولى، ودون تحديد موعد إجراء باقي المراحل، بعد قرار كان قد اتخذه الرئيس في نيسان/ إبريل 2021 بإلغاء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وكذلك بعد قرار مشابه بإلغاء الانتخابات المحلية، التي كان مقررا عقدها في أيلول/ سبتمبر 2021.
دوافع إجراء الانتخابات المحلية، والعوامل التي جعلت الحكومة تذهب في هذا الاتجاه قبل نهاية العام الجاري، ودلالات تجزئة هذه الانتخابات على مراحل، والبدْء بالمجالس المحلية المصنفة “ج”، وضمانات استكمال باقي المراحل، وإمكانية مشاركة حماس والقوى الأخرى فيها، هي محاور تثير تساؤلات كثيرة، دفعت مركز رؤية للتنمية السياسية في اسطنبول، لإشراك شريحة من النخبة السياسية والأكاديمية والمجتمعية، لتقديم قراءة أكثر عمقا وبعدة أبعاد. [1]
العوامل والدوافع
هناك مجموعة من العوامل يمكن أن تكون دفعت الحكومة لاتخاذ قرار بإجراء الانتخابات المحلية بمرحلتها الأولى، وبعد إلغاء الانتخابات التشريعية السابقة، وأبرز هذه العوامل:
- تراجع الرضى الشعبي عن أداء السلطة الفلسطينية بسبب مجموعة من الأحداث الأخيرة المتمثلة في قمع الحريات، دفعت باتجاه محاولة امتصاص حالة الاحتقان، وتفريغ الاهتمام الشعبي، وذلك من خلال إجراء هذه المرحلة من الانتخابات المحلية.
- انتهاء ولاية المجالس البلدية والقروية، وبالتالي فإن إجراء الانتخابات، علاوة على كونه استحقاقا دستوريا، هو محاولة للخروج من دائرة الروتين والركود الذي تعيشه هذه المجالس.
- امتصاص ضغط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول المانحة، وتوجيه رسالة لها بأن السلطة الفلسطينية حريصة على تمكين الشعب من ممارسة الحياة الديموقراطية، واختيار ممثليه في هذه المجالس، خاصة وأن هناك مطالبات من هذه الجهات بإجراء انتخابات، وتجديد شرعية كل مؤسسات السلطة. ويبدو أن الرسالة الأهم موجهة للاتحاد الأوروبي الممول الرئيس للمشاريع المنفذة من قبل المجالس المحلية.
- الضغط الشعبي ومطالبات مؤسسات المجتمع المدني لإجراء تلك الانتخابات المحلية، كاستحقاق شعبي وقانوني وسياسي وإداري، والدفع نحو عملية التداول السلمي، كحل للخروج من الأزمة السياسية الحاصلة في الواقع الفلسطيني.
- تراجع ثقة الشعب بالحكومة وحركة فتح بفعل التهرب من مخرجات الحوار الوطني، وإلغاء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، وكذلك قضية مقتل الناشط نزار بنات، كل ذلك عزز من مفهوم “البوليسية والدكتاتورية”، وبالتالي فإن قرار إجراء الانتخابات المحلية هو محاولة لتغيير الصورة السلبية التي تشكلت في أذهان الناس.
- ضعف المجالس البلدية والقروية التي انتخبت عام 2017، وذلك لأن الهدف حينها كان هو الذهاب ضمن ائتلافات أو تحالفات لمنع فوز حركة حماس من جهة، أو لشدة التجاذبات السياسية التي رافقتها من جهة أخرى، مما أدى إلى ضعف هذه المجالس، وبروز الدور العائلي، الذي ساهم في تشظي المجتمع، وزيادة التنافس على المصالح الخاصة، لذلك هناك ضغوط لتغيير هذا النمط، وإعادة انتخاب مجالس قادرة على تقديم الخدمات للمواطنين.
- استحقاق الانتخابات المحلية هو استحقاق إداري وقانوني واجتماعي، وبقيت الحكومة ملتزمة بتنفيذه حتى في ظل حالة الانقسام، رغم تأخير إجرائها أحيانا، أو تغيير مواعيدها أحيانا أخرى، لكنها مضطرة من الناحيتين الإدارية والقانونية لإجرائها.
- لا تستطيع الحكومة تأجيل الانتخابات المحلية إلى ما لا نهاية، خاصة أن البلديات مرتبطة بتناقضات اجتماعية في المدن والقرى، وبالمنافسة بين العائلات ومراكز القوى، وهي بحاجة إلى إعادة توزيع هذه المراكز كل فترة.
- إلغاء الانتخابات التشريعية أظهر حاجة حركة فتح إلى إجراء الانتخابات المحلية، حيث إن جولة الترشيح للانتخابات التشريعية كان لها أثر سلبي داخل الحركة، وبالتالي فإن الانتخابات المحلية تساعد في إعادة توزيع المواقع، وإرضاء العديد من الكوادر ومراكز القوى الفتحاوية.
دلالات تجزئة الانتخابات على مراحل
وفقا لقرار الحكومة، فإن الانتخابات في المرحلة الأولى ستعقد للبلديات والمجالس القروية المصنفة “ج” وفقا لقانون الانتخابات، لذا يرى الخبراء أن هذا الاختيار يعكس العديد من الدلالات، وهي:
- التوجه العام في هذه المناطق، وهي مناطق ريفية في الغالب، هو توجه عائلي، ولا وزن فيه للأحزاب السياسية، حتى أن المرشحين المحسوبين على تنظيمات سياسية، يشاركون غالبا ضمن المعادلات العائلية، لذا سيكون من السهل تحميل النتائج لتركيبة العائلات في هذه المناطق، وعدم تفسيرها على أساس منطلقات حزبية.
- لا تريد الحكومة وحركة فتح المخاطرة بنتائج انتخابات البلديات في المدن الكبرى، لذا جعلتها في مرحلة لاحقة، على أن تعطي نتائج المرحلة الأولى قراءة أولية حول نتائج الانتخابات في باقي المناطق إن حصلت.
- محاولة حركة فتح إعطاء انطباع بأنها لها شعبية كبيرة، فالمرحلة الأولى من الانتخابات تشكل نحو 91% من العدد الكلي للهيئات المحلية، وهذه فرصة لفتح في الفوز بمقاعد للمحسوبين عليها ضمن القوائم العائلية، وحسمها نصرا معنويا لها.
- خاصة وأن معظم هذه المجالس تفوز بالتزكية، لعدم وجود منافسة؛ بسبب قدرة فتح على فرض شكل القوائم من خلال الضغط على العشائر، أو على المنافسين فيها، بالترغيب أو الترهيب، لذا فإن فتح تحاول استعادة جزء من شعبيتها التي فقدتها لأسباب متعددة، والدخول للمرحلة الثانية والثالثة بمظهر المنتصر.
- أثبتت نتائج الانتخابات المحلية السابقة في المدن الكبرى، أن الكفة فيها كانت لصالح حماس، أو تحالفات المستقلين، وهذا ما تحاول فتح تجنبه في هذا الوقت بالذات، خاصة بعد ما حصل في انتخابات نقابة المهندسين، وفقدانها منصب النقيب، لأن مزاج الشارع يتجه نحو اختيار شخصيات غير فتحاوية تمثله في الهيئات.
- كما أن الصوت الانتخابي في هذه المناطق يتأثر بالتوجهات السياسية من ناحية، وبتقديم الخدمات ومشاريع التنمية من ناحية ثانية، وهي جوانب فشلت فيها الحكومة وفتح فشلا ذريعا، لذا جاءت فكرة التأجيل أيضا.
- قد تكون هناك دلالات سياسية وسيادية، حيث إن إجراء الانتخابات في الهيئات المحلية المصنفة (ج)، والتي يتعرض كثير منها لهجمات استيطانية، هو أحد مظاهر ممارسة السيادة، وإن كانت رمزية.
- نتائج انتخابات البلديات الكبرى، خاصة المدن، تحمل دلالات سياسية بارزة، تستشعر كل من حماس وفتح خطرها وأهميتها في آنٍ معا، وعليه فإن التعويل سيكون على انتخابات البلديات الكبرى، حيث سيتم ضخ الأموال والجهود والدعاية الأكبر فيها، بينما انتخابات الهيئات الصغرى ليست أكثر من اختبار صغير للجهود التنظيمية واللوجستية “إن لزمت”.
العوامل المحددة لاستمرارية المسار
تشير آراء الخبراء إلى أن هناك مجموعة عوامل قد يكون لها تأثير في استمرار الحكومة بتنفيذ باقي مراحل الانتخابات المحلية في الفئتين (أ) و(ب)، وهذه العوامل هي:
- سيكون لنتائج المرحلة الأولى تأثيرا على قرار استكمال المراحل الأخرى أو عدمه، فإذا كانت النتائج بعكس ما تريده حركة فتح، فإنها قد تتذرع بالوباء والوضع الصحي، أو عدم الجهوزية، أو غيرها من الذرائع، لإلغاء ما تبقى من مراحل، أو تأجيلها، بحثا عن وقت يكون مناسبا لها أكثر.
- المصالح الخاصة بالأطراف المتنفذة ستكون من المحددات الهامة لاستمرار المسار، وليس الإيمان بالمسار الديمقراطي، لذلك فإن أي نتائج تثبت هزيمة هذه الفئة، سيكون مؤشرا للبحث عن حجج لإلغائها.
- انتظار قرار حماس بالمشاركة، هو أيضا عامل مهم لاستمرار العملية الانتخابية، أو إلغائها.
- من المتوقع أن تجري الانتخابات المحلية في وقتها؛ لأن حركة فتح تريد تنفيس الشارع الفلسطيني بعد تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية، ودراسة مدى شعبيتها في الشارع.
محددات مشاركة حماس وباقي الفصائل
يربط الخبراء مشاركة حماس وباقي الفصائل في الانتخابات المحلية بمرحلتها الأولى، بعدد من المحددات، هي:
- لدى حماس وباقي الفصائل باستثناء فتح، تحفظات على قانون انتخاب الهيئات المحلية، الذي صدر بمرسوم رئاسي ولم تتم المصادقة عليه من قبل المجلس التشريعي، ولديها كذلك تحفظات بشأن تشكيل محكمة الانتخابات في غزة.
- ترى حماس وباقي الفصائل ضرورة إجراء هذه الانتخابات في ظل توافق وطني، وأن لا تتفرد السلطة بقرار إجرائها أو تعطيلها.
- قد تقرر حماس المشاركة فقط في المدن الكبرى بشكل غير مباشر، ودون الإعلان عن المشاركة، لأن مثل هذا الإعلان سيجبرها على إجراء الانتخابات المحلية في قطاع غزة، وهذا ما لا تريده في الوقت الحالي قبل تحقيق المصالحة.
- كما في السابق، ستعطل حماس الانتخابات المحلية في غزه. أما في الضفة الغربية فستشارك في المرحلة الأولى ضمن تحالفات عائلية، ولن تشارك في قائمه حزبية لعدة أسباب، منها قناعتها أن المرحلة الأولى تعتمد على البعد العائلي والعشائري.
- في المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية، قد تلجأ حماس للمشاركة غير المباشرة وغير المعلنة، أي من خلال شخصيات مستقلة، أو عائلية، أو من ذوي الكفاءات؛ لمنع ملاحقتهم أو اعتقالهم. أو قد تشارك حماس ضمن قاعدة وطنية شعبية، تعبر عن تيار شعبي مؤمن بنهج المقاومة ورافض لنهج التسوية، ويضم شخصيات تتميز بالكفاءة والفاعلية والمهنية.
- كما تخشى فتح من انتخابات البلديات في الضفة، فإن حماس أيضا تخشى من انتخابات البلديات في غزة، وبالتالي قد لا تعلن حماس عن مشاركتها بالانتخابات المحلية؛ حتى لا يكون هناك ضغط عليها للقبول بإجراء الانتخابات بغزة.
- هذه المرة، قد تكون هناك مشاركة أكبر للفصائل والقوى الشعبية والجماهيرية والمستقلين في الانتخابات المحلية، لا سيما بعد إلغاء الانتخابات التشريعية السابقة، وحالة القمع والتهميش التي يتعرضون لها من قبل السلطة والحكومة.
- تفرد الحكومة في إقرار الانتخابات أو إلغائها، قد يولد الشك لدى حماس وباقي الفصائل، حول جدية المسيرة الديمقراطية، وبالتالي قد يدفعها لعدم المشاركة.
- تعتمد مشاركة الفصائل في الانتخابات على المناخ العام، من حيث الحريات وسير العملية الانتخابية بشكل ديموقراطي، والسماح بالدعاية الانتخابية بحرية.
- فصائل اليسار لم تقاطع الانتخابات المحلية طوال الفترة الماضية، وبالتالي من المتوقع أن تشارك بشكل مباشر في المناطق التي تستطيع المشاركة فيها، وستدفع بقوتها للمشاركة في بعض المناطق وليس جميعها، خاصة أن قدراتها محدودة.
- ارتفعت أسهم حركة حماس في الشارع الفلسطيني بعد الحرب الأخيرة على غزة، أما بقية الفصائل فإن حجم ما يتوقعونه من فوز أو خسارة، هو ما يحدد مشاركتهم أو امتناعهم عن خوض أي انتخابات، سواء كانت تشريعية أم محلية.
شكل التحالفات المتوقعة
يتوقع الخبراء أن تكون المشاركة في الانتخابات المحلية المقبلة ضمن عدة أشكال، هي:
- لم تبرز حتى اللحظة أي بادرة لقوائم تحمل برامج سياسية ذات طابع منافس، وحتى المحاولات الخاصة للقوائم المستقلة باتت غير مشجعة أو مثمرة.
- السيناريو الأبرز سيكون من خلال تشكيل قوائم فتحاوية بغطاء عشائري تفوز بالتزكية.
- ستسعى فتح لمحاولة تحييد أي خيارات أخرى لتشكيل قوائم عشائرية مستقلة.
- ستعجز حركة فتح عن خلق ائتلاف وطني موسع نتيجة الصراع الداخلي الذي تشهده الحركة، والذي يحول دون تحقيق تحالف قوي، كما سترفض بعض الفصائل التحالف معها كالجبهة الشعبية والمبادرة.
- لن يتحالف حزب الشعب مع حركة فتح، وإنما سيقوم بتشكيل قائمة مع آخرين كما فعل في الانتخابات التشريعية، كذلك لن تقوم جبهة النضال بمشاركة فتح بعد إخراج كوادرها من قائمة مرشحي فتح للانتخابات التشريعية التي تأجلت.
- ستشارك حماس بطريقة غير مباشرة، إما من خلال كوادرها غير المعروفين بانتمائهم، أو من خلال مستقلين، أو ائتلاف مع الجبهة الشعبية كما حصل في انتخابات نقابة المهندسين.
- تيار القيادي المفصول محمد دحلان لن يشارك بشكل مباشر في الانتخابات المحلية، لكن سيشارك بشكل غير مباشر، خوفا من الاعتقالات كالتي حدثت بعد إلغاء الانتخابات التشريعية، أو سيدعم كفاءات كما يراه مناسبا.
- إذا شعر الشارع الفلسطيني أن اختيار القوائم جاء على أسس حزبية دون كفاءات، فقد يؤدي ذلك إلى ضعف المشاركة الشعبية في انتخابات المجالس المحلية.
- قد يختلف شكل التحالفات من موقع إلى آخر، خاصة أن العوامل الاجتماعية قد تكون اللاعب الأساسي في تشكيل التحالفات في القرى الصغيرة، وفي المناطق التي تتمتع فيها العشائرية بحضور قوي.
- من غير المستبعد أن تشكل قوائم ائتلافية بين الفصائل، كما حصل في انتخابات نقابة المهندسين.
[1] يتقدم مركز رؤية للتنمية السياسية من السادة الخبراء والنخبة السياسية والأكاديمية والمجتمعية المشاركة في إبداء رأيهم بما تضمنه هذا التقدير من محاور، ويخص بالذكر كلا من:
د. مكرم عباس، عضو بلدية نابلس سابقا، ومرشحة للانتخابات التشريعية، نابلس
أ. فازع صوافطة، قيادي في حركة حماس، طوباس
د. إسلام بياري، أستاذ القانون في جامعة الاستقلال، أريحا
أ. أكرم النتشه، إعلامي ومرشح سابق لبلدية الخليل
أ. بشار رواجبه، باحث في التنمية السياسية، نابلس
أ. تمارا حداد، عضو مجلس بلدية البيرة، ومرشحه ضمن قائمة المستقلين للمجلس التشريعي، رام الله والبيرة
د. تيسير فتوح، الأمين العام لحركة عدالة، ومرشح للانتخابات التشريعية السابقة، نابلس
أ. سائد أبو البهاء، قيادي بحركة حماس، رام الله
أ. سامر عنبتاوي، عضو القيادة السياسية لحركة المبادرة الوطنية ومرشحها للمجلس التشريعي سابقا، نابلس
أ. صامد صنوبر، ناشط سياسي ومجتمعي وفي حراك المعلمين، مرشح للانتخابات التشريعية عن الحراكيين، نابلس
أ. عبد الرحمن زيدان، عضو المجلس التشريعي السابق، ووزير الأشغال العامة والإسكان سابقا، طولكرم
أ. مجد عطاونة، باحثة في الشأن السياسي وناشطة شبابية.
د. مروان الأقرع، عضو مجلس قروي قبلان، ومدير مركز التاريخ الفلسطيني، نابلس
أ. مناضل حنني، عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي، نابلس